مع اقتراب ساعة الحسم في قضية المخدرات الشهيرة، التي يتابع فيها أكثر من 30 دركيا في حالة اعتقال بينهم خمسة كولونيلات، تفجرت بغرفة الجنايات الابتدائية بقسم جرائم الأموال بمحكمة الاستئناف بالرباط، مساء أول أمس الاثنين، تطورات في غاية الإثارة، بعدما شرع بارون يقضي عقوبة سجنية مدتها عشر سنوات، ويتابع في ملفين مرتبطين بالتهريب الدولي للمخدرات، في توجيه اتهامات بالغة الخطورة لمسؤولين كبار في جهاز الدرك الملكي تتعلق بالتخابر لصالح شبكات الاتجار الدولي في المخدرات وبارونات كبار جرى اعتقالهم في وقت سابق وإدانتهم بعقوبات سجنية تتراوح بين ست سنوات و12 سنة.
وأكد المتهم، الذي حبس أنفاس الجميع، وخصوصا الكولونيلات الخمسة المتابعين في الملف وأقربائهم الذين تابعوا أطوار الجلسة بقاعة المحكمة، (أكد) أنه حضر جلسات تفاوضية حول ما أسماه "صفقات" بين البارونات وكولونيلات في الدرك لتهريب شحنات ضخمة من المخدرات التي كان يتكلف بنقلها هو شخصيا عبر شاحنة كبيرة ذات مقطورة قام بشرائها في 2011 بمبلغ فاق 128 مليون سنتيم.
وكشف المتهم، في تصريح مدو، أنه تكلف لوحده بنقل وتهريب ما يناهز 423 طنا إلى الخارج انطلاقا من أكادير والداخلة والشمال، مضيفا أنه كان يتسلم عمولات مالية لا تتعدى 8 ملايين سنتيم من بارون كان يرافقه في بعض الرحلات نحو إسبانيا.
وأكد المتهم، الذي اضطر في أكثر من مرة إلى الرجوع إلى ورقة كان يضعها في جيبه من أجل الرد على أسئلة الهيئة القضائية، خاصة المتعلقة بعدد السفريات وحمولة الشحنات التي نقلها إلى أوروبا وتواريخ تهريبها، (أكد) أن تعمد تدوين تصريحاته قبل حلوله بالمحكمة بمساعدة سجين.
هذا ووزع المتهم السوسي اتهامات بالجملة على الضباط الكبار المتابعين في الملف، تتعلق بالارتشاء والمشاركة في تهريب المخدرات، قبل أن يحاصره رئيس الهيئة القاضي كشتيل بتناقضات صارخة تضمنتها تصريحاته التي أدلى بها، حيث عجز المتهم عن تبريرها، خاصة بعد دخول هيئة الدفاع على الخط من خلال أسئلة محرجة كشفت مجانبته للصواب في العديد من الاعترافات التي بدت للجميع أنها كيدية وانتقامية.
وتمكن رئيس الجلسة من توريط المتهم في تضارب مفضوح في شهادته بعدما طلب منه تحديد هوية بعض الكولونيلات الحاضرين في القاعة حيث عجز عن التعرف عليهم ونفى وجودهم بالقاعة، ما قد يسقط كل التهم التي نسبها إليهم بخصوص تصريحه أنه اجتمع بهم في جلسات متكررة بضيعة بارون ومحطات الاستراحة بالطريق السيار نواحي أكادير، من أجل ترتيب تفاصيل عمليات التهريب الدولي للمخدرات وتسلم العمولات.
وفي سؤال عن أسباب تأخره في فضح العلاقات المشبوهة والصفقات التي كان يحضرها وينفذها، منذ انطلاق المحاكمة وقبلها لدى قاضية التحقيق، عزا المتهم السبب إلى تلقيه تهديدات من مشغله البارون، وبالأحرى صحوة ضمير متأخرة ألمت به في السجن جعلته يتحدى "طيش الشباب" والخوف حسب قوله.
وضمن الجلسة نفسها، كانت المحكمة قد استمعت إلى شهادة ثلاثة متهمين بالاتجار الدولي في المخدرات سبق أن أدانتهم محكمة جرائم الأموال في ملف مرتبط بالقضية نفسها بعقوبات سجنية بلغت في مجموعها 28 سنة، حيث نفوا بشكل قاطع علاقتهم مع مسؤولي الدرك الملكي المتابعين في هذا الملف في حالة اعتقال. وأكد المتهمون الثلاثة الرئيسيون في هذا الملف الذي جر حوالي 80 مسؤولا أمنيا ودركيا بعضهم رفيعو المستوى إلى السجن، أن علاقتهم بالكولونيلات المعتقلين كانت تنحصر في حدود القانون وتطبيق المساطر وبعض المعاملات التجارية العادية بحكم "الجوار"، بعيدا عن أية علاقة مشبوهة أو مشاركة في عمليات التهريب الدولي للمخدرات وباقي التهم التي نسبت لهم، متراجعين بذلك عن سيل من الاتهامات التي تضمنتها تصريحاتهم لدى الضابطة القضائية وقاضية التحقيق والمكالمات الهاتفية، والتي تفيد بتورط المسؤولين الأمنيين ورجال الدرك في عمليات التخابر والتغاضي وتيسير صفقات تهريب المخدرات إلى الخارج مقابل تسلم رشاو بالملايين.