لم تمر أشغال المجلس الوزاري الذي ترأسه الملك محمد السادس، أول أمس بالقصر الملكي بمراكش، دون أن يستفسر الحكومة ووزيرها في التجهيز والنقل واللوجستيك والماء، عبد القادر اعمارة، حول نسبة ملء السدود بالمملكة حاليا، مقارنة مع نفس الفترة من السنة الماضية. وأكد اعمارة أن معدل ملء السدود يبلغ حاليا ما يناهز 64 في المائة، في حين تم تسجيل حوالي 39 في المائة خلال نفس الفترة من السنة الماضية.
من الواضح أن الاستفسارات المتكررة للملك حول الماء حتى خارج جدول الأعمال المحدد للمجلس الوزاري، تعكس اهتماما ملكيا دقيقا بقضية تدبير الموارد المائية وضمان استفادة الجميع منها.
ولا يبدو أن الملك محمد السادس يمل من دق ناقوس خطر نقص المياه في المملكة، ويشدد في مناسبات دستورية على ضرورة معالجة مشكلة الماء، ووضعها ضمن أولويات العمل الحكومي، وتعبئة كل الجهود لمعالجة حالات الخصاص التي باتت تشكوها العديد من المناطق. لكن، في المقابل، وضع المؤسسة الملكية قضية المياه على رأس الأولويات، يظهر الحكومة عاجزة عن تقديم أي وصفة فعالة لتدبير القنبلة الاجتماعية والسياسية التي يمكن أن تتسبب فيها ندرة المياه في ظل عجز سنوي يقدر بنحو مليار متر مكعب.
ومن حسن حظ الحكومة أن التغييرات المناخية المتمثلة في انتظام التساقطات خلال الثلاث سنوات الأخيرة من بين العوامل التي أدت إلى تأجيل انفجار الكثير من انتفاضات العطش، ولئن كان القدر رحيما بِنَا، فهذا لا يعفي الجهات الحكومية من مسؤولية حسن تسيير هذا الملف الذي يهدد البلد بمشكلة مستقبلا إذا بقي الأمر على هذه الحال.
والمؤكد أن الحكومة لا تملك حلولا بعيدة المدى لمواجهة شبح العطش الذي يتهدد المملكة في أفق 2030، رغم تضخم خطاب الاستراتيجيات واللجان والمجالس والرؤى على الورق، وهي تكتفي في أقصى الحالات بتدبير التساقطات السنوية دون أن تقدم تصورا للمعضلة التي تجد البلاد نفسها عالقة فيها بين الحاجة إلى الحدّ من استهلاك المياه استباقاً لمزيد من العطش والاحتجاج، وبين الحاجة إلى استخدام كميات كبيرة من المياه في الفلاحة للحفاظ على جزء من الأمن الغذائي للمغاربة.
إن معالجة الأزمة المائية، بغية تجنب الأزمات الاجتماعية والاقتصادية، تتطلّب من الحكومة إجراء تحوّلات في السياسات الفلاحية تُراعي الظروف المناخية والاجتماعية في البلاد، بما في ذلك التقليص من استخدام المياه، خصوصا الجوفية، في زراعة المنتوجات التي تستنزف المياه، مثل زراعة الدلاح التي تستنزف الفرشة المائية في زاكورة ومناطق تعاني أصلا من شُح المياه وتعود بثروات كبيرة على فلاحين كبار بعينهم، وعدم التهاون في محاسبة الفلاحين المعتدين على المياه الجوفية دون ترخيص وعدم تفعيل القوانين التي تحافظ عليها، وعدم الاعتداء على المخزون الاستراتيجي. غير ذلك ستجد الحكومة نفسها في مواجهة احتجاجات اجتماعية تتسع رقعتها كل سنة مع تقلص حجم المياه.
تنشر بالاتفاق مع جريدة "الأخبار" الورقية