فتحت المفتشية العامة لوزارة العدل، تحقيقا حول الأخطاء التي شابت ملفا قضائيا يخص "مافيا " السطو على عقارات الأجانب بالدار البيضاء، والتي كانت سببا في صدور قرار عن محكمة النقض، بإعادة النظر في الأحكام الصادرة من طرف محكمة الاستئناف ضد المتهمين في هذا الملف المثير.
وأوضحت مصادر من الوزارة، أن المفتش العام، محمد ناصر، استدعى إلى مقر الوزارة، موظفين يشتغلان في محكمة الاستئناف بالدار البيضاء، كما أرسل لجنة تفتيش إلى المحكمة نفسها، وذلك بتعليمات من وزير العدل، محمد أوجار، لفتح تحقيق حول ملف قضائي حسم في مرحلتيه الابتدائية والاستئنافية لصالح أجانب تم الترامي على أملاكهم العقارية بدون سند قانوني، وذلك بعد صدور قرار عن محكمة النقض، التي عللت قرارها بقبول طعن دفاع المتهمين في قضية السطو على عقارات الأجانب، بسبب وجود أسماء قضاة ضمن محاضر الجلسات لا علاقة لهم بالهيئة القضائية التي نطقت بالحكم في هذا الملف، وهو ما اعتبرته محكمة النقض خطأ في شكل الملف يستوجب تلقائيا إعادته إلى محكمة الاستئناف بالدار البيضاء للبت فيه من طرف هيئة قضائية جديدة.
وأكدت المصادر، أن المفتش العام للوزارة فتح تحقيقا مع كاتبي الضبط اللذين حررا محاضر الجلسات، التي بلغت في مجموعها 54 جلسة. وكشفت المصادر، أن الوزير أوجار، الذي يترأس اللجنة المكلفة بملفات السطو على العقارات، أمر بفتح تحقيق صارم في هذا الملف، الذي يتابعه الملك محمد السادس. وأوضحت المصادر، أن المفتش العام تعرض لضغوطات من طرف مركزية نقابية، ينتمي إليها هؤلاء الموظفون، وحاول مسؤول نقابي عقد لقاء مع المفتش العام، بالتزامن مع جلسة الاستماع إليهما، وبعد ذلك أصدرت النقابة بلاغا هاجمت من خلاله المفتش العام.
وأصدرت الغرفة الجنائية لدى محكمة النقض، أخيرا، قرارا قضت من خلاله بنقض قرارات غرفة الجنايات بالدار البيضاء، بإدانة المتهمين بالسطو على عقارات الأجانب، أو ما سمي ملف "فيلا بريسو" بعين الذياب، والذي أسال العديد من المداد حينها. وتأتي قرارات محكمة النقض بناء على طعن المتهمين في قرارات إدانتهم، مما تكون معه استجابة محكمة النقض لطعون المتهمين إعلانا عن إعادة محاكمة المتهمين، والدخول في سلسلة جديدة من المرافعات والسجالات القانونية.
وتجدر الإشارة إلى أن محكمة الاستئناف بالدار البيضاء كانت قد حكمت على مجموعة من المتهمين، من بينهم موثق (ع م)، ومحام (ر خ)، ومنعشون عقاريون وسماسرة، منهم (ح ح) و(ل ب) و(ح م) و(ب ب)، وفي حق المشتكي الفرنسي (ج ب). ووزعت على المتهمين أزيد من 40 سنة وتعويضات بالملايين، وتوبع المتهمون من أجل «تكوين عصابة إجرامية، والتزوير في محرر رسمي واستعماله، والنصب، وخيانة الأمانة، وقبول شيكات على سبيل الضمان»، كل حسب المنسوب إليه.
واتخذت وزارة العدل مجموعة من الإجراءات التشريعية والتنظيمية للتصدي لظاهرة الاستيلاء على عقارات الغير، ونظرا لخطورة الظاهرة، تم تشكيل لجنة تحت إشراف الوزير ضمت في عضويتها كل الجهات المتدخلة في الموضوع، واتخذت هذه اللجنة مجموعة من التدابير همت تشخيص الظاهرة انطلاقا من القضايا المعروضة على المحاكم، والتي بلغ عددها 57 قضية، حيث تبين أن أغلب القضايا تتمركز ببعض المدن الكبرى وتنصب على عقارات في ملكية الأجانب أو المغاربة المقيمين بالخارج، والتي تكون في أغلب الأحيان فارغة أو مستغلة من طرف أشخاص تربطهم قرابة أو معرفة بالملاك.
وأكد وزير العدل، في جلسة برلمانية سابقة، أنه، في إطار التشخيص، تبين أن من بين الأسباب التي تساهم في تفشي ظاهرة الاستيلاء على أملاك الغير واستفحالها، اعتماد الوكالات العرفية أثناء إبرام العقود الناقلة للملكية العقارية، ووجود بعض أوجه القصور من الناحية التشريعية في ما يخص صلاحية السلطة القضائية المختصة لعقل العقارات محل الاعتداء ومنع التصرف فيها إلى حين البت في القضية، ووجود اختلاف في العقوبات الزجرية بخصوص جرائم التزوير التي يرتكبها محررو العقود، فضلا عن وجود قصور تشريعي واضح في تنظيم عقد الوكالة والتنظيم القانوني للشركات المدنية، لا سيما تلك التي يكون محلها العقارات. وأشار أوجار إلى أنه، من أجل سد هذه الثغرات القانونية التي يستعملها مرتكبو جرائم الاستيلاء على عقارات الغير، أعدت الوزارة مجموعة من النصوص القانونية.