قال سعيد أمزازي، وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، إنه على الرغم من الميزانية الكبيرة المخصصة لوزارة التربية الوطنية، فإن الهامش المخصص لمشاريع الإصلاح وتحسين قطاع التعليم، لا زال يتطلب المزيد من الجهد لتخفيف العبء على الدولة، وكذلك الأسر التي تدعم حصة من تمويل التعليم الوطني أعلى مرتين من متوسط منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، معتبرا أن عددا من الحلول التي تشتغل عليها الوزارة تهدف إلى توفير الأسر 30 في المائة من تكلفة التعليم في المغرب، أي ضعف المتوسط المحدد من منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية و«من أجل تخفيف العبء عن الأسر المعيشية وكذلك الدولة في مواجهة تحديات الميزانية العديدة».
ومن خلال كلمة في مؤتمر حول تمويل نظام التعليم، نظمته الخزانة العامة للمملكة المغربية وجمعية المؤسسة الدولية للمالية العامة، بدعم من المراجعة الفرنسية للمالية العامة، أكد أمزازي أن الاقتراحات التي تشتغل عليها الوزارة الوصية هي «حلول مبتكرة تشتغل عليها الوزارة من قبيل الشراكات بين القطاعين العام والخاص، ومساهمة المهاجرين المغاربة المقيمين بالخارج، أو الضريبة على التصريف النهائي للأصول المحتفظ بها في الخارج، أو الضريبة على الموارد الطبيعية».
في السياق ذاته، شدد أمزازي على أن «الاستثمار الأكبر في نظام التعليم لن يؤدي فقط إلى تحسين رأس المال البشري، بل سيؤدي أيضًا إلى بناء مدرسة الغد التي تركز، من بين أمور أخرى»، مبرزا أن من بين الأمور الأخرى التي سيغذيها الاستثمار في القطاع «تعزيز الدينامية في المجال الاقتصادي بالمقارنة مع القطاع الصناعي أو قطاع العقارات»، وقال الوزير «إن المشكلة الكبرى في التعليم أنها حالة طوارئ تتطلب التدخل، لكنها صامتة»، معتبرا أنه «لا يموت المرء فجأة من نقص في الشهادات، ولكن رأس المال البشري غير المؤهل بشكل كاف سوف يقود بشكل تدريجي وحتمي أمة بأكملها إلى تدهورها».
وأضاف أمزازي أنه «سيتم استبدال الوظائف التي ندرب عليها حاليًا بشكل تدريجي وحتمي بالعمل مع الاستخدام المكثف للمعرفة التي ستصبح موردًا اقتصاديًا رئيسيًا، إذا لم يتوقع نظامنا التعليمي هذا التغيير، فسيكون هناك نقص في هذا المورد، سوف تؤثر بلا شك على توقعاتنا الاقتصادية في المستقبل».
استثمار مربح أكثر من الصناعة أو العقار
أشار أمزازي إلى أن «الدراسات أظهرت أن عائد استثمار الدولار في التعليم أعلى بكثير من عائد الدولار المستثمر في الصناعة أو العقارات أو في المالية»، وبالتالي، فإن سنة دراسية إضافية تشكل زيادة بنسبة 10 في المائة في دخل الفرد وتتوافق مع نقطة واحدة من الناتج المحلي الإجمالي السنوي المكتسب إذا كان الإجراء معممًا، وقال الوزير «هذا هو السبب في أن التعليم هو ببساطة أفضل استثمار يمكن لأمة أن تقوم به».
وأفاد أمزازي بأن «8 في المائة فقط ممن تزيد أعمارهم عن 25 عامًا حاصلون على تعليم عالٍ»، مبرزا أنه في عام 2018، أبلغت المندوبية السامية للتخطيط عن «واقع مقلق»، حيث إن «أكثر من ثلث السكان المغاربة فوق سن 25 لم يتجاوزوا مستوى الكلية وأن 8 في المائة فقط حاصلون على تعليم عالٍ» ، بالإضافة إلى ذلك، ما يقرب من واحد من كل أربعة مغاربة لم يتخط المستوى الابتدائي، مع العلم أن متوسط مدة الدراسة يقدر بـ 5 سنوات و6 أشهر، أي أقل من 6 سنوات من التعليم الابتدائي، وأقل من غالبية دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
الإلزامية لمحاربة الهدر المدرسي
أبرز أمزازي أنه «مع التصويت على القانون الإطار 51-17 الخاص بالتعليم، ستتم زيادة مدة التعليم الإلزامي بمقدار 4 سنوات، أي ما مجموعه 9 إلى 10 سنوات». وشدد الوزير على أن «قطاع التعليم في المغرب يستمر في دفع ثمن أخطاء الماضي»، معلقا «اليوم يجب أن نعترف أنه لم يحدث تراكم لرأس المال البشري في بلدنا وأن واحدا من كل ثلاثة مغاربة لا يزال أميا في العصر الرقمي والثورة الصناعية الرابعة، للأسف»، حسب تعبير الوزير.
وأوضح الوزير أن «بين الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عاما، تنخفض هذه النسبة إلى 10 في المائة»، وهو ما يمكن، حسب الوزير، «أن يعطينا أملا معقولا بأن مشكلة الأمية في المغرب ستصبح شيئا من الماضي قريبا»، وتعكس هذه الأرقام موقع رأس المال البشري في المغرب باعتباره «حلقة ضعيفة في النمو الاقتصادي، نتيجة أكدها البنك الدولي»، كما يؤكد الوزير، مشيرا إلى أن «درجة 0.5 في المائة من نسبة الأمية هي النسبة التي حددتها الأمم المتحدة في تقريرها عن مؤشر رأس المال البشري لعام 2020، والذي، على الرغم من التحسن الطفيف، لا يزال أقل من متوسط الدرجة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا».
الأجور تستنزف 90 في المائة من الميزانية
كشف سعيد أمزازي أنه «في غالبية البلدان، يتلقى التعليم تمويلاً من الدولة والسلطات المحلية والأسر والقطاع الخاص وتختلف مساهمات كل بلد من بلد إلى آخر»، منبها إلى أن «الدراسات أظهرت أن أفضل نماذج المدارس حول العالم هي تلك الخاصة بالمدارس التي تم نقل إدارتها وتشغيلها بالكامل إلى البلدية، نظرًا لقربها وانغماسها التام في السياق البيئي للمدرسة، مما يسمح له بالمساهمة بشكل مباشر وفعال في نجاح مشروعه، سواء من حيث النقل المدرسي أو الحياة المدرسية أو المقصف أو الأنشطة اللامنهجية »، مضيفا أنه من خلال هذا النظام «تضمن البلدان المتقدمة في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية متوسط 15 عامًا من التعليم الجيد، في حين أن البلدان النامية، حيث تزيد التركيبة السكانية المتسارعة بشكل كبير من الاحتياجات وضعف القاعدة الضريبية، فإن تمويل التعليم يتأثر».
وحسب أرقام الوزير، فإن «ما يقرب من 22 في المائة البلاد، أو 7 في مائة من الناتج المحلي الإجمالي، تذهب للتعليم» ومع ذلك، «لا تتوفر الوزارة إلا على مساحة محدودة للغاية للمناورة لتنفيذ إصلاحاتها وتحسين جودة نظام التعليم»، يشير المتحدث، مضيفا أن «الأموال التي تخصصها الدولة لوزارة التربية والتعليم فقط تضمن سير العمل الأساسي، حيث إن 89 في المائة من هذه الميزانية مخصصة لفاتورة الأجور، وهذا يترك الوزارة فقط 11 النسبة المئوية لإدارة كل ما هو تعليمي، والوصول إلى التعليم (أي بناء وإعادة تأهيل وتجهيز المدارس، وإنشاء مدارس داخلية، والرقمنة، وتدريب المعلمين) وأيضًا جزء من الدعم الاجتماعي الممنوح لأطفال الأسر ذات الدخل المحدود«.
وأشار الوزير إلى أن الأرقام تبين أن متوسط منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي لتمويل التعليم الإجمالي هو 83.5 في المائة، وترتفع إلى 96 في المائة في فنلندا، بينما في المغرب 68 تمثل فقط، ومن ناحية أخرى، تقدر حصة التمويل المقدم من الأسر بنحو 30 في المائة في المغرب، وهو ما قال إنه «مرتفع للغاية، لأنه يبلغ ضعف متوسط منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الذي يبلغ حوالي 16 في المائة».
نحو المزيد من الجهوية في التعليم
أوضح أمزازي أنه في البلدان الآسيوية «مع نجاح نموذجي في التعليم، يتم دعم ميزانية التعليم الابتدائي والثانوي، بنسبة تصل إلى 90 في المائة، من قبل المجتمعات المحلية»، مشيرا إلى أن متوسط منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية من حيث مساهمة السلطات المحلية في تمويل التعليم بلغ 66 في المائة، ولكن في المغرب، يؤكد الوزير «مكانة السلطات المحلية والإقليمية ظلت دائمًا، حتى السنوات الأخيرة، هامشية نسبيًا. وهذا نقص حقيقي »، مضيفا أن «النقص الذي يحاول القانون الإطار 51-17 الخاص بالتعليم تجاوزه لأنه يجلب بعض التحسينات الملحوظة في هذا الاتجاه، ويتم بذل جهود ملموسة، كما أن دستورنا يدعو إلى اللامركزية واللامركزية الإدارية».
وأكد الوزير على أن «مسؤولينا المحليين المنتخبين يجب أن يكونوا جزءًا من مسؤولية التمويل، وإنجاز الإنشاءات، وصيانتها، أو حتى مكافآت غير أعضاء هيئة التدريس، صورة ما يُمارس في كثير من البلدان، وهو ما يفترض بوضوح مستوى معين من الكفاءة للأخيرة في إدارة مثل هذه المشاريع التعليمية »، بهذا المعنى، بدأت الإجراءات التي وصفها الوزير بأنها «مبتكرة بشكل خاص، من بينها، العمل الذي تم في إطار البرنامج الوطني لتقليص الفوارق الإقليمية والاجتماعية، والذي تم توفير 5 مليارات درهم للسلطات المحلية لبناء وإعادة تأهيل المؤسسات التعليمية بشكل أساسي. في العالم القروي»، كما يتعلق النموذج الثاني «بالتجربة التي تم إجراؤها في منطقتين: تجربة فاس - مكناس وتجربة بني ملال - خنيفرة، والتي تضمنت التعليم في إطار برامج التنمية الجهوية من خلال الالتزام بالتمويل، فترة 3 سنوات، ثلث الاحتياجات المقدرة لمدارسهم في البناء والتأهيل والتجهيزات. ثلثي الاحتياجات المقدمة من الدولة ».
النموذج الثالث المذكور هو أن «نقل الصلاحيات إلى مجالس الجماعات منذ عام 2014، حتى لو كان هذا النمط من العمل في الميدان سيستفيد من التحسين الأمثل» مضيفا أنه في ضوء السياق الحالي، فإن مشروع قانون المالية لعام 2021 «تمكن مع ذلك من الحفاظ على نفس مستوى التمويل الذي كان عليه في السنة المالية 2020، وهذا مع العلم أن المشاريع التي بدأت لا يمكن تأجيلها».
نفقات الهجرة من الخاص إلى العام
أشار أمزازي إلى أن المغرب نجح في مواجهة التحدي المتمثل في تعميم التعليم بنسبة 90 في المائة على مستوى الكلية و65 في المائة على مستوى المدرسة الثانوية وحوالي 100 في المائة على المستوى الابتدائي، وأنه تم تحقيق النتائج بالرغم من زيادة عدد التلاميذ والطلاب وبالتالي احتياجات الاستثمار والتمويل، مبرزا أنه يوجد سنويًا ما يقرب من 750.000 متعلم جديد في المرحلة الابتدائية، و250.000 طالب على المستوى الجامعي و250.000 متدرب على مستوى التدريب المهني و«هذا أكثر من مليون متعلم جديد كل عام»، يشير أمزازي قبل أن يحدد أنه بين عامي 2019 و2020 «هاجر أكثر من 200 ألف طالب من القطاع الخاص إلى القطاع العام».
علاوة على ذلك، «مع أزمة كوفيد 19، تم الشعور بإلحاح الرقمنة، وهي أداة رئيسية في التعليم عن بعد، أكثر من أي وقت مضى»، يضيف الوزير بسبب تعليق الدراسة لعدة أشهر منذ مارس 2020، كان على وزارة التربية الوطنية مواجهة التحدي المتمثل في «استبدال التدريس الحضوري بآخر عن بُعد للجميع»، ومع ذلك، يؤكد أمزازي «كشفت التقييمات الأولى التي أجريت في ماي 2020 عن صعوبة الوصول إلى الرقمنة» مبرزا أنه من الضروري ليس فقط جمع موارد مالية كبيرة ولكن أيضًا لإيجاد حلول لـ 45 في المائة من الطلاب في المناطق الريفية والذين ينتمون إلى أسر منخفضة الدخل.