تعرف المراكز الصحية والمستشفيات العمومية الخاصة بداء السل فقدان ونفاد أدوية علاج هذا الداء الفتاك، ما يهدد حياة أزيد من 37 ألف مريض يتابعون العلاج بهذه المؤسسات، رغم ارتفاع الميزانية المخصصة لشراء الأدوية والدعم المالي للصندوق العالمي لمكافحة داء السيدا وداء السل والملاريا.
وحسب معطيات حصل عليها موقع قناة "تيلي ماروك"، فقد دفع المختبر الوطني المكلف بصناعة هذا الدواء كل الطلبيات التي طلبتها الوزارة والملتزم بها في إطار الصفقة التي تم إعلانها قبل سنة، لكن الوزارة تأخرت في الإعلان عن صفقة تزويد المستشفيات والمراكز الصحية بهذه الأدوية، نظرا لوجود تلاعبات وتواطؤ داخل مديرية الأدوية والصيدلة ومديرية علم الأوبئة ومحاربة الأمراض، خدمة لمصالح مختبر أجنبي مقرب من شركة أمريكية، أصبح لها نفوذ قوي داخل الوزارة، وتمكينه من الصفقة.
وحصل الموقع على وثائق تؤكد حصول الشركة على ترخيص خاص لاستيراد أدوية داء السل من الخارج، رغم وجود مختبر وطني يصنع الأدوية نفسها ولها الفعالية ذاتها، وسبق له أن زود المستشفيات العمومية بهذه الأدوية. وأكدت مصادر من الوزارة أن هذه التراخيص تشوبها عدة خروقات وتجاوزات، موضحة أن لجوء الوزارة إلى التراخيص الخاصة لاستيراد الأدوية يكون في الحالات المستعجلة والطارئة لانتشار بعض الأوبئة، وتكون الأدوية المصنعة محليا غير متوفرة، لكن خلافا لذلك فإن الأدوية المصنعة محليا موجودة، وليس هناك حالة استعجال، لذلك كان من المفروض أن يتم اتباع المسطرة العادية المتعلقة بالحصول على الترخيص بالإذن بالبيع في السوق (amm). وكشفت المصادر أن الهدف من منح الترخيص الخاص للشركة باستيراد هذه الأدوية، تمكينها من الصفقة، كما يثير شكوكا حول مشاركتها في صفقة السنة الماضية بدون الحصول على التراخيص اللازمة.
ويظهر من الوثائق أن من بين الاختلالات المسجلة كذلك، عدم الإشارة إلى أسماء هذه الأدوية وتركيبتها، والاكتفاء بذكر اسمها التجاري، كما لم يتم ذكر اسم المختبرات المصنعة وبلد التصنيع، وذلك من أجل معرفة مسار هذه الأدوية قبل وصولها إلى المغرب، في ظل تزايد المخاطر المرتبطة باستيراد أدوية مغشوشة، سبق أن حذرت منها اللجنة البرلمانية الاستطلاعية حول الأدوية، حيث كشفت اللجنة عن دخول أدوية مستوردة من بعض الدول دون خضوعها للمراقبة اللازمة. واستغربت المصادر كذلك للسرعة التي حصلت بها الشركة على التراخيص، حيث تقدمت بالطلب يوم 11 شتنبر الماضي، وحصلت على التراخيص في اليوم الموالي، في حين هناك مختبرات تنتظر شهورا وسنوات للحصول على تراخيص مماثلة.
وأكدت المصادر أن الشركة الأمريكية التي تضغط للمشاركة في صفقة وزارة الصحة لا تتوفر على مصنع بالمغرب، وسبق لبرلمانيين أن فجروا فضيحة في وجه الوزير السابق، خلال اجتماع سابق عقدته لجنة القطاعات الاجتماعية لدراسة موضوع "السياسة الدوائية"، تتعلق بمنح التراخيص لمختبرات وهمية تهدد صحة المغاربة. وكشف أعضاء اللجنة وجود مختبرات أشباح، تتوفر على ترخيص من طرف مديرية الأدوية، وأشاروا إلى أن المادة 74 من مدونة الأدوية والصيدلة، تنص على أن الترخيص لأي مختبر لاستيراد الأدوية يجب أن يتوفر على وحدة صناعية وأن يعمل على التصنيع المحلي بكميات وازنة من الأدوية التي يعرضها في السوق، وأكدوا أن شركات لا تتوفر أبدا على وحدات صناعية بالمغرب، ورغم ذلك منحتها مديرية الأدوية تراخيص الإذن بتسويق الأدوية، ما يجعلها غير خاضعة للمراقبة، والخطير في الأمر أن هذه الشركات تستورد أدوية، بعضها لا يحترم المعايير الدولية التي توصي بها منظمة الصحة العالمية.