تعرف الإدارة المغربية عدة أوراش إصلاحية تروم تحسين صورتها لدى المواطنين، ويتجلى ذلك في صدور عدة قوانين، آخرها ميثاق المرافق العمومية. وتتزامن هذه الإصلاحات مع شروع الحكومة في مراجعة نظام الوظيفة العمومية، على اعتبار الدور الفعال والأساسي الذي يلعبه الموظفون في هذا الإصلاح. وقامت وزارة إصلاح الإدارة والوظيفة العمومية بإنجاز دراسة حول تقييم أداء الموظفين بمختلف الإدارات العمومية التابعة للقطاعات الحكومية، أسفرت عن نتائج «غريبة»، وهي أن المغرب يتوفر على أفضل وأحسن إدارة في العالم.
دعا الملك محمد السادس إلى ثورة حقيقية في الإدارة المغربية، تشمل كفاءات العاملين فيها، وأساليب العمل من أجل جعل الإدارة في قلب النموذج التنموي الذي يريده للمغرب. وأكد الملك أن الإصلاح الشامل والمندمج للإدارة العمومية يكتسي طابعا استعجاليا، داعيا إلى وضع مفهوم الخدمة العمومية في صلب النموذج التنموي الجديد.
وأبرز الملك، في رسالة وجهها إلى المشاركين في الملتقى الوطني للوظيفة العمومية العليا، أن الإدارة المغربية، المركزية والمحلية على السواء، تمر اليوم بمنعطف جديد وحاسم، يتطلب من القائمين بها الانخراط الحازم في عملية التحول الاقتصادي والاجتماعي التي تشهدها المملكة. وأشار الملك، في الرسالة، إلى أن إصلاح الإدارة أضحى ضرورة بهدف الرفع من أدائها، وتوجيهها للتكيف مع المتغيرات الوطنية، واستيعاب التطورات العالمية، والمساهمة في رفع التحديات التنموية التي يواجهها المغرب.
وشدد الملك على أن إصلاح الإدارة، وتأهيل مواردها البشرية، «باعتباره خيارا استراتيجيا لبلادنا، سيساهم لا محالة في إرساء الركائز الأساسية للنموذج التنموي الذي نطمح إليه، وفي جعل الإدارة أداة فاعلة في تطوير السياسات العمومية في مختلف المجالات».
ودعا الملك، بهذه المناسبة، للتسريع بإخراج ميثاق المرافق العمومية، الذي ينص عليه الدستور، وإعطائه صبغة إلزامية تجعل منه مرجعا رئيسيا للحكامة الجيدة، في تسيير وتدبير الإدارات العمومية، والجماعات الترابية والأجهزة العمومية. وعبر الملك عن الأمل في أن يجسد هذا الميثاق «بكيفية صريحة وقوية، مفهومنا الجديد للسلطة، الذي يشمل مختلف فئات ودرجات الإدارات والمرافق العمومية، دون استثناء، وعلى رأسها منظومة الوظيفة العمومية العليا». وأكد الملك، من جهة أخرى، أن إشكالية التدبير الفعال للموارد
ومستلزمات النهوض بالتنمية الشاملة، يطرح بحدة مسألة نجاعة الإدارة العمومية ومؤسسات الدولة، مع ما يقتضيه الأمر من مراجعة أساليب عملها، وطرق تدبير الموارد العمومية، في اتجاه التوظيف الأمثل للإمكانات المتاحة. وأضاف الملك أن قيمة وفعالية الإدارات اليوم، تقاس بمدى إسهامها في تعزيز تنافسية بلدانها، لخوض المعركة الشرسة لاستقطاب الاستثمارات والكفاءات ورؤوس الأموال. واعتبر أن هذه الفعالية ترتبط أيضا بما تفتحه من آفاق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتوفير فرص الشغل، وخاصة للشباب.
أحسن إدارة في العالم
في إطار الإعداد لمشروع مراجعة منظومة الوظيفة العمومية، أجرت وزارة إصلاح الإدارة والوظيفة العمومية دراسة حول تقييم أداء الموظفين بمختلف الإدارات العمومية التابعة للقطاعات الحكومية، أسفرت عن نتائج «غريبة»، منها أن معدل التنقيط المعتمد لتقييم أداء الموظفين بلغ في مختلف القطاعات 18,50 خلال الفترة ما بين سنتي 2012 و2016، ما يعني أن المغرب يتوفر على أفضل وأحسن إدارة في العالم. وتعمل الوزارة، في إطار مراجعة منظومة الوظيفة العمومية، على إعادة النظر في نظام تقييم أداء الموظفين القائم على آلية التنقيط. وخلصت الدراسة إلى أن هذه الآلية هي آلية غير موضوعية، مزاجية، تقتل الكفاءات، ومتخلفة عن الأساليب الحديثة في تدبير الموارد البشرية. ومن أبرز خلاصات الدراسة، أن المنظومة تعرف عدة شكايات وانتقادات من طرف الموظفين الذين يطعنون في النقطة العددية المحصل عليها من طرف رؤسائهم في الحالة التي لا تقارب 20 على 20، ولم يتم بعد تفعيل التقييم بواسطة المقابلة ولم يخضع بعد أي موظف إلى عملية تقييم من طرف رئيسه من خلال مقابلة لكون الظروف الموضوعية غير متوفرة، كما أن المشرفين على التقييم لم يستفيدوا بعد من أي تكوين خاص حول تهييء مراحل مسلسل تقدير أداء الموظفين قبل وأثناء وبعد عملية التقييم.
واعتبرت الدراسة، بصفة عامة، أن المنظومة متطورة إلا أنها لا تطبق بكاملها نظرا للإكراهات التي تعتري الإدارة التي لم ترق بعد إلى تنظيم وظيفي يعتمد أساليب التدبير الحديثة ولا سيما التدبير التوقيعي للموارد البشرية، حيث يكتفي الكل بتعبئة نموذج بطاقة التنقيط دون أخذ بعين الاعتبار المعايير المعتمدة والمكونة لشبكة التنقيط والتقييم. ولتجاوز هذه الإشكالية تجب إعادة النظر في منظومة التنقيط والتقييم والقيام بإجراءات مواكبة مكثفة في ميدان التدبير بالأهداف والنتائج وتوفير تكوين خاص للمشرفين على عملية التنقيط والتقييم لا سيما إجراء مقابلات التقييم بصفة دورية.
ومن استنتاجات الدراسة، أن المسؤولين عن تدبير الموارد البشرية وكذا الموظفين غير راضين عن النظام الحالي المعتمد في التنقيط والتقييم في الوظيفة العمومية المغربية، ويعيبون على عدم فعاليته سواء من حيث الترقية في الرتبة أو الدرجة أومن حيث غياب علاقته بمعايير منح التعويض والمكافآت الجزافية. وبعض هؤلاء يرى في هذا النظام مصدر التوتر وعدم الرضا اللذين يسودان داخل الوظيفة العمومية والسبب في عدم تحفيز الموارد البشرية للعطاء والرفع من المردودية والإنتاجية، حيث إن الترقية تمنح للجميع دون مراعاة مبدأ الجدارة والاستحقاق. ولتطبيق هذا النظام بصفة فعالة، أكدت خلاصات الدراسة على أنه يتعين تحديد الأهداف والمؤشرات التي على أساسها تحدد المردودية والفعالية بالنسبة للموظفين.
تشخيص الأعطاب
انتقد المجلس الأعلى للحسابات، في تقريره حول الوظيفة العمومية، غياب الإرادة السياسية لدى الحكومات المتعاقبة في إصلاح نظام الوظيفة العمومية. وأشار التقرير إلى أنه، باستثناء بعض التعديلات المحدودة، لم يعرف النظام الأساسي للوظيفة العمومية، منذ تاريخ اعتماده سنة 1958، أي تغيير جوهري، حيث انصبت أغلب التعديلات على إحداث أنظمة أساسية استثنائية لفائدة بعض الفئات من الموظفين أو تحديد كيفيات تطبيق بعض مقتضيات النظام المذكور. وبالرغم من أن مشروع تعديل النظام الأساسي للوظيفة العمومية كان مطروحا على جدول الأعمال منذ سنة 2005، فإن السلطات العمومية اكتفت ببعض التدابير الجزئية عوض تعديل شامل، كما أن بعض هذه التدابير عرف تأخرا في الإنجاز، ويتعلق الأمر خصوصا بالقانون رقم 13.31 المتعلق بتعميم المباراة كسبيل وحيد للتوظيف، وحركية الموظفين، واعتماد التعاقد في الإدارة العمومية. وباستثناء هذه التعديلات، فإن الإجراءات الأخرى اقتصرت على تجميع بعض الأنظمة الخاصة.
وخلص المجلس إلى أن الإصلاحات التي تمت مباشرتها ظلت مجزأة، وانحصرت في تدابير منعزلة، وبالتالي فشلت في إطلاق دينامية للتغيير داخل الإدارة المغربية، في حين يستلزم الأمر مقاربة شاملة بالنظر للترابط بين عناصر نظام الوظيفة العمومية (التوظيف والتقييم والترقية والتكوين والحركية ونظام الأجور...). ويعود غياب المنهجية الشاملة للإصلاح، حسب التقرير، إلى اختلالات ذات طبيعة مؤسساتية تتمثل على الخصوص في غياب الالتقائية بين الإدارات، والدور المهيمن لوزارة الاقتصاد والمالية التي يحكم عملها الهاجس المالي، بالإضافة إلى الثقل الذي تمثله التكتلات الفئوية (النقابات) والذي يحد من مختلف المبادرات.
وبخصوص تحليل وتشخيص نظام الوظيفة العمومية، سجل التقرير أن صورة الإدارة ترتبط أساسا بموظفيها، ذلك أن الموظفين يعتبرون تجسيدا للمرفق العمومي لدى المواطنين. ويعرف المرفق العمومي في المغرب، انتقادات تتعلق بضعف جودة خدماته وغياب التكافؤ في الولوج إليه. وأشار التقرير إلى أنه، بالرغم من كون الإدارة المغربية تتوفر على مستوى عال من التأطير الإداري (65 بالمائة) وتستهلك كتلة أجرية مرتفعة، فإن جودة الخدمات المقدمة للمواطنين تبقى دون المستوى، خاصة في قطاعات التعليم والصحة والعدل، وذلك بالرغم من أن هذه القطاعات الثلاثة تستحوذ مجتمعة على 52,5 بالمائة من كتلة الأجور وتستهلك أكثر من 40 بالمائة من الميزانية العامة للدولة.
ومن بين الأسباب الرئيسية التي تفسر النقائص التي يعرفها المرفق العمومي، المستوى الضعيف لتعبئة الموظفين، كما أن هذه النقائص تبرز بحدة أكبر داخل العالم القروي والأحياء الهامشية للمدن الكبرى. وبذلك، فإن الاختلالات التي تعرفها الإدارة تعمق الفوارق الاجتماعية وتنعكس بشكل أكبر على الفئات السكانية التي تعاني من الهشاشة. كما رصد التقرير غياب ثقافة لتقييم جودة الخدمات العمومية، بالرغم من الاختلالات التي يعرفها المرفق العمومي، ذلك أن تقييم أداء هاته المرافق لا يتم وفق عملية منتظمة وممأسسة. وفي غياب ثقافة التقييم هاته وكذا آليات فعالة للمراقبة، فإن جودة الخدمات العمومية تظل دون مستوى المتطلبات الدستورية المتمثلة في الولوج المتكافئ للمرفق العمومي والجودة والشفافية.
وتحدث التقرير عن وجود اختلالات في نظام حكامة الوظيفة العمومية للدولة، مشيرا إلى أن الأجهزة المتدخلة في القرارات المتعلقة بالوظيفة العمومية، تتمثل أساسا في الوزارة المكلفة بالوظيفة العمومية وإصلاح الإدارة، ووزارة الاقتصاد والمالية، اللتين تتوفران على اختصاصات أفقية، بالإضافة إلى المجلس الأعلى للوظيفة العمومية (جهاز استشاري). وتتوفر القطاعات الأخرى على وحدات إدارية (غالبا ما يتعلق الأمر بمديرية، أو قسم) خاصة بتدبير الموظفين وتنفيذ سياسات تدبير الموارد البشرية. وأشار التقرير إلى أن الوزارة المكلفة بالوظيفة العمومية عرفت منذ إحداثها عدم استقرار في ما يخص تموقعها في الهيكلة الحكومية كما عرفت تغييرات على مستوى التسمية. ومكن تحليل اختصاصات هذه الوزارة من تبيان الدور المحدود الذي تلعبه في ما يخص المهام الأفقية المتمثلة على الخصوص في تدبير أوراش تحديث الإدارة.
وتحدث التقرير عن الدور المهيمن للوزارة المكلفة بالمالية، بحيث تعتبر الوزارة أحد الأجهزة الأساسية لتدبير الوظيفة العمومية، حيث تتولى مديرية الميزانية المساهمة في وضع وتنفيذ الأنظمة المتعلقة بموظفي الدولة والجماعات الترابية وبعض المؤسسات العمومية، في حين تتكلف الخزينة العامة بأداء أجور الموظفين العموميين. وتضطلع مديرية الميزانية بأدوار مهمة في ما يخص التدابير المتعلقة بالوظيفة العمومية، حيث إن كل مقترحات النصوص القانونية ذات الأثر المالي تخضع إلزاميا لرأيها. وبذلك، فهي تشكل مركز القرار بالنسبة للوظيفة العمومية. وفي غياب بنية مؤسساتية لتبادل الآراء والتشاور بين مديرية الميزانية التابعة لوزارة المالية من جهة، والوزارة المكلفة بالوظيفية العمومية من جهة أخرى، فإن معالجة الجوانب القانونية والمالية والتنظيمية للوظيفة العمومية تبقى مجزئة، وهو ما يعيق وضع سياسة شاملة ومندمجة لتدبير هذا المجال.
ميثاق أخلاقيات الإدارة
صادق مجلس الحكومة، في اجتماعه الأخير، على مشروع قانون بمثابة ميثاق المرافق العمومية، المنصوص عليه في الفصل 157 من الدستور، تقدم به وزير إصلاح الإدارة والوظيفة العمومية، محمد بنعبد القادر. ولم يخرج هذا القانون إلى حيز الوجود منذ ثماني سنوات، رغم أنه كان مدرجا ضمن المخطط التشريعي للحكومة السابقة. وحسب المذكرة التقديمية لهذا القانون، فإن دستور المملكة كرس بابا خاصا بالحكامة الجيدة، تضمن أسس ومبادئ تنظيم المرافق العمومية والمعايير التي يجب أن تخضع لها هذه المرافق في تسييرها بغاية الرفع من أدائها وفعاليتها، وتحسين جودة الخدمات التي تقدمها، صونا لحقوق المرتفقين وخدمة للمصلحة العامة. وينص الفصل 157 من الدستور على إعداد ميثاق للمرافق العمومية يحدد قواعد الحكامة الجيدة المتعلقة بتسيير الإدارات العمومية، والجهات، والجماعات الترابية الأخرى، والأجهزة العمومية. كما أكدت التوجيهات الملكية في عدة مناسبات على الطابع الاستعجالي لورش تطوير أداء المرافق العمومية للنهوض بأدوارها الاقتصادية والاجتماعية، والمساهمة في بلورة نموذج تنموي وطني كفيل بتحقيق تنمية متوازنة ومنصفة، وبمنح نفس جديد للحكامة الترابية لمعالجة المشاكل المحلية، والاستجابة لمطالب المواطنين والإصغاء إليهم، وإشراكهم في اتخاذ القرار.
ويتضمن مشروع الميثاق ستة أبواب، يتعلق الباب الأول منها، بالتعاريف ومجال التطبيق، حيث عرف بمدلول بعض المصطلحات كالمرافق العمومية والمرتفق والخدمة العمومية، بالإضافة إلى تحديد الهيئات التي يشملها هذا الميثاق. ويتضمن الباب الثاني، أهداف قواعد الحكامة الجيدة ومبادئها المتمثلة في احترام القانون، والمساواة، والاستمرارية في أداء الخدمات، والجودة، والإنصاف في تغطية التراب الوطني، والشفافية، وربط المسؤولية بالمحاسبة، والنزاهة والانفتاح. أما الباب الثالث، فيحدد القواعد المتعلقة بنجاعة المرافق العمومية على مستوى التنظيم والتدبير. ويتضمن الباب الرابع، قواعد منظمة لعلاقة المرافق العمومية بالمرتفقين، تتعلق بانفتاح هذه المرافق على المرتفقين والتواصل معهم، وتحسين ظروف استقبالهم، إلى جانب قواعد تؤطر الخدمات التي تقدمها هذه المرافق، وتهم على الخصوص تبسيط الإجراءات والمساطر الإدارية ورقمنتها، والعمل على تطوير هذه الخدمات والرفع من جودتها. والاهتمام بتظلمات المرتفقين واللجوء إلى المساعي التوفيقية لحل الخلافات التي قد تقع بينهما.
ويحدد الباب الخامس من هذا القانون، القواعد المتعلقة بتخليق المرافق العمومية، من خلال التنصيص على قواعد السلوك التي يتعين على الموارد البشرية للمرافق العمومية احترامها، وعلى وضع برامج لتعزيز قيم النزاهة والوقاية من كل أشكال الفساد ومحاربتها، وترسيخ قيم التخليق في تدبير شؤون هذه المرافق. أما الباب السادس، فخصص لوضع آلية لتتبع تفعيل الميثاق، حيث تم التنصيص على إحداث مرصد وطني للمرافق العمومية يتولى مهمة رصد مستوى فعالية أداء المرافق العمومية ونجاعتها، وتقييم المخططات والبرامج التي تم تنفيذها، وكذا اقتراح التدابير والإجراءات التي من شأنها تطوير أداء هذه المرافق والرفع من جودة الخدمات التي تقدمها.
الزيادة في أجور مليون موظف مدني وعسكري
صادق مجلس الحكومة على ستة وثلاثين مرسوما تتعلق بتنفيذ نتائج الحوار الاجتماعي لفائدة أطر وموظفي وأعوان الإدارات العمومية والمؤسسات التابعة لها والإدارة الترابية والأنظمة الخاصة، تقدم بها الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بإصلاح الإدارة وبالوظيفة العمومية.
وأفاد محمد بنشعبون، وزير الاقتصاد والمالية، بأن الكلفة الإجمالية للاتفاق الذي تمخض عن نتائج الحوار الاجتماعي، تبلغ 14.5 مليار درهم، تشكل الجماعات المحلية لوحدها أزيد من مليار و200 مليون درهم زيادة في الأجور والتعويضات العائلية، وأبرز بنشعبون، في عرض حول الحوار الاجتماعي قدمه خلال انعقاد المجلس الأسبوعي للحكومة، أن هذه الكلفة تتجاوز آفاق الحوار الاجتماعي السابق، وتشمل الزيادة في الأجور والتعويضات العائلية لفائدة ما يفوق 900 ألف بين موظفين مدنيين وعسكريين، كما ستشمل الزيادة في التعويضات العائلية أزيد من 380 ألف موظف، مؤكدا على أن عملية تنفيذ الزيادة في الأجور ستتم على ثلاث مراحل ابتداء من ماي 2019 ثم يناير 2020 والمرحلة الثالثة ابتداء من فاتح يناير 2021، وأضاف أن كلفة الأجور على مستوى الميزانية العامة للدولة ستبلغ بعد هذه الزيادة في 2021 ما نسبته 38 في المائة، أي ما قيمته 141 مليار درهم مع احتساب نفقات التقاعد والاحتياط الاجتماعي، وأن 53 في المائة من المداخيل الضريبية ستذهب إلى تغطية كتلة الأجور مع نفقات التقاعد والاحتياط الاجتماعي، وستشكل كتلة الأجور 11 في المائة من الناتج الداخلي الخام.
تحسين الأجور
تهدف المراسيم، التي صادق عليها مجلس الحكومة، إلى تفعيل بعض التدابير المتعلقة بتحسين الدخل بالقطاع العام الواردة في اتفاق الحوار الاجتماعي الموقع في 25 أبريل 2019 بين الحكومة والمركزيات النقابية الأكثر تمثيلا، وتقر زيادة في الأجور والتعويضات العائلية بالنسبة لمجموع الموظفين، بزيادة 500 درهم صافية في الشهر لفائدة الموظفين المرتبين في سلم الأجور 10 (الرتبة1 إلى 5) فما تحت على 3 أشطر (200 درهم ابتداء من فاتح ماي 2019؛ و200 درهم ابتداء من فاتح يناير2020؛ و100درهم ابتداء من فاتح يناير 2021). وأضاف أن زيادة 400 درهم صافية في الشهر أقرت لفائدة الموظفين المرتبين في سلم الأجور 10 (ابتداء من الرتبة 6 فما فوق)، على 3 أشطر (200 درهم ابتداء من فاتح ماي 2019؛ و100 درهم ابتداء من فاتح يناير2020؛ و100 درهم ابتداء من فاتح يناير 2021)، وبإقرار هذه الزيادة سيصبح الحد الأدنى للأجر على مستوى الوظيفة العمومية هو 3300 درهم في الشهر، كما سيفوق المتوسط العام للأجور 8000 درهم في الشهر.
وتهم هذه المراسيم موظفي وأطر الإدارة المركزية والموظفين المشتركين بالإدارات العامة وموظفي الأطر الخاصة ببعض الوزارات؛ والمتصرفين والمحررين المشتركين بين الوزارات؛ والمساعدين التقنيين والمساعدين الإداريين المشتركين بين الوزارات؛ وهيئة التقنيين المشتركة بين الوزارات؛ وهيئة المهندسين والمهندسين المعماريين المشتركة بين الوزارات؛ وهيئة الأطباء والصيادلة وأطباء الأسنان المشتركة بين الوزارات، كما تشمل هيئة الأطباء البياطرة المشتركة بين الوزارات؛ وهيئة الممرضين وتقنيي الصحة المشتركة بين الوزارات؛ وهيئة الممرضين بوزارة الصحة؛ وموظفي المجلس الأعلى للسلطة القضائية؛ ورجال القضاء وأجور الملحقين القضائيين؛ والقضاء من الدرجات الأولى والثانية والثالثة؛ والقضاء من الدرجة الاستثنائية؛ وهيئة كتابة الضبط؛ وقضاء المحاكم المالية؛ ورجال السلطة.
فئات أخرى شملتها المراسيم
همت المراسيم الحكومية المصادق عليها بعض موظفي الإدارات العمومية؛ والمفتشية العامة للإدارة الترابية؛ والشيوخ والمقدمين والعريفات الحضريين؛ والشيوخ والمقدمين القرويين؛ وهيئة المستشارين القانونيين للإدارات لدى الأمانة العامة للحكومة؛ والمكلفين بالدراسات في مختلف الوزارات؛ وهيئة التفتيش العام للمالية؛ وموظفي وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الدولي؛ وموظفات وموظفي مجلس النواب ومجلس المستشارين، وتهم هيئة الأساتذة الباحثين بالتعليم العالي؛ وهيئة الأساتذة الباحثين بمؤسسات تكوين الأطر العليا؛ وهيئة موظفي إدارة السجون وإعادة الإدماج؛ وهيئة تفتيش الشغل؛ والموظفين الخاضعين للنظام الأساسي الخاص بموظفي وزارة التربية الوطنية؛ والأساتذة المبرزين للتعليم الثانوي التأهيلي والعاملين بالأقسام التحضيرية لولوج المعاهد والمدارس العليا أو بأقسام تحضير شهادة التقني العالي أو بمراكز التكوين أو بمؤسسات التعليم الثانوي التأهيلي أو بالمؤسسات الجامعية والتفتيش لفائدة مفتشي وزارة التربية الوطنية، وهيئة المكونين المشتركة بين الوزارات لمؤسسات التكوين المهني؛ والأساتذة الباحثين في الطب والصيدلة وطب الأسنان؛ وموظفي وزارة الشؤون الثقافية.
كما صادق المجلس على مشروع مرسوم رقم 2.19.424 يتعلق بتحديد مبالغ الحد الأدنى القانوني للأجر في الصناعة والتجارة والمهن الحرة والفلاحة، تقدم به الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني نيابة عن وزير الشغل والادماج المهني، يهدف إلى تنفيذ الالتزامات الواردة في المحور المتعلق بتحسين الدخل ويتضمن هذا المشروع أربع مواد، تحدد المادتان الأولى والثانية منه نسبة الزيادة في الحد الأدنى القانوني للأجر في قطاعات الصناعة والتجارة والمهن الحرة والفلاحة، وفي هذا السياق، فإنه ابتداء من فاتح يوليوز 2019 سيصبح الحد الأدنى القانوني الشهري للأجر في قطاعات الصناعة والتجارة والمهن الحرة 2698.83 درهما، وفي القطاع الفلاحي سيصبح 1903.72 درهم دون احتساب المنافع العينية، وابتداء من فاتح يوليوز 2020، سيصبح الحد الأدنى القانوني الشهري للأجر في قطاعات الصناعة والتجارة والمهن الحرة 2828.71 درهما، وفي القطاع الفلاحي دون احتساب المنافع العينية سيصبح 1994.20 درهما.
التعاقد طريقة جديدة للتوظيف بالإدارات العمومية
شرعت الحكومة في العمل بالتوظيف المؤقت عن طريق التعاقد، أو ما يصطلح عليه بالتوظيف بـ«الكونترا». وسبق للنظام الأساسي العام للوظيفة العمومية أن عرف، سنة 2011، تعديلا بموجب الفصل 6 المكرر من القانون رقم 50.05، والذي يقضي بإضافة طريقة جديدة في التوظيف، إلى جانب التوظيف النظامي في الوظائف القارة، متمثلة في «تشغيل أعوان عن طريق التعاقد»، بمبرر جذب كفاءات خاصة قادرة على إنجاز مشاريع أو خدمات لفائدة الإدارة المعنية، والتي تكتسي عادة طابعاً مؤقتاً وتقنياً محدداً في الزمان، كلما اقتضت ضرورة المصلحة ذلك، ولا يترتب على هذا الأسلوب في التشغيل أي ترسيم للمتعاقدين في أسلاك الوظيفة العمومية.
ويهدف المخطط إلى سد حاجيات الإدارة من الكفاءات والخبرات القادرة على تسيير وتدبير المشاريع والأوراش الكبرى على الأمدين القصير والمتوسط، والتي لا تتطلب، في نظره، بالنظر إلى طبيعتها، اللجوء إلى التوظيف النظامي الدائم، وهو ما سيضع الحكومة مرة أخرى أمام امتحان عسير، خصوصاً أن الفهم الحاصل لدى الجميع يتلخص في أن قطاع الوظيفة العمومية يستعد للتوظيف بالتعاقد لسد العجز المسجل على مستوى الموارد البشرية.
لكن رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، أكد، في جلسة سابقة أمام مجلس المستشارين، على أن هذا النوع من التشغيل بموجب عقود لم يأت ليحل محل التوظيف النظامي، وإنما تم اعتماده في إطار تطوير وتحديث منظومة الوظيفة العمومية، من أجل تمكين الإدارات العمومية من الكفاءات والخبرات في بعض المجالات الحيوية التي تحتاج إليها، ولاسيما قيادة المشاريع المهيكلة والأوراش الكبرى من جهة، ومن أجل سد الخصاص المؤقت في بعض الوظائف، من جهة أخرى، وإضفاء نوع من الدينامية داخل الإدارة العمومية، تسمح بالتحفيز والتشجيع على الفعالية والمردودية، وتأهيل الأعوان المتعاقدين وتمكينهم من اكتساب خبرة وتكوين عمليين، بما ييسر لهم ولوج مختلف الوظائف العمومية، في ما بعد عن طريق اجتياز المباريات.
ولتحقيق هذه الأهداف، تم إرساء صنفين من العقود، وهي عقود تشغيل الخبراء من ذوي الكفاءة والتجربة والخبرة المهنية الذين تتوفر فيهم الكفاءات والمؤهلات المطلوبة، عن طريق فتح باب الترشيح في وجه المترشحين، ويكون لمدة أقصاها سنتان قابلة للتجديد، دون أن تتجاوز مدة التعاقد الإجمالية أربع (4) سنوات، وفي حدود 04 خبراء، على الأكثر، بالنسبة لكل قطاع، وعقود تشغيل أعوان للقيام بوظائف ذات طابع مؤقت أو عرضي بناء على مباراة، في حدود المناصب المالية الشاغرة، لمدة لا تتجاوز سنتين قابلة للتجديد مرة واحدة في حدود نفس المدة.
هذا ما ينتظر نصف مليون موظف بالإدارات العمومية
كشف سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة، عن وجود رؤية استراتيجية لدى حكومته لمراجعة منظومة الوظيفة العمومية، ستعمل الحكومة على تنزيلها من خلال مراجعة شاملة للنظام الأساسي العام للوظيفة العمومية، ووضعها قريبا على مسطرة المصادقة بالمجلس الحكومي، ثم إحالتها على مجلسي البرلمان.
وأكد العثماني في معرض جوابه عن سؤال محوري حول «السياسة الحكومية في تدبير التوظيف في القطاع العام وتحديث الإدارة العمومية»، خلال الجلسة الشهرية المتعلقة بالسياسة العامة بمجلس المستشارين، أن الحكومة تنكب على إعداد رؤية استراتيجية لمراجعة منظومة الوظيفة العمومية (تم تقديم خطوطها العريضة في مجلس الحكومة المنعقد بتاريخ 14 مارس 2019)، وهي الرؤية التي توجت مسارا تشاوريا تم من خلاله إشراك مختلف الفاعلين والمتدخلين، كما تم التداول بشأنها في المجلس الأعلى للوظيفة العمومية بتاريخ 16 يناير 2019، وتقوم على إرساء وظيفة عمومية مهنية ومحفزة وناجعة وقادرة على الاستجابة للمتطلبات الراهنة، عبر الانتقال من التدبير الإداري للمسارات إلى تدبير مهني مبني على الكفاءات.
وتقوم هذه الرؤية، حسب العثماني، على عدة مداخل أساسية، تتجلى في إدماج التدبير بالكفاءات، من خلال اعتماد الآليات الحديثة لتدبير الموارد البشرية بالإدارة العمومية القائمة على أساس التخطيط الاستراتيجي والتدبير التوقعي للوظائف والكفاءات، والانتقال من التدبير الإداري إلى تدبير مهني للمسارات مبني على الكفاءات، بما يجعل التوظيف والارتقاء والتكوين المستمر وتقييم الأداء الفردي للموظف مرتكزا على مفهوم الكفاءة، وإعادة هيكلة الوظيفة العمومية العليا، وتكريس مكانتها وتثمين أدوارها المحورية في قيادة الإصلاح، تبعا لتوصيات الملتقى الوطني الأول للوظيفة العمومية العليا المنعقد بتاريخ 27 فبراير 2018، وملاءمة بنيات الوظيفة العمومية مع التوجه الجديد للدولة، عبر حصر مهام الإدارة المركزية في المستوى الاستراتيجي، ودعم التوطين الترابي للخدمة العمومية من خلال الدفع بتنفيذ سياسة اللاتمركز الإداري، ودعم التحفيز وتحسين بيئة العمل بهدف إحداث بيئة عمل ملائمة وآمنة، تحفز على رفع المردودية وتحسين الإنتاجية بالإدارة العمومية.
وأبرز العثماني أن إصلاح هذه المنظومة يكتسي أهمية بالغة في سياسة الحكومة، حيث التزمت بموجب برنامجها باتخاذ جملة من التدابير الرامية إلى تحسين وتجويد هذه المنظومة، من جملتها مراجعة منظومة الوظيفة العمومية، ووضع سياسة عمومية مندمجة لتدبير حديث للموارد البشرية بالإدارة العمومية، وتبعا لذلك، يوضح العثماني، أن سياسة الحكومة في مجال تدبير التوظيف في القطاع العام تقوم على مقاربة تروم تطوير منظومة التوظيف وجعلها أكثر استجابة لحاجيات مختلف الإدارات العمومية من الموارد البشرية وترسيخ مبادئ الحكامة الجيدة وتعزيز قيم الشفافية والاستحقاق، وتكريس المبدأ الدستوري المتمثل في ولوج الوظائف العمومية حسب الاستحقاق.
وبخصوص إصلاح نظام ولوج المناصب العليا الذي أثار جدلا، بعد اتهام الحكومة باعتماد منطق العلاقات الحزبية في توزيع هذه المناصب خلال انعقاد اجتماعات المجلس الحكومي، أكد العثماني أن المنظومة الحالية للتعيين في المناصب العليا ساهمت إلى حد كبير في تكريس مبدأ المساواة والأهلية المهنية والكفاءة والاستحقاق في الولوج إلى هذه المناصب، من خلال اعتماد مبدأ التباري حول هذه المناصب بين أجود الكفاءات التي تزخر بها الإدارة المغربية، كما ساهم في الرفع التدريجي من نسبة ولوج النساء إلى مناصب المسؤولية، وهو ما حرصت الحكومة على تطبيقه في مختلف التعيينات، وأضاف: «وأحرص شخصيا على احترامه والقيام بما يتعين كلما بلغ إلى علمي أي مس بهذه المبادئ والأهداف». وأقر رئيس الحكومة بوجود اختلالات ونقائص، بعد سبع سنوات من اعتماد هذه المنظومة، مشيرا إلى أن الحكومة تنكب على إعداد مشروع مرسوم جديد خاص بالمناصب العليا في اتجاه تكريس معايير الاستحقاق والكفاءة والمهنية واعتماد التدبير التعاقدي المبني على الأهداف والنتائج والتقييم وربط المسؤولية بالمحاسبة، وسيتم عرضه على مسطرة المصادقة.
ومن بين التعديلات المقترحة على النظام، تعميم نظام التعاقد على مختلف القطاعات الحكومية، بعد اعتماده في قطاع التعليم، كما أن مشروع التعديل يسعى إلى إحداث تحول تدبيري عبر استعمال الأساليب الحديثة، سواء في ما يتعلق بالموارد البشرية، أو في ما يتصل بالأنشطة العمومية، من خلال اعتماد التدبير بالكفاءات وإعادة هيكلة الوظيفة العمومية العليا والمتوسطة وتطوير منظومة الولوج إلى الوظائف العمومية وتطوير منظومة تقييم أداء الموظف. كما يتضمن المشروع الجديد، إعادة النظر في نظام الرخص، وكذلك تطوير الحماية الاجتماعية للموظف.