اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي صور وفيديوهات احتفاء المغاربة والجزائريين بتأهل منتخب ثعالب الصحراء الى نصف نهاية كأس افريقيا عند النقطة الحدودية (بين لجراف)، الصور ذات دلالة عميقة فهي تحمل أكثر من معنى سياسي وديبلوماسي وشعبي. وفي الحقيقة فإن تلك المشاهد استطاعت نقل التعبير الحقيقي عن الإحساس الذي يشعر به الشعبين الشقيقين وإخراجه إلى حيز العلن في كل فرصة يفرح احد الجارين بسبب الرياضة وغيرها.
ان تلك الصور التي استطاعت أن تعكس شعور المواطن المغربي والجزائري بكل مصداقية، تؤكد الحاجة الماسة الى تسريع تنزيل المبادرة الملكية التي طالبت منذ تسعة اشهر بفتح الحدود بين الجارين والجلوس لطاولة المفاوضات بدون شروط او استثناءات.
لذلك فما اقدم عليه عدد من مواطني الجزائر من احتفالات الى جانب اشقاءهم المغاربة بالمنطقة الحدودية يثبت ان الحكام الجزائر منفصلون عن رغبات شعبهم التواق لفتح الحدود وبناء علاقات بين الشعبين الشقيقين. فلم يكن يوما اغلاق الحدود خياراً مغربيا بل فرضته ارادة حكام الجزائر الذين كان يخيفهم الانفتاح ويرون فيه خطر على شرعيتهم. فحينما رمى الملك محمد السادس بحجرة ثقيلة في بركة العلاقات المغربية الجزائرية خلال الذكرى 42 من المسيرة الخضراء، لم يفعل ذلك مجاملة او لربح نقط لدى المنتظم الدولي، بل طالب بفتح الحدود بين الجارين انطلاقا من قناعات مبدئية يفرضها المنطق الجغرافي والتاريخي والديني والثقافي.
فلا يعقل ان دولا خاضت حرب دموية لا نظير لها، كما هو الشأن حينما احتلت ألمانيا النازية باريس، وخربت مدن وقرى وزُهِقت الأرواح بالملايين، ولكن بمجرد أن حطت الحرب العالمية أوزارها ، تمكن البلدان من نسيان الماضي والخضوع لديكتاتورية الجوار وإعادة بناء الثقة السياسية والاقتصادية بين برلين وباريس حتى اصبحت مضرب المثل، في حين ان المغرب والجزائر الذين يجمعهم النضال ضد الاستعمار والتاريخ والدين والمصير المشترك عاجزين عن اعادة المياه الى مجاريها بسبب اتهامات واهية ولا يصدقها العقل صادرة عن حكام الجزائر تبرر وضع تصفيد الحدود بالتخوف من التهريب والمخدرات والارهاب فيحين انه في عز المخاطر الإرهابية القادمة من ليبيا وتونس حافظت الجزائر على حدودها مفتوحة.
سيكون مؤسفاً حقا بعد كل هاته الأشكال التعبيرية الواضحة التي ستستمر وتحرج حكام المرادية كلما صادف الشعبان لحظة فرح يقتسمانها بسبب السياسة او الرياضة او اسباب اخرى، ألا يرى النظام الجزائري أبعد من حساباته الضيقة التي لا تخدم مصالح ورفاهية الجارين. وستظل الدولة المغربية من اعلى رموزها منحازة لسياسة مد اليد للاشقاء ليس لتحقيق مكاسب اقتصادية فالمغرب قادر على تحقيق ذلك وزيادة دون الحاجة للجزائر، وليس من موقف ضعف او اختلال الموازين فالجميع يعرف النظام الهش من المستقر والقوي، لكن ببساطة لان حتميات التاريخ والدين والدم والاخوة وكل شيء تفرض ذلك. ويوما ما سيتحقق ان عاجلا أم آجلا.