بعد مرور حوالي أربع سنوات من عمر المجلس الجماعي لمراكش، والذي يشرف على إدارته حزب العدالة والتنمية، إضافة إلى رئاسته لأربع مقاطعات ومشاركته في تدبير المقاطعة الخامسة، فإن حصيلة حزب «المصباح» بمراكش سجلت فشلا مدويا على أكثر من صعيد. إذ أن مجموعة من المرافق والمنشآت التي التزم المجلس بإنجازها، في إطار المشروع الملكي (مراكش: الحاضرة المتجددة) لم تر النور بعد، وأخرى كان مآلها الفشل بالرغم من التهامها لعشرات الملايير، بينما دفع حزب العدالة والتنمية عددا من شركات التنمية المحلية إلى الإفلاس أو تسبب في تعثر نشاطها، وهي الشركات التي يرأس مجالسها الإدارية قياديون محليون في حزب العثماني. كما أن رهان مدبري الشأن المحلي على مشاريع بيئية أنفقت عليها عشرات الملايير، سجلت بدورها فشلا مدويا، لينهي العمدة مسلسل فشله هذا بعرض ممتلكات المدينة العقارية في المزاد العلني.
المعارضة التي وقفت على تجليات فشل حزب العدالة والتنمية، بما فيها مستشارون من حزب «المصباح»، في تدبيره شؤون مدينة مراكش، تعزو هذا الفشل إلى احتكار القرار والمهام من قبل العمدة وثلاثة نواب ينتمون إلى حزبه وإقصاء باقي مكونات التحالف، علما أنهم يفتقدون الكفاءة والتجربة التي من شأنها أن تؤهلهم لإدارة مدينة عالمية في حجم مراكش.
منذ اعتلائه كرسي العمودية، ظل عمدة مراكش محمد العربي بلقايد ونوابه من حزب العدالة والتنمية يوزعون التصريحات الصحفية مهللين بعهد جديد في تدبير شؤون المدينة الحمراء، بعد بناء تحالفات أبعدت جميع الوجوه التي شاركت في تجارب سابقة، والتي حكم عليها حزب «المصباح» بالفشل وبسوء التدبير، وانخرط في برنامج يروم التدبير «العقلاني» و«التشاركي» في إنجاز المشاريع، وهي الإدعاءات التي سرعان ما فندها الواقع، وذلك ب: «إقصاء جميع مكونات التحالف من المهام والقرارات المصيرية في تدبير شؤون المدينة» يقول خليل بولحسن، المستشار الجماعي عن حزب العدالة والتنمية، في تصريحه للجريدة، مضيفا أن سبب فشل حزب العدالة والتنمية في تدبير شؤون المدينة هو كون: «أربعة أشخاص فقط يحتكرون جميع المسؤوليات والمهام إلى جانب العمدة، ويتعلق الأمر بيونس بنسليمان، النائب الأول للعمدة، إضافة إلى نوابه الثلاثة عبد السلام سي كوري، محمد توفلة وأحمد المتصدق، وكلهم من حزب العدالة والتنمية»، يقول بولحسن متسائلا: «لا يمكن لأربعة أو خمسة أشخاص أن يدبروا مدينة في حجم مراكش مهما بلغت تجاربهم وكفاءاتهم، أما وأنهم لا يتوفرون على أية كفاءة تدبيرية فلا يمكن أن ننتظر منهم سوى الفشل».
نفس التوجه ذهب إليه محمد الحر عن فريق التجمع الوطني للأحرار، والذي أكد أن عناصر قليلة من المجلس هي التي تستحوذ على معظم المسؤوليات والمهام، وبالتالي: «لا يمكنها أن تدبر شؤون مدينة عالمية بحجم مراكش، وبحجم تحدياتها ورهاناتها»، علما أن الدستور والقانون التنظيمي، أناط المعارضة بمهام ومسؤوليات: «لكن إذا كان أصحاب القرار قد أقصوا عناصر في الأغلبية من القرار فكيف يمكنهم إشراك المعارضة أو الإنصات إلى اقتراحاتها؟»
مشاريع بيئية فاشلة كلفت أزيد من 60 مليارا
ووقفت المعارضة عند تجليات فشل العمدة وفريقه، وذلك من خلال مجموعة من المشاريع وفي مقدمتها المشاريع البيئية التي لهفت أزيد من 60 مليار سنتيم، وضمنها المشروع الخاص بالحافلات الكهربائية أو الصديقة للبيئة، وهو المشروع الذي تم التسويق له إعلاميا على أساس أنه الأول من نوعه على الصعيد العربي والإفريقي، وهو المشروع الذي لهف أزيد من 24 مليار سنتيم: «وقد ثبت فشله بعزوف المراكشيين عنه، ووجد المسؤولون أنفسهن مضطرين إلى استعمال خمس حافلات فقط، في حين بقيت الحافلات الخمس الأخرى متوقفة في المرآب المخصص لها، تتآكل بفعل أشعة شمس مراكش الحارقة والتساقطات المطرية» يقول خليل بولحسن في تصريحه للجريدة، مضيفا أن محطة الطاقة الشمسية التي كان مقررا أن تزود بطاريات هذه الحافلات بالطاقة النظيفة، فإنها متوقفة عن العمل بالرغم من كلفتها المالية التي بلغت أزيد من مليار ونصف المليار سنتيم، من الصندوق الأخضر التابع للأمم المتحدة، حيث يتم شحن بطاريات هذه الحافلات من الإنارة العمومية والتي تكلف فاتورتها أزيد من 06 ملايين سنتيم شهريا.
وبخصوص الحبال الكهربائية الممتدة على مدى ثلاث كيلومترات، والتي كان مقررا أن تزود بطاريات هذه الحافلات بالطاقة، فقد سبق لأحد مكاتب الدراسات أن كشف عن خطورتها، بالنظر إلى أن المقاولة التي تكلفت بإنجاز هذه الحبال الكهربائية، لم تعمل على وضع «صمامات الأمان» (لاطير) في حالة حدوث توترات كهربائية، ما يعني أن حياة الركاب معرضة للخطر، وهو الأمر الذي جعل مسؤولي المجلس الجماعي يوقفون العمل بهذه الحبال الكهربائية، والتي كلفت ثلاثة ملايير و900 مليون سنتيم.
أما المشروع الآخر الذي تجند عمدة مراكش ونوابه لتسويقه إعلاميا على الصعيد المحلي والوطني، فهو مشروع تحويل نفايات المطرح العمومي إلى كهرباء نظيفة، وهو المشروع الذي خصص له الصندوق الأخضر التابع للأمم المتحدة بمناسبة كوب 22، مليار ونصف المليار سنتيم، وقد تم إبرام صفقة مع شركة أمريكية حصلت بموجبها على مليار و700 مليون سنتيم من أجل اقتناء الجهاز الخاص بتحويل الغاز في النفايات إلى كهرباء نظيفة، وبعد مرور أربع سنوات، فإن الجهاز لم يصل بعد إلى مدينة مراكش، وبالتالي لم يتم الشروع حتى الآن في إنتاج هذه الكهرباء النظيفة: «ما يطرح السؤال حول الأسباب الكامنة وراء تحويل مليار و700 مليون سنتيم للشركة الأمريكية دون أن تشرع في إنتاج هذه الكهرباء»
أما المشروع البيئي الثالث، فيتعلق بشركة التنمية المحلية (حاضرة الأنوار)، والذي كان الهدف منه تقليص فاتورة الإنارة العمومية التي تلهف 07 ملايير سنتيم سنويا من ميزانية الجماعة، إضافة إلى تعميم الإنارة العمومية بجميع تراب الجماعة لتصل نسبة التغطية إلى 95 بالمائة. وقد تم رصد حوالي 30 مليار سنتيم لهذا المشروع، على أن تتوصل الشركة المذكورة بحوالي 03 ملايير سنتيم في السنة الأولى ومضاعفة مستحقاتها بناء على ارتفاع وتيرة عملها، وبعد مرور سنتين على المشروع: « فإن فاتورة الكهرباء ارتفعت إلى أزيد من 08 ملايير سنتيم بدل 07، أي أنها زادت بدل تقليصها إلى 20 بالمائة في السنة الأولى و60 بالمائة في السنة الثالثة» يقول محمد الحر، المستشار الجماعي عن حزب التجمع الوطني للأحرار في تصريحه للموقع.
أزمة الإنارة مع «حاضرة الظلام»
الانتقادات التي تعرض لها العمدة من طرف المعارضة، امتدت لتشمل أيضا مستشارين من حزبه، والذين سجلوا فشله الصارخ في تدبير شؤون الإنارة العمومية من خلال تجربة شركة التنمية المحلية المسماة «حاضرة الأنوار»، والتي وصفوها بـ «حاضرة الظلام».
وشبه أربعة مستشارين بمقاطعة مراكش المدينة عن فريق حزب العدالة والتنمية في رسالة إلى عمدتهم محمد العربي بلقايد، (شبهوا) الإنارة العمومية بالمدينة العتيقة لمراكش بإنارة «مجاري الصرف الصحي بمدينة نيويورك»، مؤكدين في الرسالة ذاتها أن وضعية الإنارة العمومية «لا تستحق اسم حاضرة الأنوار».
وجاءت الرسالة الموقعة من طرف أحد نواب رئيس مقاطعة المدينة يونس بنسليمان، ورئيس لجنة الإعلام والتوصل ونائبي كل من رئيس لجنة الإعلام ولجنة التعمير بالمقاطعة ذاتها، إثر توصلهم بالعديد من الشكايات من طرف ساكنة المدينة، في شأن الإختلالات التي يعرفها تدبير الإنارة العمومية، حيث طالب سكان المدينة بالإبقاء على الإنارة العمومية كما كانت سابقا، بدل هذه الأخيرة التي سميت بـ «حاضرة الأنوار»، والتي ما أن باشرت الشركة الجديدة تدبيرها حتى عم الظلام أزقة المدينة ودروبها.
وبحسب الرسالة ذاتها فإن غياب دراسة علمية وتقنية قبل مباشرة أشغال الإنارة العمومية، جعل الشركة المكلفة بهذا القطاع تتخبط في ارتجالية واضحة، ما جعل المشروع يفشل في تحقيق الأهداف المتوخاة منه: «إذ كيف يمكن إطلاق حاضرة الأنوار على مشروع تم دون دراسة علمية أو تقنية مسبقة؟، حيث يتم تثبيت المصابيح الكهربائية مباشرة على الأسلاك، كما لو أننا في أحد الدواوير بقمة من قمم جبال الأطلس الكبير» يقول مصدر من المجلس الجماعي في تصريحه للجريدة، مضيفا أن العشوائية والارتجالية هي السمة الغالبة في أعمال شركة التنمية المحلية المكلفة بالإنارة العمومية.
وإذا كانت الشركة الإسبانية هي شريك المجلس الجماعي في «حاضرة الأنوار»، فإن هذه الشركة قد فوضت مهامها إلى شركة مغربية في إطار المناولة: «ما يطرح السؤال حول مدى قانونية هذا الإجراء» يتساءل خليل بولحسن في تصريحه للموقع.
وبالعودة إلى شركات التنمية المحلية، فإن عمدة مراكش تسبب في دفع شركة «أفيلمار» المكلفة بتدبير مراكن السيارات إلى الإفلاس: «وذلك بعدما اتخذ قرارا فرديا بمنعها من استعمال «الصابو» في عقل السيارات المخالفة، دون تقديم بديل يضمن الحقوق المالية لهذه الشركة، ما تسبب في إفلاسها» يقول محمد الحر، مضيفا أنه بالرغم من نداءات المعارضة وتحذيرها للعمدة من مغبة اتخاذ مثل هذا القرار بشكل انفرادي: «فقد علمنا أن صندوق الإيداع والتدبير شريك المجلس الجماعي في هذه الشركة يستعد لمقاضاة المجلس الجماعي». يقول محمد الحر.
مشاريع ملكية متعثرة وأخرى متوقفة
ووصف محمد الحر عمدة مراكش وفريقه بـ «المحظوظ»، إذ مباشرة بعد انتخابه عمدة لمراكش، وجد أمامه المشروع الملكي (مراكش: الحاضرة المتجددة)، وهو مشروع أراد من خلاله الملك محمد السادس إقامة مشاريع مهيكلة للمدينة، وهي المشاريع الذي التزم المجلس الجماعي، ومعه قطاعات حكومية أخرى، بإنجازها: «وفي الوقت الذي تقدمت فيه أشغال معظم القطاعات الحكومية، فإن المجلس الجماعي لازالت مشاريعه متعثرة، وأخرى تم تغيير مكانها وأهدافها بالرغم من أن المجلس وقع عليها أمام الملك محمد السادس» يقول محمد الحر، خاصة مشروع ديوان الكتبية بمحيط مسجد الكتبية الذي تقرر تحويله إلى المقر السابق للمكتب الصحي، علما أنه لحد الآن لم ير النور بعد.
وإذا كانت أغلب مشاريع المجلس الجماعي قد منيت بالفشل، والأخرى لم تر النور بعد، فقد أنهى العمدة وفريقه مسلسل الفشل هذا بعرض: «ممتلكات المجلس الجماعي العقارية في المزاد العلني» يقول مصدر من المعارضة في تصريحه للموقع.
ممتلكات المدينة في المزاد العلني
استغرب متتبعون كيف أن العمدة ظل يطالب المجلس الإقليمي لمراكش بوضع بقعة أرضية في ملكيته قرب مطار مراكش المنارة، مساحتها 100 هكتار، (وضعها) رهن إشارة المجلس الجماعي من أجل إقامة فضاء أخضر وقرية سياحية في إطار المشروع الملكي مراكش الحاضرة المتجددة، مقابل قيامه بالإجراءات الإدارية من أجل تفويت مقر سوق الجملة القديم للخضر والفواكه، المقدرة مساحته بحوالي ثمانية هكتارات، والواقع بقلب مدينة مراكش بين حي باب دكالة والحي المحمدي.
وفي الوقت الذي كان المجلس الجماعي خلال الولاية السابقة، قد قرر تحويل مقر سوق الجملة القديم، بالإضافة إلى مقر المحطة الطرقية بباب دكالة وجنان «سيدي بلعباس» الممتد على مساحة واسعة، إلى فضاء أخضر ومتنفس لساكنة المدينة بالنظر إلى ما تعانيه هذه المنطقة من اختناقات مرورية وتلوث الهواء، فإن المجلس الحالي الذي يرأسه حزب العدالة والتنمية أصر على إعدام هذا المشروع الأخضر وقرر تفويت هذا العقار.
وكانت العديد من الهيئات الحقوقية والسياسية بالمدينة قد نددت بعملية تفويت هذا العقار الواقع بمنطقة استراتيجية في قلب المدينة، وذلك بعدما كشفت «الأخبار» الخروقات التي شابت الإعلان عن عملية التفويت، والتي اعتمدت مقررا وكناش تحملات يعود إلى سنة 2006، رغم أن المجلس السابق أصدر مقررا آخر سنة 2010، ألغى بموجه قرار التفويت.
هذا، وبعد فضح هذا الخرق الواضح، اضطر العمدة إلى إصدار بيان أعلن فيه عن إلغاء عملية التفويت، بعدما «مسح» الخروقات التي رافقت الإعلان عن التفويت في رئيس قسم الممتلكات، الذي «لم ينتبه»، بحسب بيان العمدة، إلى فقرة في مقرر سابق صادر عن المجلس الجماعي سنة 2010، ألغت قرار التفويت: «كما لو أن هذا المقرر صادر في مجلد من مئات الصفحات، إذ أن المقرر كاملا لا يتجاوز صفحة واحدة، فكيف يمكن للمسؤولين أن يغفلوا عن سطر واحد أقر إلغاء التفويت؟» يقول المستشار الجماعي خليل بولحسن في تصريحه للموقع.
هذا، وأكد مصدر من المعارضة في تصريحه للجريدة، أنه سيتم التصدي لأي قرار يرمي إلى تفويت هذا العقار: «بالنظر إلى الحاجة الماسة إليه، ليكون متنفسا لساكنة المدينة العتيقة من جهة، وساكنة مناطق واسعة من مقاطعة جليز» يقول المستشار الجماعي محمد الحر عن فريق التجمع الوطني للأحرار في تصريحه للجريدة، مضيفا وهو يتساءل: «لم أفهم بعد سبب كل هذا الإصرار على بيع ممتلكات المدينة، بالرغم من أن بعض الجهات تروج لمعلومات تفيد أن المجلس في حاجة إلى السيولة المالية من أجل تمويل بعض المشاريع التي التزم بها في إطار المشروع الملكي مراكش: الحاضرة المتجددة» بحسب المتحدث، والذي أكد أن المجلس سبق وأن لجأ إلى طلب قرض بقيمة 90 مليار سنتيم: «فأين هي هذه الأموال؟، هل تم تحويلها إلى مشاريع أخرى بدل تلك التي صادق عليها المجلس والمتعلقة بالحاضرة المتجددة؟».
مدينة أكبر من عمدتها
راسل مستشاران جماعيان، من فريق حزب التجمع الوطني للأحرار، عمدة مراكش في شأن خلفيات الإعلان عن تفويت العقار المذكور دون عرضه على أنظار المجلس، وهي المراسلة التي لم يكلف العمدة نفسه عناء الرد عليها حتى الآن. كما أن خليل بولحسن، المستشار بفريق حزب العدالة والتنمية أكد لـ «الأخبار» في تعليق على بيان العمدة أنه لو تم التسليم بما قدمه العمدة من مبررات، فإن ذلك: «يكشف عن الارتجالية في التسيير، وانعدام المسؤولية والاستخفاف بعقول المستشارين ومعهم جميع المراكشيات والمراكشيين»، وأضاف بولحسن أن الأمر لا يتعلق بقرار بسيط: «بل بتفويت عقار تبلغ مساحته08 هكتارات في قلب المدينة، وتتجاوز قيمته المالية 60 مليار سنتيم، فهل مثل هذا القرار يمكن أن يجعل العمدة ومعه الفريق المسير وعشرات الأطر والموظفين يغفلون عن فقرة صغيرة واردة في المقرر الذي بموجبه تم التراجع عن عملية التفويت سنة 2010؟».
وأكد بولحسن أنه على العمدة أن يستقيل: «بعد هذه الفضيحة وفضائح أخرى سابقة والتي كشفت عن أن مدينة مراكش أكبر من العمدة وفريقه، كما أن هذا الخطأ الجسيم، الذي كان سيضر بمصالح الجماعة ماديا، وقد أضر بها الآن معنويا، وجب أن تطبق فيه المادة 64 من القانون التنظيمي، وبالتالي عزله».