أعدت وزارة الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة مشروع مرسوم جديد يتعلق بالعمل عن بعد بإدارات الدولة، أحاله الوزير محمد بنشعبون على الأمانة العامة للحكومة لتعميمه على باقي الوزراء، لإبداء ملاحظاتهم قبل المصادقة عليه من طرف المجلس الحكومي.
تطوير أساليب العمل
أوضحت المذكرة التقديمية لمشروع المرسوم أن العمل عن بعد، الذي أعده وزير الاقتصاد والمالية، يعتبر أحد العناصر المرتبطة بمفهوم الإدارة الحديثة، حيث يندرج ضمن تطوير وتنويع أساليب العمل، وذلك باعتباره شكلا من أشكال تنظيم هذا العمل، يمكن بواسطته إنجاز المهام خارج مقرات العمل الرسمية التابعة للإدارة، باستخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصال، بما يضمن استمرار إنجاز المهام وتقديم الخدمات في مختلف الظروف، وأشارت المذكرة إلى أن العمل عن بعد يمكن من تحقيق التوازن بين حاجيات الإدارة، من جهة، المتمثّلة أساسا في ضرورة استمرارية الخدمات بالنجاعة والفعالية اللازمتين، وبين الظروف الخاصة للموظفين من جهة ثانية، بما يوفره من مرونة في ساعات العمل مع الحفاظ على المعدل اليومي لساعات العمل الرسمية.
وأكدت المذكرة أن اعتماد إمكانية العمل عن بعد، تساهم في توفير بيئة عمل مناسبة للموظفين، بما من شأنه الرفع من نجاعة الإدارة وتحسين مردودية الموظف، من أجل تقديم خدمات ذات جودة للمرتفقين. ويأتي هذا المرسوم، حسب المذكرة، «في إطار الجهود المتواصلة للحكومة في مجال إصلاح الإدارة، سيما عبر تطوير أساليب العمل بالمرافق العمومية وتشجيع رقمنة المساطر وأدوات الاشتغال بهذه المرافق».
ويحدد المرسوم شروط وكيفيات العمل عن بعد بإدارات الدولة، وتطبق مقتضياته على الموظفين التابعين لهذه الإدارات، ويعتبر العمل عن بعد شكلا من أشكال تنظيم العمل، يمكن بواسطته إنجاز المهام والأعمال وأداء الواجبات الوظيفية خارج مقرات العمل الرسمية التابعة للإدارة، باستخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصال، بما يضمن استمرار إنجاز المهام وتقديم الخدمات. وحسب المرسوم، فإن كل عمل يؤدى خارج مقرات العمل الرسمية التابعة للإدارة، إما بشكل دائم أو مؤقت، كلي أو جزئي، بتكليف من الإدارة، يكون فيه الاتصال بين الموظف والإدارة عبر استعمال الأنظمة المعلوماتية وأدوات الاتصال الحديثة يعتبر عملا عن بعد.
العمل عن بعد
يتم العمل عن بعد في مقر سكنى الموظف المعني، أو عند الاقتضاء في مقرات أخرى تحددها الإدارة غير المقرات الرسمية التابعة لها، ولا يخول العمل عن بعد، أينما تم إنجازه، الحق في الحصول على أي تعويض عن الإقامة أو التنقل، أو أي تعويض آخر خارج المقتضيات والشروط الجاري بها العمل، ويكون العمل عن بعد، إما بشكل جزئي، حيث يمكن للإدارة تقسيم وقت عمل الموظف إلى حصص متساوية أو مختلفة بين ما سينجزه بمقر العمل الرسمي التابع للإدارة ومكان العمل عن بعد، ويمكن أن تكون الحصص المذكورة، إما ساعات في اليوم أو أياما في الأسبوع أو في الشهر، أو بشكل كلي يهم الوظائف أو المهام التي يمكن تأديتها بشكل كلي من خارج مقر العمل الرسمي التابع للإدارة.
وينص المرسوم على أنه يتم بمقتضى قرار للسلطة الحكومية المعنية، تؤشر عليه السلطة الحكومية المكلفة بالوظيفة العمومية، تحديد الوظائف والأنشطة المؤهلة للقيام بها عن طريق العمل عن بعد، مع لائحة الأماكن الموضوعة رهن إشارة الإدارة للقيام بالعمل عن بعد إذا كان سيتم خارج مقر سكنى الموظف المعني بالأمر، والقواعد الواجب احترامها فيما يتعلق بأمن أنظمة المعلومات وحماية البيانات، والقواعد الواجب احترامها فيما يتعلق بوقت العمل عن بعد واحتساب مدته، وشروط وكيفية احتساب توقيت ومدة العمل.
ويمكن أن يتم تحديد مدة تجريبية أقصاها ثلاثة أشهر، لتقييم مدى قدرة الموظف المعني على العمل عن بعد، وتقدير انعكاسات العمل عن بعد على سير المرفق المعني، مع إمكانية مراجعة هذه الحصة والمدة كلما دعت الضرورة إلى ذلك، ويتم تكليف الموظف بالعمل عن بعد بموجب قرار لرئيس الإدارة يتضمن على الخصوص المهام والواجبات والأنشطة المعنية بالعمل عن بعد، وتحديد النتائج المنتظرة من الموظف العامل عن بعد، ويتضمن كذلك مكان أو أماكن العمل عن بعد، ومدة التكليف بالعمل عن بعد، وعند الاقتضاء التوزيع الزمني بين العمل بمقر الإدارة والعمل عن بعد، والقواعد الواجب احترامها فيما يتعلق بأمن أنظمة المعلومات وحماية البيانات، وكذلك القواعد الواجب احترامها فيما يتعلق بوقت العمل عن بعد واحتساب مدته، ويمكن للإدارة وضع جميع الوسائل والآليات التقنية الضرورية للتأكد من احترام أوقات العمل المحددة من طرف الموظفين العاملين عن بعد.
الترخيص للموظفين
حسب المرسوم، يمكن للإدارة أن ترخص للموظف لمدة أقصاها سنة، وفق الكيفيات والشروط المشار إليها سابقا، بمزاولة العمل عن بعد، بناء على طلب مكتوب منه، يحدد فيه مبررات ودواعي الطلب لمزاولة العمل عن بعد، وفي هذه الحالة تقوم الإدارة بتقييم مدى توافق الطلب مع طبيعة المهام والواجبات والأنشطة الممارسة من طرف الموظف المعني ومع مصلحة الإدارة، وكذا مطابقة التجهيزات المتوفرة لديه للمواصفات التقنية المحددة من طرفها في حالات تنظيم العمل عن بعد، ويمكن تجديد الترخيص لمدة لا تتجاوز سنة بناء على طلب مكتوب يوجهه الموظف إلى الإدارة 60 يوما قبل انقضاء مدة الترخيص السابق.
وتقوم الإدارة عند انتهاء مدة كل ترخيص بتقييم عمل الموظف عن بعد ومدى تحقيقه للنتائج المحددة، وتراعي نتيجة هذا التقييم في تجديد الترخيص له للعمل عن بعد، ويمكن إنهاء العمل، في أي وقت، بقرار لرئيس الإدارة، بمبادرة منه أو بطلب من الموظف، مع إشعار يحدد في شهرين، تخفض إلى شهر واحد خلال الفترة التجريبية، غير أنه يمكن، في حالة إنهاء ترخيص العمل عن بعد بمبادرة من الإدارة، تخفيض أجل الإشعار إذا اقتضت ضرورة المصلحة.
وينص المرسوم على أن الإدارة تتحمل التكاليف المتعلقة بشكل مباشر بمزاولة العمل عن بعد، لاسيما تكلفة الأجهزة والبرمجيات والاشتراكات والاتصالات وأدوات العمل ذات الصلة، كما تتحمل تكاليف الصيانة والدعم التقني، ما لم يثبت خطأ أو سوء استعمال من قبل الموظف العامل عن بعد، وفي حالة حدوث عطل في إحدى التجهيزات التي يستخدمها الموظف العامل عن بعد، أو في حالة وجود قوة قاهرة تمنعه من أداء عمله، وجب عليه إخبار الإدارة على الفور، ويجب على الموظف العامل عن بعد الالتزام بقواعد أمن نظم المعلومات، وتطبيق معايير الأمن السيبراني عند استخدام مختلف الوسائل التقنية في تطبيق نظام العمل عن بعد، كما يتعين عليه الحفاظ على التجهيزات الموضوعة رهن إشارته، ولا يجوز له استعمالها لأهداف خاصة، ويعتبر كل استعمال أو استغلال للتجهيزات المذكورة لأغراض شخصية وخارج الإطار المعمول به، خطأ مهنيا يعرض مرتكبه لمتابعة تأديبية.
ويستفيد الموظفون العاملون عن بعد من نفس الحقوق المخولة للموظفين الذين يزاولون عملهم في مقرات عملهم، لا سيما تلك المتعلقة، برخص المرض، حيث يتعين على الموظف العامل عن بعد في حالة المرض، إخبار الإدارة وفقا للإجراءات التي تسري على باقي الموظفين، وبحوادث الشغل والأمراض المهنية، حيث يجب على الموظف العامل عن بعد في حالة تعرضه لحادثة شغل أو مرض منسوب للعمل، إخبار الإدارة في أقرب وقت ممكن وتزويدها بجميع المعلومات والوثائق اللازمة.
وحسب المرسوم، تحدث تحت إشراف السلطة الحكومية المكلفة بالوظيفة العمومية لجنة وطنية للتتبع وتقييم العمل عن بعد بإدارات الدولة، إضافة إلى إعداد البرامج التكوينية ذات الصلة، حيث تعد تقريرا سنويا يرفع إلى رئاسة الحكومة، وتتكون اللجنة الوطنية بالإضافة إلى السلطة الحكومية المكلفة بالوظيفة العمومية، من ممثلي السلطة الحكومية المكلفة بالمالية والأمانة العامة للحكومة وممثلي الوكالة الوطنية للتنمية الرقمية.