ن البصريشهدت سنة 1993 تنفيذ «آخر» حكم بالإعدام في المغرب، في حق المسؤول الأمني محمد مصطفى ثابت الشهير بـ «الحاج ثابت»، في قضية أخلاقية مثيرة شغلت الرأي العام الوطني حينها. مرت سنوات على ذلك الحكم، وما زالت المحاكم تنطق بحكم الإعدام دون أن تنفذه، إذ غالبا ما يتحول إلى مؤبد.
في السجون، العشرات من المحكومين بتلك العقوبة يقبعون في زنازينهم. بعضهم قضوا سنوات طويلة داخلها وهم يترقبون ما قد يحمله الغد، خصوصا في ظل عدم الإلغاء الصريح لتنفيذ العقوبة في القانون المغربي، ما يجعل عقوبة الانتظار أشد فتكا من العقوبة السالبة للحياة.
يقول رجال القانون إن استمرار إصدار أحكام الإعدام يرجع إلى استمرار التنصيص على هذه العقوبة في فصول القانون الجنائي، ما يجعل إسقاط هذا الحكم شأنا يخص المشرع. في انتظار ذلك، يظل القضاة يصدرون حكم الإعدام في الجرائم الخطيرة، خاصة التي تهدد أمن الدولة، سيما ملفات الإرهاب.
وحسب بعض الهيآت الحقوقية فإن عدد المعتقلين المغاربة المحكومين بالإعدام يصل إلى 80 معتقلا، منهم من صدر في حقهم تقليص للعقوبة من السالبة للحياة إلى السالبة للحرية، بعفو ملكي بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب وعيد الشباب، لكن كثيرا من الدول لازالت تنفذ أحكام الإعدام في حق المدانين سواء بالشنق أو رميا بالرصاص أو بأدوات أخرى. بل إن بعض منفذي أحكام الإعدام أصبحت سيرتهم على كل لسان وتحولوا من مجرد أعوان تنفيذ إلى مشاهير.
في الملف الأسبوعي لـ «الأخبار»، وقفة مع أشهر الناجين من مشنقة ومقصلة ومرمى رصاص منفذي الإعدام.
++++++++
حسن البصري
+++
وساطة سعودية تجنب الطالب سعدون إعداما بروسيا
في بداية شهر يونيو الماضي، انطلق جدل سياسي وحقوقي شديد حول حكم الإعدام الذي أصدرته محكمة تابعة لسلطات مقاطعة «دونيتسك» في حق ثلاثة أشخاص، وهم المغربي إبراهيم سعدون والبريطانيان إيدن أسلين وشون بينر، وحين صدر القرار ردت سلطات المقاطعة بأن هؤلاء الثلاثة لا تنطبق عليهم أحكام اتفاقية جنيف، لأنهم «مرتزقة» حسب ادعاءات المدعي العام.
لكن المعلومات الأولية أكدت أن إبراهيم سعدون، البالغ من العمر 21 سنة، ينحدر من مكناس، وكان يدرس علوم الطيران بإحدى جامعات أوكرانيا. وبحسب وسائل إعلام روسية فإنه تطوع للقتال في صفوف القوات الأوكرانية لمواجهة الغزو الروسي وانضم إلى صفوف وحدة المشاة البحرية الأوكرانية المقاتلة في ماريوبول.
وحسب أفراد عائلة إبراهيم، فإن الاتصال بابنهم قد انقطع منذ شهر مارس الماضي، فيما أكدت وسائل إعلام روسية لاحقا أن سعدون وقع مع آخرين في قبضة سلطات إقليم دونيتسك «الانفصالي» شرقي أوكرانيا في بداية شهر أبريل، وبعد أيام تم الشروع في محاكمته مع المواطنين البريطانيين اللذين تم أسرهما معه لتصدر المحكمة العليا لجمهورية «دونيتسك» الشعبية، المنطقة الانفصالية الموالية لروسيا في أوكرانيا، يوم تاسع يونيو حكما بإعدام الثلاثة، بتهمة ممارسة «أنشطة استرزاقية». وحسب صك الاتهام، فإن المتهم كان يتقاضى راتبا شهريا يبلغ 371 دولارا وأنه تضاعف 3 مرات عندما كان على خط المواجهة، وأنه استسلم خلال معركة في منطقة دونباس في أبريل، وكان يرتدي زي لواء مشاة البحرية.
وحسب أخبار من منابر روسية، فإن الشاب المغربي كان واحدا من بين 8 آلاف طالب من المغرب كانوا يتابعون دراستهم في أوكرانيا، ويشكلون ثاني أكبر تجمع للطلاب الأجانب في العالم، وإنه درس في كلية كييف للديناميكا الهوائية وتكنولوجيا الفضاء مدة عامين، مضيفة أن إبراهيم «وقع في حب أوكرانيا، بسبب مشهد الهجوم العنيف عليها، وكثيرا ما كان يتحدث عن رغبته في رد الجميل للبلد الذي قدم له الكثير»، وهذا الطرح يفند الادعاء القائل بأن الشاب المغربي قد التحق بالجيش من أجل المال، بل فعل ذلك عن قناعة شخصية قبل الغزو الروسي.
بعد الإفراج عنه، بوساطة سعودية قادها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، بتوصية من العاهل المغربي محمد السادس، التحق إبراهيم سعدون بالمملكة العربية السعودية ومنها إلى المغرب، بعدما تم إخلاء سبيله ضمن عشرة معتقلين آخرين، إذ أعلنت وزارة الخارجية السعودية، عن نجاح مبادرة ولي العهد السعودي بالإفراج عن عشرة أسرى من مواطني المغرب والولايات المتحدة وبريطانيا والسويد وكرواتيا.
الحسن الثاني ينتزع عفوا رئاسيا لعمر الرداد
لم تكن زوجة عمر الرداد تدرك أن زوجها، المهاجر البسيط الذي كان يقضي سحابة يومه في تقليم النباتات بحثا عن كسرة خبز مغتربة، سيصبح أشهر سجين في تاريخ القضاء الفرنسي، فقد جاء ابن منطقة ميضار التابعة لإقليم الدرويش إلى فرنسا أملا في جمع المال فوجد نفسه أشهر معتقل، بعد إدانته بتهمة قتل مشغلته الثرية جيزلين مارشال، التي كان يرعى حديقة منزلها في جنوب فرنسا. وعلى الرغم من إنكاره التهمة ومواصلة التمسك ببراءته من الجريمة، فقد أدانته المحكمة بعدما استند القضاة إلى عبارة كتبتها الضحية بدمها على باب القبو الذي وقعت فيه الحادثة وقالت فيها «عمر قتلني». وسيق المتهم إلى السجن ليمضي فيه عدة سنوات، قبل أن ينجح محاميه الشهير جاك فيرجيس في إجراءات إعادة المحاكمة، وانتهت القضية بإطلاق سراح العامل المغربي الذي تعاطف معه الفرنسيون، بعفو رئاسي خاص من الرئيس شيراك، بتدخل من الملك الراحل الحسن الثاني من دون تبرئته من التهمة.
في الرابع والعشرين من يونيو 1991، عثر على جيزلين قتيلة تسبح في دمائها وسط غرفة معزولة في حديقة بيتها، مخصصة للتدفئة، ومنذ ذلك الحين بدأت القضية التي انتهت في القصور وفي المؤتمرات قبل أن ينتهي بها الأمر في مهرجانات السينما بعد أن تحولت إلى فيلم سينمائي.
حضرت لطيفة رفقة والده عبد السلام، جميع أطوار المحاكمة، وعندما نطق القاضي بالحكم بالسجن لمدة 18 عاما على عمر الرداد، صرخت لطيفة وانتحبت ولطمت رأسها وهي تقول: «زوجي بريء.. زوجي مظلوم». وانهارت قبل أن تستفيق في سرير مصحة لا تبعد كثيرا عن المحكمة. لكن لطيفة ستتحول إلى مخاطب رسمي لكبار مستشاري الملك الحسن الثاني الذي يرسل لها موفدين من القصر لإبلاغها بجهود الحسن الثاني من أجل تبرئة زوجها عمر، فآمنت بأن الملف بيد ملك البلاد، لكنها خرجت من عباءة الحشمة وجالست ممثلي جمعية أنشئت لمساندة زوجها عمر كما حضرت وقفات احتجاجية طيلة فترة اعتقال الرداد، كما سعت مرارا إلى استبدال المحامين مما أغضب الحاج عبد السلام والد زوجها عمر.
اعترضت النيابة العامة على الحكم وطالبت بإعدام الرداد، بل إن جمعيات متطرفة نادت بتوقيع عقوبة سالبة للحياة ضد البستاني، ما جعل القضية تتحول إلى قضية رأي عام، حتى أنها أصبحت ورقة من أوراق الأحزاب اليمينة المتطرفة في فرنسا.
حين أفرج عن عمر بعفو رئاسي، قررت لطيفة الاستمرار في نضالها من أجل استخلاص البراءة، ولاحظ الرداد أن لطيفة تغيرت كثيرا، وعاب عليها خروجها إلى الواجهة، حين تفاوضت مع منتج فيلم حول قضيته بعنوان «عمر قتلني».
الملك يمنح المعارض المقريف جواز سفر باسم الإدريسي
كشف محمد المقريف، أحد أبرز معارضي نظام الرئيس الليبي السابق معمر القذافي، والأمين العام للجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا، عن العلاقة التي جمعته بالمغرب خلال مدة إقامته بالمغرب، بعد انشقاقه عن القذافي.
وقال المقريف، في برنامج «شاهد على العصر»، على قناة «الجزيرة»، إن نظام الحسن الثاني احتضنه وقدم له غطاء سياسيا وحماية أمنية، لكنه لم يتسلم أي أموال من المغرب، بل إن السلطات المغربية سلمته جوازات سفر بأسماء مستعارة، واحد منها كان باسم «محمد الإدريسي»، كما وفرت له حماية أمنية.
وتحدث محمد المقريف، أول رئيس للبرلمان العام الليبي، في نفس المنبر الإعلامي، عن سبب العداء بين الزعيم الليبي معمر القذافي وبين الملك المغربي الحسن الثاني، وقال إنه يرجع لدعم القذافي للانقلابين المغاربة، فضلا عن دعمه لعناصر البوليساريو. وأقر المقريف بأنه التقى في المغرب بالسلطات العليا للبلاد وبالقنصل الأمريكي في المغرب الذي تولى ترتيب زيارة له لواشنطن، شاكرا العاهل المغربي الذي منحه الغطاء السياسي وجواز السفر دون مقابل، شاكرا الجنرال حسني بن سليمان الذي كلفه العاهل المغربي بتسهيل مأموريته، حين دعا إلى احتضان المغرب لمؤتمر الحركة الوطنية الديمقراطية سنة 1982، وقال: «إنه هو الذي اقترح تغيير مكان المؤتمر من القاهرة إلى الرباط».
وحسب موقع «ويكيبيديا»، فإن المقريف من مواليد بنغازي سنة 1940، و»هو أكاديمي ومؤرخ وسياسي ودبلوماسي ليبي شغل منصب رئيس المؤتمر الوطني العام الليبي منذ غشت 2012 إلى أن قدم استقالته في ماي 2013 امتثالا لقانون العزل السياسي. ويعد المقريف من أقدم وأبرز المعارضين لحكم العقيد معمر القذافي الذي حكم ليبيا لأربعة عقود. فقد عارضه منذ عام 1980 عندما قدم استقالته من منصب سفير ليبيا لدى الهند وأعلن انفصاله عن نظام القذافي احتجاجا على انتهاكات حقوق الإنسان وتدمير مؤسسات البلاد».
طالبت أجهزة اللجان الشعبية بإعدام المعارض الليبي، لكن هذا الأخير هاجر إلى المغرب في عز الخلاف القائم بين البلدين، حيث نجا من أدوات الإعدام المسلطة على معارضي معمر القذافي.
البصري ينجو من رصاص وحبل الإعدام أربع مرات
كتب لمحمد البصري، المقاوم والمعارض، أن يفلت من الموت مرات عديدة، فقد اتفق المستعمر الفرنسي ومغرب سنوات الرصاص على تصفية «الفقيه» المزعج، وحكم عليه بالإعدام سنة 1955، لكنه خطط لعملية هروب من السجن المركزي بمدينة القنيطرة تحولت في ما بعد إلى ما يشبه الأسطورة.
شاءت الأقدار أن يكتب لهذا الهارب من السجن، أن يشارك في مؤتمر مدريد لسنة 1956 الذي نظمته حركة المقاومة وجيش التحرير قصد تحديد موقفها من تطورات الأوضاع، وهو المؤتمر الذي تبنى أطروحات «الفقيه».
لم يكن البصري يخطط وحده للهروب فقد ظل يشاركه في وضع السيناريوهات المحتملة مجموعة من رفاق دربه الذين تقاسموا معه مرارة الاعتقال ورفقة السلاح، أبرزهم عبد السلام الجبلي ورحال المسكيني وعبد الفتاح سباطة وعبد الله الباعمراني وبوشعيب الحريزي ومحمد بن الميلودي وأحمد الصباغ ثم المختار الطنجاوي، رغم أن هذا الأخير كان من سجناء الحق العام.
وتظل عملية الهروب من سجن القنيطرة الأكثر إثارة، حيث خطط لها في صيف 1955 ونفذت في شهر شتنبر وتحديدا يوم 28 من نفس السنة بعد سلسلة من التأجيلات أملتها مستجدات طارئة. اعتبرت لدى الإعلام الفرنسي «عملية جريئة» جعلت النظام الفرنسي وهو يعيش آخر أيامه في المغرب يعيد النظر في سياسة الاعتقال، خاصة حين يتعلق الأمر بمقاومين.
لم يقتصر المخطط على السجناء الراغبين في التمرد على حياة الاعتقال، بل تجاوزه إلى متعاونين مغاربة آخرين خارج المعتقل، منهم من أسدى خدمة لوجيستيكية ومنهم من قام بإيواء الفارين ومنهم من أوهم البوليس الفرنسي ومنحهم معلومات خاطئة غيرت بوصلتهم، وعدد كبير من المقاومين الذين فضلوا التستر على دورهم في هذا التمرد الأول من نوعه في سجن «بور ليوطي».
حسب عبد الله الخصاصي، فإن الاستعانة بسجين من معتقلي الحق العام كان عاملا مساعدا على نجاح العملية، بالنظر إلى الثقة التي كان يحظى بها الطنجاوي لدى إدارة المعتقل، بل إن مدبري الهروب استعانوا بسجين ألماني يدعى «هيس» كان وراء صنع مفتاح يمكن من فتح كل الزنازين.
كان أغلب الحراس فرنسيين، لذا بدأت العملية باحتجازهم حيث بلغ عدد الحراس المعتقلين أربعة، تم تجريدهم من أسلحتهم ولم ينج من الاحتجاز حارس مغربي، لم يقتصر الهروب على مخططي العملية بل تبعهم كثير من السجناء إذ فاق العدد 35 سجينا من مختلف التهم، تفرقوا في محيط المعتقل خاصة في غابة سيدي البوخاري أو غابة المعمورة أو شاطئ المهدية وبوقنادل، أغلب الفارين تنكروا في زي نساء أو عجائز، لكن السلطات الفرنسية طوقت المكان بالعساكر والكلاب البوليسية وتم إلقاء القبض على عدد من الفارين أبرزهم لحريزي والصباغ، حيث أعدما في اليوم الموالي.
على امتداد أكثر من نصف قرن، حكم البصري بالإعدام أربع مرات وعاش مرارة السجون، واختار المنفى ليقضي فيه 35 سنة متنقلا بين البلدان حتى استقر بفرنسا، قبل أن يعود ليموت في بلاده.
إليزابيث تنقذ مغربيا من الإعدام بسبب زوجته البريطانية
لم يكن أفراد عائلة العامل المغربي بن الصديق يعتقدون أن عقد عمل في ضيعة في ملكية ابن عم الرئيس العراقي السابق صدام حسين سيرمي بهم في غياهب المجهول. أصل الحكاية يرجع لبداية التسعينات من القرن الماضي حين قرر أحمد بن الصديق وشقيقه محمد العودة إلى العراق للعمل في ضيعة للدواجن في ملكية ابن عم صدام، اعتقدا أن الاشتغال مع شخصية مقربة للحاكم بمثابة امتياز.
ذات ليلة من ليالي سنة 2003، وبعد أن عمت الفوضى العراق، هاجمت ميليشيات «المهدي» الضيعة، واختطفت العامل المغربي أحمد رفقة ابنته، ولم تفرج عنهما إلا بعد أن منح المهاجمين 40 ألف دولار، حيث هاجر إلى إسكتلندا رفقة زوجته العراقية بينما ظل شقيقه رهن الاعتقال في أقبية هذا الفصيل.
يقول محمد بن الصديق، في حوار مع الإعلامي محمد أحداد، إن السلطات العراقية قررت بعد طول تنكيل إعادته إلى المغرب، محروما من زوجته ومن أبنائه، ويصر على أنهما دفعا ثمن الاشتغال بضيعة كبيرة لابن عم صدام حسين مختصة في تربية الدواجن والمواشي والأبقار.
«قصص المواطن المغربي محمد بن الصديق الذي وجد نفسه بغثة في أقبية السجون، تتكرر على لسان عشرات المغاربة الذين كانوا ضحايا سقوط بغداد في يد أمريكا ذات ليلة من ليالي سنة 2003. بالنسبة للمغاربة الذين اختاروا التوجه إلى العراق منذ نهاية حرب الخليج الأولى، التي دمرت البنية التحتية العراقية واستنزفت جزءا كبيرا من مواردها، فقد كان البحث عن المال ومساعدة عائلاتهم في المغرب مقصدهم الأول، سيما وأن موجة المهاجرين الأولى قدمت صورة وردية عن أحوال العراق وأجواء الانفتاح في بلد النهرين».
يضيف محمد «تم اختطافي في سنة 2010 من لدن عناصر مجهولة، لمجرد كوني أعمل أنا وأخي في ضيعة تعود ملكيتها لابن عم صدام حسين اسمه حجي حمد كان السبب وراء كل المآسي التي حلت بي وبأخي بعد ذلك. حيث تعرضت للاعتقال في سجن موحش لكل أنواع التعذيب».
حين عرض على القضاء، اكتشف أن تهمه ثقيلة، كالتخطيط لتفجير مقرات الشرطة ومهاجمة الحواجز الأمنية، كما توبع بتهمة محاولة الهروب من السجن ومخالفة قوانين الإقامة. ولأن زوجة أحمد تحمل جنسية بريطانية، فقد كانت بمثابة القشة التي تمسك بها أحمد وشقيقه، للانفلات من حبل إعدام هيأته الميليشيات.
«راسلت الديوان الملكي البريطاني وحكيت لهم كل التفاصيل بشأن أخي المختطف، والذي يتعرض للتعذيب في مطار المثنى السري، رد علي الديوان الملكي البريطاني بأنه لا يستطيع التدخل في قضية مواطن مغربي، لكن بعد الإلحاح أحالوني على مكتب الكومنلويث ثم على الصليب الأحمر البريطاني بغاية التدخل. أعتقد أن الدعم الذي حزته من ملكة بريطانيا كان له أثر في حل قضية أخي».
هكذا نجا الكولونيل القادري من الإعدام
في كتابه «من الصخيرات إلى تازمامارت.. تذكرة ذهاب وإياب إلى الجحيم»، يتحدث محمد الرايس، أحد معتقلي هذا السجن الرهيب، عن الكولونيل عبد الله القادري الذي يعد من أعضاء ما سمي بقيادة بوقنادل، ويتحدث عن دوره في التحضير لانقلاب الصخيرات سنة 1971 والذي قاده الكولونيل محمد اعبابو مدير مدرسة أهرمومو.
لكن كيف سيفلت القادري من الإعدام؟ وكيف سيكون هو بنفسه واقفا على إعدام أصدقائه؟ وكيف سيكون أول ضابط يطلب إعفاءه من مهامه العسكرية في ملتمس موجه إلى الملك الراحل الحسن الثاني؟
في شهادته أمام المحققين، سئل القادري عن سر تواجده في بوقنادل رفقة مدبري الانقلاب، وشرح أسباب تنقله من الرباط إلى هناك، صبيحة العاشر من يوليوز 1971، ساعات قليلة قبل الهجوم على القصر الملكي، قال إنه ذهب إلى هناك لحضور وليمة غداء دعاه إليها الكولونيل محمد اعبابو، غير أن إفادته سجلت في البداية كشهادة ضده، قبل أن تنكشف الحقائق، التي دلت على أن لا علاقة له بالانقلابيين، وأنه رفض مجاراتهم في خطتهم، وأطلق ساقيه للريح فرارا من بطش محتمل، بعدما تبين أنه اعترض شفويا على المشاركة في الغارة البرية، وقفل راجعا، مما جنبه رصاص الإعدام.
على الرغم من تكوينه العسكري، إلا أن عبد الله القادري ابتعد طوعا أو كراهية عن الثكنات منذ أن عاش رعب انقلاب الصخيرات، بل إن الرجل وخلافا للعساكر، دخل عالم السياسة، حيث عينه الملك الحسن الثاني وزيرا للسياحة. وهو التعيين الذي لم يمض فيه عبد الله سوى ثمانية أشهر، قبل أن يتلقى إشارة من القصر بترك المنصب والاستعداد لمراسيم تسليم المهام لعبد القادر بن سليمان، حينها كتبت صحيفة «العلم» أن الرحلة السياحية للوزير انتهت سريعا.
اعتمد الحسن الثاني على القادري لكسر شوكة الكتلة الوطنية، وصنع به خلطة الوفاق، لكن الملك جدد غضبه من القادري، حين ساهم هذا الأخير في اختيار أرسلان الجديدي كاتبا عاما للحزب الوطني الديمقراطي، يقول القادري إن الحسن الثاني مرر غضبته بطريقة لبقة حين قال: «بغيتوه دبرو راسكم»، وجسد إدريس البصري التوجه الملكي ميدانيا حين أشرف على الانتخابات التشريعية والتي انتهت بخسارة الحزب الجديد في استحقاقات سنة 1984، فقد تبين أن الملك غير راض عن الحزب بمجرد تعيين الجديدي زعيما، في ما تلقى القادري إشارات برغبة القصر في تعيين عبد القادر بن سليمان.
حين تقاعد القادري من الجيش، وهو شاهد عيان أساسي على الانقلاب الذي عرفه قصر الصخيرات، نزع بذلة العسكر وارتدى رداء السياسة، فقد التحق بحزب التجمع الوطني للأحرار قبل أن ينشق رفقة أرسلان الجديدي عن هذا التجمع «المدني»، ويضعان اللبنة الأولى للحزب الوطني الديمقراطي رفقة خلي هنا ولد الرشيد وغيرهم من الأسماء التي عاتبت التجمعيين على ميولاتهم البورجوازية. ويعتبر القادري من نوادر العمل السياسي في زمن يصعب فيه استيعاب الانتقال من الثكنة إلى مقر حزب، سيما وأن ابن مدينة برشيد دخل سريعا الحياة الانتخابية وأصبح في ظرف وجيز رئيس مجلس حاضرة أولاد حريز وبرلماني المدينة الذي لا يشق له غبار، لكن الحزب أصبح مع مرور الزمن في ذمة التاريخ.
بالرغم من العلاقات القوية بين القادري والبصري بحكم الجوار، إذ لا تبعد برشيد عن سطات إلا بثلاثين كيلو مترا، إلا أن العلاقات بين الرجلين عرفت مدا وجزرا، وتقول الروايات إن القادري قال للبصري يوما «عندما كنت ضابطا صغيرا في الشرطة كنت أنا عقيدا في الجيش».