اعتمد مجلس الأمن، التابع للأمم المتحدة، بأغلبية كبيرة القرار الجديد رقم 2756 بشأن الصحراء، بأغلبية 12 صوتا، مع امتناع دولتين عن التصويت إضافة إلى الجزائر التي لم تشارك في التصويت، ما يكرس مسار الحل التوافقي والواقعي كحل للنزاع حول الصحراء المغربية. ومن بين الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، دعمت القرار أربع دول: الولايات المتحدة، والصين، والمملكة المتحدة وفرنسا. وينطبق الأمر نفسه على ثماني من أصل عشر دول أعضاء منتخبة في الجمعية العامة لمدة سنتين، ومن ضمنها سيراليون، وكوريا، واليابان، وغيانا، والإكوادور، ومالطا، وسويسرا وسلوفينيا.
وكما كان متوقعا، امتنعت فقط روسيا (عضو دائم) وموزمبيق (عضو غير دائم) عن التصويت. ولم تُثمر محاولة روسيا، على وجه الخصوص، لتقديم تعديلات على المشروع المقدم من الولايات المتحدة. ومن جانبها، حاولت الجزائر الضغط، يوم الاثنين 28 أكتوبر، من خلال السعي لعقد اجتماع مغلق لمواصلة النقاش حول المسودة وتقديم تعديلين؛ الأول يقضي بتوسيع مهمة «المينورسو» لتشمل حقوق الإنسان في الصحراء، والثاني يطالب بإلغاء الدعوة لعودتها مع الأطراف الأخرى إلى عملية المفاوضات في إطار الجولات المستديرة، وبالكاد كان صوت النظام الجزائري مسموعًا، بقي المشروع «باللون الأزرق» والمقدم للتصويت دون أي تعديل.
وكان مجلس الأمن ملزماً بالتصويت على تعديلين اقترحتهما الجزائر، وذلك وفقا للمادة 33 من النظام الداخلي المؤقت للمجلس، والتي تنص على أن التعديلات «تحظى بالأولوية بالترتيب المحدد على جميع الاقتراحات الرئيسية ومشروعات القرارات» وتم رفض تعديلات النظام الجزائري بتصويت أغلبية أعضاء مجلس الأمن بأن طلب النظام الجزائري إجراء تصويت على تعديلاته قبل التصويت على القرار يعكس نية هذا البلد في استغلال مجلس الأمن لتوجيه ضربات ضد المغرب، لكن روسيا لم تدعم التعديلات الجزائرية.
ويأتي القرار في نفس سياق القرارات التي تم تبنيها في 2021 و2022 و2023، لترسيخ نهج التوافق والواقعية كحل للنزاع حول الصحراء المغربية، بعيداً عن الشعارات الفارغة حول «استفتاء الاستقلال» المستحيل الذي يروج له النظام الجزائري، ولم يتم ذكر أي شيء عن المحاولة التي قد تكون الأخيرة التي اقترحها ستافان دي ميستورا حول تقسيم الصحراء المغربية بين المملكة وجبهة البوليساريو، وهو خيار رفضه المغرب بشكل قاطع منذ عام 2002، عندما طرحه المبعوث الشخصي السابق جيمس بيكر بدعم من الجزائر في عهد عبد العزيز بوتفليقة، كما يُطرح اليوم.
وبموجب القرار، طُلب من الجزائر مرة أخرى العودة إلى عملية الموائد المستديرة التي انسحبت منها. ويؤكد مشروع قرار مجلس الأمن على هذه العملية، خاصة من خلال الدعوة إلى مشاورات غير رسمية يتعين فيها على المغرب وجبهة البوليساريو وموريتانيا، وكذلك الجزائر، الحوار «بروح من الواقعية والتوافق، كما حدد ستافان دي ميستورا شهر أبريل 2025 كتاريخ لعودة عملية المفاوضات المستديرة والمشاورات حول قضية الصحراء، وفقًا للصيغة المتفق عليها سابقًا وبحضور جميع الأطراف، بما في ذلك الجزائر. وإذا لم يتحقق أي تقدم ملحوظ خلال هذه الفترة، التي ستصادف الذكرى الخمسين لاندلاع النزاع، فإن ستافان دي ميستورا يهدد بالاستقالة.
إلى ذلك الحين، قرر مجلس الأمن تمديد ولاية بعثة «المينورسو»لعام إضافي، حتى 31 أكتوبر 2025. ويعبر الجهاز التنفيذي للأمم المتحدة، في هذه المناسبة، عن «قلقه العميق إزاء انتهاك اتفاق وقف إطلاق النار (من طرف البوليساريو، حسب توضيح النص)، مذكراً بتوصية بعثة المينورسو في فبراير 2024 بضرورة وقف الأعمال العدائية وتجنب أي تصرفات تعرض السلام والأمن للخطر» وهنا، أيضاً، يتم توجيه تحذير لجبهة البوليساريو، التي قامت بارتكاب أعمال إجرامية منخفضة الحدة شرق الجدار الدفاعي المغربي. ويؤكد مجلس الأمن، في هذا السياق، على أهمية الالتزام الكامل والمستمر بوقف إطلاق النار، و«يأخذ علماً بالتعهدات التي قدمتها جبهة البوليساريو للمبعوث الشخصي السابق».
ويوجه المجلس، كذلك، تذكيرا آخر بضرورة إجراء إحصاء لسكان مخيمات تندوف، إذ «يجدد مجلس الأمن بشدة طلبه بتسجيل اللاجئين في مخيمات تندوف، ويؤكد على أهمية الجهود المبذولة في هذا الصدد»، حسبما جاء في النص، الذي دعا إلى إعطاء الأولوية لـ «حل سياسي» مرتبط «بروح التسوية والواقعية»، وهذا الحل السياسي سيجلب الأمن والتنمية للمغرب العربي ومنطقة الساحل. وجاء في نص القرار أن «الاعتراف بأن تحقيق حل سياسي لهذا النزاع الطويل الأمد وتعزيز التعاون بين دول الاتحاد المغاربي سيسهم في الاستقرار والأمن، مما سيؤدي إلى توفير فرص العمل والنمو وإتاحة الفرص لجميع شعوب منطقة الساحل».
وتفاعلا مع هذا القرار، أعرب المغرب عن ترحيبه باعتماده من مجلس الأمن الدولي، وفق ما أعلنته وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج. وأشارت الوزارة إلى أن هذا القرار «يأتي في سياق دينامية إيجابية يقودها الملك محمد السادس في ملف الوحدة الترابية للمملكة، مدعومة بتزايد دعم الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن والدول المؤثرة لمغربية الصحراء ولمبادرة الحكم الذاتي، إلى جانب استمرار سحب الاعترافات بما يسمى «الجمهورية الصحراوية»، حسب ما أفاد به بيان للوزارة، موضحة أن القرار الجديد «يحافظ على جميع المكتسبات المغربية، ويضيف عناصر مهمة جديدة تدعم مستقبل تطور هذا الملف داخل الأمم المتحدة، وقد كرس النص الجديد الإطار والأطراف والهدف من العملية السياسية، وفق وزارة الخارجية المغربية، حيث أكد أن المائدة المستديرة هي الإطار الوحيد للوصول إلى حل سياسي للنزاع الإقليمي حول الصحراء المغربية».
وحدد القرار، أيضا، بوضوح الأطراف المعنية بالنزاع، بما في ذلك الجزائر التي ورد ذكرها في القرار بالقدر نفسه الذي ذكر فيه المغرب. وأكد مجلس الأمن مرة أخرى أن الحل السياسي لا يمكن أن يكون إلا واقعياً وعملياً ودائماً، وأنه يجب أن يستند إلى مبدأ التوافق، وهو ما تدعمه مبادرة الحكم الذاتي المغربية، كما سجل القرار 2756 تطورين مهمين يعززان موقف المملكة، الأول يتمثل في ترحيب المجلس بالدينامية الأخيرة، وحث على الاستمرار في البناء عليها، مما يعني أن الأمم المتحدة تتبنى المسار الذي يقوده الملك محمد السادس لدعم مغربية الصحراء ومبادرة الحكم الذاتي.
أما التطور الثاني، حسب وزارة الخارجية، فيكمن في دعوة مجلس الأمن الدولي الأطراف الأخرى إلى تجنب الأعمال التي قد تعرقل العملية السياسية، وهو ما يردده الموقف الرسمي للمغرب، مؤكداً أنه لا عملية سياسية بدون احترام لوقف إطلاق النار، مشيرة إلى أن القرار اعتمد بتصويت 12 دولة لصالحه، وامتناع دولتين، و«امتناع دولة جارة، هي عضو غير دائم في مجلس الأمن، عن التصويت، مما يعكس عزلة موقفها دولياً، ويكشف تناقضاتها في ادعائها الدفاع عن الشرعية الدولية وجهود الأمم المتحدة، مع رفضها دعم هذه الجهود وتشبثها بسياسة عرقلة المسار».