منذ تفشي وباء «كورونا» والدول تحاول أن تتبع استراتيجيات مختلفة للتصدي له والسيطرة عليه، إلا أن الدول التي أبانت عن نجاعة استراتيجياتها كانت تحت قيادة نسائية الشيء الذي جعل العالم يقف احتراما لهن. وبالمقارنة بين هاته القائدات كانت القواسم المشتركة هي الحقيقة والحب والتكنولوجيا والحسم.
النجاح الذي حققته الدول في مواجهة «كورونا» التي كانت تحت قيادة نسائية بامتياز ما هو إلا انعكاس للوعي الذي تتميز به هاته الشعوب لانتخاب امرأة تسير شؤونها وتقودها أثناء الأزمات.
فقد أبانت المرأة عن قدرتها في التصدي للأزمات بصفة عامة ووباء «كورونا» بصفة خاصة، حيث إن مشاركتها ساهمت في توسيع أفق الحلول الفعالة والثرية والوسائل المعتمدة للحد من الوباء مع أقل الأضرار الممكنة.
الدنمارك
قالت رئيسة وزراء الدنمارك، ميت فريدريكسن، إن خطة إعادة الحياة لطبيعتها ستنجح فقط إذا تم تخفيف قواعد الإغلاق تدريجيا. وبناء على ذلك أعلنت الدانمارك التي رفعت تدريجيا القيود المفروضة في مواجهة فيروس «كورونا» المستجد، أنها تمكنت من «السيطرة» على انتشار الوباء حسب ما قالت رئيسة الحكومة يوم 29 أبريل الماضي. وقالت ميتي فريدريكسن أمام البرلمان «العدوى تحت السيطرة ولقد نجحت الاستراتيجية الدانماركية في المرحلة الأولى الصعبة»، حيث اعتمدت الدنمارك لوقف انتشار الفيروس، استراتيجية إغلاق دور الحضانة والمدارس والثانويات وبعض الأماكن العامة مثل المطاعم والحانات وقاعات الرياضة وصالونات التزيين. كما حظرت التجمعات لأكثر من عشرة أشخاص. وتم رفع بعض هذه القيود حاليا. كما أعادت بعض المدارس فتح أبوابها وصالونات تزيين الشعر. ويفترض أن تبدأ المرحلة الثانية من إعادة الفتح في ماي الجاري.
ومنذ فاتح أبريل الماضي، وسعت الدنمارك استراتيجية فحص الأشخاص الذين تظهر عليهم عوارض طفيفة. وكانت تفحص فقط في السابق المرضى الذين تظهر عليهم عوارض معتدلة إلى خطيرة. كما أن الدنمارك أظهرت على أنها مثال في التعامل مع الصدمة الاقتصادية التي سببها انشار فيروس «كورونا»، بعد تأمين نحو 90% من رواتب الموظفين».
والحقيقة أن هناك اليوم إجماعا لدى خبراء الصحة الذين يتابعون ملف أزمة «كورونا» على أن أداء الدانمارك أفضل بكثير مما هو عليه أداء السويد في مواجهة أزمة «كورونا». حيث إن السبب الرئيسي الذي يكمن وراء هذه المفارقة في أداء البلدين السكندينافيين بشأن هذا الملف هو المنهجية المتبعة من قبل كليهما في التصدي للوباء : فالدانمارك استخدمت منذ بداية الأزمة سياسة تقوم على اتخاذ إجراءات عزل صارمة وسعت إلى الحد من انتشار الفيروس عبر تكثيف الفحوص بينما عولت السويد على ما يسمى طريقة «المناعة الجماعية» التي تعتمد على مبدأ السماح للفيروس بالانتشار بشكل مكثف في انتظار تكيف الناس معه وصياغة منظومة مناعية جماعية تتيح التغلب على الوباء. ولكنه اتضح أن هذه المنهجية لا يمكن أن تثمر إلا بعد إصابة 70 في المائة من السكان بالوباء من جهة وأن انتظار تحقيق هذا الغرض يتسبب في وفاة عدد كبير من المصابين. وهذا ما حصل فعلا في السويد التي تجاوزت الخسائر البشرية فيها عشر مرات ماهي عليه في الدانمارك رغم أن عدد سكان الدانمارك هو ضعف عدد سكان السويد .
ألمانيا
وقفت أنجيلا ميركل، مستشارة ألمانيا، في وقت مبكر وأخبرت مواطنيها بهدوء عن فيروس «كورونا»، الذي من شأنه إصابة قرابة 70% من سكان البلاد، وقالت «إنه أمر خطير، خذوا الأمر على محمل الجد». لقد فعلت ذلك والسكان كذلك.
وبدأ الاختبار مباشرة، لتقفز ألمانيا بعيداً عن مرحلة الإنكار والغضب والخداع التي حصلت في دول أخرى، وبدت أرقامها (الإصابات والوفيات) أقل من جاراتها في أوروبا.
وقد نجحت ألمانيا في تطوير فحص بحلول منتصف يناير الماضي، وكانت المختبرات في جميع أنحاء البلاد جاهزة لبدء استخدامه في غضون أسابيع فقط، وتزامن ذلك مع الوقت الذي سجلت فيه أكبر دولة في أوروبا من حيث عدد السكان حالتها الأولى بمرض كوفيد-19.
ويقول هندريك بوروكي، المتحدث باسم شركة الرعاية الصحية (Bioscientia)، التي تدير 19 مختبرًا في ألمانيا إنه كان من الواضح لديهم منذ وقت مبكّر أن هذا الوباء لو وصل إلى ألمانيا من الصين، فإن هذا يعني وجود حاجة لإجراء الفحوصات كأول الإجراءات المبكرة لاحتواء المرض.
فهذا الحس الاستشرافي الألماني في التعامل مع الأزمة، يتناقض بشكل صارخ مع حالات التأخير والتراخي في البلدان الأخرى في أوروبا وخارج أوروبا. وقد ترافق ذلك مع الاهتمام من قبل الحكومة الألمانية بزيادة عدد وحدات العناية المركزة في البلاد، واقتراح تدابير التباعد الاجتماعي منذ وقت مبكر، الأمر الذي يساعد في تفسير نجاح ألمانيا حتى الآن في التعامل مع الأزمة، وعدم دخولها في معركة خاسرة مع المرض مثل ما يحدث في دول مجاورة مثل إيطاليا أو إسبانيا.
وليس أدل على هذا النجاح الألماني من الأرقام الواردة من هناك. فقد تم تسجيل 71.000 إصابة مؤكدة بفيروس «كورونا» الجديد في ألمانيا، لكن عدد الوفيات لم يتجاوز 775 حالة فقط، وفق مؤشر جامعة جونز هوبكينز الأمريكية.
وقد تكون هنالك عدة عوامل أخرى ساعدت في الحد من الوفيات في ألمانيا حتى هذه اللحظة، لكن الخبراء يؤكدون على أن الفحص المبكر وعلى نطاق واسع في ألمانيا ساعد ألمانيا على احتواء الأزمة مبكرًا، إذ يذكر أن ألمانيا قادرة على إجراء حوالي 500.000 فحص لفيروس «كورونا» الجديد في الأسبوع. وكان الفحص مجانيًا لجميع من تظهر عليه الأعراض أو كان عائدًا من السفر من أي منطقة ظهر فيها المرض.
وقد أعادت المساجد فتح أبوابها أمام صلوات الجماعة بشكل كامل في الـ 20 من الشهر الجاري. كما أعادت ألمانيا ولوكسمبورغ فتح حدودهما البرية بعد إغلاق استمر شهرين بسبب تفشي فيروس «كورونا». ووصف وزير الخارجية الألماني هايكو ماس إعادة فتح الحدود بأنها علامة مهمة على عودة حركة السفر إلى طبيعتها تدريجيا في أوروبا.
إيسلندا
بينما كان لمعظم البلدان فحوصا محدودة للأشخاص الذين تظهر عليهم أعراض، تقدم إيسلندا، بزعامة رئيسة الوزراء كاترين جاكوبسدوتير، فحصا مجانيا لفيروس «كورونا» لجميع المواطنين. وبالنسبة لعدد سكانها قامت إيسلندا بفحص خمسة أضعاف ما قامت به كوريا الجنوبية، وهو جهد بقيادة شركة أبحاث طبية خاصة مقرها في ريكيافيك، حيث قدمت صورة أوضح لكيفية انتشار الفيروس بين عامة السكان، ودفعت الحكومة إلى القيام بحجر الأشخاص الذين يُرجح تعرضهم للفيروس. وقامت بوضع نظام تعقب ما يعني أنه لم يكن عليهم أن يقوموا بالإغلاق ولا حتى إغلاق المدارس.
فقد تم تسجيل الإصابات الأربعة الأولى في إيسلندا في 1 مارس الماضي. وبلغ عدد الإصابات النشطة ذروته بعد شهر تقريباً، وانخفض بشكل مطرد خلال الأسبوعين الماضيين، حيث ازداد عدد حالات التعافي ، كما أعلنت جاكوبسدوتير ووزراء آخرون عن تخفيف القيود الاجتماعية القائمة في 4 ماي المقبل».
وتجاوزت إيسلندا الآن ذروة معدل الإصابة بها، وكان اقتصادها أقل تضرراً بشدة بسبب قيودها الأخف على الحركة من -على سبيل المثال- عمليات الإغلاق الأثقل بكثير في إيطاليا أو بريطانيا والعواقب الاقتصادية من الاضطرار إلى إغلاق الشركات الصغيرة والكبيرة». والجهود المكثفة والمبكرة لإعداد البنية التحتية الطبية، حيث كانت الأخبار العاجلة في فبراير الماضي، وضعت إيسلندا في طليعة البلدان التي يعتقد الآن أنها كانت أكثر استعداداً لاقتحام المعركة.
وقال رئيس وزراء إيسلاندا إن الجزيرة ستبدأ بفتح أبوابها أمام السائحين بحلول 15 يونيو، مع إجراء الفحوصات اللازمة للمسافرين.
فنلندا
برئاسة سانا مارين، رئيسة الدولة الفنلندية لعبت التقنية دورا هاما في مجابهة فيروس «كورونا»، حيث استعانت الحكومة بالمؤثرين في مواقع التواصل الاجتماعي، بأعمار مختلفة، لنشر المعلومات القائمة على الحقائق حول إدارة الأزمة، فليس الجميع متابعاً للصحافة، حيث تحتل الدولة الإسكندنافية المركز الأول ضمن الدول الأوروبية الأكثر قدرة على مكافحة انتشار المعلومات المضللة، وذلك وفقًا لـ «مؤشر الثقافة الإعلامية» «Media Literacy Index»، الذي يصدره معهد «Open Society Institute» من مقره فى صوفيا ببلغاريا.
وتشير الدراسات إلى وجود علاقة إيجابية بين مستوى التعليم ومرونة التعامل مع الأخبار الكاذبة، ووفقًا لتقرير معهد «Open Society Institute»، فإن المزيد من المعرفة ومهارات التفكير النقدي الأفضل، يحمى من المعلومات المضللة، وتعد فنلندا والسويد وهولندا من بين الدول التي تقوم بتدريس الثقافة الإعلامية الرقمية والتفكير النقدي حول المعلومات المضللة لطلاب المدارس.
وأعلنت سانا مارين، في الـ 20 من الشهر الجاري، أن السلطات سترفع حواجز الطرق الموضوعة حول العاصمة منذ نحو ثلاثة أسابيع. وبدأت القيود على السفر من منطقة العاصمة إلى بقية أرجاء البلاد وإليها يوم 28 مارس الماضي، بهدف منع تفشي عدوى فيروس «كورونا» المستجد في بقية أرجاء البلاد. وكانت الحكومة الفنلندية قد مددت وشددت الضوابط الحدودية التي تقيد السفر من وإلى البلاد حتى 13 ماي الجاري بهدف احتواء انتشار فيروس «كورونا» المستجد.
وأعربت فنلندا بقلق متزايد عن الاستراتيجية التي اتبعتها جارتها السويد خشية أن يؤدي السفر عبر الحدود إلى تسارع وتيرة انتشار الفيروس في الأجزاء الشمالية من فنلندا حيث تزيد أعداد السكان كبار السن وتقل موارد الرعاية الصحية. وقالت الحكومة الفنلندية في بيان «تهدف الحكومة إلى زيادة الحد من الحركة في منطقة السفر الأساسية عبر الحدود مع السويد والنرويج».