يبدو أن زمن الوزراء الذين كانوا يمارسون «مهامهم» بدون حقائب قد ولى، خاصة وأن الدستور المغربي ربط المسؤولية بالمحاسبة، فبات من العبث محاسبة وزير بدون مهام محددة، بل والأكثر عبثا تعيينه وزيرا للدولة.
آخر من شغل هذا المنصب هو الوزير الراحل عبد الله بها، وكأن القدر شاء أن يموت المنصب بموت آخر من حمل صفته، لكن ليس الوزير «الشبح» وليد الحكومات الموسعة، بل إن هذه الحقيبة استحدثت منذ أول حكومة بعد الاستقلال، حين منحها على سبيل الترضية لكثير من السياسيين والمقربين أبرزهم أحمد العلوي وعبد الرحيم بوعبيد ومحمد اليازغي ومحمد بلحسن الوزاني، وعبد الهادي بوطالب، وأحمد رضا كديرة، وامحمد باحنيني، والمعطي بوعبيد، ومحمد أرسلان الجديدي، وأحمد بوستة، والمحجوبي أحرضان، وأحمد عصمان، وعباس الفاسي، وامحند العنصر، وصولا إلى عبد الله باها. علما أن الدستور المغربي ألغى الحقيبة الفارغة حين نص على الحكومة من رئيسها والوزراء، زيادة على كتاب للدولة.
يفرض المنطق محاسبة المسؤول عن كل قطاع، التزاما بقاعدة ربط المسؤولية بالمحاسبة التي ينص عليها الدستور. فلا يمكن أن تستقيم هذه القاعدة بدون وجود وزير يتحمل حقيبة وزارية ويلزم قانونيا بتدبيرها، لذا يبدو من المستحيل محاسبة وزير بدون حقيبة. ينص الفصل 87 من دستور 2011، على أن تتكون الحكومة من رئيس ووزراء، ويمكن أن تضم كتابا للدولة، وأمام وضوح النص الدستوري يصبح الاجتهاد بدعة.
يرى البعض أن المشكل يكمن في الوزراء أنفسهم الذين يقبلون لعب دور الوزير الشبح، الذي نادرا ما تطاله أسئلة البرلمانيين وانتقادات الصحافيين وحراك النقابيين، خاصة حين يتعلق الأمر بأسماء وازنة في عالم السياسة قبلت بحقيبة فارغة.
في هذا الملف نرصد كواليس تعيين وزراء بدون حقائب.
حين أطلق الاتحاديون على اليازغي لقب مول «الصاكادو»
ظل المقر المركزي لحزب الاتحاد الاشتراكي بحي الرياض بالعاصمة الرباط يهتز احتجاجا على الحصيلة من الحقائب التي ينالها حزب المهدي بن بركة، وظلت الاجتماعات تصب في محاكمة الكاتب العام على سوء تدبير المفاوضات مع رؤساء الحكومة، وهو ما يحصل اليوم للكاتب العام إدريس لشكر بسبب «الحقيبة اليتيمة». لكن أصعب المحاكمات طالت محمد اليازغي، بعيد مفاوضاته مع عباس الفاسي، الذي كان يختار تشكيلة وزراء حكومته، حيث حصل على حقيبة دون مهام وأصبح «وزير دولة». لم يتردد الاتحاديون في وصفها بـ «الصاكادو»، في إشارة إلى أنها حقيبة فارغة، لأنها بدون مهام ولا مسؤولية.
يعترف الاتحاديون في قرارات أنفسهم بأنهم خسروا القوات الشعبية حينما قبلوا بالمشاركة في حكومات إدريس جطو، التي لم تحترم المنهجية الديمقراطية حينما بوأت صناديق الاقتراع حزب المهدي وعمر الصف الأول، وهو خارج من تجربة التناوب التي قادها كاتبهم الأول عبد الرحمان اليوسفي، وخسروا أكثر حينما شاركوا في حكومة عباس الفاسي، لكن الخسارة الكبرى حدثت لأن الكاتب الأول للحزب وقتها محمد اليازغي، قبل أن يكون وزيرا بدون حقيبة.
لقد قبل اليازغي، الكاتب الأول للاتحاد، أن يعين وزير دولة في حكومة عباس الفاسي، مما يعني أنه اقتنع بأن يكون وزيرا بدون حقيبة. لذلك سيكون مصيره هو الإبعاد من مهامه على رأس حزب القوات الشعبية، بعد أن دفع لتقديم استقالته، ليفسح المجال لعبد الواحد الراضي، ما دفع الحزب إلى العيش على إيقاع التصدع والخلاف.
أربعة وزراء بدون حقائب في أول حكومة
هناك شبه إجماع على الصيغة التي ظلت توظف لاستقطاب زعيم سياسي لكسر شوكته، أو لإشراكه في تدبير الشأن العام والعمل على إخراجه من صفوف المعارضة، وتليين مواقفه ولسانه. فمنذ أول حكومة قادها امبارك البكاي، نكتشف كيف أن تجربة وزراء الدولة، أو وزراء بدون حقيبة، كانت حاضرة مع مطلع الاستقلال.
ففي أول حكومة ما بعد الاستقلال، التي قادها امبارك البكاي، انتهت التوافقات لكي تضم أربعة وزراء دولة دفعة واحدة، وهم الزعيم الاتحادي عبد الرحيم بوعبيد، قبل أن يتولى في حكومة عبد الله ابراهيم بعد ذلك، حقيبة الاقتصاد والمالية، وإدريس المحمدي، ومحمد الشرقاوي، وأحمد رضا اكديرة.
ويبدو أنه مع كل وزير بدون حقيبة، نكتشف كيف أن حكومة البكاي، ومن خلفها أرادت أن تسكت أصواتا مقلقة. فبوعبيد هو واحد ممن وقعوا على وثيقة المطالبة بالاستقلال، وأحد الذين ساهموا في المفاوضات التي انتهت إلى استقلال البلاد، بالإضافة إلى مسؤوليته الحزبية. لذلك كان ضروريا أن يكون ضمن التشكيلة الرسمية وإن كان بدون مهمة محددة. أما أحمد رضا اكديرة، فقد كان صوت الأمير مولاي الحسن في الحكومة، وهو الذي سيتحول حينما تولى الحسن الثاني الملك، إلى الرجل الثاني في النظام.
لقد اختارت الحكومات المغربية، منذ الاستقلال، أن تجرب صيغة وزراء الدولة، بنفس الطريقة التي كان عليها الأمر في التجربة الفرنسية، فمنذ القرن التاسع عشر، وبعودة الملكية إلى فرنسا، سيتم اللجوء إلى تعيين وزراء دولة ظلت مهامهم محددة في تسيير العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية.
في التجربة المغربية، كان وزراء الدولة في جل الحكومات التي تعاقبت على تسيير الشأن العام، حاضرين في مجالس الحكومة أو مجالس الوزراء، وكانوا دوما من المقربين للملك، الذي غالبا ما يكون وراء اختيارهم من الشخصيات التي لها تجربة، سواء أكانت سياسية أو تقنية. لذلك قد يتحولوا في بعض الأحيان إلى سفراء من درجة استثنائية ينقلون رسائل الملك إلى ملوك ورؤساء الدول، أو يشاركون في بعض التجمعات الإقليمية أو الدولية.
وعلى الرغم من كل هذه السلط الرمزية التي تعطى لوزير الدولة، إلا أنه يعيش بدون فريق عمل، ولا مقر للاشتغال، ولا ميزانية قارة توضع تحت تصرفه. لذلك كثيرا ما ظل تحت رحمة الوزير الأول في التجارب السابقة، واليوم هو تحت رحمة رئيس الوزراء.
عبد الرحيم بوعبيد.. وزير بدون حقيبة في أول حكومة
قبل أن يعين وزيرا للاقتصاد والمالية في حكومة عبد الله إبراهيم، التي تصنف على أنها أول حكومة وطنية بعيد الاستقلال، كان عبد الرحيم بوعبيد، أحد الذين وقعوا على وثيقة المطالبة بالاستقلال وأحد الذين فاوضوا من أجل أن ينال المغرب استقلاله، قد عين وزير دولة في حكومة البكاي.
لم يكن محمد الخامس، ومن خلف الستار ولي عهده الأمير مولاي الحسن، متحمسين ليشغل كبار حزب الاستقلال المناصب الحساسة في الدولة الخارجة للتو من الحجر والحماية. وظل الأمير يردد أن والده كاد يخسر عرشه حينما وضع يده في يد حزب الاستقلال، لذلك فحينما عاد محمد الخامس من منفاه، كان لا بد من تدبير المرحلة بالكثير من الدهاء، فبادر إلى تعيين عبد الرحيم بوعبيد، للترضية بالنظر للدور الذي لعبه في معركة المطالبة بالاستقلال.
لكن الزعيم الاستقلالي، الذي سيؤسس بعد ذلك الاتحاد الوطني، ظل يرفض أن تكون هذه الحقيبة الوزارية الفارغة هي كل ما سعى إليه بعد كل المعارك التي خاضها مع نظام الحكم، خصوصا على عهد الحسن الثاني، ولذلك سيعتبر تعيينه وزير دولة بدون حقيبة مجرد محطة فرضتها المرحلة، حيث كانت البلاد خارجة للتو من محنة الحماية، وهي في حاجة لجميع أبنائها لكي لا يفهم أن حزب الاستقلال دخل تسخينات المعارضة منذ أول أيام الاستقلال.
عبد الرحيم بوعبيد، الوزير بدون حقيبة في أول حكومة بعد الاستقلال، ووزير الاقتصاد والمالية في أول حكومة وطنية قادها عبد الله إبراهيم، هو الذي سيعترف له الملك محمد الخامس في إحدى خطبه بأنه «الوزير الوفي».
امحند العنصر.. جاهز للاستوزار بالحقيبة أو بدونها
تأبط امحند العنصر، الذي شغل منصب وزير الداخلية في حكومة عبد الإله بنكيران، الحقيبة الفارغة مرة واحدة، حينما اختير في تعديل حكومي على عهد حكومة عباس الفاسي، ولم يكن اختيار الأمين العام للحركة الشعبية إلا من أجل إخراج الحركة من صفوف المعارضة، وإشراكها في تدبير الشأن العام ولو بمناصب رمزية.
ظل امحند العنصر، يعتبر نفسه رجل سياسة مستعد للمشاركة في تدبير الشأن العام كلما تلقى الدعوة لذلك، لا تهمه الإيديولوجيات ولا الحسابات السياسية. إنه زعيم حزب يصنف نفسه في الوسط. لكنه يمكن أن ينتقل بدون حرج إلى صف اليمين، أو إلى صف اليسار، حسب درجة الرياح السياسية. ولذلك شارك في أكثر من حكومة، لأنه ظل يقول إنه لا يمكن أن يجد نفسه في المعارضة بأي شكل من الأشكال.
عاش العنصر تجربة وزير دولة في نفس الظروف التي عاشها الآخرون. لا مقر وزاري، ولا ميزانية ولا فريق عمل. وكل ما في الأمر أن الأمين العام لحزب الحركة الشعبية وزير ضمن وزراء حكومة عباس الفاسي، التي يجب أن يدافع عن اختياراتها.
لكنه عاد واحدا من دعامات حكومة يشغل بها منصب وزير الداخلية بل وقبل منصب وزير الرياضة دون أن تكون له علاقة بالرياضة والرياضيين. ولا غرابة أن العنصر ظل يقول دائما إن حزب الحركة الشعبية الذي تحمل باسمه أكثر من حقيبة وزارية منذ الثمانينيات، مستعد ليضع يده في يد من دعاه. لقد شكل قبيل آخر استحقاقات تجمع ما عرف بـ «جي 8» الذي رسم خطوطه العريضة حزب الأصالة والمعاصرة. لكنه حينما سطع سهم حزب العدالة والتنمية، الخصم اللدود للبام، ارتمى في حضنه وأبدى استعداده ليكون ضلعا من أضلع حكومته.
عباس الفاسي.. وزير بدون حقيبة حامل رسائل للرؤساء
في سنة 2002، كان المنطق الديمقراطي يفرض على الاتحاد الاشتراكي قيادة الحكومة، وكان لا بد أن يضع الاتحاد يده في يد رفيقه في الكتلة حزب الاستقلال. لكن المفاوضات انتهت إلى الباب المسدود، بعد أن طالب حزب الميزان بحقه في قيادة الحكومة قبل أن يعين الملك إدريس جطو وزيرا أول.
لم يكن أمام عباس الفاسي الغاضب، غير أن يعين هو الآخر وزير دولة، أي وزير بدون حقيبة. والحصيلة هي أنه سيكون بدون ميزانية ولا فريق عمل. ظل يحضر مجالس الحكومة والوزراء. وكان بين الفينة والأخرى يقوم ببعض المهام ذات الصبغة الدبلوماسية هنا وهناك. شغل عباس مهاما وزارية مؤثرة، فقد عين وزيرا أول، وقبل ذلك كان وزيرا للشغل والشؤون الاجتماعية..
وحينما جاء عبد الإله بنكيران إلى رئاسة الحكومة بعد الانتخابات التي منحت حزب العدالة والتنمية الصف الأول، تردد أن عباس الفاسي مستعد ليعود لنفس الحقيبة الفارغة، ويعين وزيرا للدولة مع هذه الحكومة الجديدة، باعتباره وقتها أمينا عاما لحزب الاستقلال، لكن بنكيران لم يكن متحمسا للأمر. وأراد أن تضم حكومته وزير دولة واحدا هو رفيقه في الدرب عبد الله باها.
أحمد رضا كديرة.. وزير لكل الحقائب الفارغة والمملوءة
تقلد أحمد رضا كديرة عدة مناصب وزارية، لكنه ظل صديقا للملك الراحل الحسن الثاني. وعاش معه تفاصيل انقلاب الصخيرات وكثيرا من الأحداث المفرحة والمحزنة، حتى وهو بدون حقيبة، فقد ترسخ في ذهن بقية الوزراء مستشارا خاصا للملك، وظل الرجل لاعبا أساسيا في التشكيلات الوزارية، كان أقرب الوزراء إلى الملك الحسن الثاني، لاسيما وأن علاقة كديرة بالملك الراحل تجاوزت حدود الحقائب الوزارية، حين أصبح مدير ديوان الملك ومستشاره الأقرب، بعد أن عركته التنقلات بين الوزارات ومسك الحقائب المملوءة والفارغة، فقد كان وزيرا لكل الوزارات، بدءا من الديوان الملكي إلى الأمانة العامة لحزب سياسي من أحزاب أنابيب السلطة، مرورا بوزارة الداخلية والخارجية والفلاحة والصناعة، ثم مديرا عاما للمكتب الشريف للفوسفاط، بل إن الرجل امتلك القدرة على تأسيس حزب أسماه الحزب الاشتراكي الديمقراطي، الذي عاش ليوم واحد فقط. بل عرفت عنه جرأته في إبداء آرائه في حضرة الملك الحسن الثاني، الذي قال عنه يوما: «كديرة يخطئ أحيانا وينسى أنني ملك البلاد ولم أعد وليا للعهد».
كان محمد رضا يملك قدرة على تطويع المشهد السياسي، بل إنه أعلن في عز الاحتقان السياسي يوم 20 مارس 1963، عن تأسيس جبهة المحافظة على المؤسسات الدستورية، أو ما يعرف بـ «الفديك»، من موقعه كمدير عام للديوان الملكي ووزير الداخلية والفلاحة.
لقد كان كديرة وزيرا بدون حقيبة، لكنه ظل يتحكم في أزرار السلطة، ففي جمع الفديك، حضر الوزراء والعمال وكبار موظفي الدولة، وكأنهم يبايعون الزعيم، ليس على زعامته الحزبية، بل لقربه من الملك.
بدأت عزلة الرجل في التسعينات، فقد كان اكديرة قد قرر التوقف نهائيا عن العمل، واعتزل كل شيء سنة 1993، عندما كان في صراعه مع المرض الخبيث، قبل أن يموت في شبه عزلة.
أحمد العلوي.. وزير الدولة ودولة الوزير
تصف كتابات التاريخ السياسي الحديث أحمد العلوي، بالوزير الدائم، فحين لا يجد له الملك قطاعا على مقاسه يضعه في خانة وزراء الدولة الذين لا حقائب لهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون، لقد ظل الرجل اسما مرعبا للوزراء والعمال، بعد أن استمد سلطته من قرابته «المهنية» وليست العائلية للأسرة الملكية، إذ كان مساعدا للملك الراحل محمد الخامس، وحين خلفه ولي عهده ظل أحمد محافظا على نفس الموقع ولم يتأثر بانتقال السلطة، إذ رسخ مكانته مع الحسن الثاني بقفشاته خلال جلساته الخاصة والعامة، لكن في مقابل القفشات يملك «مولاي أحمد» قناعا آخر بتقاسيم السلطة والقسوة والجبروت.
نادرا ما كان الملك الراحل يكلف العلوي بمهام رسمية خارجية، فقد كان يخشى أن يسيء الزعماء فهم خروجه عن النص، لذا حين يتحمل صفة وزير دولة بدون حقيبة يمارس كل الاختصاصات دون اعتبار للحدود بين القطاعات.
عايش العلوي الملوك الثلاثة، ذهب إلى فرنسا لدراسة الطب لكن السياسة استهوته، وحين عاد إلى المغرب تقلد العديد من المناصب الوزارية في مختلف الحكومات المتعاقبة، حتى تحول إلى مهاجم أساسي في التشكيلة الحكومية، فضلا عن منصبه كوزير دولة من بدون حقيبة، منذ سنة 1960، كما تجول في مختلف الوزارات وخبر تضاريسها، إذ عين وزيرا للأنباء والسياحة وأضيفت لاختصاصاته الفنون الجميلة، وظل وزيرا للدولة من غشت 1983 إلى غاية تسعينات القرن الماضي، ضمن الحكومة الثالثة والعشرين، ثلاث سنوات من «الشوماج» الوزاري المؤدى عنه. ويردد المقربون منه حكاية طريفة تعود لشهر ماي 1960، حين كان العلوي مكلفا بعرض أسماء الوزراء المرشحين لدخول الحكومة، ولما اكتشف أن اسمه غير موجود ضمن اللائحة، لم يتردد في إضافة اسمه إلى قائمة الاستوزار كوزير للإعلام، حينها انفجر الملك الحسن الثاني ضاحكا وقال له: «أنت أكبر من مجرد وزير».
مات أحمد العلوي في السابع من دجنبر 2003، بعد معاناة مع مرض أقعده وحوله إلى وزير بكرسي متحرك.
محمد بلحسن الوزاني يرمى الحقيبة في نيران الصراع مع الاستقلاليين
لم يدفئ محمد بلحسن الوزاني كرسي منصب وزير الدولة بدون حقيبة في سابع حكومة مغربية برئاسة الملك الراحل الحسن الثاني، إذ أعفي من مهامه في تعديل حكومي، بسبب تباين ثقافته وتصوراته مع علال الفاسي، إذ كان بلحسن مقلا في تحركاته بعيدا عن الأضواء، في ما يشبه الزهد السياسي، بل إن الملك كان يقدر حجم الخلاف بين الغريمين الفاسي، زعيم حزب الاستقلال، والوزاني، زعيم حزب الشورى والاستقلال، إذ أصر الملك لحظة الكشف عن التشكيلة الحكومية على أن يجلس علال الفاسي على اليمين ويسلمه وزارة الأوقاف وبلحسن الوزاني على اليسار ويسلمه وزارة الدولة بدون حقيبة، بالرغم من المجرى المذهبي الفاصل بين الرجلين، فالأول خريج جامع القرويين، متبحر في علوم الدين، ناظم للشعر، والثاني له تكوين قانوني متشبع بقيم الثقافة الغربية، فكان من المنطقي أن يحصل الصدام السياسي بين الزعيمين. وخلال فترة محمد بلحسن الوزاني بفرنسا، انعقد المؤتمر الوطني الأول لكتلة العمل الوطني سنة 1936 بشكل علني، وتم انتخاب علال الفاسي زعيما للحزب، وعند عودة الوزاني من فرنسا لم يقتنع بالتشكيلة التي أفرزتها نتائج المؤتمر أثناء غيابه، فغادر الكتلة بشكل نهائي وأسس سنة 1937 حزبا جديدا أسماه الحركة القومية، وتلك الشرارة الأولى لخلاف ساهم في نشر ثقافة العنف السياسي، بعد أن تعرض التنظيم لأبشع جريمة سياسية في ما بات يعرف بأحداث سوق أربعاء الغرب.
سأل الوزاني الملك الحسن الثاني عن مهام وزير الدولة، فرد عليه: «يمكنك أن تشافهني أو تكتب إلي في موضوع يتعلق بعقد قمة عربية، أو موضوع دولي مطروح على منظمة الأمم المتحدة، أو متعلق بحرب وشيكة الوقوع، أو مشكلة اقتصادية معقدة تتطلب الحل، كما يمكنك أن تتحدث إلي عن عواقب ارتفاع سعر اللحم أو سعر النعناع أو ما شابه ذلك. فوزير الدولة لا اختصاص له، بل له جميع الاختصاصات».. لكن الوزاني لم يبتلع أقراص الملك المهدئة، وقبل منصب وزير دولة على مضض، ثم غادره لأنه لم يكن يريد منصب وزير دولة، بل كان يفضل مهمة وزير خارجية.
عبد الهادي بوطالب.. وزير دولة يقود اجتماعات الحكومة بالنيابة
يروي بوطالب حكاية تعيينه وزيرا للدولة بدون حقيبة، ويستحضر حواره مع الملك الحسن الثاني وهو يشحنه بالنصح:
يا أستاذ عبد الهادي بوطالب، بالنسبة لوزارة الدولة لعلك ستكون غير مطمئن إليها وتعتبر أنها وزارة بدون محتوى
لا، جلالتكم أمرتم بذلك ولا يسعني إلا أن أَقبل.
في الحكومة الأولى التي أسستها عقب استلامي مقاليد العرش، عينت وزراء من مختلف الأحزاب وسميت زعيمكم السابق محمد بن الحسن الوزاني وزير دولة، وقلت له ماذا يعني عندي منصب وزير الدولة، إنه وزير في أعلى درجات الوزراء بدون حقيبة وزارية، لا يقضي يومه في حل مشاكل الإدارة والموظفين، لكنه ينقطع للاشتغال بالتصورات الكبرى لسير الدولة والتخطيط لسياستها العليا. ويستطيع أن يبعث لي كل يوم عشر مذكرات، تتضمن تصوراته عن الدولة وشؤون الحكم.
حين عين عبد الهادي في هذا المنصب، وكان محمد بنهيمة وزيرا أول، تلقى الثناء من الملك، وقال إن اختياره هو صعود في درجات الاستوزار، وتتويج لمسار سابق على رأس مجموعة من الوزارات، بينما دعاه الوزير الأول إلى الاهتمام بالقضايا الاقتصادية، ووعده برئاسة بعض اجتماعات مجلس الوزراء بالنيابة عنه. ظل بوطالب الرجل الثاني في تراتبية الوزراء، لكن بنهيمة سرعان ما سينتبه إلى وجود شخص يدير بشكل أفضل اجتماعات مجلس الحكومة أثناء غيابه فتسللت إلى علاقات الرجلين بوادر الخلاف.
عانى وزير الدولة من غياب وجود ميزانية خاصة لوزارته التي لا يعرف مقرها وموظفيها، وكان عليه انتظار الإفراج عن ميزانية استثنائية لتدبير الوضع، وحين وصلت الشكوى إلى الملك الحسن الثاني قرر اقتطاع ميزانية وزير الدولة من ميزانية الوزير الأول. مما رفع درجة الاستنفار عند الحدود السياسية بين بنهيمة وبوطالب وصلت إلى حد الجفاء. بينما ظل الملك الراحل يرسله في مهام خارجية حاملا رسائل إلى كثير من الزعماء العرب، وهو ما جعل بعض خصومه السياسيين يلقبونه بساعي بريد الحسن الثاني.
عبد الله باها.. ثاني اثنين إذ هما في غار الحكومة
اضطر الوزير الأول السابق عبد الإله بنكيران إلى تدبير منصب لرفيق دربه عبد الله باها، فاقترحه على الملك في منصب وزير دولة بدون حقيبة، وحين امتد إليه لسان عامل سيدي بنور أعفاه من مهامه، كان بنكيران يود لو أن باها عين نائبا له، لكن فقهاء القانون في القصر رفضوا الصيغة ونصحوه بصيغة قديمة عفا عنها الدستور. رغم أن البعض اقترح على بنكيران تعيين عبد الله كاتبا للدولة مادام الدستور ينص على إمكانية أن تضم الحكومة كتابا للدولة، إلا أن الإشكال يكمن في أن كاتب الدولة لا يحضر المجالس الوزارية. ولم يتردد رئيس الحكومة في الكشف عن صعوبات تعيين تشكيلته الحكومية، إذ قال في حق الأمين العام للحكومة، إنه الرجل الذي لم يعينه أحد ولم يعترض عنه أحد. وإذا كان الملك الراحل الحسن الثاني غالبا ما يسند للوزراء الذين تم استقطابهم من المعارضة مناصب وزراء دولة بدون حقائب، فإن بنكيران داس على هذا العرف وبحث عن وزير بلا حقيبة من محيطه الحزبي.
كان الراحل عبد الله باها وزيرا بدون حقيبة، واعتبر المستشار الأول لرئيس الوزراء، استنادا إلى قدرته على تدبير الاختلاف، بل إنه يشكل في تصورات حزب «المصباح» رجل التوازنات بتقدير جيد جدا، بل إنه رجل ثقة بنكيران الذي عايشه لفترة تتجاوز الثلاثة عقود من الزمن.
ومن النوادر المرتبطة بعلاقة الرجلين، أن باها وصل متأخرا لاجتماع كان يعقده رئيس الحكومة مع بعض الصحافيين، فوصف بنكيران علاقته بباها قائلا: «إننا بمثابة ثاني اثنين»، في إشارة إلى قصة أبي بكر الصديق مع الرسول الكريم في غار حراء، لكن باها رد على بنكيران بالقول: « ثاني اثنين إذ هما في الغار، أم في الحكومة؟»، فانفجر الحاضرون ضحكا.
أرسلان الجديدي.. نقابي يتحول إلى وزير دولة
لم يشغل مسؤول حكومي الرأي العام كما شغله محمد أرسلان الجديدي، سواء حين كان نقابيا أو برلمانيا أو أمينا عاما لحزب سياسي، أو وزيرا أو رئيسا للمجلس البلدي بالجديدة، لكن لا أحد يتحدث عن أرسلان المعلم، بل إن عددا من الناس ظلوا يعتقدون ان ابن الجديدة لا علاقة له بالتعليم، وينسجون حوله روايات تحتمل كثيرا من النقاش.
في عنفوان الشباب يحتضن الشاب أرسلان من طرف الاتحاد المغربي للشغل، النقابة التي كان يتزعمها المحجوب بن الصديق، ومع مرور الأيام اشتد عوده النقابي وراح يتزعم إضرابات صاخبة، أقلقت النظام، وهكذا سيعينه الراحل الحسن الثاني مندوبا ساميا للإنعاش الوطني، ثم فيما بعد وزيرا للشبيبة والرياضة في حكومة كان يقودها محمد كريم العمراني، ثم وزيرا للشغل والتكوين المهني.
دخل أرسلان الجديدي الحكومة من بوابة النقابة، فقد كان زعيما نقابيا قادرا على تعطيل سكة الفوسفاط بخطبة نارية، لكن دخوله لم يكن لمهمة تتعلق بالطاقة والمناجم، كما اعتقد وهو يقف في طابور بالقصر الملكي في انتظار التنصيب الرسمي، بل عهد إليه بالإشراف على وزارة الشغل والشؤون الاجتماعية والشبيبة والرياضة، في عهد حكومة الوزير الأول محمد كريم العمراني الانتقالية، التي لم يتجاوز عمرها سنة واحدة، وهي الحكومة التي دخلها كثير من معارضي النظام السياسيين والنقابيين، لكن أرسلان الجديدي سيغادر الوزارة في الحكومة الثانية لأحمد عصمان، وسيخلفه محمد العربي الخطابي في فترة ظهرت فيها طلائع إدريس البصري، رئيس قسم الولاة الذي انتقل إلى منصب كاتب دولة في الداخلية. عاد أرسلان من جديد لنفس منصبه القديم كوزير لقطاع التشغيل في حكومة الوزير الأول المعطي بوعبيد، لكن صفته السياسية كقيادي في المكتب التنفيذي للتجمع الوطني للأحرار هي التي قادته إلى الوزارة قبل أن يقود انفصالا عن الحزب.
تموقع النقابي على نحو جيد في حكومة تزامنت مع تطبيق سياسة التقويم الهيكلي، لكن آخر منصب سياسي سيناله الزعيم الدكالي، هو وزارة الدولة إلى جانب زعماء الأحزاب السياسية، في سياق شبه حكومة وحدة وطنية للسهر على «نزاهة الانتخابات».