هكذا تحولت قرية طبية عالمية قيمتها 250 مليارا إلى مشروع سياحي - تيلي ماروك

قرية طبية - - مشروع سياحي هكذا تحولت قرية طبية عالمية قيمتها 250 مليارا إلى مشروع سياحي

هكذا تحولت قرية طبية عالمية قيمتها 250 مليارا إلى مشروع سياحي
  • 64x64
    تيلي ماروك
    نشرت في : 31/07/2019

قرر قاضي التحقيق بالمحكمة الابتدائية بمراكش، سحب جوازي سفر مغربيين وإغلاق الحدود في وجهيهما، بعد الاشتباه في تورطهما في النصب على شركة فرنسية ومؤسسة استثمارية إماراتية، حيث حولا قرية طبية عالمية بلغت قيمتها 250 مليار سنتيم، إلى مشروع سياحي وسكني فاخر، في خرق واضح لكناش التحملات.

وكانت فرقة جرائم الأموال، التابعة لمصلحة الشرطة القضائية بمراكش، أنهت أبحاثها وتحرياتها في شأن أكبر عملية نصب شهدتها المدينة الحمراء، بطلاها مغربيان وضحاياها شركة فرنسية ومؤسسة استثمار إماراتية، تم النصب على ممثليها القانونيين والاستيلاء على مشروع طبي بمواصفات عالمية، ليتحول إلى مشروع سياحي وسكني.

وبحسب مصادر عليمة، فإن الشرطة القضائية استمعت إلى "مسعود محمد العور"، المدير المركزي بشركة التسويق الإماراتية، و"جون كلود نوفيل"، الأستاذ الطبيب بفرنسا ومؤسس شركة "شمال جنوب للاستثمار"، اللذين سبق وأن تقدما بشكايتين أمام النيابة العامة بمراكش، اتهما من خلالها المغربيين "فؤاد. م" و"عز الدين.خ" وزوجة هذا الأخير بـ"تكوين عصابة إجرامية والنصب وعدم تنفيذ عقد والتزوير واستعماله".

فكرة المشروع

حسب الوثائق والمعلومات التي حصل عليها موقع "تيلي ماروك"، فإن الأستاذ الطبيب الفرنسي "جون كلود نوفيل"، وبمساعدة طبيب مغربي سبق وان عمل إلى جانب الطبيب المذكور بالخارج، قبل أن يعود إلى المغرب، تقدم  (الطبيب الفرنسي) إلى السلطات المحلية بمراكش، خلال سنة 2007، بمقترح مشروع من أجل إنجاز قرية طبية خصوصية، فوق ملك الدولة بالمنطقة السياحية أكدال.

هذا، ووافقت جميع الجهات المعنية على المشروع، خلال سنة 2010، بما فيها إدارة أملاك الدولة، والتي وضعت رهن إشارة صاحب المشروع بقعة أرضية مساحتها تزيد عن هكتار واحد و7000 متر مربع، بالمنطقة السياحية أكدال، دفع ثمنها الطبيب الفرنسي، والمقدر بحوالي 350 مليون سنتيم، أي 200 درهم للمتر المربع، وظل ينتظر الحصول على عقود البيع من إدارة أملاك الدولة لحوالي سنتين دون جدوى، إلى أن قرر التراجع عن المشروع، قبل أن يظهر المشتكى به "فؤاد.م"، الذي قدم نفسه للطبيب الفرنسي بصفته ممثلا لإحدى شركات الاستثمار الإماراتية، مؤكدا أن الأخيرة ترغب في الاستثمار في مجال الصحة بالمغرب، وطالما أن الفرنسي يتوفر على عقار مخصص لهذا الغرض، فإن الإماراتيين مستعدون لتمويل المشروع، وهو الأمر الذي وافق عليه الطبيب الفرنسي.

دخول المشتكى بهما على الخط

وحسب وثائق الملف، فإن المشتكى به "فؤاد.م" التقى  الطبيب الفرنسي وقدم له المشتكى به الثاني "عز الدين.خ" بصفته ممثلا للشركة الإماراتية بالمغرب، وأكد له أنه سيعمل على تهييء الملف قبل حلول المديرين المركزيين للشركة الإماراتية من أجل توقيع عقود المشروع.

وكان المشتكى بهما قد اقترحا على الطبيب الفرنسي أن يتنازل عن 98 بالمائة من أسهمه في شركته "شمال جنوب للاستثمار"، المالكة للعقار السالف ذكره، لفائدة الشركة الإماراتية، ويحتفظ بسهم واحد وسهم آخر لفائدة "عز الدين.خ" الذي سيتم تعيينه مسيرا جديدا لشركة "شمال جنوب للاستثمار"، مقابل أن تتكلف الشركة الإماراتية ببناء المشروع وتجهيزه، مع توقيع عقد كراء لشركة في ملكية الطبيب الفرنسي وصديقه الطبيب المغربي، وهي الشركة التي ستشرف على إدارة المشروع الطبي لمدة 15 سنة مقابل مليار و200 مليون كسومة كرائية سنوية تدفعها الشركة المسيرة لفائدة الشركة الإماراتية، على أن تتنازل الأخيرة عن القرية الطبية لفائدة الطبيب الفرنسي بعد مرور 15 سنة من الاستغلال، وهو الاقتراح الذي وافق عليه الطبيب الفرنسي بعد استشارة خبراء قانونيين فرنسيين.

وفي الوقت الذي كان المشتكى بهما يتفاوضان مع الطبيب الفرنسي، بصفتهما ممثلين للشركة الإماراتية، كان المشتكى به الأول "عز الدين.خ"، قد أسس شركة تحمل نفس اسم الشركة الإماراتية، لكن شركاءها ليسوا سوى أقارب "عز الدين خ"، وكان الأخير يستعمل البريد  والموقع الإلكتروني للشركة الإماراتية و"اللوغو" الخاص بها في مراسلاته مع الطبيب الفرنسي، بينما التوقيع يحمل اسم الشركة المغربية بخط يكاد لا يقرأ، ما جعله يحتال على الطبيب الفرنسي، الذي وجد نفسه يوقع على عقود مع الشركة المغربية معتقدا أنها الشركة الإماراتية.

وبحسب شكاية "مسعود محمد العور"، المدير المركزي للشركة الإماراتية، فقد عرض عليه "فؤاد.م"، المغربي الذي سبق وأن عمل بالشركة الإماراتية قبل عودته للمغرب، (عرض) عليه إحداث قرية طبية عالمية بمراكش، وبما أن شركة التسويق للاستثمار الإماراتي كانت بصدد البحث عن عقار بمراكش من أجل إنجاز مشروعها الطبي، فقد وافق على الفكرة، بعدما تم إخباره أن الفرنسي يتوفر على عقار ويرغب في إنجاز هذا المشروع بشراكة مع الإماراتيين.

تحول في الملكية

بعد العديد من الاجتماعات بكل من الإمارات العربية المتحدة والمغرب، عاد "فؤاد.م" ليخبر مسعود محمد العور، أنه رفقة "عز الدين.خ" أصبحا هما المالكان للعقار الذي سينجز عليه المشروع، وأنهما يتوفران على السيولة المالية الكفيلة بإنجازه، وعرض عليه اقتناء القرية الطبية بملغ مالي قدره 7 ملايير سنتيم، مقابل حصول الشركة الإماراتية على حصة 20 بالمائة من أسهم الشركة المالكة للمشروع، والتي أصبحت في ملكية كل من "عز الدين.خ" و"فؤاد.م"، وهو الأمر الذي وافق عليه ممثل الشركة الإماراتية، وهذه الأخيرة رصدت في ميزانيتها لسنة 2012 المبلغ السالف ذكره. ومقابل ذلك، طلب "عز الدين.خ" من "مسعود محمد العور" أن يقرضه مبلغا ماليا قدره مليار و200 مليون سنتيم، من أجل إنجاز جميع الوثائق الإدارية والتصاميم والتراخيص الخاصة بالمشروع، على أساس أن يتم تسديد هذا القرض على مدى سنتين، وهو الأمر الذي وافق عليه "مسعود محمد العور" حيث مكنه من المبلغ فعلا، دون أن يتمكن من استرداده حتى الآن.

وإذا كان الطبيب الفرنسي قد أدى ثمن القطعة الأرضية لفائدة الأملاك المخزنية، منذ سنة 2010، فإنه، بعد مرور حوالي سنتين، لم يتمكن من الحصول على عقد البيع، غير أنه مباشرة بعد التوقيع مع "عز الدين.خ" على المشروع، اعتقادا منه بأنه الممثل القانوني للشركة الإماراتية، تمكن الأخير من الحصول، في ظرف بضعة أشهر، على عقود البيع، لكن بعدما وافقت الأملاك المخزنية على تمكينه من بقعة أرضية أخرى مجاورة لتلك التي اقتناها الفرنسي، تقدر مساحتها بحوالي 4000 متر مربع، بثمن لم يتجاوز ثمن الأولى أي 200 درهم للمتر المربع، وتمكن من الحصول على عقد البيع باسم شركته الجديدة في ظروف غامضة، ليصبح الطبيب الفرنسي خارج المشروع.

دفتر تحملات

كانت إدارة أملاك الدولة وجميع المصالح المختصة قد وضعت دفترا للتحملات خاصا بالعقار موضوع التفويت، يتضمن إنشاء قرية طبية تشتمل على مصحة وفندق وشقق في أجل أقصاه 36 شهرا، على أن الفندق والشقق سيتم تجهيزها بجميع الوسائل الطبية، حيث يمكن للمريض أن يختار خلال عملية التطبيب بين الإقامة في المصحة، الفندق أو إحدى الشقق، كما يمكن لأفراد عائلته أن يقيموا بالقرية طيلة الفترة التي يخضع فيها المريض للتطبيب.

وبحسب دفتر التحملات هذا، فإن الفندق والشقق يشكلان جزءا من القرية الطبية، إذ لا يمكن بيعها بأي شكل من الأشكال.

وكان الطبيب الفرنسي قد وقع مع الإماراتيين عقدا تلتزم بموجبه الشركة الإماراتية بإحضار ما لا يقل عن 5000 مريض إماراتي سنويا من أجل علاجهم بهذه القرية الطبية بمراكش، على أن ترفع هذا العدد في حال لاحظت تطورا في جودة الخدمات الصحية.

وبعدما تمكن المشتكى بهما من الاحتيال والنصب على الإماراتيين والطبيب الفرنسي، تمكنا من الاحتيال، أيضا، على العديد من المؤسسات الرسمية، وفي مقدمتها السفير الإماراتي بالمغرب، ووالي جهة مراكش- آسفي، وعدد من المسؤولين الذين أوهمهم  المشتكى بهما أن مشروع القرية الطبية سيتم تمويله من طرف الشركة الإماراتية، ما جعل هؤلاء المسؤولين يحضرون عملية التدشين الرسمي للمشروع، الذي تم الترويج له باعتباره مشروعا استثماريا استثنائيا ستنفذه شركة إماراتية بالمغرب، وهو الأمر الذي سهل عملية التسريع بجميع التراخيص اللازمة.

إلى ذلك، ومباشرة بعد حصول "عز الدين.خ" على التراخيص الخاصة بالمشروع، وقبل الشروع في عملية البناء، بدأ في بيع الشقق للخواص مقابل مبالغ مالية تتراوح ما بين 220 و250 مليون سنتيم، حيث يتم تسديد 50 بالمائة من الثمن الإجمالي لكل شقة عند الحجز، و50 بالمائة عند التسليم، وهو الأمر المخالف تماما لكناش التحملات، الذي يمنع على صاحب المشروع بيع الشقق التابعة للقرية الطبية.

ومباشرة بعد اكتشاف الإماراتيين لعملية النصب والاحتيال هذه، سارع مسعود محمد العور، إلى تقديم شكاية ضد كل من "عز الدين.خ" و"فؤاد.م"، كما أن الفرنسي تقدم بدوره بشكاية ضد السالف ذكرهما أمام الوكيل العام، "من أجل تكوين عصابة إجرامية والنصب وعدم تنفيذ عقد والتزوير واستعماله". وهي الشكاية التي أحالتها النيابة العامة على الشرطة القضائية، التي استدعت واستمعت إلى جميع أطرافها، قبل أن تنهي أبحاثها وتحيل الملف على النيابة العامة.

وبعد أن تمكن المشتكى بهما من بيع الشقق الـ60 حسب التصاميم، ونظرا لحاجتهما لمزيد من السيولة، عملا على بيع أزيد من 20 شقة أخرى، بالرغم من عدم وجودها في التصاميم، كما أنهما عجزا عن تجهيز المصحة الطبية، ما جعلهما يعرضان المشروع برمته للبيع مقابل 250 مليار سنتيم، حيث تقدمت شركة صينية من أجل اقتنائه بعد موافقتها على المبلغ، قبل أن تكتشف أن المشروع غير سليم وغير قابل للبيع، ما اضطر المشتكى بهما إلى ربط الاتصال بشركة أمريكية من أجل إتمام المشروع ومنحها حق استغلاله، قبل أن تكتشف الأخيرة ألاعيبهما وتنسحب.


إقرأ أيضا