تعتبر أوكرانيا من الدول الفتية. فقد نشأت عام 1991، عندما تفكك الاتحاد السوفياتي الذي كان أكبر دولة في العالم، وبذلك حصلت على استقلالها عن موسكو.
وتشترك أوكرانيا في الحدود مع دول في الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى روسيا. وباعتبارها جمهورية سوفياتية سابقة، فإنها تتمتع بعلاقات اجتماعية وثقافية عميقة مع روسيا وينتشر فيها التحدث باللغة الروسية على نطاق واسع.
وعندما عزل الأوكرانيون رئيسهم الموالي لروسيا عام 2014، استولت روسيا على شبه جزيرة القرم الجنوبية وضمتها إلى روسيا، واستولى الانفصاليون المدعومون من روسيا على مساحات شاسعة من الأراضي الشرقية لأوكرانيا. ويحارب المتمردون الجيش الأوكراني منذ ذلك الحين في صراع أودى بحياة أكثر من 14 ألف شخص.
التقرب من الغرب
بعد طريق طويل، بحثا عن التكامل مع الغرب، تم إعفاء المواطنين الأوكرانيين من التأشيرات للسفر إلى الاتحاد الأوروبي. في المقابل، تدهورت العلاقات مع روسيا إلى حد تعليق حركة الطيران بين البلدين منذ عام 2015، مع استمرار التعاون في بعض المجالات الحيوية، مثل ترانزيت الغاز الروسي إلى أوروبا. ولذلك، تروج كييف بقوة لتعطيل تشغيل مشروع «السيل الشمالي-2» لنقل الغاز الروسي إلى ألمانيا، خوفا من أنه سيساعد روسيا في الالتفاف على أوكرانيا في نقل الغاز، وسيزيد من متاعبها الاقتصادية بعد انتهاء عقد الترانزيت الحالي عام 2024.
ومنذ نهاية العام الماضي، يتزايد التوتر العسكري بين موسكو وكييف وسط توجيه اتهامات إلى روسيا بحشد قواتها على الحدود مع أوكرانيا، بينما توجه جمهوريتا دونيتسك ولوغانسك الشعبيتان، المعلنتان من طرف واحد، اتهامات إلى السلطات الأوكرانية بالحشد العسكري على خط التماس في منطقة دونباس، شرقي أوكرانيا.
طلبات روسيا
حذر فلاديمير بوتين الغرب من تجاوز ما أسماها «الخطوط الحمراء» لروسيا بشأن أوكرانيا.
أحدها هو وقف توسع الناتو إلى الشرق ونشر أسلحة في الدول المجاورة التي قد تهدد روسيا. وهناك رفض لنشر أوكرانيا طائرات مسيرة تركية بشكل خاص، لمواجهة القوات المدعومة من روسيا في شرق أوكرانيا، وكذلك رفض للتدريبات العسكرية الغربية في البحر الأسود.
وفي يوليوز 2021، نشر بوتين تقريراً مفصلاً ومطولاً على موقع الكرملين على الإنترنت، يشرح فيه تاريخ البلدين معاً ويصف قادة أوكرانيا الحاليين بأنهم يديرون «مشروعاً مناهضاً لروسيا». وقال إن «أولئك الذين سعوا إلى قلب أوكرانيا ضد روسيا سيدمرون بلادهم بهذه الطريقة».
وتشعر روسيا بالإحباط لأن اتفاق مينسك للسلام لعام 2015 الذي يهدف إلى وقف الصراع في أوكرانيا لم يطبق بعد. ولا توجد حتى الآن ترتيبات لإجراء انتخابات تتم مراقبتها بشكل مستقل في المناطق الانفصالية. وتنفي روسيا شكاوى أوكرانيا والغرب من أنها جزء من الصراع المستمر.
وقال نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، متحدثاً عن «لحظة الحقيقة» في إعادة صياغة علاقة روسيا مع الناتو: «بالنسبة لنا، من الضروري جداً ضمان ألا تصبح أوكرانيا عضواً في الناتو نهائياً».
وتتهم موسكو دول حلف «الناتو» بتزويد أوكرانيا بالسلاح والولايات المتحدة بتأجيج التوتر في المنطقة.
وقال بوتين: «ليس لدى روسيا مكان آخر تتراجع إليه، هل يعتقدون أننا سنبقى مكتوفي الأيدي؟».
وتريد روسيا أن يعود «الناتو» إلى حدود ما قبل عام 1997. فهي لا ترغب بالمزيد من التوسع باتجاه الشرق وإنهاء النشاط العسكري لحلف شمال الأطلسي في أوروبا الشرقية. وهذا يعني سحب الوحدات العسكرية القتالية من بولندا وجمهوريات البلطيق، إستونيا ولاتفيا وليتوانيا، وعدم نشر صواريخ في دول مثل بولندا ورومانيا.
كما اقترحت روسيا عقد معاهدة مع الولايات المتحدة تحظر نشر الأسلحة النووية خارج أراضيها.
وأعلنت واشنطن أنها مستعدة «لبدء حوار دبلوماسي» مع بوتين، فيما اعتبرت بعض مطالبها «غير مقبولة».
الغزو وشيك جدا
نشرت روسيا، في أوقات سابقة، المدفعية والصواريخ والوحدات القتالية وإمدادات الذخيرة والمستشفيات الميدانية في المكان نفسه، وأرسلت وحدات من الحرس الوطني ووحدات من الاحتياطيين من ذوي الخبرة الشرطية، منذ دجنبر 2021، باتجاه أوكرانيا، وهي ضرورية إذا ما أراد أحد تنفيذ احتلال. علاوة على ذلك، تم نقل كتائب أخرى من المنطقة العسكرية الشرقية نحو الغرب.
من جهة ثانية، ورغم وجود حوالي 190 ألف جندي أوكراني، بينهم 45 ألفا يرتبطون بخط التماس مع الجمهوريات الانفصالية في شرق البلاد، فإن خبراء عسكريين غربيين يعتقدون أن كييف تفتقر إلى نظام دفاع جوي فعال. ولذلك، يمكن للقوات الجوية الروسية أن تستعد لهجوم بري بقصف مكثف، سيما أن روسيا ركزت 36 منصة إطلاق صواريخ قصيرة المدى داخل نطاق الأراضي الأوكرانية في شبه جزيرة القرم، ويبلغ مداها 500 كيلومتر.
روسيا ردت عبر إعلانها عن إطلاق عمليات بحرية في كل الاتجاهات من المحيط الهادئ إلى الأطلسي مرورا بالمتوسط تشمل 140 سفينة حربية وعشرة آلاف عنصر.
كما نظمت موسكو تدريبات عسكرية مشتركة مع قوات بيلاروسيا، الجمهورية السوفياتية السابقة المجاورة أيضا لأوكرانيا. وهذه التدريبات من شأنها أن تنذر بوجود عسكري روسي دائم يشمل قوات تقليدية ونووية في بيلاروسيا، كما قال مسؤول أمريكي.
وأعلنت وزارة الدفاع الروسية عن إجراء مناورات بحرية كبرى تشمل جميع أساطيلها، مضيفةً أنها ستستعين بـ140 سفينة حربية، و60 طائرة، و1000 وحدة من المعدات العسكرية، ونحو 10 آلاف جندي، في أحدث استعراض للقوة خلال المواجهة مع الغرب.
وعقب ذلك، عبرت واشنطن عن قلقها من احتمال نشر أسلحة نووية روسية في بيلاروسيا واعتبرت أن موسكو يمكن أن تهاجم أوكرانيا «في أي وقت». ومن جهتها، أعلنت عن 200 مليون دولار مساعدة «أمنية دفاعية إضافية» لأوكرانيا تستكمل 450 مليون دولار من المساعدات ممنوحة إليها أساسا. وقال بايدن: «إذا اجتازت مجموعة وحدات روسية الحدود مع أوكرانيا، فهذا اجتياح».
واعتبرت ألمانيا أن التهديد الذي تشكله روسيا في أوكرانيا يعيد إحياء شبح الحرب الباردة. ولإظهار وحدة الغربيين، أكدت وزيرة الخارجية الألمانية، أنالينا بيربوك، بدورها أن الولايات المتحدة وحلفاءها لن يترددوا في التحرك رغم أنّ الردّ ستكون له «تداعيات اقتصاديّة» على أوروبا.
ومن جهته، حذر نظيرها الفرنسي جان إيف لودريان، الذي كان موجودا أيضا في برلين، الروس من أي رغبة لإقامة «يالطا 2»، أي تقاسم جديد لدوائر نفوذ بين الغرب والشرق بعد 77 عاما على المؤتمر الذي رسم حدود أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية. وأعلنت وزيرة الجيوش الفرنسية، فلورنس بارلي، أن حاملة الطائرات الفرنسية شارل ديجول ستعود إلى البحر الأبيض المتوسط الشهر المقبل.
واعتمدت لندن اللهجة ذاتها، حيث حذر رئيس الوزراء، بوريس جونسون، من أن أي توغل روسي في أوكرانيا سيكون «كارثة على العالم».
مستقبل العالم
الغزو الروسي لأوكرانيا سيكون له تأثير كبير على العالم، حيث ستكون هناك العديد من الآثار الاقتصادية المحتملة التي أثارت قلق الخبراء منذ أن أصبح حشد القوات الروسية بالقرب من الحدود الأوكرانية واضحاً لأول مرة. وبشكل مباشر، يمكن أن يكون لتعطيل الإنتاج الزراعي في أوكرانيا تأثير مباشر على الإمدادات الغذائية العالمية.
وتعد أوكرانيا واحدة من أكبر أربع دول مصدرة للحبوب في العالم، حيث تشتهر بزراعة الذرة والقمح وتعد من أكبر عشرة منتجين لفول الصويا والشعير واللفت.
لكن الأمر الأكثر إثارة للقلق هو التأثير المحتمل الأوسع نطاقا على إمدادات الطاقة، والعواقب التي قد تنتج عن العقوبات الغربية القاسية على روسيا.
وتعتبر روسيا أحد أكبر موردي الطاقة في العالم، وتوفر حوالي 30 في المئة من الغاز الطبيعي للاتحاد الأوروبي، حيث تلعب الإمدادات من الدولة دوراً حيوياً في توليد الطاقة والتدفئة المنزلية في وسط وشرق أوروبا.
وسبق أن اتُهمت باستغلال هذا الأمر للضغط على الدول وتهديدها. واتهمت وكالة الطاقة الدولية روسيا بخفض صادراتها من الغاز إلى أوروبا في وقت تتصاعد فيه التوترات الجيوسياسية. وفي الأشهر الأخيرة، فرضت البلاد ضغوطا أيضا على مولدوفا، التي تقع بين أوكرانيا ورومانيا.
وأي خطوة روسية في هذا الشأن قد تتسبب في (هزة هائلة في الاقتصاد الأوروبي)، وقد تؤدي إلى تعطيل خطط التخلص التدريجي من الأسلحة النووية في أجزاء من القارة إذا اضطرت دول أوروبا إلى البحث عن أي بدائل للطاقة.
واقترح المشرعون الأمريكيون، في الأسابيع الأخيرة، إزالة روسيا من نظام «سويفت» الدولي المالي، وهو عبارة عن شبكة اتصالات مصرفية عالمية تربط آلاف البنوك والمؤسسات المالية حول العالم. ورد كبار المشرعين الروس بالقول إن شحنات النفط والغاز والمعادن إلى أوروبا ستتوقف إذا حدث ذلك.
وتقول ماريا شاغينا، الباحثة في المعهد الفنلندي للشؤون الدولية: «سيؤدي عزل روسيا عن (سويفت) إلى إنهاء جميع المعاملات الدولية، وإحداث تقلبات في العملة، والتسبب في تدفقات رأس المال إلى الخارج». إلا أنها أشارت إلى أن الولايات المتحدة وألمانيا ستخسران الكثير أيضا إن حدث ذلك، لأن بنوكهما هي أكثر مستخدمي «سويفت» في التواصل مع البنوك الروسية.
حروب أخرى
قال الخبراء إن أصداء التوغل الروسي في أوكرانيا ستظهر في جميع أنحاء العالم. ويخشى البعض من أن غزو روسيا لأوكرانيا قد يشجع الدول الأخرى المنخرطة في نزاعات حدودية على شن حرب ضد بعضها البعض.
ويقول غولد ديفيز، السفير البريطاني السابق في بيلاروسيا، الذي يعمل حالياً في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية (IISS) كمتخصص في الشؤون الروسية: «ينطبق ذلك على أزمة الصين وتايوان. ستراقب الصين بعناية الدروس التي يمكن أن تستخلصها بشأن رد الفعل الغربي تجاه روسيا، وكذلك قد يتحرك التايوانيون في صراعهم تبعا لرد الفعل هذا».
وأضاف: «سنشهد تأثيرات غير مباشرة لسنوات وربما عقود قادمة. إذا قامت روسيا بخطوات ناجحة في هذا الصراع، سيخبر ذلك الطغاة في جميع أنحاء العالم أن الولايات المتحدة ودول الناتو لن تتمكن من التصدي لهم».
وأشار الخبراء إلى أن هناك دولا أخرى أيضا قد تستفيد من قوة رد الفعل الروسي مثل كوريا الشمالية وإيران.
نافذة
الغزو الروسي لأوكرانيا سيكون له تأثير كبير على العالم حيث ستكون هناك العديد من الآثار الاقتصادية المحتملة التي أثارت قلق الخبراء