رغم أن إخوانه في الحزب تسببوا في إسقاطه من رئاسة الحكومة ومن الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، بعدما تآمروا عليه وبيعوه العجل، فإنه مازال يتصرف كما لو أنه الحاكم بأمره داخل الحزب وفِي الحكومة.
فإذا قال سعد الدين العثماني "الشا" فإن بنكيران يقول "أرا"، وقد ظهر هذا جليا عندما عاتب بنكيران أمينة ماء العينين على عدم الحج إلى بيته مباشرة بعد نشرنا لصورها بدون حجاب في ساحات باريس، ناصحا إياها بأن تقول لنا "لحت الحجاب فباريس ومن بعد، ما بقا من يتعرا على خاطرو معاكم ولا كيفاش؟".
ومباشرة بعد إسداء بنكيران لهذه النصيحة خرج العثماني بنصيحة أخرى مبطنة لماء العينين يقول لها إن الحزب عندهم لم يغير مرجعيته وأنها إذا كانت تعتبر هي وبنكيران الحجاب حرية شخصية فما عليهما سوى أن يبحثا لهما عن حزب آخر.
ولم يبق لبنكيران سوى أن يخرج بفرمان من بيته في حي الليمون وينشره على أتباعه يخبرهم فيه أن كل من دخل فيلته فهو آمن، رغم كل الآثام والشرور والكبائر التي يمكن أن يكونوا قد اقترفوها في الأيام الخالية.
فمن دخل بيت بنكيران فهو آمن حتى ولو كان متهما بالقتل وفِي يده آثار دم قديم، فالدم عندهم دم عندما يكون إسلاميا وبول عندما يكون نازفا من جهة اليسار.
من دخلت بيت بنكيران تخرج سالمة غانمة، حتى ولو عرَّت مفاتنها أمام كباريهات العواصم الكافرة وكشفت عن ساقيها في ساحاتها المشمسة، حتى ولو نزعت غطاء رأسها وألقت به في أقرب سطل قمامة وارتدت تي شورت مراهق يحمل رسم النجمة السداسية وإعلانا يقول "نبحث عن فتيات حبوبات ومتوحشات".
ومن دخل حزب العدالة والتنمية فهو بريء حتى ولو ضبط متلبسا بالكذب والنفاق وسرقة المال العام، ومن دافع عن الحزب المصطفى وأصحابه الأخيار فهو صحافي مهني وصادق وموهوب حتى ولو كان يكتب برجله عِوَض يده ولا يعرف حتى ما يحدث داخل بيته فالأحرى أن يعرف ما يحدث داخل دواليب الدولة.
من أعار الحزب لسانه الطويل يلوك به الشوك مثل الجمل فهو خطيب مفوه تنصب له المنابر لكي ينفخ أوداجه في مايكروفوناتها أمام قنديلات تشع وجناتهن فرحة وطربا، حتى ولو كان كلامه أثقل من ظل العثماني وحضوره مالحا يرفع الضغط.
من دخل بيت بنكيران واعترف بخطاياه وذنوبه جاثيا بين يدي الحبر الأعظم لا يغادر محرابه إلا وهو حاصل على صك من صكوك الغفران البنكيراني، بحيث يستطيع أن يخرج بوجه أحمر وعينين خارجتين ملوحا بصك غفرانه في وجه العالم بأسره ويمضي نحو البرلمان متخففا من ذنوبه وخطاياه.
من دخل التنظيم فهو رابح، يدخل العبد عندهم نحيلا يخفي عظام وجهه بلحية كثة، ويلف جسده الشكواضري داخل جلابة مصنوعة من ثوب رديء.
وكلما ضحك غطى فمه براحة يده حتى لا تنكشف أمام مخاطبه أسنانه الشبيهة بموقع أثري مصنف تراثا عالميا، وبمجرد ما يدخل التنظيم ويحفظ الورد الحزبي ويردده في الناس خلال الحملات الانتخابية اليومية في الأسواق والمجالس حتى تختفي عظام وجهه تحت طبقات سميكة من اللحم والشحم ويغير القشابة بالكوستيم والكوسطار، أما اللحية فيتخلى عنها في أول لافابو يصادفه ويخرج على الناس بوجه أملط وأسنان ماجيك سمايل بيضاء تسر الناظرين مصففة كأسنان المشط.
من دخل بيت بنكيران فهو ذو حظ عظيم، يدخل العبد عنده وليس له من حساب آخر غير الحساب العسير مع مالين الكريدي، فلا يغادر بيته حتى يفك الله كربته وتصبح لديه حسابات في أكثر من بنك وتعويض على أكثر من مهمة والشكايات ضده تصبح في "الحفظ" والأمان.
فيغادر العبد ولد العبد بيته الضيق في عمارة السكن الاقتصادي حيث كان يتفرج العابرون على سليباته المثقوبة التي تنشرها زوجته النكدية في شرفة الكوزينة في الطابق الثالث، إلى فيلا فسيحة في الهرهورة أو حي الرياض حيث ينشر عِوَض سليباته المثقوبة رجليه المفلطحتين فوق كنبة أمام المدفأة التي كان يشاهدها فقط في مجلات الديكور التي كانت تكتريها زوجته من الكشك.
من دخل الحزب الحاكم فمستقبله السياسي مضمون، يأتي عندهم العبد مهانا مذلولا لا يعرفه حتى آل بيته، فيخرج بحقيبة وزير وراتب يحار مع عدد أصفاره، فيغير زوجته النكدية ويتركها وراءه مع أحذيته وجواربه القديمة ويأتي ببنت أحد زبناء مكتبه ويجدد فراشه وسيارته وأثاث ديوانه، وكل من يذكره بماضيه حين كان سندويتش النقانق غذاءه الوحيد يتنكر له ويحذفه من مفكرة هاتفه.
هذا هو الحزب الذي قال لكم امنحوني ثقتكم وعودوا إلى أحضان زوجاتكم وأطفالكم آمنين. اتركوا لي مستقبلكم بين يدي لأرسمه كما يحلو لي. فأنا لم ألعب بما يكفي في طفولتي وأشعر أنني الآن وأنا في مراهقتي السياسية سأرسم بأصواتكم صورة مرعبة للمستقبل.