غضب كبير انتاب فرنسا بعد قرار التحالف الأمني الثلاثي الجديد بين أمريكا وبريطانيا وأستراليا، مما أفسد عليها صفقة القرن مع الأخيرة والتي قدرت بقيمة 56 مليار أورو (66 مليار دولار)، حيث قررت أستراليا شراء غواصات أمريكية تعمل بالطاقة النووية عوض الغواصات التقليدية الفرنسية. كما تسبب هذا القرار في تأجج العلاقات بين فرنسا وأمريكا، معتبرة إياها هي السبب في إخراجها من اللعبة وطعنها في ظهرها.
سهيلة التاور
أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن، ورئيس الوزراء الأسترالي سكوت موريسون، ونظيره البريطاني بوريس جونسون عن تحالف جديد عرف اختصارا باسم «أوكوس»، لحماية مصالح الدول الثلاث في المحيطين الهندي والهادئ، وسيسمح لها بتبادل التكنولوجيا التي تشمل الأمن الإلكتروني والذكاء الاصطناعي والأنظمة تحت الماء وقدرات الضربات البعيدة المدى.
وقال القادة، خلال اجتماع افتراضي، إن الجزء الأول من الاتفاقية الأمنية التاريخية سيشهد جهداً ثلاثياً مدة 18 شهراً لتحديد المسار الأمثل لحصول أستراليا على غواصات تعمل بالطاقة النووية.
وشدد بايدن، الذي يخطط لنقل الاهتمام من الشرق الأوسط والمحيط الأطلسي إلى المحيط الهادئ، على أن مبادرة أوكوس ستمكن الدول الثلاث من الحصول على أحدث القدرات للمناورة وصد التهديدات سريعة التطور، كما ستمكنها من الحفاظ على قدراتها العسكرية وتوسيعها.
وجاء الإعلان عن التحالف ضمن خطوات حثيثة تسعى الإدارات الأمريكية لاتخاذها بهدف احتواء تمدّد بكين التي يتوقّع أن تتخطى واشنطن لتصبح أكبر اقتصاد على مستوى العالم في غضون أربع سنوات.
ترحيب بريطاني
أكد بوريس جونسون أن اتفاق الشراكة الأمنية مع الولايات المتحدة وأستراليا «أوكوس» ليس موجها ضد أي دولة، في إشارة إلى الصين، موضحا أن الاتفاق لا يؤثر على علاقة لندن بحلف ناتو. وأوضح أن علاقة بلاده العسكرية مع فرنسا لا تزال ثابتة رغم الاتفاق، مشيرا إلى أن الدولتين لديهما تعاون مشترك لمكافحة الإرهاب في مالي.
وقال وزير الدفاع البريطاني إن الشراكة الجديدة بين بلاده والولايات المتحدة وأستراليا، التي أدت إلى انهيار صفقة لبناء غواصات من قبل فرنسا للقوات الأسترالية ليست موجهة ضد باريس.
وقال وزير الدفاع البريطاني، بن والاس: «وفقا للعقد، تعهدت فرنسا بتوريد غواصات (إلى أستراليا) تعمل بالديزل والكهرباء. أعتقد أن الأستراليين اتخذوا قرارا لصالح الغواصات النووية. بالطبع، لكل دولة الحق في اتخاذ القرار الذي يناسب مصالح أمنها القومي. ليست لدينا أي نية للتصدي لفرنسا التي تمثل حليفنا العسكري الأقرب في أوروبا».
غضب فرنسي
كجزء من هذا التحالف الأمني الجديد، قررت أستراليا شراء تكنولوجيا غواصات أمريكية مما حرم فرنسا من صفقة بقيمة 56 مليار أورو (66 مليار دولار)، كانت قد وقعتها في عام 2016 مع أستراليا لتزويدها بغواصات تقليدية. وجاء قرار أستراليا بناء غواصات تعمل بالطاقة النووية بدعم أمريكي وبريطاني.
وبهذا الخصوص، قالت وزارة الخارجية الفرنسية، في بيان، «هذا قرار مخالف لنص وروح التعاون الذي ساد بين فرنسا وأستراليا». مضيفة أن «الخيار الأمريكي الذي يؤدي إلى إقصاء حليف وشريك أوروبي مثل فرنسا من شراكة مزمنة مع أستراليا، في وقت نواجه فيه تحديات غير مسبوقة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، ويشير إلى عدم ثبات لا يمكن لفرنسا إلا أن ترصده وتأسف له».
كما اعتبرت الوزارة عن أن «القرار المؤسف الذي تم الإعلان عنه للتو يؤكد فحسب ضرورة إثارة مسألة الاستقلال الاستراتيجي الأوروبي بصوت عال وواضح. ما من طريقة أخرى جديرة بالثقة للدفاع عن مصالحنا وقيمنا في العالم».
وفي هذا الشأن، قال وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان «إنها حقا طعنة في الظهر. أقمنا علاقة مبنية على الثقة مع أستراليا. وهذه الثقة تعرضت للخيانة»، مضيفا أن «هذا القرار الأحادي والمفاجئ وغير المتوقع يشبه كثيرا ما كان يفعله ترامب».
وبدورها، اعتبرت وزيرة الجيوش الفرنسية فلورانس بارلي أن فسخ أستراليا العقد الضخم مع فرنسا هو أمر «خطير» ويشكل «نبأ سيئا جدا بالنسبة لاحترام الكلمة المعطاة». وقالت بارلي، في حديث إذاعي، إنه «أمر خطير من الناحية الجيوسياسية وعلى صعيد السياسة الدولية». مضيفة بأنها «مدركة للطريقة التي تتعامل بها الولايات المتحدة مع حلفائها».
استياء الاتحاد الأوروبي
شدد «الاتحاد الأوروبي» على أنه لم يبلغ بالشراكة الدفاعية الثلاثية، مما دفع فرنسا إلى اتهام الرئيس بايدن، الذي تعهد في وقت سابق برص صفوف الحلفاء بمواجهة «الخطر الصيني»، بطعنها في الظهر، واستخدام أسلوب سلفه دونالد ترامب.
وأعلن مسؤول السياسة الخارجيّة في الاتّحاد الأوروبي أنّ التكتّل «يأسف» لعدم إبلاغه أو التشاور معه بشأن الاتفاقيّة الأمنيّة المبرمة بين الولايات المتحدة وأستراليا والمملكة المتحدة لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، مشيرا إلى أنّه سيعمل على «تحليل تداعياتها».
وقال جوزيب بوريل، خلال عرض لاستراتيجيّة الاتّحاد الأوروبي للتعاون في منطقة المحيطين الهندي والهادئ؛ إن «اتفاقا من هذا النوع لم يجر إعداده أمس الأوّل. هذا يستغرق وقتا. لكنّنا لم يتم إبلاغنا، ولم تتمّ استشارتنا. نحن نشجب ذلك». غير أنّه أضاف أنّ ذلك لن يؤدّي إلى «إعادة النظر في العلاقة مع الولايات المتحدة».
وقال المتحدّث باسم بوريل، بيتر ستانو: «سيتمّ إجراء تحليل للوضع ولتداعيات هذا التحالف»، مشيرا إلى أنّ «الاجتماع المقبل لوزراء خارجيّة الاتّحاد الأوروبي، المقرّر عقده في 18 أكتوبر في لوكسمبورغ، سيشكّل فرصة لمناقشة هذا التحالف».
رد أمريكي
أكد وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، أن فرنسا «شريك حيوي» للولايات المتحدة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وذلك غداة الإعلان عن تحالف عسكري بين واشنطن ولندن وكانبيرا أثار حفيظة باريس.
وقال بلينكن خلال مؤتمر صحفي في واشنطن: «لا يوجد انقسام إقليمي بين مصالح شركائنا» الأطلسيين والشركاء في المحيط الهادئ. وأضاف: «هذه الشراكة مع أستراليا والمملكة المتحدة تظهر أننا نريد العمل مع شركائنا، بما في ذلك في أوروبا، لضمان أن تكون منطقة المحيطين الهندي والهادئ حرة ومفتوحة».
وتابع: «نحيي الدول الأوروبية التي تؤدي دورا مهما في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، ونريد مواصلة التعاون الوثيق مع حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي ومع آخرين في هذا الصدد».
وأكد مسؤول كبير في البيت الأبيض أن فرنسا والولايات المتحدة أجرتا اتصالات رفيعة قبل الإعلان عن التحالف العسكري الجديد بين واشنطن وكانبيرا ولندن، الذي يشمل حصول أستراليا على غواصات تعمل بالدفع النووي بتكنولوجيا أمريكية.
وقال المسؤول إن مسؤولين كبارا في الإدارة الأمريكية كانوا على اتصال مع نظرائهم الفرنسيين لمناقشةالاتفاقية العسكرية الجديدة مع أستراليا بما في ذلك قبل الإعلان عن الاتفاق.
وأضاف المسؤول الكبير في البيت الأبيض، طالبا عدم كشف هويته، «كما قال الرئيس (بايدن) أمس، نتعاون بشكل وثيق مع فرنسا بشأن أولوياتنا المشتركة في المحيطين الهندي والهادئ وسنواصل القيام بذلك».
وتساهم الاتفاقية الجديدة في تأكيد مساعي «بايدن» التي تظهر العزم الأمريكي على مواجهة الصين في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، خاصة بعد الانسحاب المخزي للولايات المتحدة من أفغانستان.
تبرير أسترالي
رد رئيس الوزراء الأسترالي سكوت موريسون بأنه يتفهم استياء فرنسا، ويأمل أن يتمكن الرئيس، إيمانويل ماكرون من «تجاوز ما يبدو أنه قرار صعب للغاية ومخيب للآمال». لكنه في المقابل اعتبر أن الوضع تغير بشكل كبير منذ عام 2016.
وتابع «موريسون»: «هناك تغيير في قواعد اللعبة حيث الاختلاف في التكنولوجيا والفرصة السانحة لأستراليا، كذلك هناك أيضاً تطورات غيرت قواعد اللعبة تتعلق بالظروف الاستراتيجية لمنطقتنا والتي تتسارع وتيرتها بشكل يصعب توقعه قبل خمس سنوات».
وقال موريسون: «لقد أوضحت خلال عشاء في باريس مخاوفنا بشأن قدرة الغواصات التقليدية على التعامل مع البيئة الاستراتيجية الجديدة التي نواجهها». وأضاف: «لقد أوضحت أن هذه مسألة سيتعين على أستراليا اتخاذ قرار بشأنها بما يخدم مصلحتنا الوطنية».
كما تلقى «موريسون» إشادة داخلية بإتمام الصفقة، خاصة أنها تأتي في إطار مقاومته للأعمال الانتقامية التجارية الصينية من فرض رسوم جمركية معوقة على الشعير والنبيذ الأسترالي، وكذلك القيود المفروضة على صادرات الفحم، حيث ساعد الزعيم الأسترالي في تحويل شبكة تبادل المعلومات الاستخباراتية «فايف أيز» والتي تضم الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا ونيوزيلندا لمجموعة تنتقد بانتظام سجل الصين في مجال حقوق الإنسان.
وأشار «موريسون» إلى تلقيه مكالمات أخرى من حلفاء في كافة أنحاء المنطقة بعد إعلان الشراكة والتي يأمل أن تمتد إلى الصين، على الرغم من التوترات المتزايدة بين البلدين، والتي أدت إلى جمود العلاقات على المستوى الوزاري حيث قال: «هناك دعوة مفتوحة للرئيس شي لمناقشة قضايا أخرى».
وأقر بالضرر الذي لحق بالعلاقات بين أستراليا وفرنسا، لكنه أصر على أنه أبلغ ماكرون في يونيو بأن أستراليا راجعت تفكيرها بشأن الصفقة وقد يتعين عليها اتخاذ قرار آخر.
قلق صيني
أعرب وانغ كون، مندوب الصين لدى المنظمات الدولية في فيينا، عن قلق بكين البالغ إزاء المساعدة المعلنة من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا لامتلاك أستراليا غواصات تعمل بالطاقة النووية.
وخلال كلمة أمام اجتماع مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، قال المندوب الصيني إن هذه الخطوة تشجع على الانتشار النووي، وإن ذلك يتنافى مع معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية.
وطالب المندوب الصيني الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالتعبير صراحة عن موقفها الرسمي من عقد أستراليا شراكة مع الولايات المتحدة وبريطانيا لاقتناء غواصات تعمل بالدفع النووي، وهو ما يتعارض مع التزامات الدول الثلاث المعنية، وفق قوله.
ووصفت الصين عملية شراء هذه الغواصات بأنها «غير مسؤولة» وتهدد الاستقرار في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. كما لفتت إلى أنها تشكك في الجهود الدولية لمنع انتشار الأسلحة النووية. وحذّرت من أن هؤلاء الحلفاء الغربيين يخاطرون بإلحاق ضرر بمصالحهم الخاصة.
ومن جانبها، حاولت أستراليا التخفيف من غضب الصين متعهدة باحترام القانون الدولي في المجالين الجوي والبحري اللذين تطالب بهما بكين.
وقال رئيس الوزراء الأسترالي سكوت موريسون إن الصين لديها برنامج كبير جدا لبناء غواصات نووية.
وردا على انتقادات بكين قال موريسون: «لديها الحق في اتخاذ قرارات دفاعية لمصلحتها، وكذلك أستراليا وكل الدول الأخرى».
نافذة
قررت أستراليا شراء تكنولوجيا غواصات أمريكية مما حرم فرنسا من صفقة بقيمة 56 مليار أورو (66 مليار دولار)