ينبغي أن تدق الأحزاب السياسية ناقوس الخطر بعد الأرقام القاتمة التي وردت ضمن نتائج الاستطلاع الذي أجراه معهد الدراسات الاجتماعية والإعلامية ونشرت نتائجه هذا الأسبوع.
فأن يعبر 11 في المائة فقط من المغاربة المستجوبين عن أنهم يثقون في الأحزاب السياسية، وأن 60 في المائة من المغاربة لا يثقون فيها، فهذا أمر يدعو للقلق على مصير هاته المؤسسة التي يعول عليها لصناعة كوادر الدولة وتأطير الشعب وتمثيل الأمة في مؤسسات الحكومة والبرلمان.
والحقيقة الساطعة أن الأحزاب تعيش أسوأ أيامها وتنفق في الفراغ ما تبقى من رصيدها الذي راكمته منذ عقود، صحيح أن هناك عوامل موضوعية وتاريخية تقف جزئيا وراء حالة الموت البطيء التي يعيشها الفاعل الحزبي، لكن لا أحد يمكن أن يتجاهل قوة العامل الذاتي في ما تواجهه الأحزاب من أزمة حقيقية على مستوى تحديد الهوية والدور والمآل والقناعة بالديمقراطية الداخلية كمصير حتمي.
وبدل أن تلائم الأحزاب نفسها مع الفرص الدستورية والسياسية المتاحة، أصبحنا نجد أنفسنا أمام كائنات غريبة وانتهازية همها الوحيد الانقضاض على المصالح والمناصب وتسييج المقاعد الانتخابية باسم الواقعية السياسية، على حساب الوظيفة الرئيسية والمبادئ الكبرى التي تقوم عليها الأحزاب.
وبدون شك فإن التراجع المهول لمنسوب الثقة في الأحزاب يعني بمنطق العلاقة الصفرية اتساع رقعة الشرعية لدى التعبيرات السياسية التي خرجت عن الأطر التقليدية والدستورية والقانونية، والفضاءات الأصلية التي تمارس فيها عادة اللعبة السياسية، حيث بدأ الصراع السياسي يهرب من فضاء المؤسسات الوسيطة لينساب إلى الإلتراس فضاءات الملاعب، والتعبيرات الغنائية في الراب، والكائنات العدمية عبر اليوتوب ومختلف وسائل التواصل الاجتماعي.
فالواقع يأبى الفراغ وتراجع الأحزاب بمحض إرادتها عن لعب أدوارها الانتخابية يعني تقدم تنظيمات للاتأطير واللاتنظيم واللامسؤولية التي قد تأتي على الأخضر واليابس.