لم يعد "الكلاش" تعبيرا فنيا لأغاني الراب يلجأ إليه "الرابورات" في حروبهم الكلامية، فقد تسلل إلى قلب اللعبة السياسية المغربية، وأصبح اللغة المفضلة لدى السياسيين، وصرنا نعيش على الإيقاعات اليومية للكلاشات بين وزراء الحكومة ومكونات التحالف الأغلبي، وبين الأغلبية والمعارضة وبين الحكومة والنقابات، حتى أنه لم يعد أمام بعض وزراء العثماني سوى تسجيل مقاطع فيديوهات وبثها على مواقع التواصل الاجتماعي وإظهار المفاخرة والتلاسن وتبادل الاتهامات على شاكلة "الرابورات" والتربع على "عرش التراندين" السياسي.
ولا يختلف اثنان حول أن "الكلاشات" السياسية التي انتشرت منذ عهد حكومة بنكيران تعكس نوعا من العجز المهول في منسوب الحوار المنظم والقانوني داخل المؤسسات الدستورية والسياسية، فما قام به وزير الدولة مصطفى الرميد، الذي تحول إلى أكبر شخصية حكومية تلجأ للكلاش، مرة ضد زملائه في الحكومة ومرة ضد القضاء ومرات ضد الصحافة، من توجيه رسالة عبر مواقع التواصل الاجتماعي إلى زميل له وأمين عام حزب يشترك معه في الحكومة والأغلبية، يعني أن مبدأ التضامن الحكومي مجرد أسطورة من الأساطير المؤسسة للسياسة المغربية وأن التجانس الحكومي التي يحاول العثماني إقناعنا به مجرد وهم سياسي، كما يؤكد التراشق بالتدوينات والتغريدات على مواقع التواصل الاجتماعي، بالملموس، أن مجالس الحكومة واجتماعات الأغلبية ولجان التنسيق وميثاق التحالف كلها واجهات شكلية لا تصلح لأي شيء.
الغريب في "كلاشات" السياسيين أنها لا تحترم حتى تقاليد ولادة هذا الفن كما ظهر خلال سبعينات القرن الماضي في الولايات المتحدة كتعبير عن الامتعاض الشعبي من السياسات الاجتماعية الفاشلة والتمييزية، فمن يقوم بالكلاش السياسي هم أنفسهم من يضعون السياسات الهجينة، وهم المسؤولون عن فشلها بينما يحاولون إيهامنا عبثا أنهم ضحايا مثلنا مفعول بهم وليسوا فاعلين.
ليس هناك من تفسير مقنع لما يقوم بها سياسيونا من سلوكات بهلوانية و"كلاشات" ساذجة وتقاذف للمسؤوليات بين وزراء الحكومة سوى دفع الرأي العام إلى مغادرة الشأن العام وترك الحديث عن السياسة والكفر بالتغيير من داخل المؤسسات، وهذا سيمنحهم الفرصة للاستمرار في الهيمنة على المشهد السياسي وإنتاج الفراغ وتحويل الفضاء السياسي إلى سيرك ممل بدون جمهور.
تنشر بالاتفاق مع جريدة "الأخبار" الورقية