في ظل الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي تمر في ظروف صعبة بما في ذلك فيروس كورونا الذي أودى بحياة العديد في الولايات المتحدة الأمريكية والتصويت بالبريد الإلكتروني الذي يزعج ترامب والركوض الاقتصادي الذي تمر بها البلاد والعالم، كل هذا يجعل المواطنين الأمريكيين يلجؤون إلى شراء الأسلحة قبل يوم القتراع كنوع من الحماية و الشعور بالأمان ، ليصل مجموع القطع التي بيعت بعد شهر مارس أكثر من ثلاثة ملايين قطعة.
انتخابات في زمنكورونا
تعتبر الانتخابات الرئاسية الحالية أول انتخابات في تاريخ الولايات المتحدة تنعقد في ظل وباء شامل أصاب أكثر من ثمانية ملايين مواطن توفي منهم أكثر من 218 ألف أمريكي، وموجة الوباء الثانية في طريقها وقد تكون أخطر من الأولى كما حذر أنتوني فاوتشي، رئيس المعهد الوطني للأمراض المعدية. والحزب الديمقراطي يضع اللوم بشكل رئيسي على الرئيس ترامب الذي سخر من الوباء وقلل من أهميته وشجع الناس أن يستمروا في حياتهم العادية. وعندما تبين له ولغيره أن الوباء أخطر بكثير مما حاول أن يسوقه في بدايات الأزمة عاد وألقى باللوم على الصين واعتبرها مسؤولة عن هذه الجائحة واعتبر أن منظمة الصحة العالمية متآمرة مع الصين، لكن مشروع قرار حاول طرحه في جمعية الصحة العالمية في شهر ماي الماضي للتحقيق مع المنظمة لم يجد من يؤيده إلا أستراليا فسحب مشروع القرار واضطر ترامب حفاظا على ماء وجهه، أن ينسحب من المنطمة ويوقف تمويلها.
التعامل مع جائحة كورونا يشكل موضوعا رئيسيا في الحملة الانتخابية الحالية. فبينما يعد الرئيس بتوفير اللقاح مجانا للملايين إلا أن أحدا لا يصدق هذه البشائر، كما لم يصدقوا حكاية إصابته بالوباء وتعافيه فورا، والتي يحاول توظيفها في الانتخابات.
التصويت عبر البريد
لقد بلغ عدد المصوتين بالبريد لغاية الآن أكثر من خمسة ملايين. وتأتي هذه الإجراءات الاحترازية لتجنب الصفوف والتجمهرات الكبيرة أمام محطات التصويت يوم الانتخابات بسبب وباء كورونا الذي ما زال يصيب الآلاف يوميا. وقد بلغ عدد طلبات الولايات لاستمارات التصويت عن طريق البريد أكثر من 66 مليون استمارة علما أن الرقم لا يشمل كل الولايات. فكاليفورنيا مثلا تسلمت 20 مليون استمارة لكل المؤهلين للتصويت، وتوقعت صحيفة “نيويورك تايمز” أن يصل عدد الاستمارات الموزعة على الناخبين إلى 75 في المائة من المؤهلين للمشاركة في الانتخابات وهو رقم غير مسبوق في تاريخ الولايات المتحدة حيث كان التصويت بالبريد يقتصر بشكل عام على عدد محدود من غير القادرين على الوصول إلى المحطات الانتخابية أو من عناصر القوات المسلحة المنتشرة خارج الولايات المتحدة.
لكن الرئيس ترامب يشكك في سلامة الانتخابات البريدية ويعتبر أن هناك فرصة للتزوير ويطالب الناخبين أن ينتظروا ليوم الانتخابات والذهاب شخصيا إلى مراكز الاقتراع. ووعد أن يضع أنصاره لمراقبة كل مراكز الاقتراع وهو ما قد يؤدي إلى توتر واحتكاك مع المواطنين أو مع الموظفين الرسميين في المراكز.
وبسبب ذلك فسيستغرق فرز وعد الأصوات وقتا أطول بكثير عن المعتاد. وهذا يعني على الأرجح أن النتيجة النهائية بالولايات المتأرجحة الرئيسية (حيث تتقارب نسب التصويت للمرشحين) لن تكون معروفة على الأرجح لأيام وربما أسابيع إلى أن يتم فرز كل بطاقات الاقتراع البريدية، خاصة وأن معظم الولايات لا تسمح حتى بفتح بطاقات الاقتراع الغيابية والبريدية وبداية الفرز حتى يوم الانتخابات نفسه.
وبعدها يجتمع أعضاء المجمع الانتخابي في ولاياتهم بدايات دجنبر للإدلاء بأصواتهم لاختيار الرئيس ونائب الرئيس، ويتم إرسال النتائج إلى رئيس مجلس الشيوخ، ثم يجتمع الكونغرس في 6 يناير لفرز وحساب الأصوات، وبعد ذلك يعلن رئيس مجلس الشيوخ اسم المرشح الفائز بصورة رسمية موثقة، وفي 20 يناير وفي تمام 12 ظهرا يؤدي الرئيس المنتخب اليمين الدستورية ويصبح رئيسًا جديدا للولايات المتحدة.
ركود اقتصادي
تشهد البلاد بسبب جائحة كورونا تراجعا اقتصاديا ونسبة بطالة عالية وارتفاعا حادا في نسبة الوظائف المفقودة لم يكن لها مثيل منذ الانهيار الاقتصادي العظيم عام 1929. فبعد أن انخفضت نسبة البطالة إلى أقل من 4 في المئة في الشهور التي سبقت الجائحة، ما جعل ترامب يتبجح أن الاقتصاد الأمريكي لم يكن في حال أفضل مما هو عليه خلال إدارته، عادت وارتفعت النسبة لتصل إلى أكثر من 14 في المائة في مارس وأبريل وهي أعلى نسبة منذ “الانهيار الاقتصادي العظيم”. لكن بعد تخفيف الإجراءات، وبتشجيع من ترامب وأنصاره وخاصة في الولايات التي يحكمها الجمهوريون، انخفضت النسبة إلى نحو 8 في المائة. وقد حاول ترامب أن يغرق الأسواق بالمحفزات المالية والقروض الميسرة وخاصة للشركات، ومضاعفة الامتيازات للعاطلين عن العمل وتمديد فترة تزويدهم بالرواتب والعلاوات لمدد طويلة كي يمتص النقمة. لكن تبقى الحقيقة أن الأسواق ما زالت شبه خالية والبطالة عالية وكثير من المحال التجارية والأعمال الصغيرة أقفلت أبوابها وإلى الأبد وخسرت سوق العملة نحو 22 مليون وظيفة، وفي ذروة الأزمة تمكن السوق من استرجاع نحو 40 في المائة منها لكن ليس بالضرورة الوظائف نفسها. وحسب استطلاع “PEW” أجري في منتصف غشت فواحد من كل أربعة تعثر في القيام بالتزاماته المالية، وواحد من كل ثلاثة اضطر أن يسحب من مدخراته، وواحد من كل ستة أشخاص استدان أموالا من أقارب أو أصدقاء. لكن بعض الصناعات ضاعفت أرباحها عدة مرات مثل التجارة الإلكترونية وشركات التوزيع مثل “أمازون” التي جمعت مزيدا من المليارات. لقد ارتفعت نسبة التسوق الإلكتروني للحاجات اليومية من طعام وشراب ومستحضرات غسيل وغيرها بنسبة 56 في المائة. فالاقتصاد والبطالة وزيادة الفقر من جهة ومضاعفة ثروة الأغنياء موضوع أساسي في هذه الانتخابات.
مظاهرات ضد العنصرية
تجري هذه الانتخابات في ظل موجة واسعة لمناهضة العنصرية والتمييز ضد السود أساسا وضد الأقليات والمهاجرين بشكل عام. فانطلاق حملة “حياة السود مهمة/لها قيمة” ما زالت منتشرة على طول البلاد وعرضها، وان اختفت حدة المواجهات إلا أن الحملة التي انطلقت على إثر مقتل جورج فلويد يوم 25 ماي في مدينة مينيابوليس هزت المجتمع من جذوره ووضعت الحركة اللوم أساسا على سياسات ترامب الذي يتعامل مع الحركات العنصرية وتجمعات البيض الذين يؤمنون بتفوق العرق الأبيض بمنتهى البرود بل والحنان ويرفض إدانتهم، علما أن حوادث الإرهاب المحلي والعنف والمذابح ازدهرت في عهد ترامب بشكل واضح تماما. وفي تقرير صادر بتاريخ 4 فبراير 2020 عن “رابطة أمهات بحاجة إلى عمل” (لمناهضة امتلاك السلاح الفردي) جاء فيه أن 100000 أمريكي قتلوا بالسلاح الفردي منذ بداية إدارة ترامب. كما تميز عهده بوقوع مذابح كبرى مثل ما جرى في سنته الأولى حيث قتل 58 شخصا في لاس فيغاس، و25 شخصا في كنيسة بتكساس وغيرها الكثير لا مجال لمراجعتها. وقد رفض مجلس الشيوخ المسيطر عليه من الجمهوريين التوقيع على قانون اعتمد في مجلس النواب يتطلب مراجعة خلفية من يريد أن يشتري السلاح. في حين أن “الرابطة الوطنية للبنادق” وهي أقوى مجموعة ضغط في الولايات المتحدة، قدمت لحملة ترامب الانتخابية عام 2016 مبلغ 30 مليون دولار. وبذلك نجد أنه بعد أن تهافت الأمريكيون على شراء السلاح الفردي بعد انتشار وباء كورونا ليصل مجموع القطع التي بيعت بعد مارس أكثر من ثلاثة ملايين قطعة.
الرئيس يرفض تسلم السلطة
الرئيس دونالد ترامب يرفض أن يقر بأنه سيتقبل الهزيمة في حالة فوز منافسه الديمقراطي، ويثير مسألة التزوير في الانتخابات، تلتف حوله جماعات من المتطرفين البيض والميليشيات المسلحة التي تعتبر نفسها رهن إشارته لتحرير أمريكا من الغرباء وإعادتها للعنصر الأبيض الذي في رأيهم، من بنى هذه البلاد وجعلها القوة الأعظم في العالم.
واستطلاعات الرأي تقول إن الفارق بين المرشحين الآن وصل إلى 11 في المائة لصالح بايدن، وترامب يعتبر أن كل هذه الاستطلاعات كاذبة ومؤامرة وأنه مصر على ان انتصاره مؤكد ضد “جو النعسان” و”المتطرفة اليسارية” كمالا هاريس اللذين يريدان أن يفرضا نظاما اشتراكيا في البلاد.
وفي المرة الماضية كانت استطلاعات الرأي تعطي نفس الفارق لصالح المرشحة هيلاري كلينتون، لكن إطلاق العديد من الرسائل الإلكترونية السرية قبل موعد الانتخابات بأيام، والتي قيل إن “روسيا كانت وراءها” قلص الفارق بين الإثنين لعدة نقاط وفاز في المحصلة ترامب. عادت نظرية المؤامرة هذه الأيام تنتشر بسرعة وتشير إلى احتمال التدخل الروسي لصالح ترامب، إذ لا يخفى على أحد أن رجلا أرعن مثل ترامب يعزز الانشقاقات الداخلية ويعزل أمريكا عن حلفائها وأصدقائها ويورطها في أكثر من أزمة وصراع ويظهرها دولة مناهضة للقانون الدولي والعمل الجماعي، أفضل بكثير للاتحاد الروسي من إدارة واعية تعرف كيف ترمم الخراب الذي تركه ترامب داخليا وخارجيا. ولذا يجب ألاّ نعول على استطلاعات الرأي كثيرا وننتظر نتيجة الانتخابات فقد نخطئ جميعا ويفوز ترامب بدورة ثانية.
فيما قال بايدن إن الغش هو الطريقة الوحيدة التي يمكن أن يخسر بها الانتخابات أمام ترامب، إلا أنه أضاف أنه سيقبل بالنتيجة مهما كانت، وجند المرشح الديمقراطي مئات المحامين في الكثير من الولايات تمهيدا لاستخدامهم عند الضرورة.
كما طلبت هيلاري كلينتون من بايدن "عدم الاعتراف بالهزيمة مهما كانت الظروف، لأّنني أعتقد أنّ هذا سيستغرق وقتاً".
موقف ترامب من حمل السلاح
لم يطرح الحزب الجمهوري برنامجًا جديدًا للانتخابات الحالية ولم يتغير موقفه وموقف ترامب من التعديل الثاني وقضايا الأسلحة النارية عن عام 2016. ومن المؤكد أن الجمهوريين قرروا هذا العام "مواصلة دعمهم بحماس لأجندة الرئيس أميركا أولًا". عمومًا، يسود اعتقاد بين الجمهوريين - من الرئيس إلى جميع المسؤولين المنتخبين تقريبًا على المستوى الفدرالي ومستويات الولايات والمناطق المحلية - بأن التعديل الثاني من أهم تعديلات الدستور الأميركي. واعتبره برنامج الحزب لعام 2016 يحمي ما يعتقد الجمهوريون أنه حق طبيعي وغير قابل للتصرف في حمل السلاح.
وأكد الرئيس ترامب أثناء توليه منصبه، إيمانه العميق بالحق في امتلاك السلاح وحمله، باستثناء مناسبات قليلة اضطر فيها إلى مجاراة بعض التغييرات المقترحة على الطرح الأساسي للجمهوريين. وحفلت تلك المناسبات بنقاشات ساخنة حول ما يجب فعله حيال إطلاق النار في المدارس عندما اقترح عليه السياسيون سن تشريع بشأن نوع الأسلحة المسموح للمدنيين امتلاكها. ولكن حتى حينذاك، كان عليه التراجع بسبب التكلفة السياسية التي كان يخشى دفعها إذا وافق على التغييرات المقترحة. فمثلًا في ربيع 2018، بعد أن راودته فكرة تقييد السلاح بعد إطلاق نار في إحدى مدارس فلوريدا، عاد وانضم إلى الاتحاد القومي للأسلحة في مقاومة أي تغييرات في القوانين الحالية. حتى إنه تبنى الفكرة التي اقترحها المحافظون بأن طريقة معالجة حوادث إطلاق النار في المدارس ربما تكمن في تسليح المعلمين. ومع الاستقطاب المسيطر على المجتمع الأميركي، ليس لدى ترامب اليوم أي ملاذ سوى الثبات على موقفه التقليدي من هذه القضية حتى لا ينفض المحافظون والجمهوريون اليمينيون والداعمون عن حملته. وحتى لو كان يؤيد قوانين السيطرة على السلاح - وهو ليس كذلك - فلن يجرؤ على تجاوز قاعدة الحزب في هذه الانتخابات شديدة المنافسة.