أسفرت نتائج الانتخابات الإسبانية التشريعية لسنة 2023 عن فوز الحزب الشعبي، بعد تقدمه على الاشتراكيين بزعامة رئيس الوزراء، بيدرو سانشيز، الذي ما زال يمسك بزمام الأمور ويتوفر على حظوظ كبيرة للبقاء في منصبه، من خلال المفاوضات الفوضوية حول الصفقات البرلمانية المحتملة التي ربما تستمر لأسابيع أو شهور، أو تواجه انتخابات متكررة، كما حدث بعد انتخابات غير حاسمة في عامي 2015 و2019.
مع فرز ما يزيد بقليل على 95 في المائة من الأصوات، كان حزب الشعب «PP»، برئاسة ألبرتو نونيز فيجو، في طريقه ليكون أكبر حزب بـ 136 مقعدا في الكونغرس الإسباني المكون من 350 مقعدا، لكنه لم يرق إلى الأغلبية المطلقة اللازمة لتولي رئاسة الوزراء وتشكيل الحكومة، وحتى في التحالف مع Vox، الذي حصل على 33 مقعدا، وبالتالي، تقتصر حصيلة الحزبين على 169 مقعدا، وهو رقم لا يرتقي إلى الغالبية المطلقة (176 مقعدا).
واحتل سانشيز المركز الثاني مع الاشتراكيين الذين حصلوا على 122 مقعدا، لكن كان بإمكانه الحصول على فرصة للبقاء في المنصب من خلال الوصول إلى الأغلبية المطلقة بالتحالف مع الحزب اليساري الجديد سومار وكتالونيا والباسك، حيث صوتا مع رئيس الوزراء منذ عام 2018.
ومن ضمن ما حملته هذه الانتخابات، هو عودة الحزب الشعبي والحزب الاشتراكي بقوة، وتراجع الأحزاب التي برزت خلال السنوات العشر الأخيرة وهي سومار، وريث بوديموس اليساري، وفوكس القومي اليميني المتطرف. ورغم عودة القطبية، لا يمكن لأي حزب منهما تشكيل الحكومة لوحده، وستشهد إسبانيا مجددا ائتلافا حكوميا، سواء من اليمين أو اليسار.
وكانت استطلاعات قد أفادت بأن الحزب الشعبي سيكون قادرا على تشكيل حكومة من خلال التحالف مع حزب فوكس اليميني المتطرف.
ومن شأن سيناريو كهذا أن يعيد اليمين المتطرف إلى السلطة في إسبانيا للمرة الأولى، منذ نهاية ديكتاتورية فرانكو، قبل نحو نصف قرن (1975).
وبعدما ارتفعت نسبة الإقبال 2,5 في المائة في منتصف النهار، بلغت عند الرابعة بعد الزوال بتوقيت غرينيتش 53,12 في المائة، في مقابل 56,85 في المائة في انتخابات 2019، ويُفسَّر التراجع بإقبال الناخبين على التصويت في ساعات الصباح تجنبا للحرارة.
ولا تشمل النسبة 2,47 مليون ناخب من أصل 37,5 مليونا صوتوا بواسطة البريد، وهو رقم قياسي بسبب إجراء الانتخابات للمرة الأولى في عز موسم الصيف.
بداية جديدة ومنعطف آخر
بعد الإدلاء بصوته في وسط مدريد، صرح ألبرتو نونيز فيجو (61 عاما) بأنه يأمل في أن تبدأ إسبانيا «حقبة جديدة».
وبدوره، قال سانتياغو أباسكال، رئيس حزب فوكس، إنه واثق من أن الانتخابات «ستتيح تغيير المسار في إسبانيا».
أما بيدرو سانشيز، رئيس الوزراء الاشتراكي، فقال للصحافة إن هذه الانتخابات «مهمة جدا (...) للعالم وأوروبا».
وأعلنت وزيرة العمل المنتهية ولايتها يولاندا دياز، زعيمة حزب سومار اليساري الراديكالي وحليفة سانشيز، أن «هذه الانتخابات هي الأهم بالنسبة إلى أبناء جيلي»، مضيفة أن نتيجتها «ستحدد ملامح العقد المقبل».
ومع اقتراب الانتخابات الأوروبية المقررة في 2024، سيشكل فوز اليمين، وربما مشاركة اليمين المتطرف في الحكم في رابع أكبر اقتصاد في منطقة اليورو، بعد انتصاره في إيطاليا العام الماضي، ضربة قاسية لأحزاب اليسار الأوروبية.
وستكون لذلك رمزية كبيرة، في ظل تولي إسبانيا حاليا الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي.
وكان ألبرتو نونيز فيجو يعول على كسب 176 مقعدا، ما يمنحه الغالبية المطلقة في مجلس النواب، لكن أي استطلاع لم يتوقع هذه النتيجة.
وشريكه المحتمل الوحيد هو حزب فوكس اليميني المتطرف، الذي تأسس عام 2013 إثر انشقاق في الحزب الشعبي الذي يحكم حاليا ثلاثا من أصل 17 منطقة في إسبانيا.
ائتلاف ليس مثاليا
من المرجح أن تواجه إسبانيا أسابيع من مفاوضات ائتلافية. ولم يكشف ألبرتو نونيز فيجو نياته بشأن فوكس، وصرح في مقابلة مع صحيفة «إل موندو»: «قبل يومين من الانتخابات، يجب ألا يقول المرشح من سيتحالف معه»، مقرا رغم ذلك بأن تشكيل حكومة ائتلافية مع الحزب اليميني القومي «ليس مثاليا».
المفاوضات الائتلافية قد تؤدي حتى إلى ما يسمى بـ«بلوكيو»، وهو مأزق سياسي حدث مرتين من قبل بعد انتخابات 2015 و2019. وفي كلتا الحالتين، اضطر الناخبون إلى الإدلاء بأصواتهم للمرة الثانية لحل المأزق.
ويمكن تشبيه حزب فوكس بالأحزاب اليمينية المتطرفة في المجر وبولندا، التي تشكك في سيادة القانون ومبادئ الاتحاد الأوروبي. ويفضل حزب فوكس إلغاء المبادرات اليسارية في مجالات مثل الشؤون الاجتماعية وحماية الأقليات والبيئة، لصالح اتخاذ إجراءات صارمة ضد الانفصاليين.
ويشار إلى أن حزب فوكس ليس على هامش السياسة الإسبانية، على عكس الأحزاب اليمينية الأخرى في أوروبا. وفي بعض المناطق، يحكم حزب الشعب وحزب فوكس معا بالفعل.
وجعل سانشيز (51 عاما) الذي دفعته هزيمة اليسار في انتخابات محلية إلى الدعوة إلى هذا الاقتراع المبكر، من التحذير من وصول اليمين المتطرف إلى السلطة محور حملته الانتخابية.
وقال رئيس الوزراء المنتهية ولايته في مناظرة تلفزيونية، الأربعاء الماضي، إن تشكيل حكومة ائتلافية بين الحزب الشعبي وفوكس «ليس انتكاسة فحسب لإسبانيا» على صعيد الحقوق، بل «انتكاسة خطرة للمشروع الأوروبي».
ورأى أن البديل الوحيد لمثل هذه الحكومة الائتلافية، هو الإبقاء على الائتلاف اليساري الحالي الذي شكل في عام 2020، بين حزبه الاشتراكي واليسار الراديكالي.
تدهور الاقتصاد
كان متوقعا أن تتخذ البلاد منعطفا حادا نحو اليمين، مثل ما هو حادث في العديد من دول الكتلة الأوروبية، بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية وتذمر الشارع الإسباني من غلاء المعيشة، وتدفق المهاجرين، وارتفاع التضخم.
وبلغ معدل التضخم الرئيسي في إسبانيا 8.3 في المائة في المتوسط في عام 2022، لكنه انخفض إلى 5.7 في المائة على أساس سنوي في الفترة من 2022 إلى الربع الرابع، ومن المتوقع أن يتباطأ بشكل أكبر في عام 2023، ولكن رغم ذلك فإن غلاء الطاقة لا يزال يقلق المواطن الإسباني.
وأدى تعثر التعافي الاقتصادي بعد جائحة كورونا وارتفاع التضخم الذي نجم عنه تآكل القوة الشرائية، وتزايد عدد المهاجرين وضغطهم على الخدمات الاجتماعية، والتداعيات السلبية للحرب الروسية على أوكرانيا، إلى إضعاف الأحزاب التقليدية في إسبانيا، بحسب ما أوردته صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية، أول أمس الأحد.
وبعد خمس سنوات في المنصب، دعا رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز إلى انتخابات وطنية مبكرة، بعد الهزائم الانتخابية المحلية والإقليمية الساحقة التي تعرض لها ائتلافه اليساري.
وواجه الاقتصاد الإسباني، خلال العامين الماضيين، أزمات التضخم والطاقة والهجرة. وتتوقع منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي، التي تتخذ من العاصمة الفرنسية باريس مقرا لها، أن ينمو الاقتصاد الإسباني بنسبة 2.1 في المائة في عام 2023، مما يحسن توقعاتها للبلاد بما يصل إلى أربعة أعشار نقطة مئوية مقارنة بالتقرير السابق، وبما يتماشى مع توقعات الحكومة الإسبانية.
وبالنظر لعام 2024، رفعت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية توقعاتها للبلاد من 1.7 في المائة إلى 1.9 في المائة. وربما تتمكن إسبانيا خلال العام الجاري من تحقيق معدل أفضل من إيطاليا وهولندا وفرنسا وألمانيا. ويقدر حجم الاقتصاد الإسباني بنحو 1.8 تريليون دولار.