أثارت المادة التاسعة من قانون المالية لسنة 2020، الكثير من الجدل والنقاش القانوني، لأنها جاءت بمقتضيات تمنع الحجز على ممتلكات وأموال الدولة والجماعات الترابية لتنفيذ الأحكام القضائية، وذلك بعدما بلغت الحجوزات على أموال الدولة خلال الثلاث سنوات الأخيرة ما يقارب 10 ملايير درهم، وتبين أن وزراء حطموا الرقم القياسي في الأحكام القضائية الصادرة ضدهم، وبلغ المعدل السنوي لعدد الدعاوى المرفوعة ضد الدولة ما يناهز 30 ألف قضية، وأن ما يناهز نصف الدعاوى المرفوعة ضد الدولة يتعلق بالطعن بالإلغاء وبالاعتداء المادي، نتيجة للجوء بعض الإدارات إلى وضع يدها على عقارات مملوكة للغير من أجل إقامة مشاريع معينة، دون سلوك مسطرة الاقتناء بالمراضاة أو مسطرة نزع الملكية
تطرق الخطاب الذي ألقاه الملك محمد السادس، يوم الجمعة 14 أكتوبر 2016، في افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الأولى من الولاية التشريعية العاشرة، إلى إشكالية تنفيذ الأحكام القضائية، حيث جاء في نص الخطاب «المواطن يشتكي بكثرة، من طول وتعقيد المساطر القضائية، ومن عدم تنفيذ الأحكام، وخاصة في مواجهة الإدارة، فمن غير المفهوم أن تسلب الإدارة للمواطن حقوقه، وهي التي يجب أن تصونها وتدافع عنها»، وتحدث عن وجود العديد من المواطنين يشتكون من قضايا نزع الملكية، لأن الدولة لم تقم بتعويضهم عن أملاكهم، أو لتأخير عملية التعويض لسنوات طويلة تضر بمصالحهم، أو لأن مبلغ التعويض أقل من ثمن البيع المعمول به، وغيرها من الأسباب، وأشار إلى أن نزع الملكية يجب أن يتم لضرورة المصلحة العامة القصوى، وأن يتم التعويض طبقا للأسعار المعمول بها، في نفس تاريخ القيام بهذه العملية مع تبسيط مساطر الحصول عليه.
إصلاح مسطرة نزع الملكية
تنفيذا للتوجيهات الملكية الواردة في الخطاب الملكي، بخصوص معاناة المواطنين مع المشاكل المرتبطة بنزع الملكية من أجل المنفعة العامة، شرعت الوزارة المكلفة بالوظيفة العمومية وإصلاح الإدارة، في الاشتغال على مشروع تبسيط مسطرة نزع الملكية لأجل المنفعة العامة، وأعدت الدليل العملي لهذه المسطرة، وخدمة الحصول على التعويض، إضافة إلى مصفوفة الاقتراحات التبسيطية، وتم لهذا الغرض تشكيل لجنة مكونة من كل القطاعات ذات الصلة المباشرة بالمسطرة، لدراسة وتحليل المسطرة واقتراح الحلول المناسبة لتجاوز كافة التعقيدات التي تعرفها، مضيفا أنه تم إنجاز الدليل العملي للمسطرة وفق القانون الخاص بالإدارات العمومية، التي يخول لها القانون حق نزع الملكية لأجل المنفعة العامة، واعتمادا على منهجية دقيقة وعلى تصور علمي يجمع بين النص والرسوم التوضيحية لمختلف مراحل المسطرة، ويهدف هذا الدليل إلى توحيد عمل الإدارات، وذلك باعتماد التطبيقات السليمة والإيجابية للقطاعات الممثلة في اللجنة، والتأليف بينها للخروج بدليل عملي بمثابة البوصلة التي توجه عمل الإدارات نحو تطبيق سليم لمسطرة نزع الملكية لأجل المنفعة العامة، بشكل يؤدي إلى تحقيق النجاعة المطلوبة وضمان حقوق مختلف الأطراف.
ورغم وجود الإطار القانوني المنظم لمسطرة نزع الملكية لأجل المنفعة العامة، فإن تفعيلها يختلف على أرض الواقع من قطاع إداري إلى آخر، باختلاف نوع وحجم المشاريع المراد إنجازها وتنوع الإكراهات التي يعرفها كل قطاع على حدة. وأسفرت أشغال اللجنة، أيضا عن إحداث خدمة حصول المواطن على التعويض عن نزع الملكية لأجل المنفعة العامة، تتمثل في وثيقة تهدف إلى تحسيس وتعريف المواطن بمسطرة نزع الملكية، وبيان كيفية الحصول على التعويض في إطار المقتضيات القانونية والتنظيمية الجاري بها العمل، وتتكون هذه الوثيقة من شقين أساسيين، الأول عبارة عن شرح بسيط ومفصل لمسطرة نزع الملكية لأجل المنفعة العامة، يهدف إلى دعم شفافية المسطرة ويمكن المواطن من فهم وتتبع مآل كل مراحلها، والثاني يسرد جملة من الإجراءات والوثائق التي تعنى بحصول المواطن على التعويضات عن نزع ملكيته.
ومن بين مستجدات تدوين وتبسيط مسطرة نزع الملكية من أجل المنفعة العامة، مصفوفة الاقتراحات التبسيطية، وهي وثيقة تحدد مكامن تعقيد المسطرة وتقترح الحلول المناسبة لتجاوزها، وتتضمن مجموعة من المقترحات والإجراءات التبسيطية المفصلة تبعا لكل مراحل المسطرة، وكذا وسائل تنفيذها على أرض الواقع، وذلك بهدف تقليص آجال مسطرة نزع الملكية لأجل المنفعة العامة، والسعي إلى حصول المواطن على تعويضاته المستحقة والمعقولة في أقصر أجل ممكن. ويهدف هذا المشروع إلى وضع المواطن في صلب اهتمامات الإدارة عند القيام بنزع الملكية لأجل المنفعة العامة، ودعم شفافية المسطرة، وتمكين المواطن من تتبع مآل مختلف مراحلها، واقتراح الإجراءات التبسيطية الرامية إلى تقليص آجال تنفيذ مسطرة التعويض عن نزع الملكية.
منع حجز ممتلكات الدولة
وخلافا لما ورد في الخطاب الملكي، يتضمن قانون المالية لسنة 2020، مادة أثارت الكثير من النقاش والجدل، ويتعلق الأمر بالمادة التاسعة، التي تنص في صيغتها الجديدة التي صادق عليها مجلس النواب، على أنه يتعين على الدائنين الحاملين لسندات أو أحكام قضائية تنفيذية نهائية ضد الدولة ألا يطالبوا بالأداء إلا أمام مصالح الآمر بالصرف للإدارة العمومية أو الجماعات الترابية المعنية، وتضيف المادة نفسها «وفي حالة صدور قرار قضائي قابل للتنفيذ، يدين الدولة أو جماعة ترابية بأداء مبلغ معين، يتعين الأمر بصرفه داخل أجل أقصاه 90 يوما، ابتداء من تاريخ الإعذار بالتنفيذ في حدود الاعتمادات المالية المفتوحة بالميزانية لهذا الغرض، وفق مبادئ وقواعد المحاسبة العمومية، وإلا يتم الأداء تلقائيا من طرف المحاسب العمومي داخل الآجال المنصوص عليها بالأنظمة الجاري بها العمل، في حالة تقاعس الآمر بالصرف عن الأداء، بمجرد انصرام الأجل المشار إليه أعلاه». وتضيف المادة المعدلة «وإذا أدرجت النفقة في اعتمادات تبين أنها غير كافية، يتم عندئذ تنفيذ الحكم القضائي عبر الأمر بصرف المبلغ المعين في حدود الاعتمادات المتوفرة بالميزانية، على أن يقوم الآمر بالصرف باتخاذ كل التدابير الضرورية لتوفير الاعتمادات اللازمة لأداء المبلغ المتبقى من ميزانيات السنوات اللاحقة، وذلك داخل أجل أقصاه أربع سنوات، وفق الشروط المشار إليها أعلاه دون أن تخضع أموال وممتلكات الدولة والجماعات الترابية للحجز لهذه الغاية».
وأوضح محمد بنشعبون، وزير الاقتصاد والمالية، أن هذا تعديل يوازن بين الحفاظ على حقوق المواطنين واستمرارية المرفق العام، من خلال تقييد منع الحجز على أموال وممتلكات الدولة بمجموعة من الضوابط، التي تضمن تنفيذ الأحكام القضائية عبر توفير الاعتمادات المالية الضرورية في آجال محددة. وأشار بنشعبون إلى تدعيم مقتضيات هذه المادة بتدبير جديد يمنع على الآمرين بالصرف أو من يقوم مقامهم الالتزام بأي نفقة أو إصدار الأمر بتنفيذها، في إطار الاعتمادات المفتوحة بالميزانية العامة، لإنجاز مشاريع استثمارية على العقارات أو الحقوق العينية بالاعتداء المادي ودون استيفاء المسطرة القانونية لنزع الملكية لأجل المنفعة العامة بالاحتلال المؤقت، وهذا تدبير هام سيمكن من تفادي الاعتداء المادي على عقارات الغير، دون سلوك المساطر القانونية لنزع الملكية، ودون توفر الاعتمادات المادية الضرورية لذلك. وعبر الوزير عن متمنياته بأن تتوافق مكونات مجلس المستشارين كذلك على الصيغة التي تم اعتمادها للمادة التاسعة، وذلك من منطلق المصلحة العامة التي تأخذ بعين الاعتبار ضرورة الحفاظ على التوازنات المالية للدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية، مشيرا إلى أن الحجوزات على أموال الدولة بلغت خلال الثلاث سنوات الأخيرة ما يقارب 10 ملايير درهم، وقال في هذا الصدد: «فكما أن الحكومة مسؤولة عن هذه التوازنات، فأنتم كذلك مسؤولون عنها بموجب الفصل 77 من الدستور».
وأكد الوزير أن الحكومة لا تنوي من خلال اقتراح هذه المادة لا خرق الدستور ولا إفراغ الأحكام القضائية من محتواها، وأوضح أن هدف الحكومة في إطار مشروع قانون المالية برمته، هو توطيد ثقة المواطن في مؤسسات بلاده وليس العكس، وقال: «نحن حريصون أشد الحرص على احترام الأحكام القضائية، وعلى التنفيذ السريع لهذه الأحكام حتى نثبت ثقة المواطن في قضاء بلاده، ولكن نحن حريصون في الوقت نفسه على ضمان استمرار المرفق العام في أداء الخدمات المقدمة للمواطن بشكل خاص، ولا يمكن أن يتأتى ذلك إلى بتحصين الأموال المرصودة لتسييرها من الحجز، مع إيجاد وسائل بديلة تضمن إلزامية تنفيذ الحكم القضائي في مواجهة الدولة»، مشيرا إلى أن اقتراح منع الحجز على أموال أو ممتلكات الدولة، لا يعتبر عاملا تفضيليا للدولة، بقدر ما هو إجراء لضمان استمرارية المرفق العام، علما أن منع الحجز يبقى مقيدا بمجموعة من الضوابط المنصوص عليها في المادة 9 من مشروع قانون المالية لسنة 2020 في صيغتها المعدلة، لضمان حق المتقاضين في الحصول على حقوقهم كاملة، من خلال إرساء مساطر مبسطة وتحديد آجال مضبوطة لتنفيذ الأحكام الصادرة ضد الدولة.
تنفيذ الأحكام القضائية
وبالتزامن مع مناقشة قانون المالية بالبرلمان، شكلت لجنة برئاسة مصطفى الرميد، وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان والعلاقات مع البرلمان، وتضم في عضويتها محمد بنشعبون، وزير الاقتصاد والمالية، ومحمد بنعبد القادر، وزير العدل،
ومصطفى فارس، رئيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية، والوكيل القضائي للمملكة، ورئيس المحكمة الإدارية بالرباط، ورئيس محكمة الاستئناف. وعقدت اللجنة اجتماعا بمقر رئاسة الحكومة، لوضع اللمسات الأخيرة على مشروع قانون يتعلق بتعديل القسم التاسع من قانون المسطرة المدنية بإضافة باب متعلق بتنفيذ الأحكام القضائية الصادرة في مواجهة أشخاص القانون العام.
وتتضمن مسودة مشروع القانون، التي اطلعت عليها «الأخبار»، مجموعة من المواد الجديدة تتطابق مع مضمون المادة التاسعة الواردة في مشروع قانون المالية، وورد في إحدى مواد المشروع أنه «يتعين على أشخاص القانون العام تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة في مواجهتهم، متى كانت قابلة للتنفيذ ومذيلة بالصيغة التنفيذية»، وحدد مشروع القانون أشخاص القانون العام، في الدولة وإداراتها، والجماعات الترابية وهيئاتها ومجموعاتها ومؤسسات التعاون بين الجماعات، والمؤسسات العمومية الخاضعة لمبادئ وقواعد المحاسبة العمومية. وتنص مسودة المشروع على أنه إذا تعلق التنفيذ بأداء مبلغ مالي، فإن الأمر بدفعه يجب أن يتم داخل أجل أقصاه 90 يوما من تاريخ انتهاء الأجل المحدد وفق مبادئ وقواعد المحاسبة العمومية، على أن يتم الأداء من المحاسب العمومي داخل الآجال المنصوص عليها بالأنظمة الجاري بها العمل، وفي حالة توفر الاعتمادات في الميزانية المالية الجارية، فإن التنفيذ يتم داخل أجل أقصاه ستة أشهر من تاريخ التأشير على الميزانية من طرف السلطة المختصة، إذا تعلق الأمر بالجماعات الترابية ومجموعاتها ومؤسسات التعاون بين الجماعات. وتنص مادة أخرى من مشروع القانون على أن الجماعات الترابية تعتبر ممتنعة عن التنفيذ، في حالة رفض الآمر بالصرف المعني إصدار الأمر بأداء الدين موضوع التنفيذ عند توفر الاعتمادات بالميزانية المؤشر عليها من طرف السلطة المختصة، ويبلغ قاضي التنفيذ إلى والي الجهة أو عامل الإقليم نسخة من محضر الامتناع عن التنفيذ لاتخاذ الإجراءات ذات الصلة، المنصوص عليها في القوانين التنظيمية للجماعات الترابية.
والتزم بنشعبون أمام مجلس المستشارين، باتخاذ كافة الإجراءات التي تضمن التنفيذ السريع للأحكام القضائية، وتمنع الاعتداء المادي على عقارات الغير دون سلوك المساطر القانونية لنزع الملكية، وتمكن المقاولات من الحصول على مستحقاتها. وأعلن الوزير، في معرض جوابه على تدخلات الفرق والمجموعات بمجلس المستشارين خلال المناقشة العامة لمشروع قانون المالية لسنة 2020، أن من الإجراءات التي سيتم اتخاذها بهذا الشأن، وبشكل سريع، تعديل مرسوم الصفقات العمومية من خلال إدراج مقتضى هام ينص على تحديد أجل أربع سنوات بالنسبة إلى الآمرين بالصرف، لأداء المبالغ موضوع حكم قضائي نهائي قابل للتنفيذ لفائدة المقاولات التنافسية، في إطار الصفقات العمومية الخاصة بالدولة والجماعات الترابية والمؤسسات العمومية.
ومن ضمن الإجراءات التي سيتم اتخاذها، حسب الوزير، تنفيذ كل الأحكام القضائية الصادرة ضد الدولة التي تقل مبالغها عن 1 مليون درهم سنة 2020، وإحداث وحدة خاصة داخل وزارة الاقتصاد والمالية، يعهد إليها بتتبع الأحكام الصادرة ضد الدولة والسهر على تنفيذها، وفق الآجال التي تم تحديدها في المادة 9 من مشروع قانون المالية. وشدد على أن كل الآمرين بالصرف، سواء على مستوى الدولة أو الجماعات الترابية أو المؤسسات والمقاولات العمومية، مسؤولون عن تنفيذ الأحكام القضائية وعلى توفير الاعتمادات الضرورية لذلك، وأن هذه المسؤولية هي ملزمة لهم بموجب القانون، مبرزا أن كل التدابير المعلنة عنها والتي يلتزم بتفعيلها لضمان تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة ضد الدولة، تعبر عن احترام للمقررات القضائية والحرص الشديد على ضمان حقوق المواطنين، وخلص إلى أن هناك حرصا على احترام الأحكام القضائية وعلى التنفيذ السريع لهذه الأحكام، حتى تثبت ثقة المواطن في قضاء بلاده، فضلا عن الحرص على تنزيل مقتضيات الدستور وتفعيل التوجيهات الملكية السامية بهذا الخصوص.
وزراء يستنزفون ميزانية الدولة بالأحكام القضائية
تزامنا مع الجدل القانوني الذي أثارته المادة التاسعة من مشروع قانون المالية لسنة 2020، التي تمنع الحجز على أموال وممتلكات الدولة لتنفيذ الأحكام القضائية النهائية، كشفت وثائق يتوفر عليها "تيلي ماروك"، أنه بالنسبة لتنفيذ الأحكام القضائية والقرارات القضائية الصادرة في مواجهة وزارة التجهيز والنقل، فقد عرفت هذه السنة على غرار السنوات السابقة الحجز على اعتماداتها المالية بين يدي الخازن الوزاري المعتمد لديها، في إطار مسطرة الحجز ما للمدين لدى الغير التي تمت مباشرتها على الخصوص من طرف المحكمة الإدارية بالرباط، حيث بلغ المبلغ المحجوز عليه إلى حدود الآن، حوالي 273 مليون درهم تنفيذا لـ 195 حكما قضائيا، بالإضافة إلى 168 حكما قضائيا نفذتها الوزارة بشكل تلقائي، بمبلغ مالي قدره 13 مليار سنتيم، لتصل مجموع المبالغ إلى 40 مليار سنتيم. وكشفت المصادر ذاتها، أنه خلال السنة الحالية، قامت الوزارة بتفويض اعتمادات مالية بلغت حوالي 135 مليون درهم للمصالح الترابية للوزارة، من أجل تنفيذ الأحكام والقرارات القضائية على الصعيد المحلي.
وحسب وثائق الوزارة، فقد مكنت هذه العملية من تصفية تقريبا جل الأحكام القضائية المتراكمة منذ سنوات، بحيث أصبحت الوزارة تنفذ حاليا الأحكام والقرارات القضائية الصادرة خلال سنة 2017 وما يليها، بما فيها الأحكام الصادرة خلال سنة 2019، ورغم الاعتمادات المخصصة لتعزيز القدرات في مجال الدفاع وتتبع القضايا والوقاية من المنازعات، فإن الوزارة خسرت خلال الولاية الحكومية السابقة والحالية، العديد من الدعاوى القضائية، حيث يستعين وزراء «البيجيدي» الذين يتحملون مسؤولية القطاع من 2012، بمحامين ينتمون إلى نفس الحزب، وقد بلغ عدد الأحكام القضائية التي خسرتها الوزارة ما بين 2012 ونهاية شهر شتنبر 2019، وهي الفترة التي تحمل فيها مسؤولية تدبير القطاع، الوزير السابق، عزيز رباح، والوزير الحالي، عبد القادر اعمارة، وكلاهما من حزب العدالة والتنمية، (بلغ) ما مجموعه 2610 حكما أو قرارا قضائيا بمبلغ إجمالي يصل إلى حوالي 470 مليار سنتيم، وبلغ عدد الأحكام المنفذة عن طريق مسطرة الحجز خلال سنة 2015، 14 حكما، بمبلغ يقدر بأزيد من 91 مليون درهم، وارتفع عدد الأحكام المنفذة بمسطرة الحجز خلال سنة 2016، ليصل إلى 665 حكما، بمبالغ مالية تفوق 187 مليار سنتيم، فيما بلغ مجموع الأحكام خلال سنة 2017 ما مجموعه 446 حكما، بمبالغ تقدر بحوالي 679 مليون درهم، ووصل عدد الأحكام المنفذة بالحجز خلال السنة الماضية، 719 حكما، مقابل 385 حكما نفذتها الوزارة عن طريق التنفيذ التلقائي، بمبلغ إجمالي تجاوز 136 مليار سنتيم.
وأصدر المجلس الأعلى للحسابات تقريرا حول تقييم تدبير المنازعات القضائية للدولة، وقد خلُص التقرير إلى أن المعدل السنوي لعدد الدعاوى المرفوعة ضد الدولة يناهز 30 ألف قضية، وأن ما يناهز نصف الدعاوى المرفوعة ضد الدولة يتعلق بالطعن بالإلغاء وبالاعتداء المادي، نتيجة للجوء بعض الإدارات إلى وضع يدها على عقارات مملوكة للغير من أجل إقامة مشاريع معينة، دون سلوك مسطرة الاقتناء بالمراضاة أو مسطرة نزع الملكية. وقد وصلت المبالغ المحكوم بها من طرف محاكم المملكة على الدولة، خلال الفترة من 2006 إلى 2013 ، في ما يخص الاعتداء المادي، إلى ما يقارب 4,5 مليارات درهم تخص أساسا قطاعات التربية الوطنية والتجهيز والنقل والداخلية.
ومن أهم الخلاصات التي وقف عليها التقرير أيضا، غياب استراتيجية لتدبير منازعات الدولة على مستوياتها الأساسية، وهي الوقاية من المنازعات والحلول البديلة لفض المنازعات وتدبير المنازعات القضائية، وسجل التقرير من خلال الاطلاع على الإحصائيات المتعلقة بالمنازعات القضائية للدولة، أن المعدل السنوي للقضايا المسجلة أمام المحاكم، يناهز 30 ألف قضية، مشيرا إلى أن الإحصائيات المتعلقة بمديرية أملاك الدولة والخزينة العامة للمملكة غير شاملة، حيث وقف المجلس على صعوبة حصر هاتين المديريتين لعدد الدعاوى القضائية التي تكونان فيها طرفا.
وأشار التقرير إلى أن منازعات الدولة، تتسم بالتنوع وتقوم الوكالة القضائية بالدفاع عن أغلب أنواع قضايا الدولة، باستثناء النزاعات التي تكون طرفا فيها مديرية أملاك الدولة والمديرية العامة للضرائب والإدارة العامة للجمارك والضرائب غير المباشرة والخزينة العامة للمملكة وهي نزاعات متعلقة بمجال اختصاص كل من هذه المديريات، مسجلا أن ما يناهز نصف الدعاوى المرفوعة ضد الدولة تتعلق بمسؤولية الدولة وبالطعن بالإلغاء، وبسبب غياب البرمجة والضبط الدقيقين لحاجيات الدولة للعقار، تلجأ الإدارة لوضع يدها على عقارات مملوكة للغير من أجل إقامة مشاريع عمومية، إلا أن وضع اليد هذا يتم في غالب الأحيان في غياب مسطرة الاقتناء بالمراضاة ودون سلوك مسطرة نزع الملكية المنصوص عليها قانونا، وهذا ما يعرف بالاعتداء المادي على الملكية العقارية، ويتسبب هذا السلوك في نشوب العديد من المنازعات القضائية التي تفضي إلى إثقال كاهل الخزينة جراء المبالغ المهمة التي يحكم بها ضد الدولة.
وخلال الفترة ما بين 2006 و2013، تم إصدار ما يزيد عن 10 آلاف حكم وقرار قضائي، بمبلغ 442 مليار سنتيم، وسجل التقرير أن مبالغ جد مهمة يتم الحكم بها في إطار الاعتداء المادي، حيث يفوق المعدل مبلغ 550 مليون درهم سنويا، أما القطاعات الوزارية المعنية بالنزاعات المترتبة عن الاعتداءات المادية، فهي وزارات التربية الوطنية والتجهيز والنقل والداخلية. وذكر التقرير أنه عدم احترام الإدارة لضوابط نزع الملكية، فإنه على الدولة حينها أداء تعويضين عن نفس العقار، التعويض الأول المتعلق بالأضرار اللاحقة بصاحب العقار جراء منعه من استغلاله، والتعويض الثاني المتعلق بقيمة ما تم الاستيلاء عليه من عقار في إطار القواعد «العامة» للتعويض وبدون التقيد بالمعايير والمزايا التي يخولها القانون للإدارة في إطار الفصل 20 من قانون نزع الملكية، وهكذا، فإن الدولة تتكبد في كل ملف اعتداء مادي خسارتين: الخسارة الأولى والمتمثلة في الفرق بين القيمة المعتمدة للتعويض عن الاستيلاء، المؤطرة بالقواعد العامة للتعويض، والقيمة التي كان من الممكن تطبيقها استفادة من المزايا التي يتيحها الفصل 20 من قانون نزع الملكية. والخسارة الثانية تتعلق بالتعويض عن الحرمان من الاستغلال ابتداء من تاريخ وضع اليد إلى تاريخ صدور الحكم.
ووقف التقرير من خلال تتبع تنفيذ الأحكام والقرارات الصادرة ضد الإدارات العمومية، أنه في الحالات التي تمتنع فيها الإدارة عن تنفيذ الأحكام لسبب من الأسباب، فإن طالبي التنفيذ يلجؤون إلى مباشرة إجراءات التنفيذ الزجري طبقا لمقتضيات قانون المسطرة المدنية عبر الحجز على حساباتها لدى المحاسبين العموميين، إلا أنه، ونظرا لكون هؤلاء المحاسبين لا يتوفرون على أموال في شكل حسابات جارية أو سيولة أو أصول يمكن التصرف فيها كما هو الحال بالنسبة للحسابات البنكية، وإنما يقومون بتدبير اعتمادات مالية مدرجة بالميزانية المعنية، فإنهم دأبوا على الإدلاء بتصريحات سلبية تفيد بعدم توفرهم على أموال قابلة للحجز، إلا أن هذا التصريح السلبي يتم اعتباره بمثابة امتناع الخزينة أو المحاسبين العموميين عن التنفيذ، وبالتالي يلجأ طالبو التنفيذ إلى تحريك إجراءات التنفيذ الجبري في مواجهة الخزينة.
الأحكام القضائية ضد الدولة تكبد خزينة الدولة 950 مليارا
كشفت إحصائيات رسمية صادرة عن وزارة العدل، أن الأحكام القضائية الصادرة ضد الدولة والمؤسسات العمومية، كبدت خزينة المال العام ما يزيد عن 950 مليار سنتيم، خلال ثلاث سنوات الأخيرة، بمعدل 300 مليار سنتيم سنويا.
وأوضحت مصادر من الوزارة، أنه بفضل التدابير والإجراءات التي اتخذتها وزارة العدل، فقد كانت سنة 2018 كانت سنة مميزة في مجال التنفيذ، وعرفت استمرارية في النتائج الإيجابية التي تم تحقيقها سنة 2017، سواء في مجال التنفيذ المدني أو في مجال تحصيل الغرامات والإدانات النقدية، وحسب إحصائيات تتعلق بسنة 2018، فقد بلغت نسبة المنفذ من المسجل بالمحاكم الابتدائية 107,93 في المائة، حيث بلغ عدد الملفات المنفذة 200.040 ملفا، وبلغت نسبة المنفذ من المسجل بالمحاكم التجارية 99,69 في المائة، بمجموع 44.776 ملفا منفذا، وبلغت نسبة المنفذ من المسجل بالمحاكم الإدارية 98,21 في المائة بمجموع 7175 ملفا منفذا، وهي نسبة جد مهمة، جسدتها المبالغ المالية المنفذة من طرف الدولة والمؤسسات العامة والجماعات المحلية والتي وصلت إلى 3 ملايير و253 مليون درهم، وهو مبلغ يتجاوز ما تم تحقيقه خلال السنة الماضية الذي وصل إلى 3 ملايير و72 مليون درهم، وتم خلال الثلاث سنوات الأخيرة تنفيذ أكثر من 9 ملايير و500 مليون درهم من طرف الدولة ، لتكون بذلك، النسبة العامة للتنفيذ خلال السنة الماضية، تجاوزت 104 في المائة.
وأكد وزير العدل السابق، محمد أوجار، في جلسة برلمانية، على أن تنفيذ الأحكام القضائية يشكل عنصرا أساسيا في المنظومة القضائية ومؤشرا لتقييم نجاعتها وفعاليتها، كما أنه دعامة أساسية لبناء دولة الحق والقانون ومصدرا لتعزيز الثقة في الإدارة والقضاء وتكريس هيبة الأحكام القضائية وقدسيتها، وأبرز الوزير أن الدستور ينص في الفصل 126 منه على أن الأحكام النهائية الصادرة عن القضاء ملزمة للجميع، مشيرا إلى أن هذه الإلزامية لا تتحقق إلا بتنفيذ هذه الأحكام تنفيذا لا تماطل فيه ولا شطط، كما أن إيراد عبارة «الجميع» تجعل الأحكام القضائية، بالإضافة إلى الأشخاص الذاتيين، ملزمة للأشخاص الاعتباريين وأشخاص القانون العام وعلى رأس كل ذلك الإدارة العمومية.
ومن هذا المنطلق، فإن وزارة العدل ما فتئت تولي هذا الموضوع أهمية بالغة في مخططاتها وبرامجها وذلك بغية الرفع من وتيرة التنفيذ بشقيه المدني والزجري، وتذليل كل الصعوبات والمعيقات التي تحول دون تحقيق النتائج المرجوة، حيث تم تنزيل العديد من التصورات والبرامج، واعتماد مقاربات تشريعية وتنظيمية، ساهمت بشكل كبير في الرفع من وتيرة التنفيذ بمختلف محاكم المملكة، وفي هذا الصدد يمكن القول إن سنة 2018 كانت سنة مميزة في مجال التنفيذ، وعرفت استمرارية في النتائج الإيجابية التي تم تحقيقها سنة 2017، سواء في مجال التنفيذ المدني أو في مجال تحصيل الغرامات والإدانات النقدية.
وتزايد خلال السنوات عدد الأحكام القضائية الصادرة ضد مؤسسات الدولة، والتي تستنزف مبالغ مالية ضخمة من الميزانية، وكشفت معطيات رسمية صادرة عن وزارة العدل أن مجموع الأحكام الصادرة ضد مرافق الدولة، خلال سنتي 2017 و2018، بلغت قيمتها حوالي 530 مليار سنتيم ينبغي أن تدفعها خزينة الدولة، ويبلغ المعدل السنوي لعدد الدعاوى المرفوعة ضد الدولة ما يناهز 30 ألف قضية، نصفها تقريبا يتعلق بالطعن بالإلغاء وبالاعتداء المادي، نتيجة للجوء بعض الإدارات إلى وضع يدها على عقارات مملوكة للغير من أجل إقامة مشاريع معينة، دون سلوك مسطرة الاقتناء بالمراضاة أو مسطرة نزع الملكية، وتخص أساسا قطاعات التربية الوطنية والتجهيز والنقل والداخلية.
وسبق للمجلس الأعلى للحسابات، أن نبه لخطورة الاختلالات التي تشوب تدبير المنازعات القضائية ضد الدولة، بسبب غياب البرمجة والضبط الدقيقين لحاجيات الدولة للعقار، حيث تلجأ الإدارة لوضع يدها على عقارات مملوكة للغير من أجل إقامة مشاريع عمومية، إلا أن وضع اليد هذا يتم في غالب الأحيان في غياب مسطرة الاقتناء بالمراضاة ودون سلوك مسطرة نزع الملكية المنصوص عليها قانونا، وهذا ما يعرف بالاعتداء المادي على الملكية العقارية، ويتسبب هذا السلوك في نشوب العديد من المنازعات القضائية التي تفضي إلى إثقال كاهل الخزينة جراء المبالغ المهمة التي يحكم بها ضد الدولة، حيث إن مبالغ جد مهمة يتم الحكم بها في إطار الاعتداء المادي، ويفوق المعدل مبلغ 550 مليون درهم سنويا، أما القطاعات الوزارية المعنية بالنزاعات المترتبة عن الاعتداءات المادية، في مقدمتها الوزارات المكلفة بالتعليم والتجهيز والداخلية.