تتميز هواية القنص عن غيرها من الهوايات، بالعديد من المميزات التي تجعل منها هواية محببة لدى العديد من الملوك والأمراء والعامة من الناس، كونها أولا رياضة الأجساد التي ترفع منسوب اللياقة البدنية من كثرة التنقل والترحال من مكان إلى آخر في البحث المستمر عن الطرائد في ظل التغيرات الجوية والتضاريس المتنوعة التي تجعل القناص يكتسب بنية جسدية قوية وهمة عالية، فضلا عن مزايا أخرى كترويض النفس على الإيثار، وتمكينها من الإلمام بكل تفاصيل حياة الغابة المثيرة والتأمل في خلق الله، طبعا دون أن ننسى بأن القنص فن وأدب يبدأ باحترام مواعد الصيد. لهذه المزايا ومزايا أخرى، يهرب كثير من القادة السياسيين من ضغط الحياة اليومية إلى الغابة، بعيدا عن كواليس السياسة والأزمات والخلافات، هناك تظهر الشخصيات الحقيقية لرؤساء وملوك العالم، فهم في النهاية بشر ولهم هوايات يمارسونها وتعكس الكثير من ملامح شخصيتهم.
ينزع الأمراء والملوك عباءة الحكم والسلطة للتفرغ إلى هواياتهم المحببة التي قد تتقاطع مع تلك التي يعشقها العامة من الناس، فإذا كان ملوك المغرب يتوارثون هذه الهواية أبا عن جد، فإن ملوك وأمراء الخليج يمارسون هواية القنص في البراري وفق طقوس أملتها البيئة الصحراوية، خاصة الصيد بالصقور وجعل خرجات القنص فرصة لقرض الشعر. يقال إن الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر كان يصر على الاستماع لأغاني أم كلثوم وهو يمارس هواية القنص، وأن الرئيس العراقي يحجز لها مساحة زمنية من انشغالاته وكاد أن يخصص لها وزارة أو يضمها لوزارة الفلاحة. وفي المملكة العربية السعودية، كانت هواية الملك الراحل عبد العزيز آل سعود صيد البر، فيما كانت هوية الملك فهد الرحلات البرية والقنص بالصقور. في هذا الملف نتوقف عند علاقة ملوك وأمراء المغرب بهواية القنص، وبعض الطرائف التي تتمخض عن رحلات صيد استثنائية.
محمد السادس ينوع فضاءات القنص بين الحوز وزعير وبوزنيقة
كلما لاحت تباشير موسم القنص، وفتحت الغابة ذراعيها لاستقبال حملة السلاح، خلال الفترة من شهر أكتوبر إلى فبراير من كل سنة، وهو التاريخ الذي يصادف موسم القنص في المغرب بحسب قوانين المندوبية السامية للمياه والغابات ومحاربة التصحر، إلا وتوجه الموكب الملكي صوب منطقة صيد، تارة بضواحي بوزنيقة وتارة عين عودة أو غابة زعير، وحين يصادف موسم الصيد وجود الملك محمد السادس خارج العاصمة في مدينة مراكش، يشد الرحال نحو جبال منطقة الحوز.
يعرف الملك خريطة «المصايد» ويعرف أنواع الطرائد التي تنتشر في كل منطقة، كما يلم بعالم المحميات الواقعة بجبال الأطلس الكبير خاصة بمنطقة أيت ورير ضواحي مدينة مراكش، أو في جبال إفران، أو في غابات خنيفرة ذات التضاريس الوعرة، أو في محمية بوزنيقة وغابات منطقة زعير وعين عودة. في هذه «المصايد» يظهر ملك البلاد موهبته في مطاردة الخنازير والغزلان ومختلف أنواع الطرائد.
وسبق للملك محمد السادس أن قضى في فبراير من العام الماضي يوما للقنص بغابة «أيكروكة» بإقليم الحوز قرب مدينة مراكش، حيث مارس رياضته المفضلة، ولوحظ أن الطريق الذي يربط بين مراكش وورزازات، شهدت استنفارا أمنيا غير مسبوق، لتأمين الزيارة الملكية للمنطقة.
صحيح أن أي تحرك للموكب الملكي يتطلب استنفارا، لكن حين تكون الوجهة فضاء غابويا، فإن الاستنفار يتضاعف، بالرغم من أن عاهل البلاد أصبح يفضل الصيد غير بعيد عن عاصمة حكمه، وتحديدا بمحمية بوزنيقة التي كانت مكانا مفضلا لوالده أيضا، وتعرف بالغزلان وطائر الحجل والأرانب.
«عندما يرغب الملك في التوجه لرحلة قنص، فيومه يبدأ باكرا، وقد يبدأ مع الساعة العاشرة صباحا، وفي غالب الأحيان ما يكون يوم عمل، وفي أحايين أخرى يصادف عطل نهاية الأسبوع، حيث يبدأ الملك يومه بالإطلاع على أحوال الطقس لمعرفة التفاصيل الدقيقة للأرصاد الجوية، ففي هذه النقطة بالذات يجب التدقيق، هل سيكون اليوم ممطرا أو غائما أو مشمسا، خاصة وأن موسم القنص يصادف تقلبات جوية»، كما يجمع متتبعو رحلات القنص، فضلا عن وجود «لوجيستيك» متكامل ودقيق لرحلة تختلف كثيرا عن رحلات التدشين.
وكان محمد السادس قد تعلم أولى دروس القنص حين كان يرافق والده الحسن الثاني في رحلاته إلى جانب باقي الأمراء. لكن الفرق بين رحلات الملك الحالي ووالده كون محمد السادس يخصص الفترة الزمنية بكاملها لممارسة القنص، فيما ظل الحسن الثاني يتداول الشأن السياسي أثناء العملية، إذ غالبا ما يتداول أمور الدولة بحضور وزير الداخلية إدريس البصري الذي كان يتأبط ملفات حساسة ويناقشها في لحظة استراحة مع ملك سحب أصابعه من على الزناد.
عبد الواحد الراضي يكشف أسرار رحلات الصيد مع الراحل الحسن الثاني
في كتابه «المغرب الذي عشته» يتحدث القيادي الاتحادي عبد الواحد الراضي، عن جوانب من علاقته مع الملك الراحل الحسن الثاني، خاصة في فضاءات أخرى بعيدا عن اللقاءات الرسمية، ويسلط الضوء على ما يجري في غابات يمارس فيها الملك هواية القنص.
بدبلوماسيته المعهودة، ووزن العقود التي عاشها وسط الأمواج المتلاطمة للسياسة، يتحدث عبد الواحد الراضي في مذكراته السياسية ويقدمها كوثيقة للتاريخ وشهادة لفاعل استثنائي. فسليل أسرة القياد الذين خدموا سلاطين وملوكا، وهو أيضا يساري، من نوع الأرستقراطي الاشتراكي الذي عاش في حزب معارض ذاق من طبق سنوات الرصاص، هو أيضا القريب من الحسن الثاني ابتداء من 1982، مما يؤهله لتقديم شهادة للتاريخ.
«في إحدى المرات قرر الملك أن يتوجه إلى إحدى رحلات الصيد، كنا جلوسا مع الملك حين التفت إلي وسألني: الراضي، هل تجيد الصيد؟
فأجبته نعم سيدي شي شويا، وتدخل بعض الحضور ليؤكدوا له بأنني أجيد الصيد فعلا، وعقب بالقول غدا سنتوجه إلى حملة صيد، وإذن تعال مصحوبا ببندقيتك».
وأضاف: «في الغد حضرت مصحوبا بلوازم الصيد، ورافقت جلالة الملك الحسن الثاني إلى إحدى المحميات ناحية عين عودة، وهناك قضينا نهارا من الاستمتاع بهوايتنا بكل ما يتميز به من بعد إنساني وطبيعي ورياضي، فاصطدنا عددا من الطرائد، من الطيور أو الخنازير. وكما هو معروف فإن تلك الخنازير التي كنا نصطادها كانت تحمل إلى حديقة الحيوانات في الرباط، لتقديمها كوجبات إلى مختلف الحيوانات الضارية، أما الطيور فكان الملك يحرص على أن ترسل إلي حصة منها، وكانت تصلني وقد تم ترييشها وتوضيبها وأصبحت جاهزة للطبخ».
يروي الراضي بعض الطرائف في ميادين القنص رفقة الملك فيقول: «كنا في محمية عين عودة ننتقل بحثا عن الطرائد، وكل صياد كان يتبع مسربا خاصا به، أمام وفرة الطرائد، إذ كان فضاء المحمية الطبيعي مهيأ لممارسة طقوس الصيد، أما صيد الخنزير واعتبارا لخطورة اندفاعه، فقد كنا نقف عند مرتفع من الأرض فيما يتحرك الحياحة لدفعه صوبنا وحين كان يتجه نحونا ينبغي أن نبقى محميين حتى لا يصدمنا». ويضيف في السياق ذاته: «كان الملك يسألني، كم اصطدت ذلك اليوم في عين عودة، فأجيبه على الفور سبعة وجوج فيضحك ضحكة عميقة ومتسائلة عن معنى هذا الجواب، أي 7 و2 وليس 9، فأجيبه نعم سيدي، سبعة طرائد ضربتها وسقطت أمامي واثنتان حملتا الضربة ودخلتا في عمق الغابة فلم تسقطا أمامي. وستظل هذه الدردشة مع جلالته محط مداعبة بيننا تستعاد داخل دائرة الحاشية المقربة وبين زملاء الصيد».
وظل الرجل يشارك في حملات القنص رفقة الحسن الثاني إلى أن توفي الملك صيف سنة 1999.
ولكن الصيد في حضرة الملك لم يكن يمر بدون تبادل الأفكار والآراء، وبالخصوص تبادل الرسائل، فكم كان الراحل الحسن الثاني يكلفني بأن أنقل بعض الرسائل إلى سي عبد الرحيم بوعبيد، كما كان عبد الرحيم حريصا على تحميلي بعض الرسائل، كنت أتولى نقلها بأمانة إلى الملك.
«اغتنمت فرصة مشاركتي في إحدى حملات الصيد، لأخبر الملك بأن سي عبد الرحيم يرغب في لقاء جلالته، وأبدى الترحيب متسائلا عما إذا كنت أعرف سبب هذا اللقاء فقلت إن لدى سي عبد الرحيم ما يتداوله مع سيدنا، وهناك مشكل أيت قدور بدون شك، وسيثيره مع جلالتكم. تم اللقاء فعلا بعدما اتصلت مصالح التشريفات بالأخ عبد الرحيم وحددت له موعدا. وحكى لي عبد الرحيم عقب اللقاء أنه بمجرد ما سلم الملك بادره هذا الأخير بقوله: «دع مشكلة أيت قدور جانبا فإنه سيغادر السجن فورا، ولنتحدث عن شيء آخر». وكانت للملك هذه اللمسات حين كان يريد تلطيف الأجواء».
الحسن الثاني يتعلم القنص في غابة فرنسية
حين كان الملك الراحل الحسن الثاني وليا للعهد يتابع دراسته الجامعية في بوردو الفرنسية، لم يكن الفتى يخلف الموعد مع خرجات القنص في غابات فرنسا، حيث كان عاشقا للقنص بامتياز، وهي هواية مارسها منذ صغره.. لذلك، تقول كثير من الروايات إنه أظهر عن علو كعبه في مجال القنص.
في سنة 1951، دعي مولاي الحسن، لممارسة هواية القنص بغابة "رامبويي" في فرنسا التي تعج بالحيوانات، رفقة شخصيات سياسية ببلاد دوغول. لكن أهم ما يميزها هو لباس ولي العهد آنذاك، الذي يبدو أنه خاص بالصيد رغم غرابته.
سأل الجنرال شارل ديغول، وكان رئيسا للحكومة مولاي الحسن عن معرفته بهذه الهواية وقال له مازحا: «أعرف أنك متيم بهواية الموسيقى وكرة القدم وركوب الخيول»، فرد عليه ولي العهد: «كل الرياضات مكملة لبعضها البعض».
رد شارل على مولاي الحسن: «كيف يمكن لدارس قانون أن يملك مهارة في القنص، أكيد أن خريجي المدارس والكليات العسكرية يتفوقون عليه في هذا المجال»؟
لكن حضور بديهة الحسن، جعلته يجيب ديغول جوابا جعل مرافقيه يعتقلون ابتساماتهم: «القانون يضبط حمل السلاح سيدي الرئيس». حينها دعا هذا الأخير ولي العهد المغربي لرحلة صيد في إحدى غابات مدينة ليل الفرنسية التي تعد مسقط رأس ديغول.
سؤال الرئيس الفرنسي نابع من كونه خريج من خريجي المدرسة العسكرية سان سير في عام 1912 من سلاح المشاة، وترقى في السلك العسكري إلى جنرال، ثم نائبا لكاتب الدولة للدفاع الوطني، وقاد مقاومة بلاده في الحرب العالمية الثانية، وترأس حكومة فرنسا الحرة في لندن، وفى 1943 ترأس اللجنة الفرنسية للتحرير الوطني التي أصبحت في يونيو 1944 تسمى بالحكومة المؤقتة للجمهورية الفرنسية وكان أول رئيس للجمهورية الفرنسية الخامسة.
مولاي الحسن يفضل القنص الجماعي رفقة زملاء المدرسة
في 25 أكتوبر 2008، قام الأمير مولاي الحسن بزيارة معرض الفرس في الجديدة خلال دورته الأولى، وطاف خلال هذه الزيارة مع رفاقه بالمدرسة الأميرية عبر بعض فضاءات وأروقة الملتقى، ومنها على الخصوص فضاء منتجات الصناعة التقليدية الخاصة بالفرس وفضاء قرية المربين، ظهر شغف الأمير بركوب الخيل، لكن هواية أخرى تسكن وجدانه.
تربية ولي العهد مرتبطة بضمان استمرار العائلة العلوية، التي حكمت المغرب منذ عام 1664 ميلادية، وسبق للملك محمد السادس، في أحد لقاءاته الصحافية القليلة، أن قال إنه يحرص على أن يحصل ولي العهد على تربية مثل التي حصلنا عليها أنا وشقيقاتي وشقيقي، وهي تربية قال إنها «تميل إلى الصرامة مع برنامج دراسي حافل، إذ تلقينا تربية دينية جيدة في الكتاب القرآني بالقصر، وأنا حريص على أن يتلقى ابني نفس القواعد التربوية ويمارس هوايته».
يقوم ولي العهد، بين الفينة والأخرى باصطحاب مجموعة من زملائه وأصدقائه إلى بوزنيقة، المكان المفضل لوالده، حيث يقضي يوما كاملا في قنص الغزلان ومجموعة من الطيور والطرائد.
تنقل ولي العهد رفقة مجموعة من أصدقائه في موكب كبير، من الرباط إلى بوزنيقة، حيث رافقه حراسه الخاصون، معززين بعناصر من الدرك الملكي، كما عرف الطريق السيار الرابط بين المدينتين تعزيزات أمنية مكثفة طيلة مقام ولي العهد في محمية بوزنيقة، إذ اعتادت ساكنة الرباط وتمارة والصخيرات وبوزنيقة، في مثل هذا الوقت من السنة الذي يصادف بداية موسم القنص، على مثل هذه الترتيبات الأمنية المكثفة التي تواكب مختلف تحركات الملك أو ولي العهد.
وسبق لولي العهد، الأمير مولاي الحسن، أن رافق والده في أكثر من مرة في رحلات الصيد، بمجموعة من مناطق المملكة، حيث تعتبر رياضة القنص من رياضات النخبة التي يمارسها أمراء العائلة الملكية.
وبهذا تكون رياضة القنص واحدة من الرياضات التي يعشقها الأمير الصغير، بالإضافة إلى عشقه الكبير لرياضة كرة السلة وكرة القدم وبعض الرياضات المائية.
محمد بن زايد يمارس هوايته المفضلة بالجهة الشرقية
يقضي الشيخ محمد بن زايد ولي عهد أبو ظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة بدولة الإمارات العربية المتحدة، أحيانا عطلته بالمغرب. ويحرص على زيارة منطقة بوعرفة، القريبة من الحدود الجزائرية، رفقة عدد من الشيوخ الإماراتيين ضمنهم الشيخ محمد بن راشد آل المكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء وحاكم دبي، والشيخ حميد النعيمي حاكم عجمان، وذلك لممارسة رياضة القنص بالصقور التي يهواها.
وفي إحدى زيارة المسؤول الإماراتي للمنطقة التحق به ملك البحرين في بوعرفة لممارسة رياضة القنص أيضا، وهو ما أكده حساب الشيخ محمد بن زايد على موقع «انستغرام».
والمعروف عن الشيخ محمد بن زايد عشقه للمغرب، مثل والده الراحل الشيخ زايد بن سلطان ال نهيان، بالإضافة إلى كونه يرتبط مع الملك محمد السادس بعلاقة صداقة وطيدة منذ أن كانا يافعين.
الأمراء والحكام الخليجيون الذين التقوا في بوعرفة شرق المغرب لقضاء عطلتهم الخاصة وممارسة هوايتهم المفضلة المتمثلة في صيد طائر الحبارى النادر والذي تشتهر به المنطقة، بدوا في كامل الاستعداد لجولة القنص وقد تخلصوا من لباسهم الرسمي حيث ارتدى حاكم دبي سترة واقية فوق اللباس الإماراتي التقليدي في حين ارتدى ملك البحرين «جاكيتا» فوق جلبابه نظرا للبرودة التي يعرفها طقس شرق المغرب في شهر دجنبر.
حول الخيمة الرئيسية التي يجتمع فيها الأمراء وكبار الشيوخ ضربت خيام أخرى على شكل دائري تحيط بها لتتحول كلها إلى معسكر كامل التجهيز والخدمات، كما يصف أحد أبناء المنطقة سبق له العمل في المخيم.
في أحد أركان المعسكر أقيم مطبخ كبير للعموم، وبجانبه مطبخ خاص بالوفد الأميري، بالإضافة إلى خيام أخرى خاصة بتخزين المواد الغذائية والخضر والفواكه، وفي ركن آخر تم تجهيز مركز للاتصالات وإلى جانبه عيادتان طبيتان واحدة للبشر والأخرى للصقور التي تعتبر العدة الأساسية في الصيد، وحول المعسكر تنتشر وحدات من الجنود والدرك الملكي للسهر على سلامة وأمن الزائرين مشكلة حزاما أمنيا محكما.
القنص بالصقور في حياة سلاطين المغرب
جاء في كتاب «القنص بالصقور بين المشرق والمغرب» للمؤرخ الدكتور عبد الهادي التازي، أن سلاطين المغرب اهتموا بالصقور وأصدروا مراسيم ملكية بشأنها. ومن عيون شعر الملحون قصيدة «الطرشون»، وهي كلمة إسبانية معربة معناها «فرخ الصقر». كما أشاد بعضهم في قصائده بمهارة الصقر في مطاردة الفريسة، ومدح أحدهم صقره الذي كان يلازمه ملازمة الحبيب لحبيبه.
وهناك قصائد رثاء لبعض الصقور كتبها أصحابها. وأهم قصيد قيلت في الصقر هي قصيدة القاضي إبراهيم الفجيجي، وكانت بعنوان «روضة السلوان» وتشتمل على أزيد من مائتي بيت، كما أورد الباحث المغربي سعيد الجدياني.
ويشير التازي إلى شيوع هذه الهواية عند ملوك أوروبا وملوك الأندلس من العرب والفرنجة، ومن أقدم الوثائق التي يشير إليها المؤلف رسالة بن كماشة وزير ملك غرناطة إلى ألفونسو ملك أراغون، ورسالة أخرى من أبي الحجاج يوسف ملك غرناطة إلى أبي عنان سلطان فاس.
وجاء في إحدى الرسائل: «كنا تعرفنا في سلف من الأيام أن لملككم اهتماما بجوارح الصيد من الطير على شاكلة الملوك الكبار، فاخترنا لكم جملة منها وهي ما سيصلكم مع رسولنا».
لعبت الصقور دورا كبيرا في توطيد العلاقات التجارية بين المغرب وبريطانيا، حيث يتحدث الدكتور التازي عن رسالة من شارل الأول ملك بريطانيا جوابا عن هدية فخمة بعث إليه بها سلطان المغرب جاء في ديباجتها «وصلت رسالتكم وهدية الصقور مع خادمنا جايلزين، فأمرنا أن يعود إليكم ليبلغكم شكرنا آملين أن تأذنوا له بأن يأتي لنا من بلادكم بصقور أخرى وخيول من أحسن ما عندكم».
وحسب رسالة مؤرخة بتاريخ في غشت عام 1512 فإن قائد أسفي يحيى أوتاعففت كان يتودد إلى القائد البرتغالي نونيوفيرنانديش بإهدائه نوعا من الصقور يعرف باسم «النبلي». وعندما كان السلطان أحمد المنصور الملقب بالذهبي، وهو من الهواة الممارسين للصيد بالصقور، يضع تصميمه لقصره الشهير في مراكش المسمى بالبديع عمد إلى وضع الصقور والنسور في مقدمة الحيوانات المحنطة، التي تزين الواجهات والأركان من فهود وأسود، وهي ظاهرة تدل على انشغال المنصور بأمر الطيور.
كما يحدثنا كتاب التازي أن السلطان مولاي عبد الحفيظ أوفد في عام 1910 بعثة إلى تركيا من أجل اقتناء تشكيلة من الصقور المدربة، ونشرت صحيفة فرنسية عام 1912 صورة للسلطان مولاي عبد الحفيظ أثناء رحلة صيد وبجانبه عدد من البيازين على خيولهم وهم يحملون صقورهم على أياديهم، كما أن ملك المغرب محمد الخامس كانت له هواية الصيد بالصقور، وجاء في رسالة بتاريخ 1941 بعث بها إلى وزيره الأول الحاج محمد المقري يطلب فيها التعجيل بإرسال طيور الصيد.
«عرف المغرب عبر تاريخه مصحين خاصين لعلاج الطيور والصقور، الأول كان بمدينة فاس في عهد السلطان أبي عنان (الدولة المرينية) في القرن الثامن الهجري، والثاني بمدينة أسفي في القرن الثالث عشر في عهد السلطان المولى إسماعيل ثالث ملوك الدولة العلوية. وكان بها مصحان لإيواء الطيور والاهتمام بها حيث تطعم وتسقى وتعالج من طرف أطباء مختصين بشؤون الطير وأمراضه وأعراضه»، كما يقول الباحث سعيد الجدياني.
الحسن الثاني يلقن مبادئ القنص للملك حسين
بين الملكين الراحلين، الحسن والحسين، علاقة راسخة في القدم قبل أن ينتقلا إلى عفو الله في ظرفية زمنية متقاربة. فقد سبق لهما أن استمتعا برحلة صيد في المغرب.. لكن اللافت للانتباه هو أن الحسن الثاني يعلم الملك الأردني حسين بن طلال كيف يستعمل السلاح، حتى يقتنص بشكل جيد الغزلان والخنزير البري، علما أن المسدس يلازم ملك الأردن.
كان الملك الأردني الراحل عبد الله الأول يهوى الشطرنج والصيد، وكان الملك الراحل حسين بن طلال رياضيا وعاشقا للطيران وقيادة السيارات والدراجات الرياضية ويستمتع بالرياضات المائية والتزلج على الجليد والتنس، كما يعرفه هواة الإرسال اللاسلكي في جميع أرجاء العالم، أما هوايات الملك الحالي عبد الله الثاني فتتنوع بين سباق السيارات والرياضات المائية وجمع الأسلحة الأثرية وجمع الطوابع.
لكن الملك الأردني الراحل حسين بن طلال، اعترف بمتعة ممارسة القنص في البراري، وقال مرافقوه في أكثر من بوح صحفي، إنه كلما توجه إلى المغرب إلا ومارس هوايات الحسن الثاني المتمثلة في ركوب الخيل والقنص، بينما يتفادى ممارسة لعبة الغولف.
ومن الطرائف التي لازمت إحدى زيارات ملك الأردن للمغرب، أنه طلب من الحسن الثاني القيام برحلة صيد، لكن العاهل المغربي رفض معللا رفضه بعدم السماح بالصيد في هذه الفترة وأن للقنص زمنه المرخص له. حينها طلب حسين من مرافقه تزويده بهذه المعلومات قبل مغادرة الأردن فضحك الجميع.
الأمير مولاي عبد الله يرافق والده في رحلة صيد بزعير في زي تنكري
بسبب علاقته الوطيدة مع محمد الخامس، ومباشرة بعد نفيه إلى مدغشقر، أصدر المقيم العام الفرنسي، سنة 1953، قرارا بإنهاء مهام القائد بوعزة بن عبد الرحمان البرشوي الميموني، خاصة وأن السلطان كان يتردد بين الفينة والأخرى على منزل القائد رفقة نجليه الراحل الأمير مولاي عبد الله والحسن الثاني، حيث كان يمارس هواية القنص ويستمتع بسحر طبيعة منطقة زعير.
مباشرة بعد حصول المغرب على الاستقلال، وقع السلطان محمد الخامس ظهير إعادة القائد بوعزة إلى منصبه بصلاحيات أوسع، في محاولة لرد الاعتبار إليه، واستمر يزاول مهامه إلى 30 غشت سنة 1958، حيث طلب الإعفاء من الخدمة، فلبى الملك محمد الخامس رغبته وأنعم عليه برتبة قائد شرفي.
كانت هذه المنطقة من زعير مقصد الملوك والأمراء للصيد والنزهة والاستجمام. «لقد جرت عادة الملوك والرؤساء في غابر الأزمان، أن يتخذوا أياما معينة من أيام الرياضات سلوهم وفراغهم كحصة من الزمن لمزاولة أنواع الرياضات وضروب مختلفة من ركوب متن الجياد، ليمارسوا بواسطتها من الفروسية فكانوا يقبلون على ذلك بدافع وجداني وحب نفساني»، كما ورد في مجلة دعوة الحق.
ويقول صاحب كتاب «الاستقصاء» إن الملك الحسن الأول قدس الله روحه قد «أقام بأرض زعير مدة طويلة قضى خلايا مراسيم العيد، واستقبل فيها الوفود من كل جهة، التي قدمت له التهاني العيدية، ومنها أصدر أوامره السامية بتعيين عامل الرباط ومنها وجه السفراء عنه إلى بلاد أجنبية.
على نفس المنوال سار محمد الخامس، الذي كان يجد متعة في ممارسة هواية القنص في هذه الربوع، وغالبا ما كان يرافقه نجله الأمير مولاي عبد الله، حيث يقضي السلطان يوما كاملا يتخلص فيه من عناء الهموم السياسية، وفي عشية ذات اليوم يعود إلى قصره في العاصمة الرباط.
وحسب رواية الباحث بوعبيد التركي، المهتم بتاريخ المنطقة، فإن «أول رحلة قنص أعدت للمغفور له الملك محمد الخامس بعد عودته من المنفى، كانت للعيون الشهيرة بعيون الملوك، الموجودة بتراب فرقة أولاد عياد بقبيلة أولاد ميمون وكان ذلك سنة 1956، وقد أقامت القبيلة المذكورة مهرجانا كبيرا للقنص أعد على شرفه».
وكتبت جريدة العلم، حول زيارات السلطان لقائد زعير، بأنها تأخذ أحيانا طابعا سريا، حيث يحرص محمد الخامس على ممارسة القنص إلى جانب نجله الأمير مولاي عبد الله، إلا أن الطابع السري سرعان ما ينكشف بوجود حركة غير عادية وخيام منصوبة في دار القائد، وأحيانا يحتشد الناس على الطريق لتحية الملك وابنه ويساعدانه رفقة خدم القائد على جمع حصيلة رحلة القنص.