بعد جلسات محاكمة ماراطونية، أسدلت غرفة جرائم الأموال الابتدائية بمحكمة الاستئناف بالرباط، في وقت متأخر من ليلة أول أمس الاثنين، الستار على الشق الثاني من أشهر محاكمة توبع فيها مسؤولون أمنيون وضباط كبار في جهاز الدرك إلى جانب بارونات مخدرات، في قضية التهريب الدولي للمخدرات، التي أطاحت قبل ثلاث سنوات تقريبا بحوالي 70 إطارا وموظف دولة وتجار مخدرات. فبعد الحكم على الأمنيين والبارونات في ملف منعزل مرتبط بالقضية نفسها بحوالي 176 سنة سجنا، جاء الدور مساء أول أمس، على رجال الدرك، حيث أصدرت غرفة جرائم الأموال أحكاما بلغت في مجموعها حوالي 62 سنة، وتراوحت بين البراءة وخمس سنوات سجنا.
وضمن تفاصيل الأحكام التي نطق بها رئيس الجلسة القاضي محمد كشتيل، رئيس غرفة جرائم الأموال في حدود الساعة العاشرة والنصف مساء، بعد الاختلاء للمداولة لمدة ثلاث ساعات رفقة مستشاريه القاضيين الأزهر وأليق، وزعت الهيئة 12 سنة سجنا على أربعة ضباط كبار برتبة "كولونيل" و"كولونيل ماجور"، فيما برأت كولونيلا خامسا من التهم المنسوبة إليه ومتعته بحكم البراءة. وقضت المحكمة بإدانة الكولونيل ماجور(ع. ب)، القائد الجهوي السابق لجهوية الدرك الملكي بأكادير، بسنتين حبسا منها سنة واحدة موقوفة التنفيذ، وخمس سنوات سجنا كأقصى عقوبة صدرت في هذا الملف، في حق (ر.ب)، وهو كولونيل كان يشغل قائدا جهويا للجهاز بطنجة، كما أدانت الكولونيل (ع.ع)، القائد الجهوي السابق بطنجة وسطات بسنتين حبسا نافذا، فيما أدانت الكولونيل (م. ش)، القائد الجهوي السابق بطنجة كذلك وأكادير بثلاث سنوات حبسا نافذا، أما الكولونيل (ر.ك)، ابن تواركة والذي كان يشغل نائب القائد الجهوي بأكادير فقد حصل على البراءة، إلى جانب خمسة متهمين آخرين ينتمي أربعة منهم إلى جهاز الدرك برتب متفاوتة ورجل أعمال ينحدر من العرائش، توبعوا في حالة سراح وحكمت عليهم المحكمة بالبراءة من التهم المنسوبة إليهم.
وضمن باقي الأحكام، وزعت الهيئة القضائية 28 سنة سجنا بالتساوي على سبعة متهمين ينتمون إلى جهاز الدرك الملكي، بينهم سائقو الكولونيلات ورؤساء مراكز وسرايا مصنفون في رتب محترمة، وشغلوا مناصب مهمة بطنجة وتطوان والعرائش والدار البيضاء، حيث تمت إدانتهم بأربع سنوات حبسا نافذا لكل واحد منهم، فيما وزعت 15 سنة سجنا بالتساوي على خمسة متهمين آخرين، بمعدل ثلاث سنوات حبسا نافذا لكل واحد منهم، وقد تورطوا حسب معطيات الملف في نسج علاقات مع بارونات وشبكات مخدرات، عندما كانوا يتحملون المسؤولية بالمراكز القضائية في العديد من السرايا بالشمال المغربي وأكادير والبيضاء. وأدانت الهيئة القضائية كذلك مسؤولا بأحد مراكز الدرك بطنجة بسنتين ونصف سنة حبسا نافذا، وسنتين في حق متهم آخر كان يشغل مهمة قائد مركز ترابي، فضلا عن حكم آخر موزع بين سنة نافذة وأخرى موقوفة التنفيذ شمل عنصرا دركيا آخر ثبت تورطه في الملف.
وحسب معطيات هذا الملف، الذي ينتظر أن تستمر الإثارة في شوطه الثاني بغرفة جرائم الأموال لدى محكمة الاستئناف بالرباط، خلال الأسابيع القادمة، فقد ورطت مكالمات هاتفية بعضها وصف بالخطير، مع تجار مخدرات مسؤولين كبار أدينوا بحوالي 60 سنة سجنا في ملف الأمنيين. وخصص رئيس الهيئة القضائية جلسات مطولة لاستنطاق واستفسار المتهمين بمن فيهم "الكولونيلات" الكبار المتورطين في القضية، حول حقيقة المكالمات الخطيرة الصادرة عن هواتفهم النقالة في اتجاه بارونات المخدرات أو الواردة عليها من طرفهم التي أخضعتها الفرقة الوطنية للتقصي والتحريات التقنية، حيث أكدت هذه التحريات صحتها، في الوقت الذي تشبث كل المتهمين بمن فيهم الضباط ببراءتهم من هذه التهم المنسوبة إليهم بخصوص ورطة المكالمات الهاتفية .
وبتفاوت كبير، أسفرت المواجهات المباشرة بين المسؤولين المتهمين وبارونات، وكذا مخرجات الاستنطاقات المفصلة التي أجرتها الهيئة مع المتهمين، عن قناعات ثابتة لدى الهيئة أساسا وباقي متتبعي هذه المحاكمة، عن تورط بعض المتهمين في انزلاقات مهنية وصفت بالخطيرة، عكستها مضامين المكالمات الهاتفية التي بسطتها الهيئة أمام الجميع، حيث تبين أن العلاقة بين المسؤولين بمختلف جهات المملكة وشبكات المخدرات تجاوزت الحدود المهنية، إلى علاقات تجارية وامتيازات وإغراءات ومفاوضات الارتشاء والمشاركة في ترتيبات شحن ونقل أطنان من المخدرات، التي قدرها أحد البارونات المدانين بعشر سنوات سجنا، بحوالي 400 طن قام بنقلها لوحده عبر المقطورات المملوكة له، حيث كشف المستور عن تورط ضابط كبير في الدرك في الترتيب لبعض هذه العمليات.