مضامين من مذكرات منقرضة تنشر لأول مرة - تيلي ماروك

استعمار المغرب مضامين من مذكرات منقرضة تنشر لأول مرة

مضامين من مذكرات منقرضة تنشر لأول مرة
  • 64x64
    Télé Maroc
    نشرت في : 16/11/2021

مشاهدات الكاتب البريطاني «آشميد بارتليت» الذي عايش استعمار المغرب

«شهر غشت 1907 كان شهرا مشهودا في تاريخ المغرب. وتميز بثلاثة أحداث غاية في الأهمية. وهي: أولا، قصف الدار البيضاء ونزول الجيش الفرنسي في شاطئها. ثانيا، رحيل المولى عبد العزيز عن فاس. وثالث الأحداث، إعلان تنصيب المولى عبد الحفيظ سلطانا للمغرب من مراكش.

تم استدعاء كل الأجانب في المغرب على عجل لينتقلوا إلى المناطق الساحلية، حتى في فاس التي تعتبر مركزا لقوة السلطان، كان موظفو المخزن الرسميون قد أعلنوا أنهم لن يستطيعوا أبدا ضمان سلامة الأوربيين، وأوصوا بشدة بأنه يتعين على جميع الأجانب مغادرة العاصمة فورا.

وافق القناصلة والتزموا بالتعليمات، ومع بداية غشت، كانت كل البعثات الأوربية والقناصلة والتجار الأجانب والأطباء وأعضاء البعثات الذين كان يصل عددهم جميعا حوالي الستين، قد غادروا كلهم فاس إلى القصر الكبير برعاية خفر قوي من الجنود التابعين والأوفياء للسلطان. ووصلوا إلى شواطئ المحيط الأطلسي بأمان». هذا مقتطف من هذه المذكرات المثيرة لصاحبها «آشميد بارتليت»، والتي اختار لها عنوانا «محيرا» فعلا، كالآتي: «THE PASSING OF THE SHEREEFFIAN EMPIRE». أي أنه يعلن هزيمة المغرب وكيفية سقوط «الإمبراطورية الشريفة» في قبضة فرنسا، من عنوان الكتاب.

 

أوراق منسية من سيرة مغامر وثّق لأيام سوداء في البلاد

ابحث عن «آشميد بارتليت» اليوم ولن تجد أي شيء. هذا الكاتب المغامر الذي استقر في بريطانيا وكتب فيها مذكراته سنة 1910 عن تجربته المغربية، سبق له أن كتب كثيرا عن السفر إلى بقاع الأرض وعادات الشعوب والقضايا السياسية الشائكة في آسيا وشمال إفريقيا. لكن رحلته إلى فاس وجولته في المغرب في عز تحول البلاد عندنا إلى ساحة توتر ضد الوجود الأجنبي العسكري والدبلوماسي، كانت أهم ما وقع في مساره واحترافه لمهنة الكتابة عن الأخطار.

يقول هذا الكاتب في تقديم مذكراته: «هدفي الأبرز من وراء كتابة هذا الكتاب، أن أظهر كيف خسرت المملكة الشريفة استقلالها وكيف تحولت إلى مرمى أطماع الدول الأوربية». يضيف أيضا، في فقرات أخرى من تقديم طويل تحدث فيه عن حيثيات رحلته إلى المغرب وقراره الكتابة عن التجربة المغربية، أنه لم يكن من السهل أبدا تناول قضية المغرب بحكم الإرث التاريخي للمغرب ودقة المرحلة التي كان فيها صراع بين المغرب وبين كل ما هو أوربي يحمل الحضارة من وراء البحر إلى بلد ضارب في التاريخ لديه نظامه ودينه وخصائص تتعلق به وحده.

«المخزن» هذا النظام أو الجهاز، الذي حفز فضول «آشميد» وجعله يشد الرحال دون تفكير لكي يدخل البلاد ويقرر أن يتغلغل فيها ويتجاوز الحدود التي وضعها الأجانب لرعاياهم حفاظا على سلامتهم في المغرب.

هذا العمل التوثيقي الذي قام به «آشميد»، سجل لحظات مهمة جدا من تاريخ المغرب الحديث. ومنها لحظة خروج الأجانب من فاس، بعد اندلاع الأحداث داخلها ورفض الوجود الأجنبي. إذ في هذه المذكرات يقول «آشميد» إن الأخبار كانت تصل من مراكش، مفادها قوات من القبائل الغاضبة في طريقها إلى فاس، لإجبار الأجانب على المغادرة، وهو ما جعل البعثات الأجنبية توصي رعاياها بالذهاب صوب المناطق الساحلية لتسهيل نقلهم بحرا من المغرب إن تطورت الأمور نحو الأسوأ.

من جهة أخرى، جرى زلزال سياسي حقيقي في تلك الأثناء، خصوصا وأن المخزن عرف تنقيلات كبيرة في آخر لحظات وجود المولى عبد العزيز في السلطة، وهو ما نقل «آشميد» بعض تفاصيله، وقال إن بعض رموز المخزن عندما رأوا الأمور تتجه نحو الأسوأ حاولوا التبرؤ من علاقتهم بالأجانب، بدل أن يحاولوا البحث عن صفقات للإجلاء.

بدا واضحا أيضا أن الكاتب كان من الزمرة التي توجهت إلى الرباط، لأنه تناول في فصل خاص وقائع الأسابيع الأولى التي تلت زلزال السلطة في فاس، وتحدث عن وصول باخرة عسكرية فرنسية ضخمة إلى مدينة الرباط، والارتجال الذي تلا وصولها وارتباك المسؤولين المغاربة في التعامل معها، وهو ما كشف أن السلطة في المغرب كانت تعيش انقساما غير مسبوق في اتخاذ القرار المناسب للتعامل مع الوجود الأجنبي في المغرب، رغم نجاح «الثورة» التي قادها العلماء وقادة القبائل لإنهاء وجود الأجانب في مدينة فاس، بكل ما تمثله بالنسبة للمغاربة من قداسة.

الكاتب كاد أن يفقد حياته في مخيم بـ «تادارت»

كان الكاتب «آشميد بارتليت» من المحظوظين القلائل الذين تجولوا في المغرب مع فرق الجيش الفرنسي في شهر شتنبر 1907. إذ في يوم 3 من ذاك الشهر، كان على موعد مع حدث كاد أن يقلب حياته رأسا على عقب، ويجعله واحدا من أفراد لوائح الذين رحلت جثامينهم على ظهور البغال لتحملها السفن إلى الضفة الأخرى لتدفن في أوربا. أو إن كان محظوظا كفاية، فسوف يدفن جسده في مقابر خصصت لضحايا الحرب الفرنسيين في المغرب. لكن «آشميد» لم يكن لا من هؤلاء ولا من أولئك. كان مغامرا يتلمس طريقه بين الألغام، وحاول أكثر من مرة الاقتراب من قلب الأحداث رغم الخطورة التي كانت تنطوي عليها العملية ككل.

يقول إنه في تادارت، مباشرة بعد واقعة مقتل جنرال فرنسي اسمه «بروفوست»، كان المخيم العسكري يعيش على إيقاع من التأهب. ماذا كان يفعل «آشميد» هناك؟ كان فقط مرافقا للوحدات العسكرية لتوفر له الحماية بحكم أنه لم يكن فرنسي الجنسية، ولم يكن لديه أي رابط أو اتفاق مع الجيش الفرنسي. لكنه كان في إطار جولته التي سبقت توقيع معاهدة الحماية، يتنقل بين وحدات القوات الفرنسية والتمثيليات الدبلوماسية الأجنبية في المغرب، بل ويصل أيضا إلى منازل موظفي المخزن النافذين ومنهم إلى خبايا القرار المغربي قبيل توقيع معاهدة الحماية. ويقول إنه توفرت لديه الكواليس، رغم أنه لم يفصل في ذكر عدد من النقط التي بقيت غامضة في الرواية التي قدمها للأحداث.

كان «آشميد» معجبا جدا بالموقف المغربي الرافض للوجود الأجنبي في المغرب، وهذه نقطة اعترف بها في أكثر من موضع بين صفحات كتابه الذي يحمل معنى سلبيا يكشف للقارئ الأجنبي انهزام المغرب في معركته ضد أوربا، وليس فرنسا وحدها، حتى قبل أن يطالع الكتاب. إذ يقول إن المقاتلين المغاربة كانوا على درجات قصوى من التأهب، وأن لياقتهم البدنية العالية كانت كابوسا حقيقيا لقوات الجيش الفرنسي. ولولا أن الباخرة العسكرية الفرنسية رست في شواطئ الرباط لحسم نتيجة الثورات المتاخمة لواد أبي رقراق لصالح فرنسا، لربما استمر المغرب سنوات أخرى في مقاومة الوجود الفرنسي، على الخصوص، داخل التراب المغربي.

تجول الكاتب في مناطق كثيرة، وكانت الخلاصة دائما واحدة. القبائل المغربية كانت لديها قدرة كبيرة جدا على مقاومة فرنسا طالما كانت العمليات بعيدة عن البحر. لأن الهاجس الأكبر الذي قض مضجع المقاتلين المغاربة هي المعدات الثقيلة لفرنسا المتمثلة في البوارج البحرية. أما على الميدان، فلم يكن الجيش الفرنسي، حسب رواية هذا الكاتب للأحداث، قادرا على الصمود أمام عزيمة المحليين الذين كانوا يرفضون وجود فرنسا في المغرب. 

 


إقرأ أيضا