بعد تحديه المعارضة لاستعمال سلاح ملتمس الرقابة.. هل يمهد العثماني لسقوط حكومته؟ - تيلي ماروك

المعارضة - ملتمس الرقابة - العثماني - الحكومته بعد تحديه المعارضة لاستعمال سلاح ملتمس الرقابة.. هل يمهد العثماني لسقوط حكومته؟

بعد تحديه المعارضة لاستعمال سلاح ملتمس الرقابة.. هل يمهد العثماني لسقوط حكومته؟
  • 64x64
    تيلي ماروك
    نشرت في : 03/06/2019

يبدو أن المشهد السياسي والحزبي المغربي يعيش أزمة حقيقية، سواء داخل التحالف الحكومي أو داخل المعارضة التي تعاني من الضعف والوهن وأصبحت غائبة عن الساحة منذ الانتخابات التشريعية، التي أفرزت حكومة مكونة من تحالفات هجينة تجمع بين ستة أحزاب سياسية بقيادة حزب العدالة والتنمية، كان من نتائجها الفشل في تنفيذ وعود البرنامج الحكومي، وهو ما كشفته الحصيلة المرحلية التي قدمها رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، أمام مجلسي البرلمان، دون الحديث عن مسلسل الصراعات الذي لا ينتهي داخل الأغلبية، ما يجعل هذه الحكومة مهددة بالسقوط في أية لحظة قبل استكمال ولايتها. فهل لذلك علاقة بالتحدي الذي رفعه العثماني في وجه المعارضة لإسقاط حكومته عبر تفعيل ملتمس الرقابة؟

ظهر رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، مرتبكا وهو يقدم الحصيلة المرحلية لحكومته في جلسة مشتركة عقدها مجلسا النواب والمستشارين، وكذلك أثناء رده على مداخلات الفرق البرلمانية، وكأنه غير مقتنع بالردود التي صاغها موظفون في ديوانه، لأن واقع الحال يفضح اللغة المنمقة بالأرقام التي تحدث بها العثماني في خطابه أمام نواب الأمة. وبدا هذا الارتباك بشكل واضح أثناء هجوم العثماني على أحزاب المعارضة، لا لشيء سوى أنها وجهت انتقادات لاذعة للأداء الحكومي خلال النصف الأول من الولاية الحكومية. لم تستطع الحكومة ترجمة الوعود الوردية الواردة في البرنامج الحكومي، وعوض التفاعل مع هذه الانتقادات والملاحظات، سارع العثماني إلى شن هجوم مضاد على المعارضة، وصل إلى درجة رفع التحدي في وجه فرقها البرلمانية، لإسقاط حكومته من خلال تفعيل الفصل 105 من الدستور، الذي يمنح الحق للمعارضة في استعمال سلاح ملتمس الرقابة لإجبار الحكومة على تقديم استقالتها.

ملتمس الرقابة

دعا العثماني، خلال الجلسة التي خصصت لرده على مداخلات الفرق البرلمانية أثناء مناقشة الحصيلة المرحلية لحكومته، أحزاب المعارضة إلى اللجوء إلى الفصل 105 من الدستور لإسقاط الحكومة إذا كانت ترى أن كل ما تقوم به سلبي وكارثي، وأنها تتسبب في «توقف عام للبلاد».

وينص هذا الفصل على أن «لمجلس النواب أن يعارض في مواصلة الحكومة تحمل مسؤوليتها، بالتصويت على ملتمس الرقابة، ولا يقبل هذا الملتمس إلا إذا وقعه على الأقل خمس الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس»، و«لا تصح الموافقة على ملتمس الرقابة من قبل مجلس النواب، إلا بتصويت الأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم»، و«تؤدي الموافقة على ملتمس الرقابة إلى استقالة الحكومة استقالة جماعية».

كلام العثماني يتضمن تلميحا صريحا إلى عدم استقرار حكومته المهددة بالسقوط في أية لحظة، خاصة أنها منذ تشكيلها عرفت ثلاث هزات عنيفة كادت تعصف بها، نظرا لهشاشة التحالف بين مكونات الأغلبية المشكلة لها، تتكون من ستة أحزاب متباعدة سياسيا وإيديولوجيا، كانت الهزة العنيفة الأولى بعد «الزلزال السياسي» الذي عصف برؤوس أربعة وزراء أثبت تقرير المجلس الأعلى للحسابات تورطهم في تعثر المشاريع المبرمجة في إطار المخطط التنموي «الحسيمة منارة المتوسط». وبعد أول تعديل حكومي جاء بعد «الزلزال السياسي»، اشتدت أزمة الحرب الكلامية بين مكونات أغلبيته الحكومية، وذلك منذ التصريحات النارية التي أطلقها رئيس الحكومة السابق، والأمين العام السابق لحزب العدالة والتنمية، في مؤتمر شبيبة حزبه، ضد كل من عزيز أخنوش، رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار، وإدريس لشكر، الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وصولا إلى الأزمة التي اندلعت بين حزبي العدالة والتنمية والتقدم والاشتراكية، على خلفية حذف كتابة الدولة المكلفة بالماء، وإعفاء شرفات أفيلال من الحكومة، ثم الأزمة التي اندلعت أخيرا بين جل مكونات التحالف الحكومي، بسبب احتجاجات التجار، وتبادل التصريحات حول من يتحمل مسؤولية تمرير الإجراءات الضريبية التي أثارت هذه الاحتجاجات، ثم الخلافات حول لغات التدريس، ما تسبب في «بلوكاج» حقيقي داخل البرلمان، وصولا إلى الأزمة التي اندلعت داخل الحكومة حول وضع تصور النموذج التنموي، ما دفع بتقديم مقترحات خاصة بكل حزب.

وعرفت التجربة البرلمانية في المغرب تقديم ملتمسين للرقابة، الأول عام 1964 والثاني عام 1990، ولم يؤدّ أي ملتمس منهما إلى إسقاط الحكومة، نظرا للقيود الدستورية التي تعرفها هذه الآلية السياسية، فلا يمكن أن نتصور الأغلبية البرلمانية تساند المعارضة من أجل التصويت. ففي 1964، ومع أول تجربة برلمانية عرفها المغرب حينها، تقدمت المعارضة البرلمانية بملتمس الرقابة ضد الحكومة، ووقع هذا الملتمس 24 نائبا، لكنه فشل بسبب عدم وجود الأغلبية المطلقة والتي تتمثل في تصويت 73 نائبا وفق مقتضيات دستور 1962 في فصله 81، أما الملتمس الثاني، فقدمته كذلك المعارضة ضد حكومة عزالدين العراقي، وقدمه حزبا الاستقلال والاتحاد الاشتراكي، وفشل في إسقاط الحكومة، نظرا لعدم توفر النصاب القانوني المتمثل، وفق الفصل 75 من دستور 1972، في أن الملتمس لا يقبل إلا إذا وقعه على الأقل ربع الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس، ولا تصح الموافقة على ملتمس الرقابة من لدن مجلس النواب إلا بتصويت الأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم المجلس. وهو الأمر الذي سارت عليه جميع دساتير المملكة، ومنها دستور 2011 الذي اشترط ضرورة تصويت الأغلبية المطلقة على الملتمس، الأمر الذي أصبح معه البرلمان أكثر عقلنة وخاضعا للحكومة.

العثماني يتهكم على المعارضة

قال العثماني إن الانطباع العام الذي يمكن أن نستخلصه من هذه المناقشة هو أن عددا من المداخلات تعاملت مع هذه الحصيلة المرحلية وكأنها تقييم لحصيلة الولاية الحكومية كاملة، فحكمت عليها ظلما بعدم الوفاء بكافة التزامات البرنامج الحكومي، محاولة الاستدلال على ذلك بذكر غياب بعض الإجراءات أو بعض المؤشرات، في حين أن أغلب ما أشار إليه النواب بهذا الخصوص، لا يعدو كونه يتعلق بإجراءات أو مؤشرات مبرمجة لكامل الولاية وليس لمنتصفها، مشيرا إلى أن منهجية البرمجة والتتبع التي اعتمدتها الحكومة، تمكنها من المتابعة الدقيقة لوضعية مختلف الإجراءات المتضمنة في البرنامج الحكومي، وهو ما مكنه من عرض هذه الحصيلة بذلك التفصيل، وأضاف «إن الأمر يتعلق بحصيلة سنتين فقط من عمل هذه الحكومة، وهذا في حد ذاته يشكل مصدر اعتزاز لنا، لأنه ينطوي على اعتراف ضمني بالمجهودات الهامة التي بذلتها الحكومة في تنزيل العديد من الأوراش الإصلاحية، وبحجم الإنجازات والنتائج التي تحققت على أرض الواقع».

وأكد العثماني أن هذه الحكومة «لا تدعي تملك حلول سحرية وآنية لكل المشاكل، أو أنها استجابت لكافة الانتظارات وتجاوزت كل التحديات، لكن بالمقابل المؤشرات والإنجازات المحققة لحد الآن، في ظرف سنتين فقط من عمل الحكومة، تؤكد أننا نسير في الاتجاه الصحيح، وتشجعنا على المضي قدما لاستكمال الوفاء بالالتزامات التي تعهدنا بها في برنامجنا الحكومي»، وقال: «هناك من المتدخلين من ذهب أبعد من ذلك، عندما تحدث عن حصيلة سبع سنوات من تدبير الشأن الحكومي، وهو ما ينطوي على مغالطة كبيرة، لأن الأمر يتعلق بحصيلة سنتين من عمل حكومة لها سياقها الخاص وبرنامجها الذي نال ثقة مؤسستكم الموقرة هو الذي يشكل أساس التعاقد والمحاسبة»، ودعا، في هذا السياق، عند تقييم الأداء الحكومي، إلى «الالتزام بحد أدنى من النزاهة والموضوعية والإنصاف في التعاطي مع الحصيلة المرحلية المعروضة»، متهما المعارضة باستعمال كل الوسائل والأساليب لتبخيس كل ما تنجزه الحكومة ولو تطلب الأمر إشاعة المغالطات وقلب الحقائق وصباغة كل شيء بالسواد.

وقال العثماني إن «الحصيلة المرحلية لعمل الحكومة لم تكن مجرد سرد لبيانات أو تركيبا لمعطيات قطاعية، بل إنها نتاج عمل جماعي منسق، انطلق من برنامج حكومي متفق عليه، برؤية واضحة ومؤطرة، ومن خلال منهجية عمل بآليات حكامة لتدبير التنزيل والأجرأة والتتبع»، متهما المعارضة بترويج خطاب العدمية والسوداوية باستعمال عبارات غير مفهومة، من قبيل «الشعبوية الماكرة» و«فقدان البوصلة» و«تدهور صورة المغرب» و«التأخر سنة بعد سنة في مؤشر الفساد» و«هدر المال العام» و«هدر الزمن السياسي وطول الانتظارية التي طال أمدها» و«أزمة ثقة في المستقبل» و«البلوكاج التشريعي» و«الضبابية والانتظارية الشديدة». وأضاف رئيس الحكومة قائلا: «بل ذهب بعضهم إلى حد التلميح إلى الموجة الثانية من الربيع العربي»، كما ذهب البعض إلى حد وصف الحكومة بحكومة تصريف الأعمال وأن البلاد تشهد بسبب هذه الحكومة توقفا عاما.

معارضة ضعيفة

توجه الأغلبية الحكومية في العديد من المناسبات، انتقادات قوية لفرق المعارضة، من خلال اتهامها بعدم قدرتها على ممارسة دورها الدستوري في مراقبة العمل الحكومي، وفي المقابل تتهم المعارضة الحكومة وأغلبيتها البرلمانية، بحرمانها من هذا الحق الذي خوله لها الدستور الجديد، كما تتهم الحكومة بحرمانها من ممارسة حقها في التشريع. وشهدت جلسات البرلمان اندلاع العديد من الأزمات بين الأغلبية الحكومية وفرق المعارضة بهذا الخصوص، دفعتها في العديد من المرات إلى التهديد بمقاطعة الجلسات البرلمانية.

وخص الدستور الجديد، فرق المعارضة بالبرلمان، بمكانة متميزة، وخولها العديد من الحقوق، كما جعل منها شريكا أساسيا في صناعة التشريع والرقابة على العمل الحكومي إلى جانب الأغلبية البرلمانية، وخصص لها المشرع الدستوري الفصل 10 من الدستور، الذي ينص على ما يلي «يضمن الدستور للمعارضة البرلمانية مكانة تخولها حقوقا، من شأنها تمكينها من النهوض بمهامها، على الوجه الأكمل، في العمل البرلماني والحياة السياسية».

ويرى المتتبعون للمشهد السياسي والحزبي المغربي، أنه من خلال مقتضيات الدستور المغربي الجديد، يتضح أن المعارضة البرلمانية تتمتع بوضعية دستورية متميزة، حيث بإمكانها بقوة الدستور أن تشارك في التشريع كما في الرقابة على العمل الحكومي، وهذا الأمر فيه رفع للحيف والتهميش الذي كان يمس المعارضة في ظل الدساتير السابقة، فالوسائل والآليات التي كان منصوصا عليها في الدساتير السابقة، لم تكن لتمكن المعارضة من القيام بمهامها، وذلك بالنظر للشروط المسطرية المعقدة والنصاب القانوني الكبير المتعلق بأهم آليات الرقابة، على غرار تكوين لجان نيابية لتقصي الحقائق، أو الطعن في دستورية القوانين العادية، وكذلك رئاسة إحدى اللجان البرلمانية الدائمة كلجنة العدل والتشريع. فضلا عن أن كل المقتضيات الدستورية سابقة الذكر، تؤكد، بالملموس، أن دستور 2011 شكل قطيعة مع الدساتير السابقة على عدة مستويات، من بين أهمها ما يتعلق بالرقابة البرلمانية على العمل الحكومي، ودور المعارضة في إطار النظام البرلماني المغربي الجديد.

وتملك المعارضة، أيضا، سلاحا آخر لم تستعمله منذ سنوات، وهو ملتمس الرقابة، وهو السلاح الذي تعزز في ظل الدستور الجديد، من خلال تيسير وضعه في يد المعارضة، بحيث يمكنها أن تلجأ إليه متى كان الأمر ضروريا من أجل اسقاط الحكومة. واستعمل هذا السلاح أول مرة من طرف حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وسانده في ذلك حزب الاستقلال، وكان ذلك سنة 1664، والمرة الثانية كانت خلال سنة 1990، عندما صعد عبد الحق التازي، رئيس الفريق الاستقلالي بمجلس النواب، إلى منصة المجلس، وقام بتلاوة نص ملتمس الرقابة الذي وقعت عليه أحزاب الاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية ومنظمة العمل الديمقراطي الشعبي، وذلك من أجل الإطاحة بحكومة عز الدين العراقي.

وخصص الدستور الجديد الفصلين 105 و106 لملتمسي الرقابة والمساءلة باعتبارهما أداة رقابية في يد مجلسي البرلمان، حيث ينص الفصل 105 على ما يلي «لمجلس النواب أن يعارض في مواصلة الحكومة تحمل مسؤوليتها، بالتصويت على ملتمس للرقابة؛ ولا يقبل هذا الملتمس إلا إذا وقعه على الأقل خُمس الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس، ولا تصح الموافقة على ملتمس الرقابة من قبل مجلس النواب، إلا بتصويت الأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم، ولا يقع التصويت إلا بعد مضي ثلاثة أيام كاملة على إيداع الملتمس؛ وتؤدي الموافقة على ملتمس الرقابة إلى استقالة الحكومة استقالة جماعية، وإذا وقعت موافقة مجلس النواب على ملتمس الرقابة، فلا يقبل بعد ذلك تقديم أي ملتمس رقابة أمامه، طيلة سنة». في حين ينص الفصل 106 من الدستور على أنه «لمجلس المستشارين أن يُسائل الحكومة بواسطة ملتمس يوقعه على الأقل خُمس أعضائه؛ ولا يقع التصويت عليه، بعد مضي ثلاثة أيام كاملة على إيداعه، إلا بالأغلبية المطلقة لأعضاء هذا المجلس، حيث يبعث رئيس مجلس المستشارين، على الفور، بنص ملتمس المساءلة إلى رئيس الحكومة؛ ولهذا الأخير أجل ستة أيام ليعرض أمام هذا المجلس جواب الحكومة، يتلوه نقاش لا يعقبه تصويت».

الصراعات الداخلية تفضح هشاشة الأغلبية الحكومية

يطبع التصدع الأغلبية الحكومية نتيجة الخلافات الإيديولوجية الحاصلة بين مكونات الحكومة، خصوصا بين العدالة والتنمية وحزب التقدم والاشتراكية، ونزاعات المصلحة الضيقة في البحث عن المناصب الوزارية، ويعود الأمر، أيضا، إلى سعي كل مكون من هذه المكونات إلى كسب مواقع سياسية مهمة في أفق الانتخابات التشريعية لسنة 2021، حيث تبدو مواقف حزبي التجمع الوطني للأحرار والاتحاد الاشتراكي، اللذين يبدو من خطابهما الحالي أنهما أقرب إلى منافس أكثر منه إلى حليف، فالخرجات الأخيرة وبداية التأطير التي يقوم بها التجمع الوطني للأحرار، تذهب في اتجاه التنافس، وهو ما يجعل موضوع التماسك بين أحزاب الأغلبية أبعد، خصوصا في غياب أليات الحوار بين مكونات الأغلبية، حيث لا ينعقد اجتماع الأغلبية بشكل دوري لحل الخلافات التي تندلع بين الحين والآخر داخل مكونات الأغلبية بسبب ملفات تدبيرية أو تشريعية.

ويرى متابعون أن أكبر الأسباب التي تدفع إلى بروز خلافات بين مكونات الحكومة هو غياب التماسك الحكومي الذي يرجع بالأساس إلى الاختلافات الإيديولوجية بين مكونات الحكومة، خصوصا بين الحزب الحاكم وباقي الأحزاب التي تتنوع بين اليمين واليسار والوسط، بالإضافة إلى غياب آليات لضبط الخلافات، وعلى رأس هذه الآليات اجتماع الأغلبية الحكومية ممثلة في الأمناء العامين، وهو الأمر الذي لا يحصل، بالإضافة إلى غياب التواصل بين أحزاب الأغلبية، وهو الأمر الذي برز بشكل كبير في أزمة حذف منصب كتابة الدولة في الماء، وترجمه بلاغ التقدم والاشتراكية الذي لم يكن يتحدث عن أسباب الحذف بقدر ما كان التركيز حول عدم إخباره بالقرار قبل اتخاذه، ليعبر بذلك عن أزمة تواصل وتنسيق لدى رئيس الحكومة مع أحزاب الأغلبية.

وبالإضافة إلى عدم الانسجام في التوجهات الإيديولوجية للأحزاب المشكلة للحكومة، وتأثير الأمر على تماسكها، يظهر التنافس داخل الأغلبية ويشتد مع قرب الاستحقاقات الانتخابية لـ2021 التي كلما دنت إلا زادت معها حدة التصريحات والاستقطاب بين جل الأحزاب، وعلى رأسها أحزاب  الأغلبية، إذ إن هناك تصميما من أجل العودة القوية لحزب التجمع الوطني للأحرار، وهو ما تزكيه الانتخابات الجزئية الأخيرة التي نظمت في عدد من المدن مثل تطوان وأكادير، والتي حملت مؤشرات على عدم توقف هذه الخلافات داخل مكونات الحكومة، خصوصا بعد تراشق قادت الأحزاب بالتصريحات والتصريحات المضادة على خلفية هذه الانتخابات، إذ لم تكد نار الخلاف تهدأ حتى أججتها ملفات اجتماعية وتشريعية همت قطاعات وفئات عريضة من المواطنين، تعدها تلك الأحزاب خزانات انتخابية لاستحقاقات 2021، كما هو الشأن بالنسبة للأزمة التي اندلعت بسبب فرض الضرائب على التجار والقانون المتعلق بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وأزمة التعاقد في قطاع التعليم.

وانتقلت الصراعات التي تعرفها الأغلبية الحكومية إلى المؤسسة البرلمانية، ما انعكس بشكل كبير على سير العمل التشريعي داخل البرلمان، وكان من نتائجها عدم المصادقة على قوانين مهمة تهم الملايين من المغاربة، وعلى رأسها القانون الإطار المتعلق بالتربية والتكوين، والقانون التنظيمي المتعلق بترسيم اللغة الأمازيغية، والقانون التنظيمي المتعلق بإحداث مجلس اللغات والثقافة المغربية، وانضاف إليها القانون الأساسي لبنك المغرب، وكلها قوانين مازالت محتجزة بدون مصادقة داخل رفوف اللجان البرلمانية منذ الدورة التشريعية المنتهية.

الخلافات داخل الأغلبية الحكومية واكبها حضور باهت لدور المعارضة ممثلة في حزبي الاستقلال والأصالة المعاصرة، ومرد الغياب التام لهذين الحزبين إلى غياب التنسيق بينهما، إذ إن حزب «الجرار» مازال يعيش على وقع صراع داخلي حاد يكاد يعصف بهياكل الحزب، بل إن هذا  الصراع وصل إلى دواليب القيادة وبدت معالم انشقاق تظهر واضحة، فيما مازال حزب الاستقلال، ثاني أحزاب المعارضة، يعيش إرهاصات المؤتمر الأخير وصراع الأجنحة الذي عاشه الحزب في عهد الأمين العام السابق، والذي مازال يلقي بظلاله على الهياكل الموزاية لحزب «الميزان». وبين الأغلبية والمعارضة تطبع الهشاشة وغياب التماسك المكونات السياسية ليؤثرا على الجانب التشريعي وقبة البرلمان بغرفتيه، في ظل ملفات حارقة ينتظر المواطن جواب وحلول الحكومة لها.

حزب الاستقلال يقترح سحب الثقة من الحكومة

دعت اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال، رئيس الحكومة، إلى تفعيل الفصل 103 من الدستور لاختبار مواصلة منح الثقة لحكومته، من خلال ربط طلب الموافقة على مشروع القانون الإطار المتعلق بالتربية والتكوين والبحث العلمي، لدى مجلس النواب بتصويت منح الثقة للحكومة حتى تواصل تحمل مسؤوليتها. وأشار بلاغ صادر عن اللجنة التنفيذية للحزب التي عقدت اجتماعا، برئاسة نزار بركة، الأمين العام للحزب، إلى أن المقترح جاء بعد استعراض الحالة السياسية الناتجة عن التداعيات الخطيرة التي أفرزها مسار مناقشة هذا المشروع داخل مجلس النواب من طرف مكونات الأغلبية الحكومية والأزمة التشريعية غير المسبوقة التي تسببت فيها، واعتبارا للتصدع المزمن الذي ما فتئت تشهده مكونات الأغلبية - بما فيها الحزب القائد لها- والذي زادت حدته في الآونة الأخيرة في سياق انتخابوي سابق لأوانه، بتداعياته المتفاقمة على تماسك الأداء الحكومي والعمل التشريعي، وما لذلك من عواقب في إهدار منسوب الثقة لدى المواطن والفاعل، وتعطيل أوراش الإصلاح الملحة، وإضاعة فرص التنمية على البلاد.

وأوضح الحزب أن المقترح يأتي، كذلك، نظرا للتداعيات الخطيرة لهذه الأزمة السياسية على مصداقية المؤسسات الدستورية، وخاصة الحكومة والمؤسسة التشريعية، وما أفرزته من إضعاف واضح لمنسوب الثقة فيهما، ومن عرقلة لمهامها ووظائفها، ونظرا للمناخ السياسي العام الموسوم بالعبثية والهشاشة وسوء الفهم الكبير بين المؤسستين التشريعية والتنفيذية نتيجة الفشل الواضح للأغلبية الحكومية ومعها الحكومة في تحمل مسؤولياتها، ونظرا للتذبذب في المواقف والارتجالية في التعاطي مع مشروع القانون الإطار المتعلق بالتعليم. واعتبر الحزب أن التحلل من الالتزام بالصيغة التوافقية بشأن مشروع القانون الإطار حول إصلاح التعليم، هو مؤشر غير مسبوق في الممارسات السياسية والتشريعية الفضلى، ويتجاوز مضامين مشروع القانون الإطار إلى ما هو أعمق وأخطر يمس استقرار المؤسستين الحكومية والبرلمانية.

المعارضة تشتغل بدون قانون يحدد كيفية ممارسة حقوقها الدستورية

من بين الانتقادات الموجهة لفرق المعارضة البرلمانية، في مجال التشريع، هو أنها لم تقدر على وضع مقترح قانون تنظيمي يحدد كيفية ممارسة الحقوق التي منحها لها الدستور بموجب الفصل العاشر، وترى فرق الأغلبية أن المعارضة تنتظر من الحكومة وضع قانون يحدد لها كيف تعارضها.

وينص الفصل 10 من الدستور، على أنه تحدد كيفيات ممارسة فرق المعارضة لهذه الحقوق، حسب الحالة، بموجب قوانين تنظيمية أو قوانين أو بمقتضى النظام الداخلي لكل مجلس من مجلسي البرلمان، ولذلك توجه الأغلبية الحكومية في العديد من المناسبات، انتقادات قوية لفرق المعارضة، من خلال اتهامها بعدم قدرتها على ممارسة دورها الدستوري في مراقبة العمل الحكومي، في المقابل تتهم المعارضة الحكومة وأغلبيتها البرلمانية، بحرمانها من هذا الحق الذي خوله لها الدستور الجديد، كما تتهم الحكومة بحرمانها من ممارسة حقها في التشريع. وشهدت جلسات البرلمان، اندلاع العديد من الأزمات بين الأغلبية الحكومية وفرق المعارضة بهذا الخصوص، دفعتها في العديد من المرات إلى التهديد بمقاطعة الجلسات البرلمانية.

وخص الدستور الجديد، فرق المعارضة بالبرلمان، بمكانة متميزة، وخولها العديد من الحقوق، كما جعل منها شريكا أساسيا في صناعة التشريع والرقابة على العمل الحكومي إلى جانب الأغلبية البرلمانية، وخصص لها المشرع الدستوري الفصل 10 من الدستور، الذي ينص على ما يلي: "يضمن الدستور للمعارضة البرلمانية مكانة تخولها حقوقا، من شأنها تمكينها من النهوض بمهامها، على الوجه الأكمل، في العمل البرلماني والحياة السياسية، كما منحها الحق في العمل البرلماني بكيفية فعالة وبناءة.

ويضمن الدستور بصفة خاصة للمعارضة مجموعة من الحقوق، أهمها حرية الرأي والتعبير والاجتماع، وحيزا زمنيا في وسائل الإعلام العمومية يتناسب مع تمثيليتها، والاستفادة من التمويل العمومي وفق مقتضيات القانون، والمشاركة الفعلية في مسطرة التشريع، سيما عن طريق تسجيل مقترحات قوانين بجدول أعمال مجلسي البرلمان، والمشاركة الفعلية في مراقبة العمل الحكومي، سيما عن طريق ملتمس الرقابة، ومساءلة الحكومة، والأسئلة الشفوية الموجهة إليها، واللجان النيابية لتقصي الحقائق، والمساهمة في اقتراح المترشحين وفي انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية، وتمثيلية ملائمة في الأنشطة الداخلية لمجلسي البرلمان، ورئاسة اللجنة المكلفة بالتشريع بمجلس النواب، والتوفر على وسائل ملائمة للنهوض بمهامها المؤسسية، والمساهمة الفاعلة في الدبلوماسية البرلمانية، للدفاع عن القضايا العادلة للوطن ومصالحه الحيوية، والمساهمة في تأطير وتمثيل المواطنات والمواطنين، من خلال الأحزاب المكونة لها، طبقا لأحكام الفصل 7 من هذا الدستور، وممارسة السلطة عن طريق التناوب الديمقراطي، محليا وجهويا ووطنيا، في نطاق أحكام الدستور.

ويتضح من خلال مقتضيات الدستور المغربي الجديد، أن المعارضة البرلمانية تتمتع بوضعية دستورية متميزة، حيث بإمكانها بقوة الدستور أن تشارك في التشريع كما في الرقابة على العمل الحكومي، وهذا الأمر فيه رفع للحيف والتهميش الذي كان يمس المعارضة في ظل الدساتير السابقة، فالوسائل والآليات التي كان منصوصا عليها في الدساتير السابقة، لم تكن لتمكن المعارضة من القيام بمهامها، وذلك بالنظر للشروط المسطرية المعقدة والنصاب القانوني الكبير المتعلق بأهم آليات الرقابة كتكوين لجان نيابية لتقصي الحقائق، أو الطعن في دستورية القوانين العادية، وكذلك رئاسة إحدى اللجان البرلمانية الدائمة كلجنة العدل والتشريع، كما أن كل المقتضيات الدستورية سابقة الذكر، تؤكد بالملموس، بأن دستور 2011 شكل قطيعة مع الدساتير السابقة على عدة مستويات، من بين أهمها ما يتعلق بالرقابة البرلماني على العمل الحكومي، ودور المعارضة في إطار النظام البرلماني المغربي الجديد.


إقرأ أيضا