ظلت الصين لمدة شهرين كاملين خالية من فيروس كورونا الذي ظهر فيها كأول بؤرة للفيروس وتسرب منها إلى باقي بلدان العالم. لكن قبل أيام أعلنت السلطات الصينية عن عدد كبير من الإصابات مما جعل العالم يدق ناقوس الخطر ويتنبأ بموجة ثانية يرجح البعض أن تكون أقوى من الأولى.
سجلت الصين أكبر حصيلة يومية للإصابات بفيروس كورونا منذ شهرين، حيث ارتفع عدد الإصابات يوم الأحد 14 من الشهر الجاري في الصين إلى 83 ألفا و132 بعد تسجيل 57 إصابة جديدة، 36 منها في العاصمة، وهي أعلى حصيلة يومية للإصابة منذ 13 من أبريل الماضي.
وتجنبا لانتشار موجة ثانية للوباء، فرضت السلطات حجرا صحيا على أحياء في بكين، كما أعلنت إغلاق السوق، وأخذ ما يقارب الـ2000 عينة شملت اللحوم والأسطح والمقابض وتأكدت فعلا من وجود الفيروس على بعض منها. كما أعلنت عن إغلاق 11 تجمعا سكنيا بالقرب من السوق. وأغلقت تسع مدارس ودور للحضانة في محيط المنطقة أيضاً. كما أجلت عودة تلاميذ المرحلة الابتدائية التي كانت مقررة خلال الأيام المقبلة.
بؤرة جديدة بالصين
تسود حالة من الذعر في بكين، سيما بعد اكتشاف الفيروس على ألواح تقطيع سمك السلمون المستورد في سوق الخضار، حيث اضطرت المتاجر الكبرى لإزالة مخزوناتها من السلمون، كما أغلقت بعض الأسواق وسلاسل بيع اللحوم.
وعلى صعيد آخر، أعلن الطيران المدني تعليق الرحلات من بنغلاديش إلى بكين في الأسابيع الأربعة المقبلة، وذلك بعد رصد 19 حالة مؤكدة وصل منها 17 إلى الصين عبر خطوط الصين الجنوبية. وظهرت تحركات الصين السريعة لمواجهة المخاوف لتفشي موجة ثانية والتي وصفتها بآلية حرب في إعادة القيود المفروضة على الحركة وتعليق المناسبات الرياضية وحظر السياحة في بعض مناطق البلاد إضافة إلى تعليق خطط فتح المدارس الابتدائية ودور الحضانة.
لكن مع ذلك وصلت بالفعل موجة تفشي الفيروس في بكين إلى منطقة لياونينغ الشمالية الشرقية المجاورة، حيث قالت هيئة الصحة المحلية إن حالتي إصابة جديدين مؤكدتين هما لشخصين كانا على اتصال وثيق بحالات إصابة مؤكدة في بكين.
وحثت عشر مدن صينية على الأقل، منها هاربين وداليان، السكان على عدم السفر إلى العاصمة أو إبلاغ السلطات إذا كانوا قد فعلوا ذلك في الآونة الأخيرة.
كما أن مسؤولي المدينة قرروا أن أي شخص ذهب إلى السوق أو خالط من زارها منذ 30 ماي سيلزم بإبلاغ عمله ومقر سكنه بالأمر والخضوع لفحص كورونا. وقال قاو شياو جون، وهو متحدث باسم سلطات بكين الصحية في المؤتمر الصحفي إن أي شخص في المدينة يشعر بالحمى سيخضع لفحوص كورونا عبر تحليل للدم وأشعة مقطعية.
عودة للإصابات بآسيا
سجلت اليابان 47 إصابة جديدة يوم الأحد 14 من الشهر الجاري، وهو ما يمثل أكبر عدد إصابات منذ أن رفعت الحكومة حالة الطوارئ في 5 ماي.
وأعلنت وزارة الصحة الهندية أخيرا، عن تسجيل 11 ألفا و929 إصابة جديدة، في أكبر حصيلة إصابات يومية، ليبلغ إجمالي الإصابات 320 ألفا و922 حالة، كما تم تسجيل 311 وفاة ليبلغ إجمالي الوفيات 9 آلاف و195 حالة.
وفي سنغافورة، عاد الفيروس للانتشار مع إعلان وزارة الصحة تسجيل 407 حالات إصابة جديدة، ليرتفع بذلك مجمل الإصابات إلى 40 ألفا و604 حالات.
وأعلنت روسيا تسجيل 8 آلاف و835 إصابة جديدة، ليرتفع مجمل المصابين إلى 528 ألفا و964، كما توفي 119 شخصا في آخر 24 ساعة، مما يرفع عدد الوفيات إلى 6 آلاف و948.
وسجلت المكسيك 424 حالة وفاة في آخر 24 ساعة، لترتفع الحصيلة إلى 16 ألفا و872، في حين سجلت 3 آلاف و494 إصابة جديدة، لترتفع الحصيلة إلى 142 ألفا و690.
وفي إيران، انتقد الرئيس حسن روحاني، يوم الأحد الماضي، مواطنيه لتراجع التزامهم بالإرشادات الصحية، حيث سُجلت 42 ألفا و720 وفاة.
موجة ثانية قوية
تشير تقديرات إلى موجة ثانية قد تكون أشد فتكا من الأولى حسب تجاوب نظام الصحة في كل منطقة بالصين. ويؤكد الخبراء أن الأوبئة والأمراض المعدية تتوالى بطرق مختلفة، كالإنفلونزا مثلا التي حدثت عام 1918 وراح ضحيتها 50 مليون شخص وتعتبر مثالا رئيسيا على الجائحة.
وقد حدثت موجات متعددة وكانت الموجة الأخيرة الأكثر فتكا من الأولى قبل أن يتحور ويصبح أكثر اعتدالا. أما أوبئة الإنفلونزا فكانت لها موجات متعددة، وباء h1n1 على سبيل المثال ضرب مناطق من العالم أبريل 2009 تبعته موجة ثانية في الخريف الذي تلاه.
أما السيناريو الأسوأ فمن المرجح، حسب تقرير، أن تشهده الولايات المتحدة حيث سيصيب الفيروس ما بين 60 إلى 70% من الأمريكيين. صورة قاتمة وعلى الجميع الاستعداد لهذا السيناريو مع الأخذ في الاعتبار أن الوباء لن ينتهي قريبا حتى لو تم التوصل للقاح بنهاية العام الجاري، نظرا لأن الكميات ستكون قليلة.
الفيروس أصبح فتاكا
كشف باحثون أمريكيون، السبت 13 من الشهر الجاري، أن فيروس كورونا المستجد تطور بشكل يجعله أشد قدرة على مهاجمة الخلايا البشرية، وهو ما رأى عالم فيروسات أنه وراء ارتفاع عدد الحالات بالولايات المتحدة وأميركا الجنوبية.
ورصد علماء من معهد «سكريبس» للأبحاث حدوث طفرة لبروتين النتوءات الشوكية الموجود على سطح الفيروس، والتي تساعده على دخول الخلايا، بحسب موقع الحرة الأمريكي، ووكالة الأناضول.
ووجد العلماء طفرة «دي 614 جي D614G» تمنح الفيروس مزيدا من هذه النتوءات، وتجعلها أكثر استقرارا، وهو ما يسهل بدوره التصاقه بالخلايا واختراقها.
وكشف هيريون تشوي، عالم الفيروسات الذي شارك في الإشراف على الدراسة، أن البحث توصل إلى أن الفيروسات التي حدثت لها هذه الطفرة كانت معدية أكثر بكثير من تلك التي لم تحدث لها الطفرة.
وقالت شبكة «سي إن إن» إن نتائج الدراسة الأخيرة لا تزال بحاجة إلى مراجعة، ومزيد من الأبحاث حول تأثير هذه الطفرة على مسار الجائحة التي يشهدها العالم. ولكن وليام هاسيلتين، عالم الفيروسات ورجل الأعمال في مجال التكنولوجيا الحيوية، الذي تسلم نسخة من النتائج، قال إنها تفسر سبب الانتشار السريع للفيروس في الأميركتين، وأضاف أن الفيروس يتغير، واستطاع التكيف مع البشر.
دراسة
أظهرت دراسة أجراها باحثون أمريكيون، أن طفرة معينة في فيروس كورونا المستجد، يمكن أن تزيد بشكل كبير من قدرته على إصابة الخلايا.
وقال خبراء في مركز «سكريبس ريسيرتش»، إن هذا البحث ربما يفسر السبب وراء عدم تسبب تفشي الفيروس مبكرا في بعض أنحاء العالم في جعل الأنظمة الصحية هناك غير قادرة على استيعاب المرضى، بخلاف ما حدث في أماكن مثل نيويورك وإيطاليا حيث تفشى الفيروس أيضا.
وأدت الطفرة المسماة (دي614 جي) إلى زيادة عدد «النتوءات الشوكية» على فيروس كورونا والتي تمنحه شكله التاجي المميز، هذه النتوءات هي التي تسمح للفيروس بالارتباط بالخلايا وإصابتها.
ويقول الباحثون، إنه لا يزال من غير المعروف ما إذا كانت هذه الطفرة الصغيرة تؤثر على شدة أعراض المصابين أو تزيد من الوفيات.
وأظهر بحث أقدم أن فيروس كورونا المستجد (سارس-كوف-2) يتحور ويتطور لأنه يتكيف مع مضيفيه من البشر. وجرى تحديد طفرة (دي614جي) على وجه الخصوص كمصدر قلق عاجل لأنها تبدو طفرة سائدة.
بصيص أمل ألماني
في ألمانيا يعمل عالم الأحياء الدقيقة ميخائيل بيونتك على استخدام خلايا الخميرة، لتطوير لقاح لفيروس كورونا. فمنذ كان طالبا، يجري بيونتك تجارب على خلايا الخميرة. واعتمادا على التكنولوجيا قامت شركته «آرتس بيوتكنولوجي ARTES Biotechnology» في لانغنفيلد بولاية شمال الراين وستفاليا بمد السوق بلقاح ضد التهاب الكبد الوبائي «ب». ومنذ أبريل الماضي يعمل بيونتك مع موظفيه البالغ عددهم 25 فردا على التوصل إلى لقاح ضد فيروس كورونا. وبالنسبة له الخميرة مجرد عامل مساعد، من خلالها يمكن لشركة آرتس إنتاج بروتين، من المفترض أن ينتج الأجسام المضادة في الجسم ضد فيروس كورونا.
ويسعى بيونتك إلى اختبار اللقاح على الحيوانات هذا الصيف، ويمكن أن تبدأ الدراسات السريرية البشرية الأولى نهاية العام.
ويتم نشر سلالات الخميرة المعدلة وراثيا من 15 لترا من حساء الزراعة (فقاعات في قوارير من الصلب والزجاج). وفي أربعة إلى خمسة أيام، يجتمع كيلوغرام ونصف من الخميرة معا. ويقول بيونتك «يمكننا بعد ذلك استخدامه لإنتاج 1.5 غرام من البروتينات المناسبة». وتبدو الكمية قليلة في البداية، ولكن وفقا لبيونتك، يمكن أن تكون كافية لإنتاج 100 ألف جرعة من اللقاح.
ويتم إنتاج لقاح التهاب الكبد «ب» بالفعل في الهند والولايات المتحدة وفيتنام وإندونيسيا وتايلند. ونظرا لأن الإنتاج بسيط نسبيا، فإن صاحب المشروع متأكد من أنه يمكنه المساعدة في ضمان التوريد لجميع أنحاء العالم.