أثار موضوع ضبط برلماني من العدالة والتنمية في حالة غش أثناء امتحانات الأولى باك الكثير من الجدل، وبادر المعني بالأمر إلى إصدار بيان أكد من خلاله ضبط ثلاثة هواتف نقالة بحوزته، مبررا ذلك بمسؤولياته العمومية، ومعتذرا عن الشبهة التي وضع فيها نفسه أمام الرأي العام، فيما تسابقت إحدى زميلاته في الحزب والبرلمان على شتم كل من انتقد هذا السلوك ووصفتهم بالكلاب المسعورة، فيما اقترحت عليه أخرى مقاضاة أساتذة الحراسة الذين ضبطوا الهواتف بحوزته، وهذا وحده كاف لكي يعطينا صورة واضحة عن العقلية الفاشستية لتجار الدين هؤلاء.
والحقيقة أن الناس يتوجسون من كل شخص يمتلك ثلاثة هواتف نقالة، ويشكون في حسن نواياه، فما بالك بمن يدخلها في جيبه إلى قاعة الامتحان، وهو يعلم جيدا أن ذلك ممنوع بنص القانون الذي صوت عليه هو نفسه داخل قبة البرلمان، وهو بذلك أهان نفسه عند امتحان بسيط.
وإذا كان الغش في الامتحان وشراء الشهادات ظاهرة خطيرة ومستفحلة تمتد جذورها إلى عمق «الفرشة الأخلاقية» للمجتمع المغربي، وتنذر بكارثة اجتماعية قد تمتد آثارها المدمرة على مدى أجيال مقبلة، لما تفرزه من مسؤولين ودكاترة عقولهم أفرغ من فؤاد أم موسى، فإن برلمانيينا لن يكونوا في حاجة لا إلى الباكالوريا ولا إلى هواتف نقالة من أجل النقيل، فمن البرلمانيين والقياديين من لا يعرفون كتابة أسمائهم بشكل صحيح، ومع ذلك تجدهم يتنطعون ويتسنطحون، ومنهم من يسعى للحصول على الدكتوراه بلا باك، ولنا في شباط والعماري المثال الأوضح على هؤلاء.
ولكن دعونا ننظر إلى المسألة من زاوية أخرى، فأن يسعى برلماني إلى الحصول على الباكالوريا، ويسجل نفسه ضمن قائمة المرشحين «الأحرار» مسألة تحسب له ولا تحسب عليه، وتدعونا إلى التصفيق له، فجل برلمانيينا قد ضمنوا مستقبلهم ومستقبل أبنائهم ولم تعد لهم حاجة إلى الدراسة الجامعية أو البحث العلمي لتحسين أوضاعهم الاجتماعية، أو الحصول على وظيفة، وأغلبهم تجد في أوراق دعايته الانتخابية أخطاء إملائية وركاكة في التعبير، لو أنك وضعت تلك المطبوعات على طاولة أستاذ للتعليم لتصحيحها لرسب صاحبها بدرجة ضعيف جدا مع توصية بعدم النشر، ولكن الناس يصوتون عليه مع ذلك ليس لسواد عينيه، بل لزرقة أوراقه النقدية، والسؤال المحير هو لماذا نجد أنه كلما تعلق الأمر بواقعة تهم عضوا في العدالة والتنمية إلا وقامت ضجة وانتشر الخبر مثل النار في الهشيم؟
هذا السؤال يجب أن يجيب عنه أعضاء الحزب أنفسهم قبل غيرهم، وألا يركنوا في سبيل البحث عن الجواب إلى تبريرات الاستهداف ونظرية المؤامرة، وخطابات المظلومية والتنويم المغناطيسي الذي يمارسه عليهم رهبانهم في أديرة حركتهم الدعوية، والتي تحجب عنهم رؤية الواقع كما هو، والنظر في أنفسهم، وتجعلهم يتصورون أن العفاريت والتماسيح ما زالت تترصد خطواتهم، وتضع المطبات في طريقهم، من أجل إسقاطهم في أعين فئة الناخبين التي صوتت عليهم، وتلويث سمعتهم الطاهرة التي لا يرقى إليها الشك.
الجواب في نظري أن اهتمام الرأي العام بفضائح وأخطاء وسقطات أعضاء حزب العدالة والتنمية، يكمن في ممارسات قيادييهم التي صدمت الجميع، الذين ما أن استطابوا المناصب والامتيازات حتى انقلبوا على كل خطاباتهم السابقة التي كانوا يجلدون بها غيرهم، والذين بعدما أبانوا عن فشلهم الذريع في معالجة المشاكل التي وعدوا الناس بحلها أصبحوا يمجدون السلطة ونعيمها، أكثر من أصحاب السلطة أنفسهم، مما شكل لدى الرأي العام صدمة كبرى وإحساسا بالخديعة والخيانة، فعمموا موقفهم السلبي على كل البواجدة، لذلك ترى صفحات الفيسبوك تشتعل بالتعليقات كلما نشر خبر عن خيانة زوجية أبطالها من العدالة والتنمية، أو تهمة باختلاس أموال عمومية، أو غش في الامتحانات، أو أية فضيحة أخرى، في وقت يضطر فيه بقية مناضلي الحزب إلى تقمص دور «محامي الشيطان» والدفاع بحمية الجاهلية عن إخوانهم ظالمين أو مظلومين، مدعين أنهم أبرياء طاهرون وأن ناقلي الأخبار فاسقون مضللون، داعين أتباعهم لأن يتبينوا، حتى إذا تبينوا وظهرت الحقيقة واضحة وانقشع الغبار، اكتشفوا حقيقة ما تحتهم أفرس أم حمار، انتقلوا إلى مستوى ثان من الخطاب التبريري وادعاء التربص بهم والترصد لأخطائهم، مثلما فعل كبيرهم بنكيران مع قصة تقاعده المريح عندما كشفناه فهددنا بالمتابعة القضائية التي ما زلنا بانتظارها مثلما لا زلنا بانتظار مقاضاتنا من طرف آمنة ماء العينين بسبب نشرنا لصورها الباريسية «المفبركة»، أو كما فعل قبل ذلك الكوبل الحكومي والكوبل الدعوي، ويتيم ومدلكته، والداودي وكذبة تسقيف الأسعار، وقصة الرميد صاحب «عندي القطار»، مدعين أن قيادييهم ليسوا وحدهم من يمارس ذلك.
نعم إن قياديي حزب العدالة والتنمية ليسوا وحدهم من كذب على هذا الشعب المسكين، وليسوا وحدهم من استغله من أجل الوصول إلى المناصب والثراء، وليسوا أول من تخلى عن زوجته الأولى وارتبط بأخرى بمجرد أن «دارت الحبة» في جيبه وتحسنت صورته، وليسوا أول من لعبت «خمرة» السلطة برأسه وذهبت بعقله، فقد سبقتهم إلى ذلك أحزاب أخرى، لكنهم بالمقابل سيكونون أول من استغل الدين في السياسة من أجل استمالة عطف الشعب، مستغلين طيبوبة المغاربة المؤطرين بمقولة ابن عمر أن «من خدعنا بالله انخدعنا له».
وإذا كان الشعب قد حاكم أحزابا سابقة، وسحب منها الثقة ورماها إلى مزابل التاريخ، فقد خرجت من صفوفها حركات تصحيحية وتيارات نقدية وعبر فيها مناضلون شرفاء عن مواقف نزيهة منددة بانحراف الحزب عن مساره وعن تنكره لشعاراته، منادية بالديمقراطية الداخلية وبالقطع مع الاستبداد الحزبي والتحكم التنظيمي، أما مناضلو العدالة والتنمية فلا يزالون تابعين طائعين خانعين، مجندين وراء شاشات الفيسبوك لاتهام كل منتقد لأولياء أمورهم، ممجدين لقيادتهم ومبررين لها كل التفاهات والفظاعات التي ترتكب باسمهم، يحسبون كل صيحة عليهم، فلو أنهم حاسبوا قياداتهم على انحرافاتها وخياناتها الكبيرة، وعلى اغتنائها الفاحش، لما اضطر الرأي العام إلى محاسبتهم عن كل صغيرة، واتهامهم جميعا بالنفاق، ما دام أنه لم يسمع للقواعد صوتا منددا، أو رأيا مخالفا.
لقد تعلمنا منذ الصغر حديثا نبويا شريفا يقول فيه صلى الله عليه وسلم من «غشنا فليس منا»، وعندما كبرنا اكتشفنا أن الحديث الأرجح والأقرب إلى منهاج النبي هو أن «من غش فليس منا»، فالغش مذموم على الإطلاق، والمسلم لا يغش الناس جميعا، سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين، ومع ذلك فلن تجد في صفوف حزب العدالة والتنمية من يدين سلوك أي غشاش ما دام ينتمي لطائفتهم.
كل هذه الهواتف استعدادا لامتحانات باكالوريا، فماذا سيعدون لامتحانات 2021 عندما سيقفون أمام الشعب ليقدموا الحساب، والأهم من ذلك بماذا سيجيبون عندما يقفون أمام ربهم غدا يوم القيامة.
ملحوظة: توصلت تعقيبا على عمود أمس «هاتف «نقال»، بتوضيحين، الأول من طرف الأستاذ عبد الصمد الإدريسي يقول فيه إنه تسجل في الماستر قبل دخوله البرلمان، والثاني من عبد الله بوانو عمدة مكناس يقول فيه إنه ليس لشركة نوكاطيل لصاحبها قشيبل أية صفقة بجماعة مكناس عكس ما ورد بالعمود.
وبه وجب التوضيح.