حقيقة لا نعرف لماذا تنظم انتخابات محلية في المدن التي تم فيها خلق شركات محلية للتنمية.
فإذا كانت هذه الشركات تنفرد بالميزانيات الضخمة ولا تترك لمجلس المدينة المنتخب سوى الفتات فلماذا يصلح هذا المجلس المنتخب أصلا إذا كان لا يتوفر على ميزانيات لكي يشتغل؟
فكرة شركات التنمية المحلية فكرة عبقرية في الأصل، وهي مثلا في تركيا لا تزاحم مجلس بلدية أنقرة أو إسطنبول وإنما تشتغل خارج تركيا وتفوز بصفقات في كل دول العالم، وفِي المغرب فازت بعض هذه الشركات التركية التي تؤسسها البلديات بصفقات مجزية ليس من أجل سواد عيونها وإنما لأنها شركات حقيقية تتوفر على رؤوس أموال ضخمة وموارد بشرية وتقنية كبيرة، وبعضها مدرجة أسهمها في البورصة.
عندنا، ولأنهم يطبقون كل شيء بالمقلوب، فقد أسسوا شركات محلية للتنمية وعوض أن تبحث هذه الشركات عن صفقات لكي تحقق مداخيل أصبحت المجالس البلدية تضخ ميزانياتها في حسابات هذه الشركات مع اشتراط عدم مساءلة مدرائها المدللين عن طريقة تدبيرهم لأموال دافعي الضرائب.
وهكذا في الدار البيضاء مثلا تحول عبد العزيز العماري، عمدة المدينة المنتخب إلى عمدة شبح، بعدما فوت كل اختصاصاته واختصاصات المجلس إلى شركات التنمية المحلية، التي فشلت في إنجاز معظم المهام الموكولة إليها.
ونذكر، على سبيل المثال، شركة التنمية المحلية «الدار البيضاء للخدمات» التي فوت لها العمدة تدبير قطاعات مهمة من قبيل النظافة وسوق الجملة والمجازر، لكي يجني في الأخير ثمارها، لاستغلاها سياسيا وانتخابيا لفائدة حزبه.
ومن خلال الاطلاع على اتفاقية انتداب المشاريع، نجد أن كل هذه المشاريع التي فوضت لها لإنجاز دراسات، والتي كانت مبرمجة على أكثر تقدير بين 6 أشهر وسنة منذ 2015، لم تخرج إلى الوجود بعد مرور أربع سنوات.
وتكلفت الشركة بإنجاز دراسات حول تحديث المرافق الإدارية الجماعية ومواكبتها، لكنها كلها ما زالت مجرد حبر على ورق بدون تنفيذ.
مثلا، مشروع التحول الرقمي، الذي خصص له المجلس ميزانية ضخمة بمبلغ 56 مليون درهم، وكان من المفروض أن يتم الإعلان عن الصفقة وتنفيذ المشروع خلال سنة 2015، وتطبيق نظام معلومات جغرافي شامل ومتكامل مع وضع بوابة جماعية للخدمات الإلكترونية تسمح بتجديد الإجراءات الإدارية اليومية للأشخاص والمهنيين خلال سنة 2016، لكن لحدود الآن ليس هناك تحول رقمي ولا حرفي ولا هم يحزنون، كما أن المدير المشرف على هذا المشروع كان يشغل منصب رئيس قسم المشتريات بمؤسسة بريد المغرب، وحظي بهذا المنصب لأنه مقرب من المدير العام للشركة، الذي عين مؤخرا في منصب عامل بوزارة الداخلية.
كذلك هناك مشروع يتعلق بتحديث طرق تدبير الموارد البشرية للجماعة الحضرية، الذي رصد له العمدة العماري مبلغ 4 ملايين درهم، إذ ما زال هذا المشروع في نواته الأولى بدون تنفيذ بعد مرور ثلاث سنوات عن الموعد المحدد في الاتفاقية، وهناك عراقيل لإخراجه إلى حيز الوجود، رغم المبالغ المرصودة، في ظل تفشي ظاهرة الموظفين الأشباح بمختلف المرافق والمصالح التابعة للمجلس.
كذلك بالنسبة لمشروع تحديث الإدارة الجبائية الجماعية، من خلال تدقيق شامل للوضع، وتطبيق خطة العمل، وتأهيل النظام المعلوماتي للإدارة الجبائية الجماعية، كانت هناك مبادرات أولى في 2015 و2016، لكن بعدما وقفت الشركة على صعوبات ومشاكل كبيرة، أوصت بخلق شركة جديدة اسمها «موارد»، والتي لم تخرج إلى الوجود إلى حدود الآن، وبقيت المشاريع التي كانت مبرمجة للدراسة والتنفيذ خلال سنة 2016 بدون تنفيذ، أما «الموارد» فيعلم الله أين ذهبت.
وتتضمن الاتفاقية كذلك مشروع تحديث وتحسين المجال الحضري للإعلانات، من خلال تدقيق الوضع، وجرد وسائل الإعلانات مع وضع مخطط مديري للإعلانات، لكن صفقة الإشهار انتهت في متم 2018، وكانت هناك توصيات بالنسبة للشركات التي لا تؤدي واجباتها والتي حولت شوارع المدينة إلى غابة من اليافطات البشعة، ولكن العمدة، وبما أنه كان يقول في البرلمان عندما كان في المعارضة إن هذه الشركات لا تؤدي واجباتها لتأجيج الوضع تزامنا مع احتجاجات 20 فبراير، فإنه لم يعمل شيئا بخصوص الشركات المتملصة من الأداء والتي في ذمتها مبالغ تفوق 250 مليون درهم.
أما بالنسبة لمشروع المواكبة والمساعدة التقنية والقانونية لإنشاء الشرطة الإدارية البلدية، فقد انتهت الدراسة في بداية 2019 عوض الموعد السابق المحدد في سنة 2015 مع التنفيذ خلال نفس السنة، ومازالت الدراسة محتشمة لعدم انخراط المقاطعات التي يشرف على تسييرها رؤساء من حزب العدلة والتنمية لأسباب انتخابية لأنها ستفقدهم الكثير من الناخبين، خصوصا في صفوف الباعة الجائلين والفراشة الذين لا يريد المنتخبون البيجيديون التصادم معهم، رغم الخسائر التي تتكبدها مداخيل الجماعة بسبب هذا التقاعس، باعتبارها ستكون أول مدخل لتحسين شروط عيش البيضاويين.
وهناك شركة تربطها صفقة مع شركة الدار البيضاء للخدمات، والتي على إثرها تم تشغيل العديد من أقرباء المسؤولين الذين يتقاضون تعويضات شهرية تتراوح ما بين 5000 و8000 درهم، وفي مقدمتهم سائق السي العماري الذي أحيل على التقاعد وما زال يشتغل ويتقاضى راتبا من الشركة intérim، وسائق العامل الذي يعمل في منزله وما زال محسوبا على شركة الدار البيضاء للخدمات، وكذلك الرجل المعروف في الولاية برجل البروتوكول مع كبار الشخصيات، لأن المدير العام كان يشتري صمت المسؤولين البيضاويين بهذه الطريقة، وحسب علمنا فالوالي الجديد للمدينة، سعيد احميدوش، بدأ افتحاص هذه الملفات، ومن المنتظر أن يكتشف عدة فضائح.
وأكبر فشل تعرفه الدار البيضاء هو فشل الشركة في مراقبة تدبير النفايات، حيث اقترح المدير العام منح الشركات الجديدة إجبارية النتائج لكي تتحمل الشركة نجاح العملية مما زاد من تكلفتها ولتخفيف العبء عن مسيري المدينة.
كما أبرمت الجماعة اتفاقية انتداب مع شركة الدار البيضاء للخدمات من أجل تأهيل وتدبير مرفق سوق الجملة للخضر والفواكه، التزمت من خلالها الشركة بتأهيل السوق وضمان استمرارية تسيير هذا المرفق العمومي، وذلك طبقا للمقتضيات القانونية المتعلقة بممارسة التجارة، وتنقل الأشياء والأشخاص، وكذلك قواعد النظافة والسلامة والبيئة، مع السهر على وضع التنظيم والإجراءات التي تضمن استغلال السوق في أحسن الظروف بما في ذلك القانون الداخلي للسوق، كما التزمت الشركة بوضع مخطط الاستثمار لتأهيل السوق، مع رفع مداخيله بنسبة 50 في المائة مع متم خمس سنوات ابتداء سنة 2016، أي مع نهاية سنة 2020، والآن نحن في منتصف سنة 2019، مازالت المداخيل ضئيلة لم تتجاوز نسبة 10 في المائة، كما أن أوضاع السوق أصبحت مزرية، فكيف سترتفع مداخيل السوق لتصل إلى 50 في المائة خلال السنة المقبلة؟
وخلاصة القول، هي أن العمدة اعتمد على الشركة المحلية للخدمات لكي تسير الجماعة مكانه، خاصة أنه كان منشغلا بالسفريات المكوكية إلى الخارج عندما كان يشغل منصب نائب رئيس مجلس النواب في النصف الأول من الولاية التشريعية، لكن خيبة الأمل كانت كبيرة في ظل عدم نجاح الشركة في تدبير المهام الموكولة إليها، لذلك شرع العماري في سحب الكثير من الاختصاصات التي منحها لها، ففي كل دورة يتم إلغاء اتفاقية مع هذه الشركة أو إبرام اتفاقية جديدة، لكن يبقى السؤال المطروح، أين صرفت الملايير المخصصة للمشاريع التي تكلفت بها بدون حسيب ولا رقيب، حتى أصبحت هذه الشركة تسمى بالشركة الحلوفة، لأن العماري فوض لها تدبير جميع المشاريع والبرامج والملفات العالقة، لكن في النهاية تبين أنه تشبث غريق بغريق.