مع ارتفاع الإصابات بفيروس كورونا في أوروبا، لجأت العديد من الدول إلى مجموعة من الإجراءات الاحترازية الجديدة وطبقتها على نطاق واسع من البلاد محاولة منها لاحتواء الجائحة. لكن بعض الدول باتت مترددة في اعتماد القيود للمرة الثانية خوفا على اقتصادها، فيما لجأت أخرى إلى إغلاق حدودها في وجه غير المواطنين لمحاصرة الوباء بكل شجاعة.
في ظل ارتفاع منسوب الغضب بشأن طريقة استجابة السلطات حول العالم للفيروس، تواجه بعض الحكومات إجراءات قانونية اتخذها مواطنوها الذين اتهموها بالفشل.
وتخطط رابطة فرنسية لضحايا كوفيد-19 لتقديم شكوى قضائية في حق رئيس الوزراء جان كاستيكس، وفق ما أفاد به المحامي الذي يمثل المجموعة. كما رفعت دعاوى في الصين من قبل أقارب بعض ضحايا الوباء، لكن العديد منها رُفضت بينما يواجه العشرات ضغوطا من السلطات لمنعهم من القيام بأي إجراءات قانونية، وفق الأشخاص المعنيين.
وتتهم عائلات الضحايا الحكومات المحلية في ووهان وهوباي، حيث ظهر الفيروس للمرة الأولى، بإخفاء المعلومات المرتبطة بتفشيه في البداية والفشل في إبلاغ السكان والتخبط في الاستجابة وترك الوباء ينتشر.
وقالت المتقاعدة جونغ هانينغ، التي توفي ابنها بالفيروس، «يقولون إن الوباء كان كارثة طبيعية. لكن هذه النتائج الخطيرة كانت من صنع البشر ويجب تحميل أحد ما المسؤولية». وأضافت: «تدمّرت عائلتي. لن أشعر بالسعادة أبدا بعد الآن».
وتوفي أكثر من 943 ألف شخص حول العالم، 200 ألف منهم في أوروبا، جرّاء كوفيد-19 منذ أن ظهر الوباء للمرة الأولى في الصين أواخر العام الماضي، وفق حصيلة أعدتها وكالة الأنباء الفرنسية.
وقال المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية في أوروبا، هانس كلوغه، إن الارتفاع في أعداد الإصابات التي سجّلت أخيرا يجب «أن يكون بمثابة جرس إنذار لنا جميعا»، بعدما أعلنت القارة 54 ألف إصابة جديدة في يوم واحد، في عدد قياسي جديد. وأضاف، في مؤتمر صحافي عقد عبر الإنترنت في كوبنهاغن، «على الرغم من أن هذه الأرقام تعكس إجراء فحوص على نطاق أوسع، إلا أنها تكشف كذلك عن معدلات مقلقة لانتقال العدوى في أنحاء المنطقة».
فرنسا
أعلنت الحكومة الفرنسية، الأربعاء 23 شتنبر، عن إجراءات جديدة صارمة لمواجهة انتشار فيروس كورونا في عدة مناطق في فرنسا، لاحتواء ارتفاع أعداد الإصابات مع تسجيل نحو 10 آلاف حالة جديدة يوميا خلال أسبوع واحد. وصدرت قرارات بالإغلاق الكلي للحانات والمطاعم في مرسيليا، ثاني أكبر مدن البلاد، وفرض «حالة تنبيه معززة» في إحدى عشرة مدينة، بينها العاصمة باريس. وأثارت القرارات الجديدة الذهول والغضب في مرسيليا، في حين ستقدم مدينة ميونيخ الألمانية على إصدار القرار نفسه.
ومع توسع انتشار الفيروس في منطقة إيكس- مرسيليا في جنوب شرق فرنسا وفي غوادلوب في جزر الأنتيل الفرنسية، أعلن وزير الصحة الفرنسي أوليفيي فيران إجراءات صارمة جدا في هاتين المنطقتين اللتين باتتا ضمن «منطقة الإنذار القصوى». وأعلن فيران أنه سيتم فرض قواعد جديدة كذلك في مدينتي ليون ونيس. ويؤدي هذا التصنيف إلى إغلاق كامل للحانات والمطاعم اعتبارا من السبت 26 شتنبر الماضي. أما «المؤسسات الأخرى التي تستقبل المواطنين» فستغلق أيضا باستثناء تلك التي تعتمد «بروتوكولا صحيا صارما»، مثل المسارح والمتاحف ودور السينما. وأثارت هذه الإجراءات الذهول والغضب لدى مسؤولين منتخبين واقتصاديين.
وندد رئيس المنطقة رونو موزوليي بالقرار، معتبرا أنه «عقاب جماعي قاس جدا للاقتصاد». وأعربت رئيسة بلدية مرسيليا، ميشال روبيرولا، في تغريدة، عن «غضبها» و«استغرابها». وأكدت روبيرولا أن خطر «كارثة اقتصادية» يحدق بالمنطقة. وتشمل الإجراءات مدينة إيكس-أن-بروفانس أيضا. وقال مساعدها بونوا بايان إن «حدة ما أعلنه (وزير الصحة) غير مقبولة».
وإلى جانب مرسيليا وغوادلوب، وضعت إحدى عشرة مدينة كبرى أخرى في «منطقة الإنذار القصوى»، ما يعني إغلاق الحانات اعتبارا من الساعة العاشرة مساء مع الحد من بيع الكحول. وستقتصر التجمعات على ألف شخص فقط في مقابل خمسة آلاف راهنا. ويؤثر هذا القرار على بطولة «رولان غاروس» لكرة المضرب التي انطلقت الأحد بعد تأخر دام أربعة أشهر.
إسبانيا
اعتمدت جهة مدريد، التي تعد من بين أكثر الجهات التي تتمتع بنظام الحكم الذاتي في إسبانيا تضررا من تفشي وباء (كوفيد ـ 19)، سلسلة من التدابير والإجراءات التقييدية الجديدة على الحركة والتنقل، شملت، ابتداء من يوم الاثنين 28 شتنبر، 37 منطقة صحية يبلغ تعداد ساكنتها 850 ألف شخص، وذلك في محاولة لاحتواء انتشار العدوى ومحاصرة تفشي الوباء.
وسجلت جهة مدريد 1500 حالة إصابة بفيروس كورونا في يوم واحد، ويعتبر معدل حالات الإصابة التراكمي وكذا عدد حالات الوفيات بالوباء والضغط الذي تعاني منه المستشفيات والمراكز الصحية بالجهة، أعلى بكثير في جهة مدريد منه في بقية الجهات المستقلة الأخرى، ما يجعلها من أكثر الجهات تضررا بالجائحة.
وأمام هذا المنحى التصاعدي في عدد الإصابات الذي عرفته جهة مدريد خلال الأسابيع القليلة الماضية، وفي محاولة لمواجهة الزيادة المقلقة في عدد حالات الإصابة، أعلنت إيزابيل دياز أيوسو عن عدة قيود جديدة تم تطبيقها ابتداء من الاثنين 28 شتنبر، من بينها تقليص التجمعات وحصرها في ستة أشخاص في مختلف المناطق التابعة للجهة، بالإضافة إلى تدابير وإجراءات صارمة شملت 37 منطقة صحية بالجهة، من بينها فوينلابراداوهومانيسومورالياديوموراليخا دي إينميديووبارلاوخيتافي وسان سيباستيان دي لوس رييسوألكوبينداس .
وأكدت دياز أيوسو، خلال ندوة صحفية، أن معدل الإصابة بالفيروس في هذه المناطق الصحية يسجل أكثر من 1000 حالة إصابة لكل 100 ألف نسمة (المعدل الوطني هو 8 ر 267 حالة) وتقدر ساكنتها بـ 850 ألف نسمة، مشيرة إلى أنها تشكل مجتمعة نسبة 13 في المائة من مجموع ساكنة الجهة وسجلت بها نسبة 24 في المائة من العدد الإجمالي لحالات الإصابة بالوباء على مستوى الجهة .ومن بين الإجراءات والتدابير التي تم اعتمادها، تقييد حركة تنقل الأشخاص باستثناء الحركة والتنقل للأسباب المهنية أو الصحية أو التعليمية، كما تم تحديد الطاقة الاستيعابية وساعات إغلاق المقاهي والمطاعم وكل المرافق الأخرى في العاشرة مساء .
وقالت رئيسة الجهة: «نعلم أن الأسابيع الصعبة قادمة والوضع معقد للغاية»، مشيرة إلى أن عدم احترام الحجر الصحي والتراخي الذي أبان عنه المواطنون، وحتى داخل الأسر، من بين الأسباب الرئيسية التي ساهمت في تردي الوضع الوبائي بالجهة .
وشددت المتحدثة على أن هذه التدابير التقييدية الجديدة التي دخلت حيز التنفيذ لفترة أولية مدتها 14 يوما، تندرج في إطار استراتيجية تم اعتمادها تهدف إلى احتواء انتشار العدوى عبر عدة مقاربات، من بينها تكثيف إجراء اختبارات الكشف عن المرض، وتقييد التنقل، وضبط وتحديد الطاقة الاستيعابية للمقاهي والمطاعم، وكذا أوقات الإغلاق وغيرها. وقالت إن «الهدف من كل هذا هو تجنب فرض الاحتواء الشامل وحالة الطوارئ بأي ثمن كان لأن ذلك سيشكل كارثة اقتصادية بكل المعاني».
وحذّر المسؤولون في مدريد من أن نظام الرعاية الصحية في المنطقة يتعرّض لضغط متزايد، إذ بات مرضى كوفيد-19 يحتلون سريرا من كل خمسة في المستشفيات جرّاء الموجة الثانية من الوباء.
بريطانيا
عادت الإجراءات الاحترازية في مواجهة كورونا إلى الواجهة في بريطانيا، إذ صدر قرار بإغلاق الحانات والبارات والمطاعم في العاصمة لندن، أبوابها، في تمام الساعة العاشرة مساء بالتوقيت المحلي. فقد أعلن رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، أن جميع الحانات والمطاعم ستقدم خدماتها على الطاولات فقط وأنها ستغلق في الساعة 10 مساء اعتبارا من الخميس 24 شتنبر. كما سيكون من الضروري ارتداء الكمامات في متاجر بيع التجزئة وسيارات الأجرة. وبالفعل، وإعمالا لقرار رئيس الوزراء، أغلقت الحانات والبارات والمطاعم، في تمام الساعة العاشرة مساءً بالتوقيت المحلي، فيما بدأت تلك الأماكن تنبيه الزبائن بموعد الغلق قبل حلوله بساعة كاملة، وذلك بالتزامن مع قيام العمال بجمع المناضد والمقاعد الموجودة أمامها بالشوارع استعدادًا للإغلاق في الموعد المحدد.
من جهتها، قامت قوات الشرطة بالمرور على أماكن الترفيه وتحذير أصحابها من عواقب عدم الالتزام بقرار الإغلاق في الموعد المذكور، سيما أن هناك غرامة مالية تقدر بـ10 آلاف جنيه إسترليني ستفرض على أرباب الأماكن التي ترفض الالتزام بتلك القيود التي من المنتظر أن تستمر 6 أشهر.
وأشار المستشار العلمي للحكومة البريطانية، باتريك فالانس، في بيان صادر عن وزارة الصحة البريطانية، إلى أن حالات الإصابة بالفيروس تزداد ضعفين كل أسبوع، محذرا من إمكانية تسجيل 50 ألف إصابة يوميا في منتصف أكتوبر إذا استمرت الإصابات على هذا النحو.
ومنذ غشت الماضي، شهدت بريطانيا ارتفاعاً ملحوظاً في عدد الإصابات بكورونا، حيث تتصدر البلاد قائمة البلدان الأوروبية في عدد الوفيات جراء الفيروس.
ألمانيا
وصف رئيس حكومة ولاية بافاريا الألمانية، ماركوس زودر، جائحة كورونا بالكارثة الطبيعية والاختبار للعصر الحالي، داعيا إلى مكافحة مشتركة للوباء. وقال زودر، في خطابه الرئيسي أمام أول مؤتمر عام لحزبه عبر الإنترنت: «لقد عادت كورونا بكامل عنفوانها وقوتها إلى كافة أنحاء أوروبا»، مضيفا أنه دافع عن استراتيجيته الراهنة في مواجهة الجائحة، مؤكدا أنه لا بديل عنها، وقال: «بالنسبة لي، ليس من المبرر أخلاقيا التضحية بحياة الكثير من الناس من أجل أنشطة ترفيهية». وتابع: «لكن الموجة الثانية سارية وقوية للغاية.. كورونا نوع من الكوارث الطبيعية»، مضيفا أنه يتعين الآن اجتياز هذا الاختبار دون التباطؤ في مكافحة الفيروس، مؤكدا أنه لا بد من مواجهة التحدي بحكمة وحزم.
وأشار زودر، في خطابه، إلى أنه: «يجب أن يكون لدى الحكومة الفيدرالية وحكومات الولايات أقل قاسم إقليمي كمعيار لجميع إجراءات الاحتواء الوشيكة... يجب تجنب إغلاق النشاط الاقتصادي في جميع المقاطعات ذات النسبة العالية من الصناعة بأي ثمن، وإلا فإن الانتعاش الاقتصادي سيتراجع بشكل كبير».
وشدد المسؤول الألماني على أن صناعة التصدير الألمانية، على وجه الخصوص، تعتمد بشكل كامل على السفر إلى الخارج، لذا يجب أن تكون تحذيرات وقيود السفر موجهة بشكل أقرب إلى العدوى المحلية حتى لا تعيق حركة المرور عبر الحدود.
وصنفت الحكومة الألمانية مناطق في 11 دولة عضو في الاتحاد الأوروبي بؤرا خطيرة لوباء كورونا بسبب ارتفاع أعداد الإصابة بها.
ومن المنتظر أن تصدر وزارة الخارجية الألمانية تحذيرات من السفر إلى هذه المناطق في وقت لاحق، لافتا إلى أن التحذير المتوقع لا يعد حظرا بل يتسم فقط بتأثير رادع، كما أنه يتيح للمسافرين إلغاء حجزهم دون تكاليف. وسيكون على المسافرين القادمين من البؤر الخطيرة، إجراء اختبار للكشف عن الفيروس قبل أو بعد السفر بـ48 ساعة.
وأعلنت الحكومة الألمانية تصنيف مناطق في 11 دولة عضو في الاتحاد الأوروبي بؤرا خطيرة لوباء كورونا بسبب ارتفاع أعداد الإصابة فيها.
ووفقا للقائمة الصادرة عن معهد «روبرت كوخ» الألماني لأبحاث الفيروسات، تقع هذه المناطق في الدانمارك والبرتغال وإيرلندا وسلوفينيا وفرنسا والتشيك وهولندا وكرواتيا ورومانيا والنمسا والمجر.
وبذلك تصنف القائمة الآن 14 دولة من أصل 27 دولة عضو في الاتحاد الأوروبي، إما على أنها كلها أو جزء منها بؤرة خطيرة لوباء كورونا.
الخارطة الملونة
تقترح المفوضية الأوربية أن ينشر المركز الأوروبي للوقاية من الأمراض ومكافحتها خارطة أسبوعية للمنطقة الأوروبية تصنف المناطق وفقا لثلاثة ألوان (أخضر، برتقالي وأحمر) وفقًا لأرقام محددة، وأن يتم توفير البيانات على المستوى الإقليمي.
وستكون المناطق الحمراء هي تلك التي يكون فيها عدد الحالات الجديدة أكبر من خمسين خلال 14 يومًا، والنسبة المئوية للاختبارات الإيجابية تساوي أو تزيد عن 3 بالمائة، وحيث يكون العدد الإجمالي للإصابات أكثر من 150 لكل مائة ألف نسمة خلال 14 يوما.
وستلوّن المناطق التي تفتقر إلى المعلومات، أو التي يعتبر فيها عدد من الاختبارات غير كافية، باللون «الرمادي»، وبالنسبة لهذه المناطق فقط، قد تكون القيود إلزامية.
وقال مفوض العدل، ديديي رايندرز، إن «الأمر متروك للدول الأعضاء لاتخاذ قرار بشأن الإجراءات التي يتعين اتخاذها».
وأكدت أورسولا فون دير لايين «نعتقد أنه لا ينبغي منع أي شخص من الاتحاد من دخول دولة أوروبية أخرى، بدلاً من ذلك نوصي الحكومات باستخدام الاختبار أو الحجر الصحي، يجب أن يكون الاختبار هو الخيار المفضل».
ولمنع المسافرين والشركات من مواجهة تغييرات مباغتة في التعليمات، تقترح المفوضية أن تقوم الدول الأعضاء بإبلاغها وإبلاغ الدول الأخرى، كل خميس، بالقيود أو رفع القيود القادمة، على أن تدخل الإجراءات حيز التنفيذ الاثنين الموالي.
واتفق سفراء دول الاتحاد الأوروبي، أثناء اجتماع لهم، على الحاجة إلى التنسيق، لكن بعض الأوروبيين يعتبرون توصيات المفوضية شديدة الطموح.
من جانبه، رفض رئيس الوزراء المجري، فيكتور أوربان، بشدة انتقادات السلطة التنفيذية الأوروبية بشأن إغلاق حدود بلده، حيث أغلقت المجر حدودها أمام غير المقيمين حتى نهاية شتنبر مع بعض الاستثناءات للسياح القادمين من دول مجموعة فيشيغراد (الجمهورية التشيكية وسلوفاكيا وبولندا)، ما دفع المفوضية إلى توجيه رسالة تحذير لها .وقال رئيس مكتب رئيس الوزراء، جيرجيلي غولياس، إنه «من الأول من شتنبر، لن يُسمح للمواطنين الأجانب بدخول أراضي المجر. يجب وضع المواطنين المجريين العائدين من الخارج في الحجر الصحي مدة 14 يوماً أو تقديم اختبارين سلبيين».
وأضاف غولياس أن «هناك خطراً من دخول الفيروس، ومعظم الإصابات الجديدة تعود لحالات وافدة إلى البلاد. المجريون الذين يدخلون البلاد عليهم دفع تكلفة الاختبار بأنفسهم، ولن تدفع لهم الدولة. المجر الآن مصنفة خضراء (على مقياس خطورة انتشار الوباء)، وجميع البلدان الأخرى تتحول الآن إلى اللون الأحمر».
وأدى وصول الوباء لأوروبا إلى تراجع اقتصادات دولها، في مارس، إلى موجة من إغلاق الحدود داخل الاتحاد الأوروبي ومنطقة شنجن، مما قوض حرية التنقل، وهي واحدة من أهم منجزات البناء الأوروبي.