وصل التحريض ضد المسلمين في الغرب مداه خلال السنين الأخيرة، وسواء في الإعلام أو الإنتاج الأدبي والسينمائي أصبح هناك تركيز على ربط العنف والإرهاب بالمسلمين مع التخويف من تكاثرهم وتزايد أعداد المقبلين على اعتناق الإسلام، وقد وصل هذا التخويف إلى درجة أن الله أكبر التي يرددها المسلمون في صلواتهم كل يوم أصبحت مرادفا لإعلان حرب بمجرد ما تسمع يتم ربطها مباشرة بشخص ينوي تفجير نفسه.
وهذا التحريض ضد المسلمين نراه ونسمعه يوميا في وسائل إعلام أوروبية وأمريكية، حيث تتم استضافة مثقفين وفلاسفة وصحافيين يجاهرون بعدائهم الصريح للإسلام والمسلمين.
وقد وصلت الوقاحة والتطرف بوزير الداخلية الإيطالي أن قال ردا على سؤال حول مذبحة مسجدي نيوزيلاندا إن التطرّف الوحيد الذي يستحق الاهتمام هو التطرّف الإسلامي.
وفِي فرنسا التي يتابع المغاربة إعلامها هناك حضور شبه يومي لأصوات تحرض ضد المسلمين المهاجرين وتعتبر أن هناك اجتياحا للمدن والأحياء الفرنسية وأن الهوية الفرنسية مهددة، وقد ذهب الروائي ميشيل ويلبيك الحاصل على وسام فارس من درجة الشرف، والذي تترجم رواياته لأربعين لغة، إلى حد تأليف رواية عنوانها “خضوع” يصور فيها كيف أن فرنسا أصبحت مسلمة وأن رئيسها أصبح عربيا مسلما.
أما الصحافي العنصري المتطرف إيريك زيمور فخرجاته ضد المهاجرين والمسلمين بشكل خاص أصبحت رياضة وطنية، هذا دون الحديث عن مؤلفات وتصريحات الفيلسوف المتعصب ألان فينكلكروت التي تصب الزيت في النار.
وبسبب هذا الخطاب المتطرف المسنود بإصدارات وكتب ومقالات صحفية، استطاع مثلا الإرهابي الذي قتل 50 مسلما في نيوزيلاندا أن يتأثر بكتاب اليميني الفرنسي المتطرف رينو كامي المعنون بـ”le grand remplacement “، والذي يتحدث فيه عن تعويض سكان أوربا بسكان غير أصليين.
وقد اعترف مقترف المجزرة بأنه تأثر بما جاء في الكتاب كما أن إحدى زياراته لفرنسا جعلته يرى كيف أن هذه الدولة أصبحت محتلة من طرف المهاجرين والأجانب.
واليوم في فرنسا هناك صرامة منقطعة النظير، مسنودة بترسانة قانونية قوية، تمنع السخرية أو انتقاد السامية، ورغم أن المسلمين هم أيضا ينحدرون من العرق السامي إلا أن هذه القوانين الحمائية لا تشملهم بل تقتصر على أبناء عمومتهم من اليهود، واليوم ليس فقط ممنوعا انتقاد إسرائيل كدولة وكديانة في فرنسا بل سيُصبِح عما قريب ممنوعا بنص القانون انتقاد الصهيونية التي ليست ديانة بل إيديولوجية.
ولهذا فالمسلمون الْيَوْمَ في أوربا والغرب عراة من أي حماية قانونية ويوجدون عرضة لمدفعية إعلامية ثقيلة تختزلهم في كونهم المشكل الكبير الذي يجب حله.
إنهم ببساطة شديدة يهود التاريخ المعاصر الذين يلصق بهم اليمين النازي المتطرف، المسنود بقوى داخل الحكومات والأجهزة الأمنية، كل مشاكل بلدانهم الاقتصادية والاجتماعية والديمغرافية.
وما يثير السخرية في المبررات التي ساقها مرتكب مجزرة نيوزيلاندا لقتل كل هؤلاء الأبرياء هو أنه رغب في بعث رسالة مفادها أن نيوزيلاندا لن تكون أرضا للغزاة، ونسي هذا البغل أن سلالته هم الغزاة الحقيقيون الذين اجتاحوا نيوزيلاندا وأستراليا وأبادوا السكان الأصليين ووضعوا ما تبقى منهم في محميات.
وهم نفس سلالته الذين هاجروا إنجلترا ودوّل أوربا واجتاحوا أمريكا وأبادوا ملايين الهنود الحمر واحتلوا أراضيهم ووضعوا ما تبقى منهم في محميات على سبيل الذكرى.
أما المسلمون فكانوا دائما ضحايا للغزاة من كل نوع، والحروب الصليبية أكبر شاهد على ذلك، فليس المسلمون من ذهب لمقاتلة الصليبيين في أراضيهم بل هم من جمعتهم الكنيسة مِن كل دول أوربا وجاؤوا إلى القدس لكي يطردوا منها المسلمين.
إن ما حصل في نيوزيلاندا هو نتيجة تغلغل شبح الفكر اليميني المتطرف الذي يلوذ بمعارك ومذابح وانتصارات الماضي المظلم لأوربا لكي يبرر به همجية الحاضر.
وفِي زمن الأزمات الاقتصادية الكبرى، مثل ما نعيشه حاليا، هناك دائما توجه نحو تحميل الآخر المسؤولية، ذلك المهاجر، المسلم القادم من وراء البحار الذي يريد أن يحتل ويجتاح، وهي صورة مختزلة وخاطئة طبعا، لكن اليمين المتطرف الذي تغض الحكومات الغربية الطرف عن نشاطه، يستغلها لتبرير حربه المقدسة دفاعا عن الهوية والوطنية الخالصة.
وطبعا فما حدث في نيوزيلاندا سيتم استغلاله سياسيا من طرف الأحزاب الأوربية المتصارعة حول السلطة، ولا يجب أن يفوتنا أن السياق الذي وقعت فيه هذه المجزرة الإرهابية هو حمى الانتخابات الأوربية، بما لليمين المتطرف من حظوظ كبيرة في مضاعفة برلمانييه في البرلمان الأوربي.
وهكذا انتهينا إلى ما نحن فيه الْيَوْمَ، حيث أصبح قتل المسلمين على طريقة ألعاب الفيديو وعلى المباشر آخر اختراعات هذه العقلية اليمينية الإرهابية المتطرفة، والغريب أن المذبحة استمرت ربع ساعة من البث الحي دون أن يتدخل أحد من المسؤولين عن مراقبة مواقع التواصل الاجتماعي لقطع البث.
وليس مستغربا أن يقول مقترف هذه المذبحة إن ترامب هو مثله الأعلى، فترامب أعطى الدليل على أنه يحتقر المسلمين وقادتهم ولا يرى فيهم سوى مصدر للجزية يدفعونها عن يد وهم صاغرون، وحتى وهو يقدم تعازيه في ما حدث في نيوزيلاندا قدم تعازيه للشعب النيوزيلاندي وتجاهل المسلمين.
ولعل المتتبع الحصيف للغة القنوات الإخبارية وبلاغات المسؤولين الغربيين لاحظ أن لا أحد قرن بين العمل الإرهابي الذي قام به منفذه ضد مسجدين بنيوزيلاندا وبين خلفيته الدينية المسيحية، عكس ما يحدث تماما عندما يكون منفذ هجوم إرهابي شخصا مسلما، إذ يتم مباشرة قرن العملية بالإرهاب الإسلامي.
ولو أن المجرم كان مسلما وهاجم كنيسة أو معبدا يهوديا وقتل مصلين داخله لكانت كل القنوات العالمية وكل المسؤولين والرؤساء يدينون الإرهاب الإسلامي، فقد أصبح واضحا الْيَوْمَ أن الإرهاب يجب أن يظل ملتصقا بالإسلام والمسلمين دون غيرهم من معتنقي الديانات السماوية.