حملت سنة 2020 مفاجآت كثيرة للصين، حيث في سنة واحدة ظهر بالإضافة إلى فيروس كورونا، الذي خلف عددا كبيرا من الوفيات على مستوى العالم ولا يزال الباحثون يحاولون السيطرة عليه دون جدوى، ثلاثة أنواع أخرى من الفيروسات المدمرة لصحة الإنسان. فيروس جديد من عائلة أنفلونزا الخنازير الذي ينتقل إلى الإنسان بطريقة سريعة، الطاعون الدبلي أو الموت الأسود الذي سبب وباء عالميا ضرب أوربا وآسيا في القرن 14، وقتل بين 75 و200 مليون، وحمى الضنك التي تنتقل عبر لدغات البعوض.
أعلنت الصين حالة الطوارئ في منطقة منغوليا الداخلية، بعد الاشتباه في حالة إصابة بمرض الطاعون الدبلي، وفي وقت لاحق تأكدت الإصابة. ويقول خبراء إن هذا الوباء الجديد هو الأكثر شيوعا بين أنواع مرض الطاعون، لكنه الأقل خطورة.
وقالت اللجنة الصحية بمدينة بايانور في بيان إن المصاب حالته مستقرة، وهو بمستشفى في المدينة.
ومنعت اللجنة صيد وتناول الحيوانات التي قد تكون حاملة للطاعون، سيما المرموط حتى نهاية العام الجاري، وحضت السكان على الإبلاغ عن وجود أي قوارض مريضة أو ميتة.
وكانت هذه المنطقة قد أعلنت في نونبر الماضي تسجيل 4 إصابات، بينها إصابتان من الطاعون الرئوي، وهو نوع آخر أكثر فتكا.
وحاولت الصين طمأنة العالم، الذي بات يتوجس من كل مرض وبائي يظهر فيها، خشية ألا تتكرر كارثة فيروس كورونا، التي لم تنته فصولها بعد، خاصة أن أمر كورونا بدأ بعدد قليل من الإصابات في ووهان.
قلق دولي
بدأت تظهر إشارات قلق دولي في شبكات التواصل والتقارير الإعلامية الدولية، وحتى تحرك بعض الدول لمواجهة الفيروس. ومما عزز هذه المخاوف، هو إعلان السلطات الصينية عن إصابة مشبوهة بالطاعون لدى فتى يبلغ من العمر ( 15 سنة) في منغوليا المجاورة. وذكرت وكالة أنباء الصين الجديدة الرسمية أن الفتى عانى ارتفاعا في الحرارة، بعد تناوله لمرموط اصطاده كلب.
وبدأت روسيا، وفق تقارير إعلامية، في مواجهة استباقية مع الفيروس، حيث زار مسؤولو الصحة العامة والشرطة الروسية مناطق قريبة من منغوليا. وحذر هؤلاء السكان من صيد حيوان المرموط، بعد إصابة شخصين بالمرض بسبب هذا الحيوان.
ومن جانبها، قالت مسؤولة في منظمة الصحة العالمية إن تفشيا في ما يبدو لوباء الطاعون الدبلي في الصين يجري «التعامل معه بشكل جيد»، ولا يعتبر أنه يمثل خطرا كبيرا.
وقالت مارغريت هاريس، المتحدثة باسم منظمة الصحة العالمية، في إفادة صحفية للأمم المتحدة بجنيف: «نراقب حالات التفشي في الصين، ونتابع الأمر عن كثب بمشاركة السلطات الصينية والمنغولية». وأضافت: «في الوقت الراهن لا نعتبره أمرا ينطوي على خطورة كبيرة، لكننا نتابعه ونراقبه بحرص».
الطاعون الدبلي
كان الطاعون الدبلي الناجم عن إصابة بكتيرية مسؤولا عن واحد من أكثر الأوبئة فتكا في التاريخ البشري، ألا وهو الموت الأسود، الذي أودى بحياة حوالي 50 مليون شخص بإفريقيا وآسيا وأوربا في القرن الرابع عشر.
ومنذ ذلك الحين، كانت هناك بضع حالات انتشار للوباء على نطاق كبير. وقتل قرابة خُمس عدد سكان لندن، خلال فترة «الطاعون العظيم» في عام 1665، بينما مات أكثر من 12 مليون شخص في عمليات انتشار للمرض بالصين والهند، خلال القرن التاسع عشر.
لكن في هذه الأيام يمكن علاج المرض باستخدام المضادات الحيوية. وإذا ترك بلا علاج، فإن المرض - الذي ينتقل عادة من الحيوان إلى الانسان من خلال البراغيث- قد يؤدي إلى الوفاة بنسبة 30 إلى 60 في المائة من الحالات المصابة.
وتشمل أعراض الطاعون الحمى القوية، القشعريرة، الغثيان، الضعف وتورم العقد اللمفاوية في الرقبة أو تحت الإبط أو الفخذ.
انتقال الطاعون الدبلي
يحدث الطاعون الدبلي عادة نتيجة لدغة برغوث مصاب، وتتكاثر البكتيريا في العقدة اللمفاوية الأقرب إلى مكان دخول البكتيريا إلى جسم الإنسان. وإذا لم يتم علاج المريض بالمضادات الحيوية المناسبة، يمكن أن تنتشر البكتيريا إلى أجزاء أخرى من الجسم.
تصاب البراغيث بالطاعون عندما تمتص الدم من القوارض مثل السناجب والفئران والثدييات الأخرى المصابة ببكتيريا يرسينيا بيستيس، ثم تنقل البراغيث بكتيريا الطاعون إلى الإنسان والثدييات الأخرى لاحقا. وتعيش بكتيريا الطاعون فترة وجيزة (بضعة أيام) في دم القوارض، ومدة أطول في البراغيث.
ويصاب الشخص عادة بالطاعون الدبلي بعد يومين إلى 6 أيام من الإصابة، وعند تعرض الشخص لبكتيريا يرسينيا بيستيس في الهواء سيمرض خلال فترة بين يوم و3 أيام.
وإذا ترك الطاعون الدبلي دون علاج يمكن لبكتيريا الطاعون أن تغزو مجرى الدم، وعندما تتكاثر بكتيريا الطاعون في مجرى الدم تنتشر بسرعة في جميع أنحاء الجسم، وتتسبب في حالة شديدة وقاتلة في كثير من الأحيان تسمى الطاعون الإنتاني.
ويمكن أن يتطور الطاعون الدبلي غير المعالج أيضا إلى عدوى في الرئتين، مما يسبب الطاعون الرئوي. إذا لم يتم إعطاء مرضى الطاعون العلاج وهو المضادات الحيوية، يمكن أن تتقدم جميع أشكال الطاعون بسرعة حتى الموت.
عالميا يتم الإبلاغ عما بين ألف وألفي حالة كل عام من الطاعون، ولكن الرقم الحقيقي من المحتمل أن يكون أعلى من ذلك بكثير.
ويتم علاج الطاعون بالمضادات الحيوية بنجاح، وبمجرد تشخيص المريض بالطاعون المشتبه فيه، يجب إدخاله إلى المستشفى وعزله طبيا.
الإصابة بحمى الضنك
سجلت الصين حالة جديدة من حمى الضنك، في اليوم نفسه الذي تأكدت فيه البلاد من الإصابة بالطاعون الدبلي، حيث ذكرت السلطات الصحية المحلية أن أحد سكان مدينة قوانغده بشرق الصين تم تشخيص إصابته بحمى الضنك، وهو فيروس قاتل ينتشر عن طريق البعوض المصاب.
ونشرت حكومة قوانغده إشعارا على حسابها على وسائل التواصل الاجتماعى حول الحالة الجديدة، وفقا لمحطةCCTV» » الإذاعية الحكومية، بأن المريض يتلقى العلاج فى مستشفى محلي، منذ تشخيص إصابته بحمى الضنك، في 5 يونيو الماضي.
ووفقا للتقارير سافر المقيم في السابق إلى دول آسيوية أخرى بما في ذلك الهند وميانمار وباكستان، وقال مسؤولو الصحة إنهم يقومون بجهود لمكافحة الفيروسات في الأحياء المجاورة، بعد الإصابة الجديدة.
ومع ذلك يبدو أن المنشور عبر الإنترنت قد تم حذفه من صفحة وسائل التواصل الاجتماعي الحكومية.
انتقال حمى الضنك
تعرف حمى الضنك أيضا تحت أسماء «حمى تكسير العظام»، و«أبو الركب» «حمى عدن». وتنتقل حمى الضنك عن طريق لدغة بعوضة الزاعجة، والتى توجد بشكل شائع فى المناطق ذات المناخات الاستوائية الرطبة.
يمكن أن يعاني الأشخاص المصابون بالفيروس من حمى عالية وآلام في العضلات، وتشمل الأعراض الأخرى القيء والصداع، خاصة خلف العين، فيما تظهر على عدد صغير من الحالات أعراض شديدة، بما في ذلك قيء الدم والتنفس السريع وآلام البطن الشديدة والتعب.
لكن فقط نحو 25 في المائة من المرضى تظهر عليهم الأعراض، وللمرض فترة حضانة تتراوح بين 5 إلى 10 أيام بعد عض الشخص، مع استمرار الأعراض حوالي أسبوع.
ويعد دنجفاكسيا أحد لقاحات علاج حمى الضنك، وهو معتمد حاليا للاستخدام في علاج المصابين في عمر 9 إلى 45 سنة، ممن يعيشون في المناطق ذات الحالات المرتفعة من الإصابة بحمى الضنك. يحصل المريض على هذا اللقاح على ثلاث جرعات خلال 12 شهرا. ويمنع دنجفاكسيا عدوى حمى الضنك في أكثر نصف الوقت الذي تستغرقه قليلا.
وهذا اللقاح معتمد للاستخدام مع المرضى من الأطفال الكبار، لأن الصغار يكونون أكثر عرضة للخطر المرتفع من الإصابة بحمى الضنك ودخول المستشفى، بعد عامين من الحصول على اللقاح.
وتؤكد منظمة الصحة العالمية على أن هذا اللقاح ليس وسيلة فعالة وحده في حد ذاته، ليقلل حمى الضنك في المناطق التي ينتشر فيها هذا المرض. ولا يزال التحكم في تجمعات الناموس وتعرض البشر، أهم جزء من جهود الوقاية.
وحتى الآن، في حالة العيش أو السفر إلى مكان معروف بانتشار حمى الضنك، فالطريقة المثالية لتجنبها تتمثل في اجتناب قرص الناموس الذي يحمل المرض.
أماكن انتشار حمى الضنك
تم التعرف على حمى الضنك الوخيمة (المعروفة أيضا باسم حمى الضنك النزفية) في الخمسينيات من القرن الماضي، أثناء فاشيات الضنك في الفلبين وتايلاند. أما اليوم فإن حمى الضنك الوخيمة تنتشر في معظم بلدان آسيا وأمريكا اللاتينية، وقد غدت من بين الأسباب الرئيسية لاعتلال الصحة، والوفيات بين الأطفال والبالغين في تلك المناطق.
وبحسب منظمة الصحة العالمية، فقد تصاعدت معدلات انتشار حمى الضنك بشكل هائل على المستوى العالمي خلال العقود الأخيرة، ويواجه نصف سكان العالم تقريبا الآن خطر الإصابة بهذا المرض.
وتشير المنظمة إلى أنه ليس هناك من علاج موضوعي لحمى الضنك، إلا أن الكشف المبكر عنها والحصول على الرعاية الطبية المناسبة يقللان من معدلات الوفيات إلى ما دون 1 في المائة.
نوع جديد من أنفلونزا الخنازير
أفادت دراسة جديدة بأن فيروسا جديدا من فيروسات الأنفلونزا اكتشف في خنازير بالصين، وأصبح أكثر عدوى للبشر، ويجب مراقبته عن كثب خشية أن يتحول إلى «فيروس وبائي» محتمل.
وأظهرت الورقة المنشورة في دورية أمريكية، أن فريقا من الباحثين الصينيين درس فيروسات الأنفلونزا المكتشفة في الخنازير، بين عامي 2011 و2018، ورصد فيروس جي 4 وهو من سلالة فيروس إتش1 إن 1، و«به كل السمات المميزة الضرورية لفيروس وبائي مرشح».
وقال الباحثون في دورية «وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم» إن مستويات مرتفعة من الفيروس رصدت في دماء العاملين بمزارع الخنازير، مضيفين أنه يتعين إجراء مراقبة وثيقة على نحو عاجل للتجمعات البشرية، خاصة للعاملين في قطاع تربية الخنازير.
وتسلط الدراسة الضوء على مخاطر الفيروسات التي تكسر الحاجز بين الأنواع وتنتقل إلى الإنسان، سيما في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية بالصين، حيث يعيش الملايين على مقربة من المزارع ومنشآت تربية الحيوانات والمجازر والأسواق الرطبة (الأسواق التي فيها حيوانات حية).
وقال كارل بيرجستروم، وهو عالم أحياء بجامعة واشنطن، إن الفيروس الجديد يمكنه إصابة البشر، لكن لا يوجد خطر وشيك من جائحة جديدة. وأضاف عبر «تويتر»، بعد نشر الدراسة: «لا يوجد دليل على أن جي 4 ينتقل بين البشر، رغم التعرض له بكثافة لمدة 5 سنوات».
في الدراسة يقول بروفيسور صيني، اسمه كين تشو شانغ: «نحن مشغولون حاليا بفيروس كورونا المستجد، ومعنا الحق في ذلك، لكن لا يجب أن نغفل عن الفيروسات الجديدة التي يمكنها أن تكون خطيرة»، في إشارة إلى فيروسات G4 الخنزيرية «الحاملة جميع السمات الأساسية لفيروس مرشح لأن يصبح جائحة»، فهو قد يصيب عمالا في مسالخ بالصين، أو موظفين آخرين يتعاملون مع الخنازير.
وهناك مشارك آخر مع الفريق المعد للدراسة، هو الأسترالي إدوارد هولمز، عالم الأحياء بجامعة سيدني، والمتخصص في دراسة مسببات الأمراض، وفيها يقول: «يبدو أن الفيروس الجديد بطريقه للظهور في البشر، وهذا الوضع يحتاج إلى مراقبة دقيقة»، وفق ما لخص موقع «العربية. نت» ما قاله. وتماشى معه فيه عالم آخر، هو الصيني Sun Honglei، المتخصص في التأليف العلمي، بتأكيده على أهمية «تعزيز المراقبة» للخنازير الصينية للكشف عن الفيروس، «لأن إدراج جينات G4 من وباء H1N1 يمكنه تعزيز التكيف مع الفيروسات، مما يؤدي إلى انتقال العدوى من إنسان إلى آخر»، كما قال.