ما يهمنا من حلقة "مقتل مالكوم إكس" ليس فقط حادث الاغتيال نفسه وإنما القصة التي تروي حياة ووفاة هذا المناضل المسلم الأمريكي الأسود، الذي عاش في سياق تاريخي وسياسي واجتماعي خاص عرفته الولايات المتحدة الأمريكية في الفترة ما بين 1945 و 1965. الحياة التي عاشها مالكوم إكس أو مالكوم ليتل (1925-1965) أو الحاج مالك الشباز (اسمه بعد إعتناقه الإسلام) تلخص بشكل عميق بداية حراك الدعاة الإسلاميين في أمريكا وخصوصا من السود وهو الحراك الذي يعطينا فكرة عن البنية الاجتماعية والسياسية التي عرفها الإسلام السياسي في الولايات المتحدة الأمريكية وهي البنية التي طبعت الإسلام في هذه البقاع من العالم. والأمريكيون، وخصوصا، المطلعون شيئا ما على تاريخهم، ربما يلخصون مبادئ الإسلام ورواده ودعاته ربما من خلال تلخيص حياة ثلة من السياسيين والدعاة الأمريكيين من بينهم مالكوم ليتل أو إليجا محمد الرئيس والزعيم الروحي لحركة أمة الإسلام بأمريكا.
معروف عن مالكوم إكس، أنه من أكبر مصححي ومصلحي الحركة الإسلامية الأمريكية التي انطلقت سنة 1946 متطرفة بالموازاة مع التطرف والميز العنصري الذي كان يعاني منه السود بالمجتمع الأمريكي آنذاك. ومعروف عنه أنه ربما "دار دورة حياتية كاملة حول الشمس" لينتقل من ذلك الحركي الأسود المتطرف الداعي للتفرقة العنصرية المقابلة بين البيض والسود، إلى مصلح سياسي ينادي بالدين الإسلامي كأحد أرقى وأفضل الحلول للارتقاء بالإنسان الأمريكي من حالة الحقد العنصري الأصلي إلى حالة التعايش الإنساني الكامل والدائم.
ولأنـــه، بتطور خطابه التصالحي والوحدوي المنبني على العقيدة الإسلامية، وبفضل قامته وقيمته الخطابية الكبيرة وقدراته في تعبئة الحشود بل والشهرة الإعلامية التي بدأ يحصدها في المجتمع الأمريكي، فإنه وقع ضحية المنافسة لدرجة أفتت أمة الإسلام (أصدقاءه ورفقاء دعوته ودربه) إلى قتله في 21 فبراير 1965 وهو في منصة خطابية بنيويورك أمام أكثر من 35 ألف متابع.
لم تكم حياته قبل 1950 قارة ومستقرة بل كانت مليئة "بالخطايا" حسب اعترافاته من بعد. كان يقارع الخمر ويضاجع مومسات نيويورك وبوسطن وعرف ببنيته الجسدية القوية التي أعطته كاريزما خاصة في سائر أحياء السود.
هذا التفسخ الأولي ربما راجع للظروف الاجتماعية القاسية التي كبر فيها الطفل مالكوم. فقد قتل والد مالكوم إكس على يد مجموعة من العنصريين البيض عندما كان مالكوم صغيراً، كما أن واحداً على الأقل من أعمامه قد أُعدم دون محاكمة، وأما أمه فقد وضعت في مستشفى للأمراض العقلية عندما كان في الثالثة عشر من عمره، فنُقل مالكوم إكس إلى دار للرعاية. وفي عام 1946، أي عندما كان عمره عشرين سنة، سُجن بتهمة السطو والسرقة.
في السجن، انضم مالكوم إكس إلى حركة أمة الإسلام، وعندما أُطلق سراحه عام 1952م ذاع صيته واشتهر بسرعة، حتى صار واحداً من قادة الحركة. وبعد عقد من الزمان تقريباً، صار مالكوم إكس المتحدث الإعلامي لهذه الحركة. ولكن بسبب وقوع خلاف بينه وبين رئيس الحركة إلايجا محمد، ترك مالكوم إكس الحركة في مارس 1964م. سافر مالكوم إكس بعد ذلك في رحلة إلى إفريقيا والشرق الأوسط، أدى خلالها مناسك الحج، ثم عاد إلى الولايات المتحدة الأمريكية، فأنشأ المسجد الإسلامي ومنظمة الوحدة الإفريقية الأمريكية.
وحركة أمة الإسلام التي انضم إليها مالكوم ليصبح أكبر ناطق رسمي لها قبل الانفصال عنها، هي حركة غامضة ظهرت في أوائل القرن العشرين حركة بين السود في أمريكا تبنت الإسلام بمفاهيم خاصة غلبت عليها الروح العنصرية عرفت باسم أمة الإسلام، على يد رجل أسود غامض الأصل اسمه والاس فارد ظهر فجأة في ولاية ديترويت داعيًا إلى مذهبه بين السود، اختفى بصورة غامضة بعد ذلك بأربع سنوات، فحمل لواء الدعوة بعده إليجا محمد وصار رئيسًا لأمة الإسلام.
كانت هذه الحركة وما زالت تدعو إلى تفوق الجنس الأسود وسيادته على الأبيض، ووصف البيض بأنهم شياطين وأن الملاك أسود والشيطان أبيض، فكانت عقيدة منحرفة باطلة أشبه بالحركات الباطنية، فلقد أعلن زعيم الحركة إليجا محمد بأنه رسول من الله وأن الإله ليس شيئاً غيبياً بل يجب أن يكون متجسدًا في شخص وهذا الشخص هو فاراد الذي حل فيه الإله وهو جدير بالدعاء والعبادة.
كان نشاط مالكوم في حركة أمة الإسلام ملفتا للانتباه، فنظراً لقدرات مالكوم التنظيمية والقيادية والخطابية تدرج مالكوم شيئاً فشيئاً ضمن الجماعة إلى أن أصبح الداعية الأول خلف مؤسس الجماعة حتى استطاع جذب الكثيرين للانضمام إلى هذه الحركة (يقال أنه هو من أدخل كيسوس كلاي أو محمد علي للإسلام). اعتلا مالكوم أعلى المناصب في المنظمة إلى أن تقلد منصب المتحدث الرسمي للحركة، كما يرجع الفضل لمالكوم لازدياد أتباع المنظمة من 500 شخص في عام 1952 إلى 30.000 شخص في عام 1963.
وفي سنة 1953 أصبح مالكوم مساعداً لإمام مسجد رقم 1 في ديترويت وإماما لمسجد رقم 88 في بوسطن، ثم تنقل للعمل في عدة مساجد في مدن أميركية مختلفة، وفي العام 1959 ذهب في رحلة طويلة إلى مصر والسعودية وإيران وسوريا وغانا، والتقى بالرئيس جمال عبد الناصر، وكان من المفروض أن يزور مكة ولكنه اضطر إلي العودة بسبب مرضه
تحولت أفكار مالكوم إكس ومعتقداته تحولاً جذرياً خلال حياته، فعندما كان متحدثاً باسم حركة أمة الإسلام كان ينشر أفكار التفرقة بين الأمريكيين البيض والسود، ويُحرض السود على البيض ويغذي أفكار العنصرية لديهم، وأما بعدما ترك الحركة عام 1964، فإنه يقول في ذلك: «لقد قمتُ بالعديد من الأمور التي آسَفُ عليها إلى الآن، لقد كنتُ شخصاً متبلد الإحساس آنذاك، أُوجَّه نحو طريق معين وأسير فيه». تحول مالكوم إكس إلى المذهب السني، فابتعد عن العنصرية والتفرقة، وأعرب عن رغبته بالعمل مع دعاة الحقوق المدنية، مع أنه كان لا يزال يُشدد على ضرورة إعطاء السود حق تقرير المصير والدفاع عن النفس.
غير مالكوم اسمه من مالكوم ليتل إلى مالكوم أكس - حرف الإنجليزية X - وكان هذا إجراء معهوداً من قبل المنضوين في تلك المنظمة وهو يرمز إلى الاسم الأخير الذي سلب منهم جراء استعبادهم علي يد البيض،[3] فقد فسر مالكوم الاسم الذي اختاره لنفسه بقوله:
«إن إكس ترمز لما كنت عليه وما قد أصبحت، كما يعني ـ في الرياضيات ـ المجهول وغير معلوم الأصل.»
ستكون سنة 1962 السنة الفارقة بين مالكوم إكس وجماعة أمة الإسلام. فبعد مقتل جون كينيدي، رئيس الولايات المتحدة الأمريكية آنذاك، أفتى مرشد الجماعة إليجاه محمد، أتباعه بعدم التعليق على حادث الاغتيال في وسائل الإعلام. خالف مالكوم هذا الأمر وصرح في القنوات التلفزية بأن "سلاح كينيدي قد أرتد إلى نحره وحصد ما زرعه بنفسه وبأسرع مما توقع هو نفسه". فعمد إليجا محمد إلى تجميد عضوية مالكوم في المنظمة، وكانت الخلافات قد نشبت بينهما قبل ذلك بعدة أشهر فقدم مالكوم استقالته من المنظمة وذهب في رحلة قام خلالها بأداء فريضة الحج.
بعد عودته من الحج أسس مالكوم منظمة أسماها مؤسسة المسجد الإسلامي وأخرى حملت اسم منظمة اتحاد الأفارقة الأميركيين وأخذ يتجه بأفكاره نحو الاشتراكية محاولاً في هذه المنظمة الأخيرة أن يجد أرضية مشتركة للنضال تضم جميع المناضلين السود، وعلى الرغم من سعيه إلى الابتعاد عن النزاع مع منظمة أمة الإسلام إلا أن خصاماً علنياً نشب بين الطرفين فيما بعد، وأمرته المنظمة بإخلاء بيته لأنه ملك لها.
حاول مالكوم تصحيح مفاهيم جماعة أمة الإسلام الضالة المضلة، فقوبل بالعداء والكراهية منهم وبدءوا بمضايقته وتهديده. وبتنامي الخلافات بين مالكوم ومنظمة أمة الإسلام، قامت المنظمة بإعطاء أوامرها بقتل مالكوم إكس، ومباشرةً وفي 14 فبراير 1965 قامت مجموعة من شباب الجماعة بإضرام النيران في بيته إلا أن النجاة كتبت له ولعائلته. وفي الحادي والعشرين من نفس الشهر صعد مالكوم إلى منصة في قاعة مؤتمرات في مدينة نيويورك ليلقي محاضرة يدعو فيها إلى الإسلام، خلال المحاضرة نشبت مشاجرة مفتعلة في الصف التاسع بين اثنين من الحضور، فالتفت الناس إليها، وحاول الحراس الشخصيون لمالكوم السيطرة على الوضع، فاقترب رجل من المنصة وأطلق النار عليه وأصابه في صدره وبعدها تقدم رجلان آخران من المنصة وأمطروا مالكوم بوابل من النيران فأردوه قتيلاً. أصيب مالكوم بست عشرة رصاصة في صدره ليلقى مصرعه على الفور. تم القبض على القتلة الذين اتضح بعد ذلك أنهم من رجال منظمة أمة الإسلام ولكنهم أنكروا أن يكونوا قد تلقوا أوامر من إليجا محمد بقتل مالكوم إكس، وقالوا أنهم فعلوا ذلك من تلقاء أنفسهم فلم يُدَن إليجا محمد بشيء.
في يناير 2010 أطلقت السلطات الأمريكية سراح توماس هاجان - قاتل مالكوم إكس - من سجن نيويورك بموجب عفو بعد 45 عاماً من حادثة الاغتيال، وكان توماس هاجان - 69 عاماً - هو الشخص الوحيد الذي اعترف بدوره في اغتيال مالكوم. اعترف هاجان بأنه أطلق النار على مالكوم إكس أثناء إلقائه خطبة في حي هارلم عام 1965 لكنه أصر على أن الرجلين الآخرين المدانين معه في نفس المحاكمة لا علاقة لهما بالأمر وتمسك الرجلان الآخران بأنهما بريئين، فأطلق سراحهما بموجب عفو في الثمانينات من القرن الماضي. وتقدم هاجان - الذي أبدى الندم على فعلته مراراً - بستة عشر طلباً للعفو خلال سنوات سجنه - نفس عدد الطلقات التي أطلقها على مالكوم إكس - لكن لم يستجب لطلبه إلا في شهر آذار 2010.
في سنة 1992 سيخرج المخرج الأمريكي "المزعج" سبايك لي، فيلم "مالكوم إكس" من بطولة دانزل واشنطن، وكان هذا الفيلم هو أول فيلم غربي يقوم بتصوير بعض المشاهد في مكة المكرمة، بإذن من الهيئة الشرعية للمملكة العربية السعودية، وقد حاز هذا الفيلم على جوائز مرموقة كالكولدن كلوب ويبقى أهم وثيقة فنية تتحدث عن حياة صاخبة لأهم داعية إسلامي أمريكي في التاريخ المعاصر.