وضع مكتب الصرف مستخدمي ونشطاء موقع الفيديوهات (يوتوب) نصب أعين مراقبيه، بعد التزايد الهائل لصانعي المحتوى المصور في مواقع التواصل الاجتماعية التي يوجد على رأسها الموقع العالمي (يوتوب). وقد لفت هذا الارتفاع المتواصل لعدد «اليوتوبرز» مكتب الصرف، الذي شرع في الاشتغال على إلزام هؤلاء النشطاء بأداء الضريبة على المداخيل التي يجنونها بالعملة الصعبة من هذه المواقع، فبالتزامن مع ارتفاع عدد منتجي المحتوى على الأنترنيت وظهور موجة جديدة من «اليوتوبرز» من شباب وأطفال ونساء مغاربة اختاروا طريق الربح السريع من خلال إنتاج فيديوهات تستعرض الحياة الخاصة أو تصور لمقالب عائلية، وبعدما بات «يوتيوب» يعج بفيديوهات لشباب وشابات من المغرب، يبرزون مواهبهم في مختلف المجالات، من تقنيات التكنولوجيا الجديدة إلى الكوميديا والطبخ والعلوم، عاد معه اهتمام مكتب الصرف بملايين الدراهم من مداخيل بالعملة الصعبة، والتي تجنيها هذه الفئة بعيدا عن رقابة الضرائب.
شركات وأسعار
أكدت مصادر مالية ظهور المؤثرين ومستخدمي (اليوتوب) في السنوات الأخيرة، وتوجه عدد من هؤلاء النشطاء إلى تأسيس شركات خاصة بصناعة المحتوى والرفع من عدد المشاركات في (قنوات اليوتوب)، حيث باتت مداخيل تلك الشركات والمؤثرين تصل لدى البعض إلى 50 ألف درهم شهريا، وإن كانت الأسعار غير ثابتة لأنها تعتمد على العديد من المعطيات، بما في ذلك عدد المشتركين أو المتابعين، وسعر تكلفة الألف ظهور أو تكلفة النقرة، أصل مستخدمي الإنترنت (وطني أو دولي)، إذ إن طريقة تقدير ربح منتجي المحتوى في «يوتيوب» تتم وفق «سعر كل ألف ظهور»، وتعرف باختصار بـ»CPM»، ولا يتجاوز السعر 1.63 دولار عن كل ألف ظهور للإعلان على قناة «يوتيوب»، ما يجعل الفرق شاسعاً بين هامش ربح المغاربة والأجانب عبر «غوغل أدسنس»، وفي فرنسا يصل هذا الرقم إلى 4.19 دولارات، وألمانيا 4.28 دولارات.
على الرغم من الفارق الكبير في تسعيرة الإعلانات التي تضعها شركة (يوتوب) لمنتجي المحتوى المغاربة بالمقارنة مع نظرائهم في الدول الأوربية أو أمريكا الشمالية، إلى أن دخول مجال الاستثمار فمواقع التواصل الاجتماعية وبالأخص صناعة محتوى الفيديو، يعد استثمارا غير مكلف مع الانتشار الكبير للهواتف الذكية وارتفاع جودة كامراتها، بالإضافة إلى تحسن جودة شبكات الأنترنت وانخفاض أسعاره، وقالت المصادر إن مكتب الصرف باشر أولى الإجراءات لضبط مداخيل (اليوتوبرز)، حسب المصادر التي أشارت إلى أن المكتب وجه مراسلة إلى أولائك النشطاء، وفي الرسالة الموجهة إلى الأشخاص الطبيعيين الذين يقومون بتصدير الخدمات واستلام العملة بشكل غير رسمي، دعاهم المكتب فيها إلى تسوية وضعيتهم المالية.
تتبع لصرف العملات
أشار مكتب الصرف في رسالته التي وجهها إلى «نشطاء يوتوب» إلى أنه «يقوم عادةً بفحص منتظم لمنظمي صرف العملات الأجنبية، سواء كانوا أشخاصًا طبيعيين أواعتباريين، من أجل التحقق من الامتثال لأنظمة الصرف المعمول بها، والعمليات التي يقومون بها (استيراد السلع والخدمات، الصادرات السلع والخدمات، والاستثمارات،...)، ونشاطه هذا يدخل في ضبط تلك العمليات»، وجاء في رسالة مكتب الصرف أيضا أن «المعلومات الموجودة بحوزة المكتب بين عامي 2016 و2018، قامت بتنفيذ عمليات تصدير للخدمات دون أن ترسل إلى الهيئة التقارير ذات الصلة وفقًا لأحكام التعليمات العامة لمعاملات الصرف الأجنبي»، ودعا المكتب عددا من منتجي محتوى الفيديو إلى التصريح بالإيرادات المحصلة بين عامي 2016 و 2018، معتبرا أن ما يقدمه هؤلاء «اليوتويرز» يدخل في خانة ترحيل الخدمات.
المصادر المالية أكدت أن المكتب باشر التدقيق أيضا في أولئك الذين لا يعلنون عن مداخيلهم من «يوتوب» من أشخاص ماديين جهلاً أو طوعياً، مشيرة إلى أن المكتب بدأ أيضا بمراسلة أولئك الذين هم في وضع غير قانوني للامتثال، كما حدد أجل شهر واحد كحد أقصى للتصريح بمداخيلهم، ملزما تقديم عدد من المعطيات من بينها تقرير عن صادرات الخدمات التي تم تنفيذها للأعوام 2016 و 2017 و 2018، بالإضافة إلى إيضاحات ومبررات ذات معنى لطبيعة معاملات تصدير الخدمات، حيث يستعد المكتب أيضا وقف المصادر إلى مراسلة الشركات العالمية للحصول على بعض البيانات بخصوص طبيعة عمل منتجي المحتوى المغاربة.
خدمات تحت عين «الرادار الضريبي»
إذا كانت الطبيعة الدولية للمعاملة تحت رقابة مكتب الصرف بالتعاون مع تلك الشركات، فإن خطوات الرقابة التي يستعد مكتب الصرف لاتخاذها لا تقتصر فقط على الخدمات المصدرة في علاقة منتجي المحتوى المغاربة مع الشركات الأجنبية، ولكن أيضًا بالخدمات المقدمة على المستوى الوطني والتي بدورها لا يرصدها «الرادار الضريبي». وهي المعاملات المالية للمؤثرين الذين يحصلون على تعويض كبير مقابل الترويج للمنتجات أو العلامات التجارية، وهو ما بات يعرف بـ «إشهارات الأنترنت»، والتي ترتكز أساسا على مستوى تأثير الشخص على جمهوره، بما يشكل نمطا جديدا من أشكال الإعلانات المقنعة التي تتنافس مع قنوات الاتصال التقليدية في ما يشبه (السوق السوداء) بين المعلنين والمؤثرين، إذ لا توجد بيانات عن حجم الأعمال الناتجة عن هذا النشاط، حيث إن الغالبية العظمى، إن لم تكن كلها، لا تعلن عن دخلها.
ويصنف مكتب الصرف أنشطة «اليوتوبرز» المغاربة في خانة قطاع ترحيل الخدمات، غير أن الإشكال الذي وجب ضبط القطاع هو كونه غير منظم في إطار شركات وأشخاص معنوية، بقدر ما ينحصر أكثر من 90 في المائة من نشاط صناع المحتوى المغاربة على العمل الفردي والشخصي، وهو الأمر الذي يجعل ضبط مداخيلهم مهمة صعبة، علما أن عددا من الشركات الوطنية تعتمد على هذه الفئة في الإشهارات التي تؤدي أتعابها لها نقدا بعيدا عن أعين الضرائب أو من خلال المنتجات الخاصة التي يصنعها المستشهرون والتي يعيد «اليوتوبرز» بيعها لاستخلاص قيمتها أو استعمالها بشكل شخصي، أما بخصوص منتجي المحتوى الذين نظموا نشاطهم في إطار شركات وأغلبهم اختار «شركات الإنتاج»، فإنها تستفيد من امتيازات ضريبية سطرها القانون العام للضرائب من خلال الإعفاء التام من الضريبة على الدخل خلال السنوات الخمس الأولى، ثم تخفيض بنسبة 80 بالمائة على المداخيل المهنية الإجمالية الخاضعة للضريبة خلال السنوات العشرين التالية؛ والإعفاء التام من الضريبة على الشركات خلال السنوات الخمس الأولى، ثم فرضها بنسبة 8.75 بالمائة خلال السنوات العشرين التالية ؛ والإعفاء التام من الضريبة المهنية خلال 15 سنة ومن الضريبة الحضرية كذلك والإعفاء من المساهمة في التضامن الوطني.