أجرى ناصر بوريطة، أول أمس الثلاثاء بواشنطن، محادثات مع مايك والتز، مستشار الأمن القومي للرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، وقد تمحورت المحادثات حول الشراكة الاستراتيجية متعددة الأبعاد بين المغرب والولايات المتحدة الأمريكية، وحول القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك.
من جانب آخر، جددت الولايات المتحدة اعترافها بسيادة المغرب على الصحراء المغربية، وذلك خلال اللقاء الذي جمع بواشنطن، بين ماركو روبيو، وزير الخارجية الأمريكي، ونظيره المغربي ناصر بوريطة، وقد جدد وزير الخارجية الأمريكي تأكيده أن بلاده تعترف بالسيادة المغربية على الصحراء، وأنها «تدعم مقترح الحكم الذاتي المغربي الجاد والموثوق والواقعي، باعتباره الأساس الوحيد لحل عادل ودائم للنزاع».
وفي ولايتها الأولى كانت إدارة ترامب أعلنت في العاشر من دجنبر 2020 عن خطوة مماثلة، بالتوازي مع إعلان المغرب تطبيع العلاقات مع إسرائيل.
وقال بيان صادر عن الخارجية الأمريكية، بعد المباحثات التي جمعت روبيو مع بوريطة، إن الولايات المتحدة «ما زالت تعتقد أن الحكم الذاتي الحقيقي في ظل السيادة المغربية، هو الحل الوحيد الممكن». وشدد روبيو على حث الرئيس دونالد ترامب للأطراف على «الانخراط في مناقشات دون تأخير باستخدام مقترح الحكم الذاتي المغربي، كإطار وحيد للتفاوض على حل مقبول للطرفين».
وفي أول زيارة رسمية له منذ تنصيب الإدارة الأمريكية الجديدة، حلّ وزير الشؤون الخارجية ناصر بوريطة بالعاصمة الأمريكية واشنطن، بدعوة من وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، في خطوة تعكس عمق ومتانة العلاقات الاستراتيجية بين الرباط وواشنطن.
وتأتي هذه الزيارة بعد الاتصال الهاتفي الذي جمع الطرفين في 27 يناير الماضي، وتُعد أول زيارة لوزير خارجية من منطقة المغرب العربي بدعوة من إدارة ترامب الجديدة، ما يُبرز المكانة الخاصة التي يحظى بها المغرب في أجندة السياسة الخارجية الأمريكية.
ويأتي هذا التحرك الدبلوماسي في سياق إقليمي ودولي دقيق، يتسم بتقلبات في التحالفات التقليدية وتصاعد النزاعات. كما تتزامن الزيارة مع اقتراب موعد عرض تقرير الأمين العام للأمم المتحدة أمام مجلس الأمن بشأن ملف الصحراء المغربية، في 14 أبريل الجاري، ومع تحركات جزائرية لافتة نحو واشنطن في مجالات الدفاع والطاقة والفلاحة، في محاولة لإعادة التموضع إقليمياً.
وبحسب مصادر دبلوماسية، تهدف زيارة بوريطة إلى تعزيز الشراكة التاريخية بين الرباط وواشنطن، وتثبيت الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على صحرائه، الذي تم الإعلان عنه في 10 دجنبر 2020، وهي خطوة وُصفت بالتاريخية، وأرست أرضية صلبة للتقارب الاستراتيجي بين البلدين.
ويرى مراقبون أن الزيارة تندرج كذلك في إطار تكريس ريادة المغرب كقوة استقرار في المنطقة، بفضل رؤية وقيادة جلالة الملك محمد السادس، في وقت تعاني فيه دول الجوار من أزمات مزمنة وتقلبات سياسية حادة.
ويُذكر أن المغرب يُعد الحليف الرئيسي للولايات المتحدة من خارج حلف "الناتو" منذ عام 2004، كما أنه أكبر زبون إفريقي للمعدات العسكرية الأمريكية. وتُعقد فوق أراضيه سنوياً مناورات "الأسد الإفريقي"، وهي أكبر مناورات عسكرية أمريكية في القارة، بمشاركة أكثر من 20 دولة وحلف الناتو.
اقتصادياً، تعتبر الولايات المتحدة ثالث شريك تجاري للمغرب، إذ ارتفعت قيمة المبادلات التجارية بين البلدين إلى 73 مليار درهم (7.2 مليار دولار) سنة 2023، بعدما كانت لا تتجاوز 11.7 مليار درهم سنة 2006، تاريخ دخول اتفاقية التبادل الحر بين الجانبين حيز التنفيذ، علماً أن المغرب هو الدولة الإفريقية الوحيدة التي تربطه اتفاقية مماثلة بواشنطن.
وفي سياق الأزمات الإقليمية والدولية، يشكل المغرب فاعلاً أساسياً في جهود السلام والوساطة، ما يعزز صورته كحليف موثوق به لدى الولايات المتحدة، ويمنحه موقعاً متميزاً في معادلة الاستقرار والتنمية في منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط.
مؤطر
ماذا تنتظر الجزائر لكي تسحب سفيرها من واشنطن؟
علّقت وزارة الشؤون الخارجية الجزائرية على الموقف الأخير للولايات المتحدة الأمريكية الذي جددت من خلاله دعمها لمغربية الصحراء، باعتبار مخطط الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية حلا جديا وذا مصداقية، مؤكدة على ضرورة استئناف المفاوضات دون تأخير.
وفي بيان رسمي، أعربت الخارجية الجزائرية عن «أسفها لتأكيد هذا الموقف من طرف عضو دائم في مجلس الأمن»، معتبرة أن الولايات المتحدة، بوصفها قوة كبرى، كان يُفترض أن تحرص على احترام القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة المتعلقة بنزاع الصحراء.
ورغم لهجة البيان التي جاءت أقل حدة مقارنة مع مواقف الجزائر السابقة تجاه دول أوروبية كفرنسا وإسبانيا، أعادت الخارجية الجزائرية التأكيد على موقفها التقليدي من الملف.
ويأتي هذا الرد الجزائري بعد تأكيد واشنطن، عبر كتابة الدولة، على التزامها بالموقف الذي سبق أن أعلنه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سنة 2020، والقاضي بالاعتراف بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، وهو الموقف الذي تم تثبيته في مواقف رسمية لاحقة في عهد الإدارة الحالية.