جملة واحدة نطقت بها وزيرة الأسرة والتضامن بسيمة الحقاوي خلال برنامج إذاعي في حق البرلمانية ماء العينين كانت كافية لإخراج هذه الأخيرة عن طورها وتحولها إلى مصارعة شرسة في فن «المعاطية» تدافع بكل ما أوتيت من لغة عن حقها في التوفر على وجهين وقلبين في جسد واحد.
والظاهر أن معارك نساء العدالة والتنمية التي كانت تدور في البيوت المغلقة أصبحت اليوم تدور على رؤوس الأشهاد مزيلة القناع عن الحزب الذي ظل يدعي التحلي بمكارم الأخلاق والتوادد والتآزر بين أفراده.
وها نحن نرى كيف كشفت النائبة ماء العينين عن جلسات النميمة التي تنظمها الأخوات لنهش لحم الغائبات عن مجالس «التبركيك»، وكيف أن المحسوبية والزبونية والقرب من رجالات التنظيم هي المعيار الذي يتم من خلاله توظيف عضوات وزوجات الوزراء في دواوين بعضهم البعض، وقد لمحت ماء العينين إلى زوجة مصطفى الخلفي التي وظفتها الحقاوي في ديوانها بوزارة الأسرة فكانت الآمرة الناهية في الوزارة، وها نحن نعرف السبب، فقد كتبت ماء العينين بأن الحقاوي أجابتها عن سبب توظيف زوجة الخلفي، دون ذكرها بالاسم، في ديوانها أجابتها بأن هذه السيدة تعرف كل زوجات قيادات الحزب.
ويبدو أن مؤهلات زوجة الخلفي لا تتوقف فقط عند «المعارف» التي لديها مع زوجات قيادات الحزب الحاكم، بل إن مواهبها ذهبت بها إلى حد اكتشاف وظيفة جديدة لا توجد في أي بلاد وهي وظيفة «زوجة الوزير»، وقد طبعت من أجل ذلك بطاقات زيارة عليها اسمها وهاتفها ووظيفتها الجديدة.
ماء العينين لم تكشف سرا عندما أشارت إلى المحسوبية التي تنتعش في دواوين وزراء العدالة والتنمية، سواء بالحكومة السابقة أو الحالية، فقد وظفت بسيمة الحقاوي في ديوانها زوجة وزير الاتصال مصطفى الخلفي، ووظف مصطفى الرميد في ديوانه بوزارة العدل زوجة البرلماني حامي الدين، التي ظلت تتمنع عن الالتحاق بمنصبها في كلية الحقوق بمراكش حالمة بمنصب جنب زوجها في جامعة محمد الخامس بالرباط. وقد كاد هذا الحلم أن يتحقق عندما فضحت أستاذة جامعية تزوير نقطة الامتحان التي منحتها لأحد الطلبة وتحولت بقدرة قادر على يد أحد زملائها الأساتذة من صفر إلى 14، وعوض أن يناصر أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري والبرلماني الأستاذة التي فضحت التزوير انضم إلى صف المدافعين عن الأستاذ ورئيس الشعبة المزور، لا بل إنه حرر معهم بيانا استنكاريا ضدها معتبرين أن فضحها الفساد فيه مَس بسمعة الجامعة، واقترح مع المقترحين أن تنتقل الأستاذة إلى جامعة مراكش حتى تتجنب حرج مصادفة خصمها يوميا في رحاب الجامعة، والحال أن الهدف الذي رسمه «دعاة الصلح» من وراء هذا الاقتراح الملغوم كان هو ضرب عصفورين بحجر واحد، أولا إسداء خدمة للمزورين وبالخصوص رئيس الشعبة، ومن جهة أخرى التقرب من حامي الدين، لأن الشخص الذي اقترحوا على الأستاذة تبادل المواقع معه في عميلة الانتقال لم يكن سوى زوجة هذا الأخير، لكن تمسك الأستاذة بالرفض جعلهم يبحثون لها عن مكان في كلية سلا.
والواقع أنه يوما بعد يوم تنهار أسطورة التفوق الأخلاقي لحزب العدالة والتنمية، ودائما يحدث ذلك بمعاول قناديله وقنديلاته، والمغاربة يكتشفون هذه الأيام الوجه الآخر لهذا الحزب مع هول الفضائح المتعاقبة، من البرلماني الغشاش إلى نائب العمدة الباحث عن العري واللذة المسروقة من مواقع التعارف، إلى تنابز القياديات بالألقاب، مصدومين بسبب مقدار الخداع والنفاق الذي مارسته عليهم هذه الطائفة السياسية ابتغاء عرض الدنيا الفانية والفيء السياسي المغلف بالدين .
ولعل هذا «التناتف» الذي باشرته كل من بسيمة الحقاوي وأمينة ماء العينين على مرأى ومسمع من الجميع، وكشفهما للمستور، يعطي صورة سلبية أخرى عن هذا الحزب المرائي ويبرهن عن عدم انتفاع نسائه بما يدعينه من مرجعية إسلامية يظهر الآن أنها منهم براء، مما سيعجل بنزع ورقة التوت عن ما تبقى من سوأة هذا الحزب المتاجر بالدين والأخلاق.
والواقع أن الوزيرة لم تقل سوى الحقيقة، وهي لم تفعل سوى ترديد ما سبق لنا أن كتبناه في نفس هذا العمود بعد نشرنا لصور ماء العينين الباريسية، وقلنا إن السيدة البرلمانية تستعمل الحجاب ومظاهر الدين الخارجية كلباس شغل داخل المغرب، وأنها عندما تكون في عطلة خارج المغرب تنزعه وتستمتع مع صديقها بمباهج الحياة.
ولذلك فمؤاخذة النائبة ماء العينين للوزيرة على ترديدها ما سبق لنا أن قلناه واتهامها بالانسياق وراء حملة تشهير في حقها ليس سوى محاولة للهروب إلى الأمام، لأن ما نشرناه لا يدخل في باب التشهير أو المس بالحياة الخاصة بل يدخل في باب الإخبار وتنوير الرأي العام حول حقيقة هذه البرلمانية، حتى إذا جاء موعد الانتخابات وأراد الناس أن يصوتوا عليها صوتوا عن بينة.
ولو كان ما نشرناه تشهيرا لكانت النائبة نفذت وعيدها ورفعت ضدنا دعوى تشهير أمام القضاء بتهمة نشر صور مفبركة، لكنها لم تتجرأ لأنها تعلم علم اليقين أننا لم ننشر سوى الحقيقة الساطعة.
شخصيا ما استوقفني في تدوينة البرلمانية ماء العينين ليس «غسلها» لأختها في الحزب وإسماعها إياها خل أذنيها، بل ما استوقفني هي جملة وردت في تدوينتها يجب التوقف عندها مليا لأنها تتعلق بطريقة فهم وممارسة نائبة برلمانية لعملها الرقابي على الحكومة.
قالت البرلمانية مخاطبة الوزيرة «لم أسمح لنفسي يوما بالحديث عنك ولا بمراقبة عملك الحكومي وأنا نائبة برلمانية في جعبتي الكثير والكثير».
ماذا يعني هذا التهديد المبطن؟ يعني أن البرلمانية تسترت على وزيرة من حزبها رغم أنها على اطلاع وعلم بالتجاوزات والاختلالات التي تحدث في وزارتها ولم تُمارس مسؤوليتها الرقابية التي يمنحها لها الدستور في مراقبة ومحاسبة تبديد المال العام.
فأين إذن النائبة ماء العينين التي تدعي تبني المرجعية الإسلامية من قوله تعالى «وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا»، فهل الوفاء بعهد الله والعدل في القربى هو التستر عن تجاوزاتهم وغض الطرف عن أخطائهم وترك حبلهم على الغارب ولو كان ذلك على حساب أموال المسلمين؟
وفي الحقيقة فتدوينة البرلمانية ماء العينين تنطبق عليها الآية «وشهد شاهد من أهلها»، فأمينة كشفت أنها تنتمي إلى حزب بعيد عن المرجعية الإسلامية، ولسنا نحن من يقول هذا، فالفضائح تتناسل كالفطر من داخل البيت المصون، ومع ذلك سينبري بعض ممن عطلوا عقولهم من المخدرين لرفض رؤية الحقيقة الدامغة، ولا عجب في ذلك، فلو أمطرت السماء حرية لأخرج بعض العبيد مظلاتهم.