هكذا فتح «الكان» بالمغرب نوافذ إنسانية داخل السجون - تيلي ماروك

CAN2025, المغرب، الكان هكذا فتح «الكان» بالمغرب نوافذ إنسانية داخل السجون

هكذا فتح «الكان» بالمغرب نوافذ إنسانية داخل السجون
  • 64x64
    telemaroc
    نشرت في : 28/12/2025

لم تكن صافرة انطلاق كأس أمم إفريقيا لكرة القدم، المقامة بالمغرب، حدثا رياضيا عاديا يقتصر صداه على الملاعب والمدرجات فقط، بل امتدّ ليعبر أسوارا عالية وأسلاكا شائكة، حاملا معه أجواء الفرجة والانتماء والأمل إلى فضاءات نادرا ما تُربط بالاحتفال الجماعي.

في خطوة لافتة، تعكس تحولا عميقا في المقاربة الإصلاحية، أطلقت المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج مبادرة رياضية واجتماعية غير مسبوقة، جعلت الكرة المستديرة أداة للتقارب الإنساني وإعادة بناء الجسور مع المجتمع

 

بطولة إفريقية خلف القضبان

 

في قلب هذه المبادرة، نظمت المندوبية بطولة إفريقية مصغرة في كرة القدم، لفائدة نزيلات ونزلاء المؤسسات السجنية، تزامنا مع احتضان المغرب لنهائيات كأس أمم إفريقيا. بطولة جمعت 150 سجينا ينتمون إلى 15 جنسية إفريقية، في مشهد يختزل القارة في تنوعها الثقافي والإنساني، داخل فضاء مغلق اعتاد على الإيقاع اليومي الصارم.

واحتضن السجن المحلي تامسنا، بضواحي العاصمة الرباط، الحفلين الافتتاحي والختامي لهذه التظاهرة، التي لم تكن مجرد مباريات تُلعب، بل تجربة جماعية أعادت تعريف الزمن داخل السجن، ومنحت النزلاء فرصة نادرة للإحساس بأنهم جزء من حدث قاري كبير يعيشه المغرب وإفريقيا بأكملها.

 

السجن فضاء للتأهيل لا للعزلة

 

تحمل هذه الخطوة دلالات عميقة تتجاوز الطابع الرياضي، إذ تندرج ضمن رؤية جديدة تعتبر المؤسسة السجنية فضاء للتأهيل وإعادة الإدماج، وليس مجرد مكان لتنفيذ العقوبة. فإدماج النزلاء في أجواء كأس إفريقيا ومواكبة تفاصيلها يساهم في كسر العزلة النفسية والاجتماعية التي غالبا ما ترافق تجربة السجن.

وحرصت المندوبية، في هذا الإطار، على تمكين السجينات والسجناء من متابعة مباريات البطولة القارية، عبر بثها في مختلف غرف وفضاءات الإيواء، ما خلق أجواء جماعية نادرة، اختلطت فيها الانفعالات الرياضية بالفرح المؤقت، وسمحت للنزلاء باسترجاع إحساسهم بالانتماء إلى محيط أوسع من جدران الزنزانة.

 

الرياضة وسيلة لإعادة بناء الذات

 

لا تُعد كرة القدم مجرد لعبة داخل هذه المبادرة، بل وسيلة لإعادة بناء الذات وتعزيز الثقة والانضباط والعمل الجماعي. فالمباريات المصغرة، التي نُظمت وفق قواعد واضحة، أسهمت في ترسيخ قيم احترام الآخر، والالتزام والروح الرياضية، وهي قيم تشكل لبنات أساسية في مسار إعادة الإدماج الاجتماعي.

ووفّرت الأنشطة الرياضية متنفسا نفسيا للنزلاء، خفف من حدة التوتر والضغط المرتبطين بالحياة السجنية، وساعد على تحسين العلاقات داخل المؤسسات، سواء بين النزلاء أنفسهم أو بينهم وبين الأطر المشرفة.

 

لقاءات تحليلية تفتح نوافذ الحوار

 

لم تقتصر المبادرة على الجانب التنافسي، بل رافقتها لقاءات تحليلية وتفاعلية، شارك فيها لاعبون سابقون وصحافيون وخبراء في الشأن الرياضي. هذه اللقاءات تحولت إلى فضاءات للحوار والنقاش، حيث جرى الحديث عن مسارات رياضية ملهمة، وعن دور الرياضة في تغيير المصائر وعن قيم الإصرار والانضباط التي تصنع النجاح داخل الملاعب وخارجها.

بالنسبة للعديد من النزلاء، كانت هذه اللقاءات لحظات إصغاء مختلفة، فتحت نوافذ جديدة للتفكير في المستقبل ورسّخت قناعة بأن الخطأ لا يلغي إمكانية البداية من جديد.

 

المجتمع المدني شريك في صناعة الأمل

 

حضور جمعيات المجتمع المدني، ضمن ورشات وأنشطة موازية، منح للمبادرة بعدا اجتماعيا إضافيا. وساهمت هذه الجمعيات في تنظيم أنشطة تحسيسية وتربوية، ركزت على قيم التعايش والانتماء المشترك، وأبرزت دور الرياضة في التقريب بين الثقافات وتجاوز الفوارق.

هذا الانفتاح على المحيط الخارجي يعكس توجها متقدما لدى المندوبية، يقوم على إشراك الفاعلين المدنيين في الحياة السجنية، بما يعزز جسور الثقة ويُخرج السجن من عزلته الرمزية.

 

مبادرة تمتد إلى مختلف جهات المملكة

 

لم تظل التجربة محصورة في سجن تامسنا، بل امتدت إلى مؤسسات سجنية أخرى عبر التراب الوطني، من بينها السجن المحلي الأوداية بمراكش، والسجن المحلي بطنجة، والسجن المحلي رأس الماء بفاس، ومركز الإصلاح والتهذيب بالدار البيضاء والسجن المحلي آيت ملول بأكادير.. حيث نُظمت مباريات بتنسيق مع أندية محلية، إلى جانب ورشات عمل وأنشطة ثقافية تعزز الروح الرياضية والانتماء الإفريقي المشترك.

هذا الامتداد الجغرافي يعكس إرادة واضحة لجعل المبادرة شاملة وعدم حصرها في تجربة رمزية معزولة.

 

انعكاسات إنسانية تتجاوز أسوار السجن

 

تؤكد المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج أن هذه المبادرة تندرج ضمن التزامها بإشراك السجينات والسجناء في الدينامية الوطنية والقارية، وتمكينهم من الانخراط الإيجابي في التظاهرات الكبرى. وهو رهان يعكس وعيا متزايدا بأن إعادة الإدماج تبدأ من داخل السجن، عبر مبادرات صغيرة في ظاهرها، لكنها عميقة الأثر في بعدها الإنساني.

فحين يشعر السجين بأنه معني بحدث وطني أو قاري، وأنه جزء من جماعة أكبر، تتغير نظرته إلى ذاته ومستقبله ويصبح أكثر استعدادا للاندماج من جديد في المجتمع.

 

كأس إفريقيا… وجه آخر للفرح المشترك

 

بينما تتواصل منافسات كأس أمم إفريقيا إلى غاية 18 يناير المقبل، بمشاركة 24 منتخبا إفريقيا موزعة على ست مدن مغربية، ويؤكد المغرب، مرة أخرى، قدرته على تنظيم التظاهرات الكبرى، تكشف هذه المبادرة وجها آخر للحدث الكروي، وجها إنسانيا واجتماعيا يؤمن بأن الفرح يمكن أن يكون حقا مشتركا، حتى خلف القضبان.

إنها رسالة مفادها أن الرياضة، حين تُستثمر بذكاء، قادرة على تجاوز حدود الملاعب وصناعة لحظات أمل حيث لا يُتوقع وجودها


إقرأ أيضا