بدأت تظهر خلافات داخل الحكومة حول كيفية التعامل مع المادة التاسعة من مشروع قانون المالية لسنة 2020، الموجود قيد الدراسة داخل لجنة المالية بمجلس النواب، ويظهر ذلك من خلال تضارب تصريحات الوزراء المعنيين بخصوص هذه المادة، التي تمنع المواطنين من الحجز على ممتلكات الدولة، بين مدافع عنها، ومطالب بحذفها وإدراجها ضمن تعديلات قانون المسطرة المدنية.
ففي اليوم نفسه الذي دافع وزير الاقتصاد والمالية، محمد بنشعبون، عن هذه المادة ضمن قانون المالية، أمام لجنة المالية أثناء رده على مداخلات الفرق البرلمانية، أعلن وزير العدل، محمد بنعبد القادر، في إطار تقديمه للميزانية الفرعية لوزارته أمام لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب، أنه سيحيل قريبا على مسطرة التشريع مشروع قانون لتعديل المسطرة المدنية يتضمن إجراءات وتدابير جديدة تعزز التوازن المطلوب بين الضرورة الدستورية لتنفيذ الأحكام القضائية في مواجهة أشخاص القانون العام، وبين المبدأ الدستوري الضامن لاستمرارية المرفق العام. وكشف بنعبد القادر أن المبلغ الإجمالي لتنفيذ الأحكام القضائية الصادرة ضد الدولة ومؤسساتها وإداراتها والجماعات الترابية، تجاوز مبلغ 157 مليار سنتيم، خلال الستة أشهر الأولى من سنة 2019.
وحسب المعطيات التي حصل عليها الموقع من مصادر حكومية، فسيتم نقل مقتضيات هذه المادة إلى قانون المسطرة المدنية بعد تعديله بمشروع قانون سيعرض على المجلس الحكومي، وشكل رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، لجنة برئاسة وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان والعلاقات مع البرلمان، مصطفى الرميد، لوضع اللمسات الأخيرة على مشروع قانون يتعلق بتعديل القسم التاسع من قانون المسطرة المدنية بإضافة باب متعلق بتنفيذ الأحكام القضائية الصادرة في مواجهة أشخاص القانون العام.
وتتضمن مسودة مشروع القانون مجموعة من المواد الجديدة تتطابق مع مضمون المادة التاسعة الواردة في مشروع قانون المالية، وورد في إحدى مواد المشروع أنه "يتعين على أشخاص القانون العام تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة في مواجهتهم متى كانت قابلة للتنفيذ ومذيلة بالصيغة التنفيذية"، وحدد مشروع القانون أشخاص القانون العام، في الدولة وإداراتها، والجماعات الترابية وهيئاتها ومجموعاتها ومؤسسات التعاون بين الجماعات، والمؤسسات العمومية الخاضعة لمبادئ وقواعد المحاسبة العمومية.
وتنص مسودة المشروع على أنه إذا تعلق التنفيذ بأداء مبلغ مالي، فإن الأمر بدفعه يجب أن يتم داخل أجل أقصاه 90 يوما من تاريخ انتهاء الأجل المحدد وفق مبادئ وقواعد المحاسبة العمومية، على أن يتم الأداء من المحاسب العمومي داخل الآجال المنصوص عليها بالأنظمة الجاري بها العمل، وفي حالة توفر الاعتمادات في الميزانية المالية الجارية، فإن التنفيذ يتم داخل أجل أقصاه ستة أشهر من تاريخ التأشير على الميزانية من طرف السلطة المختصة، إذا تعلق الأمر بالجماعات الترابية ومجموعاتها ومؤسسات التعاون بين الجماعات. وتنص مادة أخرى من مشروع القانون على أن الجماعات الترابية تعتبر ممتنعة عن التنفيذ في حالة رفض الآمر بالصرف المعني إصدار الأمر بأداء الدين موضوع التنفيذ عند توفر الاعتمادات بالميزانية المؤشر عليها من طرف السلطة المختصة، ويبلغ قاضي التنفيذ إلى والي الجهة أو عامل الإقليم نسخة من محضر الامتناع عن التنفيذ لاتخاذ الإجراءات ذات الصلة، المنصوص عليها في القوانين التنظيمية للجماعات الترابية.
وخلافا لذلك، تشبث بنشعبون بهذه المادة التاسعة في قانون المالية، وأكد، في رده على مداخلات الفرق البرلمانية، أثناء المناقشة العامة لمشروع القانون، أن الحكومة لا تنوي من خلال اقتراح هذه المادة لا خرق الدستور ولا إفراغ الأحكام القضائية من محتواها، وأوضح أن هدف الحكومة في إطار مشروع قانون المالية برمته هو توطيد ثقة المواطن في مؤسسات بلاده وليس العكس، وقال "نحن حريصون أشد الحرص على احترام الأحكام القضائية، وعلى التنفيذ السريع لهذه الأحكام حتى نثبت ثقة المواطن في قضاء بلاده، ولكن نحن حريصون في نفس الوقت على ضمان استمرار المرفق العام في أداء الخدمات المقدمة للمواطن بشكل خاص". وقدم بنشعبون بعض المعطيات المتعلقة بالحجز على ممتلكات الدولة، حيث بلغت الحجوزات على أموال الدولة خلال الثلاث سنوات الأخيرة عشرة ملايير درهم، معتبرا أن هذا الارتفاع الكبير من شأنه تهديد التوازنات المالية للدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية، إذا لم تتم برمجة كيفية تنفيذ تلك الأحكام بشكل يراعي إكراهات الميزانية العامة ومحدودية المداخيل، مشيرا إلى أن اقتراح منع الحجز على أموال أو ممتلكات الدولة لا يعتبر عاملا تفضيليا للدولة، بقدر ما هو إجراء لضمان استمرارية المرفق العام، علما أن منع الحجز يبقى مقيدا بمجموعة من الضوابط المنصوص عليها في المادة 9 من مشروع قانون المالية لسنة 2020 لضمان حق المتقاضين في الحصول على حقوقهم كاملة.