في غضون الانتخابات الأمريكية التي يترقبها العالم بكامله وينتظر خبر تلقي المرشح الفائز مكالمة هاتفية من المرشح الخاسر، يهنئه فيها بالانتصار. تتوارد ردود الأفعال من كلا الحزبين المتنافسين، الجمهوري والديمقراطي أو حتى المواطنين الأمريكيين، بين فوز دونالد ترامب و فوز جو بايدن حيث تظهر عملية الفرز الأولية تقارب كلا منهما بشكل كبير. لكن في نفس الوقت، تطغى على المشهد الانتخابي التوقعات بفوز بايدن، لكن فوز ترامب "المفاجئ" عام 2016 خلافا لمعظم الاستطلاعات قد يتكرر مجددا. بينما يصرح ترامب بفوزه قبل الإعلان عن النتائج النهائية، ما يطرح سيناريوهات عديدة من بينها الفوضى في البلاد.
ترجيح فوز بايدن
أبانت معظم استطلاعات الرأي على مستوى العديد من الولايات أن نائب الرئيس السابق المرشح الديمقراطي جو بايدن في وضع أفضل، ولضمان الفوز عليه الاحتفاظ بالولايات التي يُظهر فيها تقدماً كبيراً في استطلاعات الرأي. ومع افتراض تغير النتيجة عما تشير إليه الاستطلاعات بمعدل هبوط قدره ثلاث نقاط، فسوف يظل في استطاعة بايدن الفوز بولايات الجدار الأزرق الديمقراطية، ما سوف يمكنه من الفوز حتى مع خسارته فلوريدا وولايات الجنوب وأريزونا، الأمر الذي سيجعله يفوز بهامش محدود محققاً 278 صوتاً من أصوات المجمع الانتخابي.
فبعض استطلاعات الرأي الموثوقة ترجح فوزا كبيرا لبايدن، وبعد تصدره حتى الآن بحصوله على 238 من أصوات المجمع الانتخابي مقابل 213 لترامب، يمكن لبايدن أن يصل إلى 270 صوتا في حال حصل على أصوات ولايات مثل نيفادا (6 أصوات)، وويسكونسون (10 أصوات)، وميشيغن (16 صوتا).
وفي السيناريو الآخر، يستطيع ترامب بلوغ أغلبية أصوات المجمع الانتخابي دون الحاجة لأصوات بنسلفانيا إذا أضيف إليه ولايات جورجيا (16 صوتا) وألاسكا (3 أصوات)، وميشيغن (16 صوتا)، ونورث كارولينا (15 صوتا). رغم ذلك، لا يزال المرشح الديمقراطي يتصدر على صعيد أصوات المجمع الانتخابي والتصويت الشعبي،
رفض ترامب تسيم السلطة
وقد عبر الرئيس الأميركي دونالد ترامب علنا عن امتناعه للتعهد بانتقال سلمي للسلطة إذا خسر الانتخابات الرئاسية الحالية. ولا يبدو ترامب مؤمنا بضرورة اتباع التقاليد الأميركية الراسخة، إذ لم يتعهد بقبول نتائج الانتخابات وتهنئة المرشح الديمقراطي جو بايدن في حال خسارته كما جرت العادة على مدار التاريخ الأميركي. كما أنه واثق أنه من سيفوز بالانتخابات الرئاسية قبل الإعلان عن النتائج النهائية.
وللمرة الأولى، يشكك رئيس بالسلطة في نتائج انتخابات مستقبلية، وهو ما يدفع إلى تقويض الديمقراطية الأميركية والتسبب في أزمة ثقة في نظامها وإجراءاتها السياسية، وهو ما أدى إلى طرح أسئلة عن موقف الجيش من الأزمة في حال حدوثها.
وعبر ترامب عن رغبته في تسمية قاضية جديدة محافظة وبسرعة لخلافة القاضية الراحلة الليبرالية روث غينسبورغ تحسبا لوصول أزمة الانتخابات الرئاسية إلى المحكمة العليا كما جرى عام 2000.
حيث يكرر ترامب طرح شكوكه في عملية التصويت البريدي المتوقع أن تستخدم على نطاق واسع في الانتخابات المقبلة، كما يكرر مخاوف تزوير نتائج الانتخابات إذا تم التوسع في التصويت بالبريد.
ودفع انتشار فيروس كورونا المستجد الكثير من الولايات إلى الاعتماد على التصويت البريدي خوفا من تداعيات التصويت الشخصي على انتقال الفيروس وارتفاع الإصابات. فقد اعترف بأنه لا يحب الهزيمة، وقال "لست خاسرا جيدا، لا أحب تكبد الهزائم، لا أخسر كثيرا ولا أحب أن أخسر"، مؤكدا أنه لن يقبل النتائج مقدما. فيما غرد أيضا أنه يستعد لإقامة حفل الفوز رغم أن النتائج الانتخابية لم تظهر بعد.
فيما سارع بايدن إلى التعليق على تصريحات ترامب قائلا "في أي بلد نعيش؟" مضيفا "هو يقول أكثر الأمور غير العقلانية. لا أعرف ما أقول". وسبق أن حذر بايدن من احتمال قيام ترامب بسرقة الانتخابات الرئاسية، وأضاف أن معارضة ترامب للتصويت عن طريق البريد وسط تفشي فيروس كورونا هي جزء من جهوده الرامية إلى حرمان المواطنين من حق التصويت.
ومن جهة أخرى، رفض زعماء الحزب الجمهوري المعروف عنهم القرب من الرئيس ترامب دعواته المشككة في نتائج الانتخابات مقدما.
وقال زعيم الأقلية في مجلس النواب كيفن مكارثي "يجب أن نمضي قدما في انتخاباتنا.. لا ينبغي لنا أبدا ألا نجري انتخابات في اليوم الذي حددناه".
في حين أكد زعيم الأغلبية الجمهورية بمجلس الشيوخ ميش ماكونيل أن "علينا أن نثق في نظام وإجراءات الانتخابات الرئاسية، وأنه لا يوجد ما يدفع للتشكيك في نتائجها".
وذهب السيناتور الجمهوري ميت رومني إلى أبعد من ذلك قائلا إن إبداء أي تردد بشأن تطبيق ما يضمنه الدستور "أمر لا يعقل وغير مقبول".
وكتب في تغريدة "النقل السلمي للسلطة أمر أساسي للديمقراطية".
قلق المسؤولين
وأظهر قرابة 20 مسؤولاً ومشرعًا في الولايات المتحدة، بما في ذلك أعضاء في حزب ترامب الجمهوري، قلقًا عميقًا إزاء ما قد يحدث حال خسارة الرئيس الحالي للانتخابات، متوقعين أن يخوض ترامب العديد من المعارك القانونية والسياسية للبقاء في السلطة إذا فشل بايدن في انتزاع المنصب منه مقابل بفارق كبير في عدد أصوات المجمع الانتخابي.
فيما رجّح آخرون أن يُسيء ترامب استخدام السلطات التنفيذية لتحقيق مصالحه الشخصية، بينما يخشى البعض من دعوة الرئيس لأنصاره ومؤيديه للاعتراض على النتائج، وحثهم على النزول إلى الشارع.
فقالت كريستي ويتمان، الحاكمة الجمهورية السابق لنيوجيرسي: "إذا كانت النتائج متقاربة، يُتوقع أن يقاتل ترامب بشراسة"، مُحذرة مما أطلقت عليه "سيناريو يوم الحساب" الذي يشهد فيه الأمريكيون "عاصفة من الأشياء شديدة السوء".
فيما قال توم كولمان، عضو الكونجرس الجمهوري السابق عن ولاية ميسوري، إنه من خلال ما عاشه الأمريكيون خلال فترة رئاسة ترامب، يتوقع أنه قادر على فعل أي شيء للبقاء في منصبه.
ويخشى بعض الجمهوريين في الكونجرس ومسؤولون في المؤسسات العسكرية الأمريكية، من سعي ترامب إلى استغلال الجيش للبقاء في المنصب، من بينهم الكولونيل لورنس ويلكرسون، كولونيل متقاعد بالجيش وكان رئيس أركان وزير الخارجية السابق كولن باول. حيث قال ويلكرسون إنه خلال اجتماع مع سيناتور جمهوري في الخريف الماضي للتحدث عن الحرب الأهلية في اليمن، سأله السيناتور على انفراد عما يمكن أن يقوم به الجيش الأمريكي في حالة خسارة الرئيس في الانتخابات ورفضه التخلي عن المنصب، أو في حالة موافقته على الرحيل ولكن أنصاره الغاضبين قاموا باحتجاجات فوضوية في الشارع.
وقال جاي سنودجراس، مدير الاتصالات السابق في إدارة ترامب، إن زملاءه في الجيش من بينهم عقيد وكابتن وادميرال أعربوا عن مخاوفهم من مطالبة ترامب للجيش بالقيام بأمور ليست مستساغة بعد الانتخابات.
وأضاف: "ترامب خيّر الموظفين في المناصب الحساسة بين الولاء له ولبلادهم، ولهذا السبب يشعر الجميع بالفزع، لأنهم يخشون من التورط في حرب سياسية لا ينتمون إليها".
وأعرب عدد كبير من الساسة الجمهوريين عن خوفهم من استعمال الجيش والقوات العسكرية للقوة في التعامل مع احتجاجات معارضي ترامب في حالة فوزه، كما حدث أثناء تفرقة الاحتجاجات المناهضة لعنف الجيش والعنصرية التي شهدتها الولايات المتحدة خلال الأشهر الماضية.
الجيش يرفع يده من الانتخابات
وتدخل الجيش على خط النقاش السياسي بعدما وجهت نائبتان ديموقراطيتان من مجلس النواب، أسئلة مكتوبة إلى كل من وزير الدفاع مارك إسبر ورئيس هيئة الأركان المشتركة مارك ميلي، حول القلق من رفض ترامب ترك منصبه طواعية أو قد يحاول استخدام الجيش للتشبث في السلطة في حال فوز بايدن. ونأى الجنرال ميلي بالجيش بعيداً عن السجالات السياسية، ورد بخطاب رسمي جاء فيه أنه «في حال وقوع خلاف، فإن المحاكم الأميركية والكونغرس هي المطالَبة بحله، لا القوات العسكرية».
ويحد الدستور من أي احتمال لسيطرة ضباط عسكريين غير منتخبين على الحكم. ويحدد بدقة مسؤوليات الرئيس المنتخب، التي على رأسها أنه قائد أعلى عام للقوات المسلحة. ولم يعطِ الدستور أي دور للجيش في عملية الانتقال السياسي، بل حدد الدستور وزير دفاع بضرورة أن يكون شخصا مدنيا، كما جرد رئيس الأركان من أي سلطات سياسية، وجعل المنصب ضعيفا يستطيع معه الرئيس أن يقيله بتغريدة أو مكالمة تليفونية.
التصويت لتجنب الفوضى
ويحث الديمقراطيون أنصارهم وجميع معارضي ترامب على التصويت بكثافة لتجنيب البلاد سيناريو الفوضى، والمتمثل بفوز بايدن بفارق ضئيل، يتيح للرئيس المثير للجدل إدخال البلاد في دوامة اعتراضات ومرافعات أمام القضاء الأعلى.
وتشير عدة تقارير إلى مخاوف عميقة في الشارع الأمريكي إزاء انفلات الأمن في حال رفض ترامب دعوة أنصاره إلى الهدوء والتسليم بالنتيجة، مع الأخذ بالاعتبار الاحتقان الكبير لدى شرائح مختلفة بالمجتمع الأمريكي، ولا سيما لدى ذوي الأصول الأفريقية، إزاء العنصرية المتصاعدة.
ومجموع عدد المقاعد التي يضمن بايدن حصدها، بالإضافة إلى تلك التي يرجح أن تميل له، يبلغ 279، أي أنه قد يفوز بفارق عشرين مقعدا، وهو هامش ضئيل مقارنة بما حققه ترامب عام 2016.
ورغم تفوق الديمقراطية، هيلاري كلينتون، بفارق نحو ثلاثة ملايين صوت، عام 2016، إلا أن ترامب تفوق بواقع 74 مقعدا بالمجمع الانتخابي (306 مقابل 232).
وفي حال تمكن ترامب بالفعل من حصد أغلب الولايات المتأرجحة مع اختراق في صفوف الديمقراطيين، فإن الحسابات قد تصبح أكثر تعقيدا وتنعكس سلبا بصب الزيت على نار التوتر في الشارع.
مفاجأة ترامب
قد لا تنحصر المفاجآت في فوز ترامب بالولايات الشمالية الصناعية في الغرب الأوسط، وهي بنسلفانيا وميتشيغن وويسكونسن التي حسمها لصالحه عام 2016 بفارق أقل من نقطة مئوية واحدة، سوف يضعه في معادلة جديدة. ولا يبدو ذلك مستحيلاً على رغم استطلاعات الرأي التي تضع بايدن متقدماً بفارق 8 نقاط في ميشيغين، و6 نقاط في ويسكونسن، و4 نقاط في بنسلفانيا. ولو نجح ترمب بطريقة ما في اكتساح هذه الولايات الثلاث التي فاز بها بفارق نقطة واحدة عام 2016، إلى جانب فوزه بولايات مينيسوتا وأيوا وأوهايو المجاورة، فسيحتاج إلى عشرة أصوات إضافية
يمكن أن ينالها بأكثر من طريقة، مثل فوزه بفلوريدا أو أريزونا أو نورث كارولاينا أو بمزيج من ولايات أخرى مثل نيفادا ونيو هامبشاير وصوت انتخابي واحد من ماين ونبراسكا.
كما من المحتمل أن ينتهي الأمر بأن استطلاعات الرأي أخطأت بمقدار خمس نقاط، وليس ثلاث أو أربع كما كانت الحال في الانتخابات الرئاسية السابقة، أو أن نظرية الناخب الخجول سوف تتحقق ويقرر الملايين التصويت في اللحظة الأخيرة بما قد يُحدث تحولاً قد يصل إلى 5 في المئة، أو أن يحدث تحول كبير يقلب الموازين في اليوم الأخير، ما يجعل السباق الانتخابي متقارباً بشدة، وقد يؤدي إلى فوز ترمب بولاية ثانية ربما بعدد 280 صوتاً من أصوات المجمع الانتخابي.
مراحل انتقال السلطة
تجري أي انتخابات رئاسية في الولايات المتحدة على مرحلتين: مرحلة فرز الأصوات على مستوى الولايات قبل تصويت المجمع الانتخابي في منتصف دجنبر، ومرحلة ثانية في يناير حين يحصي الكونغرس أصوات المجمع الانتخابي.
وتتضمن المرحلة الأولى عدداً لا يُحصى من المسؤولين المحليين ومسؤولي الولايات والمحاكم. ولو خرج حتى عدد قليل من هؤلاء الفاعلين عن الخط الحزبي، يمكنهم عملياً القبول بنتائج الانتخابات، كأن يُصدِّق حاكم إحدى الولايات على نتائج تدعم الحزب المنافس مثلاً، أو حكم قضائي يتفق كلا الجانبين على القبول به.
وتملك المجالس التشريعية الخاصة بالولايات في الولايات المتحدة سلطة احترازية لم تُستخدَم حتى الآن تسمح لها بتجاهل تصويت ولايتها واختيار مندوبي الولاية في المجمع الانتخابي بنفسها. وجرى تصوير ذلك باعتباره خطراً جسيماً على النظام، الأمر الذي يُوفِّر سبيلاً آخر يمكن من خلاله أن تخرج الانتخابات الرئاسية عن مسارها. لكنَّه يمنح أيضاً المزيد من الفاعلين داخل النظام سلطة الإقرار بنتائج الانتخابات. إذ يمكن أن تخرج مجموعة صغيرة من المشرعين في المجلس التشريعي في إحدى الولايات عن الخط الحزبي وتُقِرَ بنتائج الانتخابات لصالح مرشح رئاسي ما.
وتوفر المرحلة التالية، حين يجتمع الكونغرس في يناير لإحصاء أصوات المجمع الانتخابي، فرصاً أخرى للإقرار بنتائج الانتخابات. ففي حال جرى الطعن على أصوات إحدى الولايات في المجمع الانتخابي، يجتمع مجلسا النواب والشيوخ بصورة منفصلة للبث في الخلاف. ومن الممكن أن يخرج عدد صغير من أعضاء مجلس النواب أو الشيوخ عن خط الحزب المنتمين إليه، ويُقِرُّوا بنتائج الانتخابات من خلال الموافقة على حل الخلاف لصالح الحزب الآخر. لكن ربما يوجد غموض قانوني خطير هنا؛ فالقانون الحاكم للإجراءات غير واضح بشأن كيفية التوفيق بين مجلسي النواب والشيوخ في حال توصَّل المجلسان إلى قرارين مختلفين، ويلوح هنا احتمال حدوث مأزق دستوري لا يمكن حله. لكن على الرغم من خطورة هذا الغموض قانونياً، فإنَّه إلى جانب الموعد النهائي ليوم التنصيب لا يعمل من الناحية السياسية إلا على تصعيد الضغط من أجل تسوية الملف. وقد يكون لنائب الرئيس، الذي يتولى رئاسة عملية إحصاء أصوات المجمع الانتخابي، فرصة أخيرة للإقرار بنتائج انتخابات مُتنازَع عليها من خلال اختيار حل هذا الغموض لصالح الحزب الآخر. وتصل هذه العملية إلى ذروتها بإعلان نائب الرئيس، وبجواره رئيس مجلس النواب، رسمياً عن
الرئيس المُنتَخَب على الوجه الصحيح
ويمكن لمجلسي الشيوخ والنواب التصويت على توصيات اللجنة، لكن في حال اختلف المجلسان، تُطبَّق توصيات اللجنة.
وتوفر الآلية الانتخابية الأمريكية الكثير من الفرص للتوصل إلى إقرار بنتائج الانتخابات. لكنَّها تبقى معتمدة بالأساس على توجُّب إذعان أحد الحزبين. ولابد أن يُظهِر المترشحون استعداداً للتراجع من حافة الهاوية. ولا تفترض السيناريوهات الكابوسية بالضرورة إمكانية رفض أحد المرشحين
نتائج الانتخابات وحسب، بل أيضاً أن يرفضها أحد الحزبين على كل مستوى من مستويات النظام.