مع مرور السنوات وبالرغم من إنجاز محطة لتصفية المياه العادمة ببرشيد على مساحة تناهز 42 هكتارا، وإلزام الوحدات الصناعية بإنشاء محطات للمعالجة الأولية قبل الربط بالشبكة الرئيسية، طفا على السطح من جديد مشكل المياه العادمة التي ترمي بها بعض الوحدات الصناعية بمدخل مدينة برشيد من جهة سطات، أو مشكل الأحواض المائية التي يتخذها المكتب الوطني للماء الصالح للشرب قطاع التطهير كأحواض لتجميع المياه العادمة، سواء بالمنطقة الصناعية أو الموجودة بمحطة التصفية القديمة، مما أصبح يشكل خطرا بيئيا بسبب انتشار سموم بعض الوحدات الصناعية، والتي لها تأثير على الفرشة المائية، خاصة وأن تزويد المدينة بالماء الصالح للشرب يعتمد بنسبة كبيرة على بعض الآبار التي يستغلها المكتب الوطني.
في تقريره الأخير حول بعض الجماعات الترابية بإقليم برشيد، وقف المجلس الأعلى للحسابات على عدد من المخالفات القانونية التي ترتكبها وحدات صناعية تتحدى السلطات وترمي سمومها في الطبيعة، وقد كشف النقاب عن منح تراخيص لوحدات صناعية ملوثة بمنطقة السوالم الخيايطة، وهو الأمر الذي بات يهدد صحة السكان.
وتكشف جولة سريعة في إقليم برشيد أن المجال البيئي أصبح مهددا بسبب المياه العادمة القادمة من بعض الوحدات الصناعية، في ظل غياب أي تدخل من المجلس الجماعي والسلطات الإقليمية والمكتب الوطني للماء الصالح للشرب، قطاع التطهير، ما تطرح معه أكثر من علامة استفهام حول التصريحات التي سبق لمسؤولي تدبير الشأن المحلي أن وعدوا من خلالها باتخاذ الإجراءات القانونية في حق كل وحدة صناعية ثبت أنها لم تلتزم باحترام الشروط والسلامة البيئية، وإنشاء وحدة أولية للمعالجة الأولية لمعالجة المياه العادمة وقذفها بالقناة الرئيسية وليس في الخلاء.
ويصطدم كل من يصل إلى مدخل المنطقة الصناعية من جهة سطات بمشكل المياه العادمة، التي تقذف بها بعض الوحدات الصناعية بجانب الطريق الرئيسية، والتي غمرت جزءا من الأراضي الفلاحية، وهو واقع يكذب كل تصريحات المسؤولين التي روج لها من قبل في أكثر من مناسبة بأنهم قضوا على مشكل رمي المياه الملوثة القادمة من المنطقة الصناعية في اتجاه الأراضي الفلاحية بكل من جماعة جاقمة والنواصر، لكن الحال عاد من جديد، بعد تحول مدخل المدينة بجانب الطريق الوطنية رقم 9 في اتجاه سطات إلى مستنقع تجمعت فيه المياه العادمة، التي تقذف بها الوحدات الصناعية والتي تشوه جمالية مدينة لقبها مسؤولو تدبير الشأن المحلي «فلوريدا» وهو ما أصبح يسمى «حزام التلوث»، الذي تنبعث منه روائح كريهة تهدد المجال البيئي بسبب المياه العادمة، وغياب أي تدخل من الجهات المختصة.
وأمام هذا الوضع يبقى أمل سكان المدينة في القضاء على مشكل تصريف المياه العادمة بجنبات المدينة معلقا، رغم كل القوانين البيئية ومنها القانون رقم 11.03 المتعلق بحماية واستصلاح البيئة، والقانون رقم 12.03 المتعلق بدراسة التأثير على البيئة، والقانون رقم 13.03 المتعلق بمكافحة تلوث الهواء، والقانون رقم 28.00 المتعلق بتدبير النفايات والتخلص منها.
جمعيات تدق ناقوس الخطر
دقت جمعيات المجتمع المدني والحقوقي بمدينة برشيد، الأسبوع الماضي، ناقوس الخطر بخصوص الخطر البيئي الذي بات يهدد حياة المواطنين والقادم من المنتوجات الفلاحية التى تحمل بعض التسممات، وذلك بعد تزايد عدد الفلاحين بكل من منطقة النواصر وبرشيد، على استعمال المياه العادمة في سقي الأراضي الفلاحية. كما تساءلت الفعاليات نفسها خلال لقاء تواصلي عن صمت السلطات الإقليمية والجهوية والمحلية، في التحرك لوضع حد لهذا التسيب وغض الطرف عن فلاحي المنطقة، وخاصة بمناطق سيدي المكي ولعسيلات الخيايطة في سقي الأراضي الفلاحية باستعمال المياه العادمة القادمة من محطة التصفية ببرشيد، والتي يعمد عدد من الفلاحين على تحويل مجراها لسقي الأراضي الفلاحية المخصصة لزراعة الذرة العلفية أو ما يسمى «السيلاج» باستعمال مضخات لضخ المياه، في وقت يعمد البعض الآخر إلى استعمال تلك المياه في سقي الخضر والرعي.
هذه الوضعية المتكررة كل سنة في غياب أي رادع من الجهات المختصة للحد من هذه الكارثة التي باتت تهدد المنتوجات الغذائية، من خلال لحوم الأبقار والمواشي وكذا الحليب ومشتقاته نتيجة تناول الأبقار والمواشي تلك الأعلاف المسقية بمئات الأمتار المكعبة من المياه المشبعة بالمواد الكيماوية الخطيرة، أو الناتجة عن تسميد الأراضي الفلاحية من فضلات الدجاج والديك الرومي.
هذا وبالانتقال إلى المناطق التي تعرف هذه الكارثة، والقوف على حجم الخطر الذي ينتشر على طول قنوات صرف المياه العادمة القادمة من محطة التصفية ببرشيد، في اتجاه واد مرزك بإقليم النواصر، والمتمثل في وجود العشرات من مضخات مياه الري المزودة بمحركات البنزين وقنينات الغاز، يقدم أصحابها على نصبها لضخ المياه العادمة مباشرة في أنابيب القناة في عملية متواصلة طول النهار، وأمام مرأى الجميع، إلى الحقول المجاورة، لسقي المواد العلفية المخصصة للماشية مثل الذرة والفصة، وكذا بعض الخضروات الموجهة للتسويق والاستهلاك.
عملية استغلال قناة المياه العادمة في سقي الأراضي الفلاحية بكل من برشيد والنواصر، تتم بتواطؤ مفضوح مع الجهات المعنية، والتي عهدت إليها عملية المراقبة وحماية المواطنين من كل خطر. وبحسب مصادر الجريدة فإن العديد من المصالح بإقليمي برشيد والنواصر على علم بما يقع، لكنها تقف عاجزة عن اتخاذ أي إجراء، وهي مصالح كان من المفروض عليها إنجاز تقارير في الموضوع، يتم على ضوئها اتخاذ الإجراءات والتدابير الزجرية اللازمة، في وقت يسجل غياب المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية، والذي لم يقم بأي إجراء في هذا الباب وتقتصر مهامه على زيارة الوحدات الصناعية التي له مصلحة في زيارتها، وغير مبال بالخطر الذي يهدد مناطق أولاد حريز المعروفة ببيع اللحوم الحمراء، والتي أصبحت قبلة للفلاحين الذين أصبحوا مختصين في زراعة الأعلاف المسقية بالمياه السامة بها، والتي تحمل معها مواد سامة كالرصاص والزئبق.
الترخيص لوحدات صناعية ملوثة
مشكل المياه العادمة والملوثة كشف عنه المجلس الأعلى للحسابات في تقريره السنوي الأخير، والذي شكل صدمة قوية، وهو التقرير الذي ورط الجهات المانحة لتراخيص استثنائية تخص إنشاء مشاريع صناعية، وكذا قيام بعض الوحدات الصناعية بممارسة نشاط صناعي في غياب شهادات المطابقة، وخاصة خلال الفترة الممتدة من سنة 2009 إلى 2017، وهو ما نتج عنه انتشار عدد كبير من الوحدات الصناعية المرخصة وغير المرخصة بالقرب من الدواوير والأراضي الفلاحية في غياب حلول من أجل الحد من انعكاسات ذلك على البيئة، حيث تبين من خلال محاضر اللجنة الإقليمية أنه يتم رمي بعض من المخلفات الصناعية بالضايات المجاورة دون معالجة، وتصريف فائض بعض المخلفات الصناعية بالطرق المحاذية، بالإضافة إلى انتشار الأدخنة الضارة جراء النشاط الصناعي. كما سجل قضاة المجلس الأعلى في التقرير السنوي، أن عددا من هذه الوحدات المضرة تم الترخيص لها بالاستغلال في غياب شهادات المطابقة.
هذا ومكن افتحاص سجلات رخص الاستغلال المسلمة من تسجيل غياب كلي لتلك المتعلقة بسنوات ما قبل 2014، بالمقابل أثارت محاضر معاينات لبعض الوحدات الصناعية التي تصل بشأنها شكايات من المواطنين إلى السلطات المحلية، جراء ما لها من انعكاسات بيئية وأضرار على أراضيهم الفلاحية المجاورة لها، وجود عدة رخص ممنوحة دون سلك المساطر القانونية.
وفي تعليق له على هذا الوضع، اعتبر بوشعيب السكيني، المهندس المتخصص في حماية البيئة والفاعل الجمعوي بمدينة برشيد، أن التهديد البيئي للمياه الصناعية بمدينة برشيد، يأتي نتيجة مجموعة من الاختلالات والمشاكل البيئية التي تعرفها منطقة الحي الصناعي ببرشيد، خاصة في البنية التحتية لشبكة التطهير لهذه الوحدات الصناعية، مضيفا أن هناك بعض الوحدات الصناعية لم تحترم اتفاقية الشراكة الموقعة بين المجلس الجماعي لبرشيد وأرباب الصناعيين والمكتب الوطني للماء الصالح للشرب، قطاع التطهير، من أجل إحداث محطات للمعالجة الأولية للمياه الصناعية داخل كل وحدة على حدة. وأوضح السكيني أن معظم مياه المنطقة تتجه نحو برك آسنة توجد بالقرب من المحطة القديمة، والتي تؤثر سلبا على الفرشة المائية، كما تتسبب في انبعاث روائح كريهة وغازات سامة بفعل عدم تصفيتها، وأصبحت تهدد السكان المجاورين لهذه المحطة القديمة غير المستعملة. وشدد على أنه من المفترض أن تكون لهذه العملية، أي تصفية المياه الصناعية، مراقبة دورية من طرف المكتب الوطني أو مصالح حفظ الصحة ببلدية برشيد، أو لجان متخصصة تهتم بالمعايير التي تسمح من خلالها بإعادة دمج هذه المياه مع المياه المنزلية، لكن هذه الملاحظات، بحسب المتحدث ذاته، تبقى مكتوبة على الورق والسكان يعانون تدفق هذه المخاطر، سواء عبر بركة مائية أو نشره على جانب السكك الحديدية، والتي بدورها أصبحت مهددة بالانجراف.
جماعة برشيد ترمي الكرة في مرمى المكتب الوطني
يكتفي المجلس الجماعي لمدينة برشيد بتحميل المسؤولية لمصالح المكتب الوطني للماء الصالح للشرب، قطاع التطهير، بشأن مشكل المياه العادمة والمخلفات الصناعية الملوثة، مشيرا إلى أن المكتب هو الجهة المخول لها تدبير القطاع بحسب العقد المبرم معه، وأن أي خلل في تدبير القطاع هو موضوع ملاحظات ومراسلات بين المجلس والمكتب الوطني من أجل التدخل. ويؤكد المجلس الجماعي للمدينة أن ملف التطهير السائل الخاص بالحي الصناعي كان من بين الملفات التي اشتغل عليها المجلس الحالي، وألزم الوحدات الصناعية بإحداث محطات للتصفية الأولية.