مع كل أزمة سياسية أو كارثة طبيعية أو وباء صحي، تأتي أعلى سلطة في البلاد وبالحكمة والبصيرة لتوجيه المؤسسات الدستورية وتصويب أدائها، بما يخفف من تداعيات الشدائد والأزمات. ومن قلب هذا المنظور استقبل الملك محمد السادس، رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، ومحمد صديقي، وزير الفلاحة والصيد البحري، قصد توجيههما لاتخاذ الإجراءات اللازمة لمواجهة تداعيات التأخر في سقوط الأمطار، والحد من تأثير ذلك على النشاط الفلاحي.
طبعا اللقاء لم يكن بروتوكوليا، بل جلسة عمل ترتب عنها اعتماد خطة استعجالية بميزانية ألف مليار سنتيم، للتخفيف من آثار تأخر التساقطات المطرية، سيساهم فيها صندوق الحسن الثاني بـ300 مليار سنتيم، مع تحديد ثلاثة أهداف أساسية؛ حماية الرصيد الحيواني والنباتي وتدبير معضلة ندرة المياه والتأمين الفلاحي والزراعي، وتخفيف الأعباء المالية على الفلاحين والمهنيين وتمويل عمليات تزويد السوق الوطنية بالقمح وعلف الماشية، علاوة على تمويل الاستثمارات المبتكرة في مجال السقي.
ومما لا شك فيه أن علاقة المؤسسة الملكية بالفلاح والعالم القروي ليست علاقة مناسباتية ظرفية، يفرضها انحسار المطر، بل توجه استراتيجي يغطي عجز الأحزاب والحكومات والبرلمانات، التي تغيب العالم القروي عن دائرة أولوياتها واهتماماتها، أو تتعامل معه بمنطق الاستثمار السياسي، كاحتياطي للأصوات الانتخابية. فملك المغرب جعل من تنمية المجال القروي وحماية الفلاح من المحن، أحد أبرز مرتكزاته ومحورا أساسيا من محاور توجهه التنموي الاستراتيجي، لذلك نجده يتدخل بشكل دائم وفي كل الولايات الحكومية لتصويب ما يمكن تصويبه، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، فلا مجال للخطأ وسوء التقدير في مجال حيوي واستراتيجي، يضمن توازنات النظام السياسي والاقتصادي للبلاد، ما دام أن العالم القروي يغطي أكثر من 90 في المائة من المساحة الإجمالية للمملكة، ويمثل حوالي 40 في المائة من الساكنة، ويضم حوالي 85 في المائة من الجماعات الترابية، ويساهم بـ20 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.
الأكيد أن التدخل الملكي لإنقاذ الفلاح من مخالب الجفاف سيؤلم بعض صناع «الهاشتاغات»، الذين اعتادوا على الاصطياد في الماء العكر، والانتشاء بالأزمات والتلذذ بالمآسي والاتجار بالكوارث، لكن الحمد لله أن لدينا دولة عريقة بمؤسساتها، ولدينا ملكا يكشف معدنه النفيس في وقت الشدة.