قرر نائب الوكيل العام للملك المكلف بجرائم الأموال لدى محكمة الاستئناف بفاس، أول أمس الاثنين، متابعة 20 شخصا في ملف تزوير تصاميم البناء، وأحالهم على قاضي التحقيق بالغرفة الأولى المكلفة بجرائم الأموال بنفس المحكمة، والذي استمع إليهم في إطار التحقيق الإعدادي، وقرر متابعتهم في حالة سراح مؤقت، مقابل كفالة مالية تتراوح ما بين 5 آلاف درهم و10 ملايين سنتيم، وقرر عقد جلسة أخرى للتحقيق التفصيلي يوم 11 شتنبر المقبل.
وقضى المتهمون في هذا الملف اليوم بكامله داخل محكمة الاستئناف، بينهم نائبا عمدة فاس السابق، حميد شباط، المكلفان بالتعمير، وهما "ب.ر" و"ح.ش"، بالإضافة إلى منعشين عقاريين الذين استعملوا تصاميم مزورة، وكذلك مهندسين معماريين، وثلاثة موظفين بالوكالة الحضرية. كما مثل أمام الوكيل العام وقاضي التحقيق موظفون بجماعة فاس لهم علاقة بقطاع التعمير في الولاية الجماعية السابقة والولاية الحالية برئاسة إدريس الأزمي الإدريسي، ويتعلق الأمر بكل من "م.ز" موظف متقاعد مسؤول بالقسم التقني سابقا، و"م.ب" مسؤول كبير بقسم التعمير حاليا، ومن نفس القسم، تم الاستماع لكل من "ي.ش" و"ف.ه" لكونهما من الموقعين على وثيقة التسليم المؤقت لتجزئة "السلام" المتواجدة بطريق صفرو وهي في ملكية الجماعة دون أن تستوفي هذه التجزئة كافة الأشغال.
وأكدت مصادر مطلعة أن تحريك هذا الملف جاء بتعليمات صارمة من رئيس النيابة العامة، محمد عبد النباوي، وتمت إحالة الملف على غرفة جرائم الأموال، وتكليف الفرقة الجهوية للشرطة القضائية بالبحث في الموضوع. ولم تستبعد المصادر استدعاء شباط المتواجد خارج المغرب، من أجل الاستماع إليه في هذا الملف، الذي من المنتظر أن يطيح برؤوس كبيرة اغتنت بشكل فاحش من قطاع التعمير طيلة 15 سنة، كما طالب المنعش الذي فجر الفضيحة، في شكاية يتوفر "موقع "تيلي ماروك" على نسخة منها، بالاستماع إلى عمدة المدينة، والقيادي بحزب العدالة والتنمية، إدريس الأزمي الإدريسي، لكونه يعتبر شاهد ارتكاز في هذا الملف، لما أقدم عليه من تدابير في التعامل مع هذه القضية، وتصريحه بتوفره على معلومات تخص تزوير تصاميم البناء.
وتتساءل بعض الأوساط الحقوقية المتتبعة لهذا الملف باندهاش عن عدم استدعاء كل من العمدة السابق حميد شباط وكذا العمدة الحالي إدريس الأزمي، لكون الأول المسؤول عن تدبير شؤون الجماعة ومسؤول عن نوابه المفوض لهم الاختصاصات كما تنص على ذلك المادة 103 من القانون التنظيمي المتعلق بالجماعات، وطبقا لدورية وزير الداخلية، والاجتهاد القضائي، الذي يعتبر الرئيس مسؤولا إداريا عن كل ما يعتمل داخل الجماعة، كما أن العمدة الحالي قام بإجراء ترقيعي خاص بتسوية وضعية التصاميم المخالفة للتعمير ضدا على القانون، كما قام باستخلاص رسوم من المخالفين أدرجها في باب مداخيل ميزانية الجماعة.
وكان العمدة الأزمي قد أقر بوجود تصاميم مزورة، وأمر بتوقيف حوالي 2500 ترخيص للبناء، وكانت هذه التصاميم معروفة وسط المنعشين العقاريين وكبار المجزئيين (أصحاب التجزئات) بـ"بلانات الشينوا"، وهي تصاميم "مزورة" يتم تعديلها وتكون مخالفة للتصاميم الأولى الأصلية المصادق عليها، ويتم الحصول عليها بعد عملية البناء التي تكون مخالفة للتصاميم الأصلية، من أجل استعمالها في استكمال إجراءات التحفيظ داخل المحافظة العقارية. والخطير في الأمر أنها تحمل نفس التواريخ والبيانات التي تخص التصاميم الأصلية، لكن بعد الحصول على الترخيص، وفق التصميم الأصلي، يشرع المنعش في بناء المشروع، لكنه يدخل تعديلات وتغييرات مخالفة للتصميم المرخص به، إما بإضافة طوابق أو شقق أو تغيير المساحات، أو تحويل طوابق تحت أرضية من مرائب إلى شقق سكنية، وإحداث تغييرات في الواجهة.
ورغم إقراره بانتشار هذه الظاهرة بمدينة فاس في عهد سلفه حميد شباط، وعوض إحالة هذه التصاميم على القضاء من أجل فتح تحقيق بشأنها، لأن الأمر يتعلق بتزوير والتلاعب في وثائق إدارية رسمية تخص مباني تشكل خطورة على حياة قاطنيها، قام الأزمي، ولأسباب سياسية وانتخابية، بنشر إعلان طالب من خلاله أصحاب التصاميم التي اكتشف أنها مزورة، بتقديم طلبات الحصول على تسوية الوضعية القانونية للبنايات المشيدة، والتي طالتها مخالفات للتصاميم المرخصة بغرض تمكين المخالفين من الحصول على الرسوم العقارية لهذه البنايات، وذلك في مخالفة لقانون التعمير رقم 12.90، الذي لا ينص على التسوية، كما أن الأزمي استند على القانون التنظيمي المتعلق بالجماعات، واتخذ مقررا جماعيا في دورة مجلس المدينة المنعقدة في شهر فبراير 2016، حيث أصدر الأزمي مذكرة تحمل رقم 1796 بتاريخ 17 فبراير 2016، تنص على تسوية وضعية التصاميم المزورة، بعدما أصدرت نفس الجماعة سابقا، مذكرة رقم 790 بتاريخ 20 أكتوبر 2015، مباشرة بعد تنصيب المجلس، موجهة مصالح المحافظة العقارية والوكالة المستقلة لتوزيع الماء والكهرباء بفاس وطلبت منهم رفض التصاميم المعمارية غير القابلة للتغيير.