باشرت الفرقة الوطنية للشرطة القضائية تحقيقات موسعة مع 36 مؤثراً على مواقع التواصل الاجتماعي، للاشتباه في تورطهم في الترويج لوصلات إشهارية لفائدة منصات إلكترونية متخصصة في الرهانات الرياضية غير القانونية، تستقبل مراهنات من داخل التراب الوطني، في خرق صريح للتشريعات الجاري بها العمل.
وأفادت مصادر مطلعة أن هذه الأبحاث القضائية جاءت بناءً على شكاية رسمية تقدمت بها الشركة المغربية للألعاب إلى النيابة العامة المختصة، ضد مواقع إلكترونية أجنبية تنشط في مجال الرهانات الرياضية، وتستهدف مواطنين مغاربة رغم أن الشركة تُعد الجهة الوحيدة المخول لها قانوناً تنظيم هذا النوع من الأنشطة داخل المملكة.
توسيع دائرة المتابعة لتشمل المروجين والمؤثرين
وحسب المعطيات المتوفرة، فإن الشكاية لم تقتصر على مسيري هذه المنصات أو المشرفين التقنيين عليها، بل شملت أيضاً كل من ساهم في الترويج لها أو تسهيل الولوج إليها، خاصة عبر شبكات التواصل الاجتماعي، حيث جرى استغلال حسابات مؤثرين مغاربة ذوي متابعة واسعة لاستقطاب المراهنين، مقابل عمولات مالية أو امتيازات مباشرة.
وأوضحت المصادر أن السلطات القضائية تتجه إلى ترتيب المسؤوليات الجنائية لكل المتدخلين في هذه السلسلة، انطلاقاً من القائمين على المواقع، مروراً بالوسطاء التقنيين، وصولاً إلى المروجين الرقميين، باعتبارهم مساهمين في الترويج لنشاط غير مشروع.
ضغط على شركات الاتصالات لوقف النشاط
وبالتوازي مع المسار القضائي، تسعى الجهات المعنية إلى وقف نشاط هذه المنصات داخل المغرب، من خلال إلزام فاعلي قطاع الاتصالات، وعلى رأسهم «اتصالات المغرب» و«أورنج»، بعدم تمكين هذه المواقع من الاستفادة من الشبكات الوطنية، سواء فيما يتعلق بالولوج التقني أو تمرير عمليات الأداء والتحويل المرتبطة بالرهانات. وتندرج هذه الخطوة ضمن التدابير الاستعجالية الرامية إلى الحد من انتشار الظاهرة، وتجفيف منابعها المالية، خاصة في ظل الصعوبات التقنية المرتبطة بتتبع منصات تستضيف خوادمها خارج التراب الوطني.
مكتب الصرف وقوانين التحويلات المالية
وفي تطور لافت، دخل مكتب الصرف على خط القضية، بالنظر إلى أن المشاركة في هذه الرهانات تُعد خرقاً مباشراً لقوانين الصرف، لاسيما تلك المنظمة للتحويلات المالية نحو الخارج. وأكدت مصادر مطلعة أن السقف القانوني للتحويلات يهم حصراً المعاملات التجارية المشروعة والمؤطرة قانوناً، في حين تُصنف الرهانات عبر هذه المواقع الأجنبية ضمن الأنشطة غير القانونية، ما يجعل أي تحويل مالي لفائدتها، سواء كان مباشراً أو عبر وسطاء أو محافظ رقمية، مخالفاً للتشريعات الجاري بها العمل، ويعرض أصحابه لعقوبات إدارية ومالية ثقيلة.
خلفية قانونية... احتكار المراهنات وتجريم الإشهار غير المشروع
ويؤطر مجال الرهانات بالمغرب إطار قانوني صارم، يمنح الشركة المغربية للألعاب احتكاراً قانونياً لتنظيم المراهنات والألعاب، وفق نصوص تنظيمية واضحة، ترمي إلى حماية المستهلك، وضمان شفافية المعاملات، وتأمين مداخيل الدولة. وفي المقابل، يُجرّم القانون أي نشاط للمراهنات خارج هذا الإطار، سواء تعلق الأمر بالتنظيم، الوساطة، أو الترويج. كما يُعد الإشهار لفائدة أنشطة غير مرخص لها، خاصة عبر الوسائط الرقمية، فعلاً يعاقب عليه القانون الجنائي وقوانين حماية المستهلك، لكونه يساهم في تضليل العموم وتشجيع ممارسات محظورة. ويُرتب هذا الإطار القانوني مسؤولية مباشرة على المؤثرين، باعتبارهم فاعلين إشهاريين، وليسوا مجرد مستعملين عاديين لمنصات التواصل الاجتماعي، ما يجعلهم خاضعين للمساءلة في حال الترويج لمحتوى مخالف للقانون.
مبالغ ضخمة وخسائر جسيمة تتكبدها خزينة الدولة
ووفق تقديرات جهات مطلعة، فإن المبالغ المحولة إلى هذه القنوات المتخصصة في الرهانات الرياضية غير القانونية تفوق 3 ملايير درهم (300 مليار سنتيم)، وهو ما يعكس حجم الشبكات النشطة واتساع قاعدة المشاركين فيها. وتُشكل هذه المبالغ خسارة مباشرة للشركة المغربية للألعاب، فضلاً عن خسائر غير مباشرة تتحملها خزينة الدولة، نتيجة ضياع موارد ضريبية مهمة تُقدَّر بحوالي 200 مليون درهم (20 مليار سنتيم)، إضافة إلى المخاطر الاجتماعية المرتبطة بإدمان المراهنات واستهداف فئات شابة وقاصرة.
تشديد المراقبة والتحذير من الاستغلال الرقمي
وتندرج هذه التحركات ضمن سياق تشديد السلطات لمراقبتها للأنشطة الرقمية غير القانونية، خاصة تلك التي تستغل التأثير المتزايد لوسائل التواصل الاجتماعي لتحقيق أرباح طائلة خارج أي إطار قانوني أو ضريبي، ما يفتح نقاشاً واسعاً حول حدود الإشهار الرقمي، ومسؤولية المؤثرين، وضرورة إخضاع هذا المجال لتنظيم أكثر صرامة.