نقاش كبير يدور في ألمانيا هذه الأيام، حول المشهد السياسي بعد أنجيلا ميركل. هذه المرأة التي لقبتها أوروبا والعالم بالسيدة الحديدية، حاولت المشي على خطى الراحلة «مارغريت تاتشر»، رئيسة وزراء بريطانيا السابقة، التي مثلت المحافظين البريطانيين. رغم أن السيدتين مختلفتان في كثير من التوجهات والآراء السياسية، إلا أنهما مثلتا في فترتين متفاوتتين حضور النساء في الحياة العامة لأقوى دولتين بأوروبا، حتى أنهما أزاحتا أسماء سياسية وازنة جدا صنعت اقتصاد القارة والسياسة الدولية، خصوصا في الشرق الأوسط والمستعمرات السابقة بإفريقيا جنوب الصحراء.
يضع المهاجرون المسلمون والعرب هذه الأيام أيديهم على قلوبهم، في انتظار ما سوف يسفر عنه المشهد السياسي الألماني الجديد. إذ إن تيار المحافظين عرف انتعاشا غير مسبوق، وهناك أيضا تأييد لليمين وتكتل حول الكنيسة، رغم أن الألمان خلال السنوات العشرين الأخيرة، سجلوا نفورا كبيرا من المؤسسة الدينية. لكن الظروف الاقتصادية والأحداث التي عرفتها أوروبا خلال السنوات الخمس الأخيرة، وأنشطة تيار اليمين الألماني المتطرف كلها أعادت المحافظين إلى الواجهة.
حتى أن مواطنا مغربيا، قبل أشهر، في بلدة ضواحي برلين، وضع شكاية ضد جيرانه المتعاطفين مع اليمين الألماني، حيث كانوا يعلقون لافتات على سيارته يطالبونه فيها بالعودة إلى بلاده، ويدعون الألمان إلى الثورة ضد المهاجرين.
وبرحيل «ميركل» تكون ألمانيا قد طوت أكبر مرحلة فتح لحدود البلاد في وجه اللاجئين السوريين. إذ إن الفترة الأخيرة عرفت منحا للجواز الألماني لعدد من المواطنين السوريين، الذين توفرت فيهم شروط الاندماج، فيما تم ترحيل مئات الآلاف ممن اختاروا إما العودة إلى سوريا أو التحول في اتجاه الدول الإسكندنافية أو كندا، بحيث لم يكن مرحبا بهم في ولايات ألمانيا، ما داموا قد اختاروا العيش على مساعدات اللجوء فقط.
ركب اليمين الألماني على حالات العنف ضد الأزواج والاغتصاب والتحرش في وسائل النقل العمومي داخل ألمانيا، لكي ينشر مطالب بترحيل اللاجئين السوريين، وحدث هذا في الوقت نفسه الذي كانت فيه منظمات حقوقية تشيد بميركل وتصفها بالملاك، لأنها فتحت ألمانيا أمام اللاجئين السوريين، وهو ما ساهم في زيادة شعبيتها بشكل غير مسبوق.
في انتظار ما سوف تستقر عليه أوضاع المشهد السياسي في ألمانيا الاتحادية في الأيام القريبة، حيث تجري هذه الانتخابات في غياب أنجيلا ميركل، وترجح فيها كفة الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني، الأوفر حظا للفوز، فإن الحكومة المقبلة لألمانيا سيكون أمامها ملف العلاقات مع المغرب. القرار السابق بتعليق تأشيرات الدراسة التي تمنحها سفارة ألمانيا في الرباط، وهو قرار غير مفهوم سنه السفير السابق، يجب مراجعته. كما أن المواقف السياسية للحكومة الألمانية السابقة في تعاملها مع المغرب، لا تناسب البرامج التي أعلن عنها هذا الحزب الاشتراكي، إذ إن التمثيليات العمالية للمغاربة في ألمانيا تعتبر واحدة من أقدم التكتلات في تاريخ النقابات الألمانية. ويكفي أن نذكر أن أول تشغيل ألماني لليد العاملة يعود إلى سنة 1913 تقريبا، حيث طلبت ألمانيا رسميا مئات العمال المغاربة الذين عملوا في قطاع السيرك، ومنذ ذلك الوقت لم يتوقف طلب ألمانيا للعمال المغاربة في مختلف القطاعات، خصوصا بعد الحرب وقبل توحيد البلاد بسقوط جدار برلين، نهاية الثمانينيات.
ربما تكون «ميركل» امرأة حديدية فعلا، لكن أكبر هفوة في مسارها السياسي كانت عندما ذهبت في كامل قواها العقلية، للأسف، إلى الجزائر، وجلست مع عبد العزيز بوتفليقة، أشهرا قليلة قبل الحراك الجزائري الأخير، والتقطت صورة معه وهو عاجز تماما عن الحركة والكلام. ما هي الملفات التي تناولها الطرفان؟ الله أعلم. وفي عهدها أيضا قامت الحكومة الألمانية بخطوات غير مفهومة باستثناء المغرب من اجتماع الملف الليبي، حيث دعت كل الأطراف إلا المغرب، رغم أن كافة الأطراف كانت تجتمع في المغرب، الذي كان أول من احتضن أساسا جميع أطراف الحوار الليبي.
كل الذين لقبوا شخصيات سياسية بـ«الحديدية» يفوتهم أحيانا أن يتذكروا عدو الحديد، وهو الصدأ.