بعد تمديد فترة حالة الطوارئ إلى غاية يوم 20 ماي المقبل، تسابق مصالح وزارة الصحة الزمن لمحاصرة تفشي الفيروس والسيطرة عليه، إلى جانب اشتغال لجنة علمية على تدارس سيناريوهات الخروج من الأزمة الصحية، والعودة التدريجية إلى الحياة العادية، بالرفع التدريجي للحجر الصحي.وستعتمد الوزارة على تقنية تحليلات الأمصال، لقياس قوة مناعة المغاربة لمقاومة الفيروس، وذلك على غرار العديد من البلدان التي اعتمدت «شهادة المناعة» لتحديد المواطنين الذين سيغادرون منازلهم.
تشتغل لجنة علمية بوزارة الصحة على إعداد سيناريو الخروج من الأزمة الصحية التي يعرفها المغرب على غرار باقي دول العالم بسبب تفشي فيروس كورونا. ويهدف هذا السيناريو إلى رفع الحجر الصحي تدريجيا، ما بعد رفع حالة الطوارئ الصحية، وتعميم إجراء التحاليل الطبية على فئات واسعة من المواطنين، وخاصة الذين يشتغلون في القطاعات الاقتصادية والاجتماعية الحيوية، مع التركيز على إجراء اختبار المناعة، وهي الطريقة التي بدأت في استعمالها العديد من الدول تمهيدا لرفع القيود على حركية المواطنين.
رفع تدريجي للحجر الصحي
أكدت مصادر من وزارة الصحة أن جميع المصالح التابعة لها تشتغل ليل نهار من أجل التحكم في انتشار الفيروس، قبل انتهاء الفترة الثانية من حالة الطوارئ الصحية، التي ستنتهي يوم 20 ماي المقبل، ووضع خطة ما بعد رفع حالة الطوارئ، تتجلى في الرفع التدريجي للحجر الصحي، وتحديد الأشخاص الذين لديهم مناعة لمقاومة الفيروس، وكشفت المصادر، أن المغرب اقتنى كميات كبيرة من المعدات المستعملة في هذا النوع من التحليلات الطبية، التي تسمى الاختبارات المصلية، بالإضافة إلى تحليلات الحمض النووي المستعملة للكشف عن الفيروس. وحسب المصادر نفسها، فقد تم استبعاد تقنية الاختبارات السريعة، بعدما أثبتت التجربة عدم نجاعتها في الكشف عن الفيروس.
وأوضحت المصادر أنه رغم رفع الحجر الصحي، سيكون ذلك تدريجيا، مع تحديد الأشخاص الذين سيسمح لهم بالخروج للعمل، وذلك بعد تحديد القطاعات ذات الأولوية التي ستعود لمزاولة عملها، بتنسيق مع لجنة القيادة والتنسيق، والقطاعات الوزارية المعنية، مع التشديد على ضرورة التقيد بالتدابير والإجراءات الوقائية المعمول بها، من قبيل وضع الكمامات، والالتزام بالتباعد الاجتماعي، ومنع التجمع في الأماكن العمومية، وأكدت المصادر، أن قرار رفع الحجر يتطلب إجراءات صارمة لتفادي عودة انتشار الفيروس بشكل خطير.
الاختبارات المصلية
التحليلات المصلية، هي تحليلات مخبرية يتم إجراؤها باستخدام عينة من مصل الدم للكشف عن وجود الأجسام المضادة أو المواد شبيهة الأجسام المضادة والتي تظهر بشكلٍ خاص بالتزامن مع بعض الأمراض، وتكشف هذه التحليلات ما إذا كان مصل الدم يحتوي على أجسام مضادة أم لا، حيث إن الأجسام المضادة يتم إنتاجها بشكل ذاتي في جسم الإنسان عندما يتعرض إلى هجوم البكتيريا والفيروسات وغيرها مما يؤدي إلى حدوث عدوى تستجيب لها الخلايا المناعية في الجسم وعلى إثرها يتم إنتاج الأجسام المضادة لتقوم بعملية الدفاع ضد مسببات العدوى، كما أن مصل الدم أو ما يعرف بـ «بلازما الدم»، وهي محتويات الدم بدون كريات الدم الحمراء، يعتبر الوسيلة الأنسب لمعرفة نوع الأمراض المختلفة التي يصاب بها الفرد عن طريق تحديد نوع وكمية الأجسام المضادة الموجودة في الجسم.
ويعتمد المغرب حاليا ثلاث طرق للكشف عن الفيروس، وتحديد الحالات المؤكدة، وتكون إما بالتحليلات المخبرية (RT-PCR)، وذلك عبر اختبار قياس الحمولة الفيروسية للتأكد من تشخيص الإصابة بفيروس (كوفيد-19)، ويقوم هذا التشخيص بالكشف النوعي لـ«حمض الريبونوكليك» لفيروس «كورونا» المستجد، من خلال تقنية مخبرية تمكن من كشف حضور الفيروس داخل الجسم باللجوء إلى تقنيات التضخيم الجزيئي، والطريقة الثانية للتأكد من الحالات المصابة باستعمال اختبار الكشف السريع، ثم الطريقة الثالثة من خلال الفحص بالأشعة، مع ظهور أعراض مرضية للفيروس، بالإضافة إلى التحاليل المخبرية، وأكدت مصادر من الوزارة، أنه تقرر استبعاد اختبار الكشف السريع، لأنه لا يعطي نتيجة موثوق بها بنسبة كبيرة.
تجارب دولية
بدأت بعض الدول الأوروبية في استعمال اختبار المصل، للتعرف على ما إذا كان الشخص قد أُصيب بفيروس كورونا من عدمه، وذلك بالكشف عن مدى تواجد الأجسام المضادة في عينة الدم، حيث لا يستغرق هذا الاختبار بضع ثوانٍ. وتفكر الدول التي تُجري هذه النوعية من الاختبارات في منح شهادة للشخص الذي يحمل أجسامًا مضادة، تؤكد ذلك، ومن ثم لا يخضع لأي قيود في الحركة أو العمل طالما أصبحت لديه مناعة ضد المرض.
وبدورها، بدأت الولايات المتحدة، في إجراء اختبارات «الأجسام المضادة» لاكتشاف الحالات المصابة بفيروس كورونا والتي تم تطويرها في مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها في البلاد، ويحدد الاختبار المصلي بدلاً من ذلك صفة الشخص الذي أصيب بالفعل بالفيروس أو يتعرض له ويتم ذلك من خلال البحث عن مستويات الأجسام المضادة للفرد، وهي البروتينات التي طورها الجهاز المناعي لمهاجمة الأجسام مثل البكتيريا أو الفيروسات.
ويتوقع العديد من الخبراء أن الأشخاص الذين تعافوا من الفيروس سيكونون محصنين لبعض الوقت، لأن الشخص الذي أصيب بالفعل بالمرض اكتسب وطور مستوى مرتفعًا إلى حد ما من الأجسام المضادة التي تساعده في مقاومة الفيروس إن وجد لاحقا، وهذا هو السبب في أن العديد من البلدان تشرع في الاستثمار في طريقة اختبار الأجسام المضادة لتحديد نسبة سكانها الذين قد يكونون محصنين ضد الفيروس. وبدأت بعض شركات المختبرات في أوروبا والولايات المتحدة للتو في طرح إصدارات لعلامات تجارية من هذه الاختبارات والتي من المرجح أن تكون متاحة أكثر في الأسابيع القادمة.ومن جانبها، أصدرت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية أول تفويض لها لاختبار الدم للأجسام المضادة.
شهادة المناعة
قامت دول مثل ألمانيا وكوريا الجنوبية بالتوسع في إجراء اختبارات الدم لإجراء فرز حقيقي ومعبّر للسكان فيما يتعلق بالإصابة والشفاء من فيروس كورونا، حيث تقدم كوريا الجنوبية نموذجًا فريدًا في هذا الشأن نظرًا لتقدم المنظومة الطبية فيها بشكل كبير، حيث إنها أصبحت قادرة على إجراء الاختبارات على نطاق أوسع من بريطانيا، وذلك بالتركيز مبكرًا على هذا المجال، مما مكّنها من تحقيق فائض في إنتاج عينات الاختبار، وتعتبر ألمانيا هي النموذج الأكثر نجاحًا في تطبيق منهاجية الاختبارات الشاملة من حيث التوقيت، حيث بدأت مبكرًا حتى قبل إعلان أول حالة إصابة بها، كما أن لديها إمكانيات إجراء 15 ألف اختبار لكل مليون مواطن، وهو معدل يفوق معدلات الولايات المتحدة وإيطاليا وإسبانيا.
وتدرس ألمانيا خطة مبتكرة يمكن عبرها السماح لعدد كبير من المواطنين بالخروج مجددا إلى الشوارع، واستعادة حياتهم الطبيعية نسبيا، بكسر حظر التنقل المفروض، من جراء فيروس كورونا المستجد، وذلك بإصدار «شهادات مناعة» تسمح لمئات الآلاف بالعودة إلى الخروج من منازلهم والتنقل، وذلك في وقت سابق عن باقي المواطنين، ولكن بعد إتمام إجراء حتمي، وتم تصميم الاختبارات لاكتشاف ما إذا كان الشخص قد طور أجسامًا مضادة لفيروس كوفيد-19، وهو ما يعني أنه كان في وقت من الأوقات حاملا للفيروس، وبالتالي يكون قد استطاع بالفعل تكوين مناعة من الوباء الذي يروع العالم، وبدورها، بدأت إيطاليا، في حملة اختبارات للأجسام المضادة على 150 ألف شخص على المستوى الوطني في محاولة لمعرفة المزيد حول هذا الوباء.
لكن منظمة الصحة العالمية بددت آمال الذين كانوا يراهنون على مناعة محتملة لدى الأشخاص الذين أصيبوا بالفيروس وتعافوا، باعتبار أنها مقدمة لاستعادة النشاط الاقتصادي، عبر إصدار «جوازات مرور مناعية»، وحذرت منظمة الصحة من أنه «ليس هناك حاليا أي إثبات على أن الأشخاص الذين تماثلوا للشفاء من كوفيد-19 ولديهم أجسام مضادة باتت لديهم مناعة تقيهم الإصابة به مرة ثانية»، وأوضحت أنه لا توجد «عناصر كافية» لتقييم مدى موثوقية «جوازات المرور المناعية»و»استخدام تلك الشهادات قد يزيد من خطر انتقال العدوى»، إذ قد يعتقد الأشخاص «أنهم محصنون» ويتجاهلون التدابير الصحية.