تعرف جميع المستشفيات العمومية بالمغرب غيابا تاما للأدوية المستعملة في علاج مرض التهاب الكبد الفيروسي من نوع "س"، وذلك منذ ثلاث سنوات، بسبب ضغوطات تمارسها لوبيات نافذة داخل وزارة الصحة من أجل تأجيل إعلان صفقة لتزويد المرافق الصحية العمومية بهذه الأدوية، في انتظار حصول شركة أمريكية على الترخيص بالإذن بتسويق نوع من الدواء تصنعه هذه الشركة، رغم وجود ثلاث شركات وطنية تصنع الدواء نفسه.
وأكدت المصادر أن هذا الدواء غير متوفر بالمستشفيات العمومية منذ سنة 2016، ما يحرم آلاف المواطنين من حقهم في العلاج، مضيفة أن الحسين الوردي، وزير الصحة السابق، كان بصدد إطلاق صفقة تزويد المستشفيات بهذا النوع من الدواء خلال سنة 2015، بعدما تمكنت شركة وطنية من صناعة دواء جنيس لمعالجة داء التهاب الكبد الفيروسي، وحصولها على الإذن بتسويقه بثمن منخفض بمبلغ 3 آلاف درهم مقارنة مع الثمن الذي كانت تبيعه إحدى الشركات الأمريكية بمبلغ 80 مليون سنتيم، لكن الوردي طلب تأجيل الإعلان عن الصفقة في انتظار حصول شركات وطنية أخرى على الإذن بتسويق الدواء، حيث هناك حاليا ثلاث شركات تصنع هذا الدواء بنفس الفعالية.
شركات أمريكية تدخل على الخط
وخلال شهر نونبر الماضي، عقدت مديرية الأمراض والأوبئة اجتماعا بحضور عدد من الأساتذة الأطباء، تم خلاله الإعلان عن فتح الصفقة للتباري في وجه الشركات الوطنية، في انتظار دخول الشركة الأمريكية للمنافسة خلال السنة المقبلة، أي بعد حصولها على الإذن بتسويق الدواء الذي يتطلب على الأقل سنة كاملة، وتم خلال الاجتماع المصادقة على بروتوكول العلاج المعتمد في الدواء المحلي، الذي هو عبارة عن تركيبة من مادتين منفصلتين، وهما "سوفوسبيفير"، و"داكلاتسفير"، لكن خلال شهر مارس الماضي عقدت المديرية اجتماعا آخر، تم خلاله الإعلان عن تغيير بروتوكول العلاج لتمكين الشركة الأمريكية من المشاركة في الصفقة، بعد حصولها على الإذن بتسويق الدواء في ظرف قياسي لا يتعدى أربعة أشهر، فيما تنتظر عشرات الشركات والمختبرات مدة لا تقل عن ثلاث سنوات للحصول على الترخيص بتسويق الأدوية.
وأوضحت المصادر أن الدواء الذي تصنعه الشركة الأمريكية يتكون أيضا من مادتين مجتمعتين هما "سوفوسبيفير"، و"فالباتسفير"، مع العلم أن مدة استعمال الدواء المصنع محليا والدواء الذي تصنعه هذه الشركة، هي ثلاثة أشهر، و"الفعالية العلاجية جد متقاربة إن لم نقل متكافئة"، حسب مصدر طبي، مضيفا "كما أن ثمن الدواء المغربي منخفض ومعروف في جميع الصيدليات، وتم تداوله من طرف أطباء الجهاز الهضمي وأطباء الطب الباطني، وأثبت نجاعته وفعاليته في علاج المرضى، عكس الدواء الأجنبي الذي لم يحصل بعد على ثمن البيع المرخص به من مديرية الأدوية، ما يعني أنه غير موجود في متناول المريض".
اللوبيات تشن حملة "مغرضة" ضد الدواء
وكشفت المصادر أنه منذ الشروع في تسويق الدواء الجنيس لـ"سوفوسبوفير"، المضاد لمرض التهاب الكبد الفيروسي "س"، والذي تصنعه ثلاثة مختبرات وطنية بعد حصولها على ترخيص من وزارة الصحة، ويباع بالمغرب بسعر 3 آلاف درهم، تحركت أخيرا اللوبيات لشن حملة "مغرضة" ضد الدواء الذي كانت تحتكره شركة أمريكية عملاقة، وكانت تبيعه إلى المرضى المغاربة بسعر 80 مليون سنتيم، وتستهدف شريحة واسعة من المرضى تقدر بنحو 600 ألف مريض، ما كان يوفر لهذه الشركة أرباحا خيالية، وتمارس شركات الدواء العالمية ضغوطات عن طريق لوبيات لها امتداد داخل الحكومة ووزارة الصحة بالخصوص، حتى لا يضع المغرب استراتيجية تفاوضية مع المختبرات الدولية والشركات المصنعة للدواء، من أجل وضع حد للاحتكار والسماح بتصنيع وتسويق الأدوية الجنيسة بالمغرب.
وأكدت المصادر أن الشركة الأمريكية التي تضغط للمشاركة في صفقة وزارة الصحة لا تتوفر على مصنع بالمغرب، وسبق لبرلمانيين أن فجروا فضيحة في وجه الوزير الدكالي، خلال اجتماع سابق عقدته لجنة القطاعات الاجتماعية لدراسة موضوع "السياسة الدوائية ومآل توصيات تقرير اللجنة الاستطلاعية البرلمانية حول أسعار الأدوية"، تتعلق بمنح التراخيص لمختبرات وهمية تهدد صحة المغاربة، وكشف أعضاء اللجنة المذكورة وجود مختبرات أشباح، تتوفر على ترخيص من طرف مديرية الأدوية، وأشاروا إلى أن المادة 74 من مدونة الأدوية والصيدلة تنص على أن الترخيص لأي مختبر لاستيراد الأدوية يستوجب أن يتوفر على وحدة صناعية، وأن يعمل على التصنيع المحلي بكميات وازنة من الأدوية التي يعرضها في السوق، وأكدوا وجود نوعين من المختبرات الأشباح التي أشار إليها تقرير المهمة الاستطلاعية سنة 2015 وما زالت قائمة لحد الآن، يتعلق النوع الأول بالشركات التي كانت تتوفر على وحدات صناعية قديمة إلا أنها لم تعد تصنع ومازالت تستورد الأدوية، والنوع الثاني يتعلق بالشركات التي لم تتوفر أبدا على وحدات صناعية بالمغرب، ورغم ذلك منحتها مديرية الأدوية تراخيص الإذن بتسويق الأدوية ومن بينها شركات أجنبية دون توفرها على مصانع لصناعة الأدوية بالمغرب، ما يجعلها غير خاضعة للمراقبة، والخطير في الأمر أن هذه الشركات تستورد أدوية، بعضها لا يحترم المعايير الدولية التي توصي بها منظمة الصحة العالمية.