شكل يوم 3 يناير 2010، منعطفا حاسما في مسار الجهوية المتقدمة بالمغرب، وهو اليوم الذي أعلن فيه الملك محمد السادس عن إطلاق ورش الجهوية المتقدمة، وشكل لجنة استشارية عهد إليها فتح مشاورات مع جميع مكونات المجتمع من أجل بلورة مقترحات حول التصور الجهوي للمغرب. وجاء دستور 2011 لتزكية هذا الورش، من خلال تخصيص مواد، حددت مبادئ الجماعات الترابية، ومنها الجهات التي خول لها الدستور صلاحيات جديدة. ونصت المقتضيات الدستورية على ضرورة وضع قانون تنظيمي لتنزيل الجهوية المتقدمة، لكن بعد مرور أربع سنوات على تاريخ إجراء أول انتخابات لمجالس الجهات بصيغتها الجديدة، ما زالت هناك العديد من المعيقات تواجه هذه المجالس لممارسة الاختصاصات الموكولة إليها بموجب الدستور والقانون.
تضمنت القوانين التنظيمية المتعلقة بالجهات والجماعات الترابية الأخرى، كل ماله علاقة بطريقة تدبيرها، وفي هذا الخصوص فقد تم التأكيد على التدبير الديمقراطي والتدبير الحر لشؤون الجهات والجماعات الترابية، كما تم التأكيد على الاستقلال الإداري والمالي لمختلف الجماعات، وهذا بطبيعة الحال ما نص عليه الدستور في الباب التاسع المتعلق بالجهات والجماعات الترابية، كما تم النص على أن دور الولاة والعمال هو مساعدة رؤساء الجماعات الترابية، وخاصة رؤساء المجالس الجهوية على تنفيذ المخططات والبرامج التنموية، وهذا ما يعني إلغاء مفهوم الوصاية وتعويضه بمفهوم المساعدة، الذي أصبح منصوصا عليه في الفصل 145 من الدستور.
وحسم القانون العلاقة بين الجهات والجماعات الترابية الأخرى، حيث يرتكز تدبير الجهة لشؤونها على مبدأ التدبير الحر الذي يخول بمقتضاه لكل جهة، في حدود اختصاصاتها المنصوص عليها في القسم الثاني من القانون التنظيمي للجهات، سلطة التداول بكيفية ديمقراطية، وسلطة تنفيذ مداولاتها ومقرراتها، طبقا لأحكام القانون التنظيمي والنصوص التشريعية والتنظيمية المتخذة لتطبيقه. ويرتكز التنظيم الجهوي على مبدأي التعاون والتضامن بين الجهات، وبينها وبين الجماعات الترابية الأخرى، من أجل بلوغ أهدافها، وخاصة إنجاز مشاريع مشتركة وفق الآليات عليها في القانون.
الجهوية ورش ملكي
يؤسس القانون التنظيمي للجهة المتقدمة لمرحلة جديدة في مسار تنظيم الدولة والجماعات الترابية على السواء، وهو الورش الذي أطلقه الملك محمد السادس سنة 2008، وعين لهذه الغاية في يناير 2010 «اللجنة الاستشارية للجهوية»، وحدد الملك من خلال توجيهاته ثلاثة أهداف أساسية لهذا الورش الكبير تتمثل في تعميق الديمقراطية المحلية، وتدخل الجهة في التنمية المندمجة، والإسهام في تحديث الإدارة والمؤسسات العمومية لتحقيق نجاعة أكبر للسياسات العمومية.
وعلى المستوى الإداري، تضمن القانون مقتضيات حول إعادة تنظيم إدارة الجهة في أفق بلوغ التحديث والنجاعة، وذلك من خلال إحداث منصب مدير عام للمصالح، يمارس اختصاصاته تحت مراقبة الرئيس الذي يمكن أن يفوض له اختصاصاته بما فيها اختصاص الأمر بالصرف، وإحداث لدى مجلس الجهة مؤسسة تسمى «الوكالة الجهوية لتنفيذ المشاريع»، في شكل مؤسسة عمومية جهوية تتمتع بالشخصية المعنوية، تناط بها مهمة تنفيذ المشاريع الكبرى المهيكلة لفائدة الجهة واستغلال وتدبير المشاريع التي تكلفها بها الجهة، وتمكين الجهات من «محاسب» متعاقد مهمته مراقبة صرف نفقات الميزانية بما يلزم من المرونة، ويمكن للمواطنين والمواطنات وجمعيات المجتمع المدني تقديم عرائض لمجلس الجهة، قصد إدراج نقاط تدخل في اختصاصه ضمن جدول الأعمال، ويمكن تقديم عرائض من طرف أشخاص ذاتيين وجمعيات المجتمع المدني.
تتمثل الأهداف والمهام الأساسية للجهة في تنظيم وتنسيق وتتبع كل القضايا المتعلقة بالتنمية المندمجة والمستدامة في جميع الميادين بمجالها الترابي. وطبقا لأحكام الدستور أنيطت بالجهة اختصاصات ذاتية واختصاصات مشتركة مع الدولة واختصاصات تنقلها لها هذه الأخيرة، وتمكين الجهة في حدود مواردها الذاتية من تمويل إنجاز مرفق أو تجهيز أو مشروع يسهم في بلوغ الأهداف المنوطة بها، بعد موافقة السلطة العامة صاحبة الاختصاص والعمل في إطار التعاقد معها.
وتضمن القانون، مقتضيات حول إعادة تنظيم إدارة الجهة في أفق بلوغ التحديث والنجاعة، وذلك من خلال إحداث منصب مدير عام للمصالح، يمارس اختصاصاته تحت مراقبة الرئيس الذي يمكن أن يفوض له اختصاصاته بما فيها اختصاص الأمر بالصرف، وإحداث لدى مجلس الجهة مؤسسة تسمى «الوكالة الجهوية لتنفيذ المشاريع»، في شكل مؤسسة عمومية جهوية تتمتع بالشخصية المعنوية، تناط بها مهمة تنفيذ المشاريع الكبرى المهيكلة لفائدة الجهة واستغلال وتدبير المشاريع التي تكلفها بها الجهة، وتمكين الجهات من «محاسب» متعاقد مهمته مراقبة صرف نفقات الميزانية بما يلزم من المرونة. وتتألف إدارة الجهة من مديرية عامة للمصالح ومديرية لشؤون الرئاسة والمجلس، ويشرف المدير العام للمصالح على إدارة الجهة وتحت مسؤولية الرئيس، ويتم اقتراحه من طرف رئيس المجلس ويمارس مهامه عن طريق التعاقد لمدة محددة، ويسهر مدير شؤون الرئاسة والمجلس على الجوانب الإدارية المرتبطة بالمنتخبين بما فيها تحضير ومسك الوثائق الإدارية المتعلقة بسير أعمال المجلس ولجانه بصفة عامة. ويمكن للجهة إحداث شركات التنمية الجهوية ومجموعة الجهات، كما يمكنها أن تبرم في ما بينها أو مع الهيئات العمومية أو الهيئات غير الحكومية ذات المنفعة العامة اتفاقيات التعاون والشراكة، من أجل إنجاز مشروع ذي فائدة مشتركة.
ومن الناحية المؤسساتية، وضع المشروع مجموعة من الإجراءات الرامية إلى إحداث قطيعة مع الوصاية بمفهومها التقليدي، إذ ستصبح مراقبة بعدية باستثناء الميزانية وجدول الأعمال، وإقرار اختصاص القضاء لوحده بإلغاء المقررات التداولية للمجلس. وعلى مستوى الشفافية في تسيير المجلس، وضع القانون الجديد مستجدات حول طريقة التصويت على المقررات، من خلال إقرار مبدأ التصويت العلني على جميع مقررات المجلس، بما فيها انتخاب الرئيس ونوابه.
اختصاصات الجهات
في ما يتعلق بجانب الاختصاصات، حدد القانون اختصاصات المجالس الجهوية، التي أصبح بإمكانها إنجاز أي مشروع يسهم في بلوغ الأهداف المنوطة بها متى توفرت لها الإمكانيات المالية، على أن يتم ذلك في إطار اتفاقية مع صاحب الاختصاص، وتخويل الاختصاصات الجديدة للجهة بشكل متدرج ومتباين يأخذ بعين الاعتبار إمكانياتها المادية وقدراتها التنفيذية، وتمكن المهام والأهداف الأساسية للجهة بصفة عامة في تنظيم وتنسيق وتتبع كل القضايا المتعلقة بالتنمية المندمجة والمستدامة بمجالها الترابي، وللجهة اختصاصات ذاتية واختصاصات مشتركة مع الدولة واختصاصات تنقلها لها هذه الأخيرة. ويمكن للجهة في حدود مواردها الذاتية وفي مجال اختصاصها، أن تتولى تمويل إنجاز مرفق أو تجهيز أو مشروع يسهم في بلوغ الأهداف المنوطة بها، وبعد موافقة الجهة ذات الاختصاص والعمل في إطار التعاقد معها.
وللجهة اختصاصات ذاتية في مجالات التصميم الجهوي لإعداد التراب، وبرنامج التنمية الجهوية، الذي يحدد في أفق 6 سنوات الأعمال التنموية المقرر برمجتها أو إنجازها، كما لها اختصاصات في مجال التنمية الاقتصادية، سيما دعم المقاولات، وإنعاش السياحة، وإحداث وتنظيم مناطق الأنشطة الاقتصادية، وتهيئة الطرق والمسالك السياحية في العالم القروي، وإنعاش أسواق الجملة الجهوية، وإحداث قرى ومناطق للأنشطة التقليدية والحرفية، والتسويق الترابي وجذب الاستثمار، وإنعاش التنمية الاجتماعية والمنتجات الجهوية، والنهوض بقطاع التكوين المهني والتكوين المستمر والشغل، خاصة إحداث مراكز جهوية للتشغيل وتطوير الكفاءات، والتكوين من أجل الإدماج في سوق الشغل، ومواكبة تكوين المنتخبين والموظفين بالجماعات الترابية، والنهوض بالتنمية القروية، سيما إنعاش الأنشطة غير الفلاحية، وبناء وتحسين وصيانة الطرق غير المصنفة، وتوفير النقل والتنقل داخل الجهة بإعداد التصميم الجهوي للنقل، وتنظيم خدمات النقل الطرقي غير الحضري للأشخاص بين الجماعات الترابية داخل الجهة. وفي مجال الثقافة والبيئة، من اختصاصات الجهة كذلك، المساهمة في المحافظة على المواقع الأثرية، وتنظيم المهرجانات الثقافية والترفيهية، وتهيئة وتدبير المنتزهات الجهوية، ووضع استراتيجية جهوية لاقتصاد الطاقة والماء، وتشجيع المبادرات المرتبطة بالطاقة المتجددة.
تتم ممارسة الاختصاصات المشتركة مع الدولة في مجموعة من المجالات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية عن طريق التعاقد، إما بمبادرة من الدولة أو من الجهة، ويمكن من منطلقات التدرج والتباين والتجربة نقل اختصاصات من الدولة إلى الجهة، خاصة بالنسبة إلى التجهيزات والبنيات التحتية ذات البعد الجهوي، وكذلك تلك المرتبطة بمجالات الصناعة والصحة والتجارة والتعليم والثقافة والرياضة.
وخصص القانون التنظيمي مقتضيات جديدة تتعلق بالنظام المالي للجهة، حيث يعتبر رئيس مجلس الجهة هو الآمر بالصرف لمداخيل ونفقات ميزانية الجهة، ويمكنه أن يعين تحت مسؤوليته المدير العام كآمر بالصرف مساعد. وتتوفر الجهة على موارد مالية ذاتية وموارد مالية محولة إليها من طرف الدولة، ويكون نقل الاختصاص من الدولة إلى الجهة مقترنا بتحويل الموارد المطابقة لهذا النقل، ويتم تحويل نصيب من ضرائب ورسوم من الدولة إلى الجهات، ويتعين أن لا يقل هذا النصيب سنويا على ما يعادل 20 في المائة من الميزانية العامة للدولة المرصودة لتغطية نفقات الاستثمار وذلك تدريجيا وفي مدة لا تتجاوز نهاية أول انتداب بعد دخول القانون التنظيمي للجهة حيز التنفيذ على أبعد تقدير. ويتم تنفيذ الميزانية من طرف الآمر بالصرف والمحاسب، ويمنع الجمع بين الصفتين، وتتوفر الجهة على حساب مفتوح بالوكالات البنكية للخزينة العامة للمملكة، وتخضع العمليات المالية والمحاسباتية للجهة لتدقيق سنوي تنجزه بشكل مشترك المفتشية العامة للمالية والمفتشية العامة للإدارة الترابية، ويمكن للمجلس إحداث لجنة للتقصي حول مسألة تهم تدبير شؤون الجهة.
ومن بين المقتضيات الواردة في القانون التنظيمي، إقرار صندوق التأهيل الاجتماعي الذي يحدث لمدة ولايتين انتدابيتين، والذي ترصد له اعتمادات من ميزانية الدولة برسم كل سنة، ويسهم هذا الصندوق في سد العجز في مجالات التنمية البشرية والبنيات التحتية الأساسية والتجهيزات، سيما في مجالات الماء الصالح للشرب والكهرباء، والسكن غير اللائق، والصحة، والتربية وشبكة الطرق والمواصلات، كما يحدث صندوق التضامن بين الجهات والذي يهدف إلى دعم الجهات التي تعاني من إكراهات موضوعية بفعل التفاوتات، ويزود هذا الصندوق من نصيب الموارد المرصودة من الدولة لكل جهة ومن مساعدات وهبات، وتحدد هذه النسبة في قانون المالية، وتخصص الحصص الموزعة على الجهات لعمليات التجهيز.
اتهامات للحكومة
وجهت مختلف الفرق البرلمانية من الأغلبية والمعارضة أخيرا انتقادات لاذعة إلى حكومة سعد الدين العثماني وحكومة سلفه عبد الإله بنكيران، بخصوص التأخر الحاصل في تفعيل الجهوية المتقدمة، رغم صدور القوانين المنظمة لها وإجراء الانتخابات الجهوية قبل حوالي سنتين. كما انتقد ممثلو الفرق البرلمانية الفوارق والهوة الكبيرة بين الجهات في مختلف المجالات التنموية والاجتماعية والاقتصادية. وأكد برلمانيون على أن ملف تقليص الفوارق المجالية في البلاد لا يحتمل التأخر في تسويته أكثر، مشددين على أن الأمر بيد الحكومة كسلطة تنفيذية في تفعيل الصناديق الكفيلة بتوفير العدالة المجالية، وأشاروا إلى أن الفصل 142 من الدستور يتحدث عن صندوق التأهيل الاجتماعي وصندوق التضامن بين الجهات، في ما تتركز مجالات تدخلها في ميادين الماء الصالح للشرب، الكهرباء، السكن غير اللائق، الصحة والتعليم وشبكة الطرق والمواصلات، «وهي الميادين التي إذا أضفنا إليها التشغيل، تشكل أهم المشاكل التي تهم المغرب المنسي اليوم».
وطالب برلمانيون الحكومة بالتعجيل بتنزيل ميثاق اللاتمركز وعدم انتظار ثلاث سنوات المقررة له، وتنفيذ التعاقدات المبرمة بين الجهات والعديد من القطاعات الحكومية، وإلزام الوزارات المتدخلة في برنامج تقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية بالوسط القروي بتنفيذ التزاماتها بشكل يضمن نوعا من العدالة المجالية، بدل الاقتصار على الجهات الموالية لها سياسيا، مع ضرورة الالتقائية في البرامج بين مختلف القطاعات والمتدخلين والبرامج، خاصة برنامج تقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية بالعالم القروي، وبرامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، والبرنامج المندمج للتنمية، وغيرها من البرامج الموجهة إلى العالم القروي والمناطق النائية. واقترحت بعض الفرق البرلمانية، في إطار النموذج التنموي الجديد، الاعتماد على سياسة إنمائية، ترابية محلية من أجل ضمان وصول الاعتمادات المخصصة له للمواطنات والمواطنين، معتبرة الجماعات الترابية مدخلا أساسيا لتنزيل إطار النموذج التنموي الجديد.
وفي رده، أكد العثماني على أن الحكومة عاقدة العزم على مواصلة دعم ورش الجهوية المتقدمة باعتبارها الرافعة الأساسية للتنمية المجالية بمختلف أبعادها، معتبرا تحقيق التنمية الشاملة والمدمجة يوجد في صلب ورش الجهوية المتقدمة، كمدخل أساسي لتمكين كل جهة من بناء نموذجها التنموي الخاص، استنادا إلى مؤهلاتها الطبيعية والجغرافية وخصوصياتها الاقتصادية والاجتماعية، مع إرساء آليات للتضامن بين الجهات وتأهيل الجهات الأقل حظا في التنمية. ولهذه الغاية، يضيف رئيس الحكومة «اعتمدت بلادنا تقسيما جهويا يرتكز على مقاربة وظيفية تهدف في المقام الأول إلى تحقيق تنمية مندمجة، ومعالجة الفوارق على مستوى المؤهلات الاقتصادية والبنيات التحتية»، مذكرا بالقانون التنظيمي رقم 111.14 المتعلق بالجهات، الذي يتضمن جملة من التدابير أبرزها إدراج التنمية القروية ضمن اختصاصات الجهة، وإلزام الجهات بإعداد برامج التنمية الجهوية كآلية أساسية لتحقيق تنمية متوازنة على المستوى الجهوي.
وأكد العثماني أنه تمت مواكبة الجماعات الترابية وتمكينها من الآليات القانونية والمادية التي تسمح لها بالاضطلاع بمهامها على مستوى التنمية المجالية، مستعرضا الآليات التي مكنت من استكمال تنزيل الإطار القانوني والتدبيري والمالي للجهوية المتقدمة، في إشارة منه إلى تنزيل ميثاق اللاتمركز الإداري، وتسريع تنزيل مخططات التنمية الجهوية وكذا تعزيز القدرات التدبيرية للجهات. وأشار العثماني إلى أن 10 جهات من أصل 12 جهة صادقت لحد الآن على مخططات التنمية الجهوية الخاصة بها، مبرزا أنه من أجل تسريع تفعيل هذه البرامج تم الاتفاق على تحديد المشاريع ذات الأولوية برسم الفترة 2019-2021، والتي سيتم تنفيذها في إطار عقود- برامج بين الدولة والجهات، ومشيرا إلى أن عدد المشاريع والبرامج ذات الأولوية التي تم اختيارها تبلغ 454 مشروعا من بين 2368 مشروعا وبرنامجا الواردة في برامج التنمية الجهوية، بتكلفة إجمالية تناهز 109،93 مليار دراهم، حيث تساهم القطاعات الوزارية بنسبة 39 في المائة، أي ما يقدر بمبلغ 42،5 ملايير درهم.
الجهوية المتقدمة عزم ملكي ورهان للحكومة
منذ أن نبه الخطاب الملكي الذي ألقاه الملك محمد السادس بمناسبة الذكرى السادسة والستين لثورة الملك والشعب، والذي انتقد فيه الملك عجز الحكومة عن الجهوية المتقدمة وميثاق اللاتمركز الإداري، معتبرا أن التطبيق الجيد والكامل له «من أنجع الآليات، التي ستمكن من الرفع من الاستثمار الترابي المنتج، ومن الدفع بالعدالة المجالية»، إلى ضرورة التحرك الفعلي من أجل تنزيل الجهوية المتقدمة، استنفرت حكومة سعد الدين العثماني أجهزتها للاشتغال على هندسة جديدة الجديدة للمديريات الجهوية، والإدارات الجهوية المشتركة، ووعد سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة، بشروع حكومته في نقل الاختصاصات من الإدارات المركزية إلى مديريات جهوية، وبهندسة جديدة لهذه المديريات التي تشكل إدارات جهوية مشتركة.
في السياق ذاته، قال العثماني إن الإعلان عن هذه الهندسة الجديدة سيتم خلال الأشهر القليلة المقبلة، معتبرا أن هذا الأمر «سيشكل تحولا في الإدارة المغربية لأنه إلى جانب مجالس الجهات، ستصبح لدينا مديريات جهوية تتوفر على صلاحيات وتصبح شريكا للجهات في متابعة البرامج ووضع المخططات على المستوى الجهوري، وفي أخذ خصوصيات كل جهة بعين الاعتبار»، حسب المتحدث، الذي كشف أن تصور اشتغال الإدارات الجهوية المشتركة، وطريقة نقل الاختصاصات إليها «ستولي اهتماما كبيرا بالموارد البشرية على الصعيد الجهوي، وكذا بالموارد المالية الضرورية لنقل الاختصاصات إلى الجهات، وبالخصوص وزارات الداخلية والاقتصاد والمالية والأمانة العامة للحكومة والوزارة المنتدبة المكلفة بإصلاح الإدارة والوظيفة العمومية، وهي القطاعات الأربعة التي تشكل لجنة القيادة برئاسة رئاسة الحكومة».
واعتبر رئيس الحكومة، الجهوية المتقدمة التي أكد عليها الملك مرة أخرى في خطابه السامي الأخير، يشكل تحولا عميقا، مشيرا إلى أن الحكومة «سنشتغل عليها فورا ونعطيها الأهمية الضرورية من خلال الاستفادة من الإرث والتجارب التي تمت، وانطلاقا من تقييم مختلف الاستراتيجيات القطاعية أو السياسات العمومية المتبعة لحد الساعة»، يضيف العثماني، مشددا على أن الجهوية الموسعة من بين الأوراش الكبرى التي انكبت عليها حكومته، قائلا في هذا الصدد: «لقد بدأنا العمل، ونعتز بأن الحكومة استطاعت إخراج ميثاق اللاتمركز وهو الآن في مراحله الأخيرة لوضع المخططات المديرية، التي تشكل خريطة نقل الاختصاصات من الإدارة المركزية إلى الإدارات الجهوية».
وشكلت المناظرة الوطنية الأولى للجهوية المتقدمة، التي احتضنتها مدينة أكادير، وقفة تأمل ونقاش، بين مختلف الفاعلين، من أجل تعميق التفكير في سبل التنزيل الأمثل للجهوية المتقدمة، هذا المشروع السيادي الكبير الذي يروم صيانة المكتسبات التي حققتها المملكة والاستجابة لتطلعات المواطنين المغاربة في تحقيق التقدم والازدهار والتنمية الشاملة، حيث شارك في المناظرة حوالي 1400 مشارك بمبادرة من وزارة الداخلية ومجلس الجهات بالمغرب، وقد انكبت على تشخيص الحصيلة الإجمالية لتنزيل الجهوية المتقدمة، وتحديد المداخل الأساسية لتحقيق نقلة نوعية في مسلسل تنزيل هذا المشروع الرائد، وكذا التنزيل الأمثل للميثاق الوطني للاتمركز الإداري، بالإضافة إلى تسليط الضوء على الإنجازات والتحديات، وتبادل الممارسات الجيدة والتجارب المبتكرة.
وشكلت الرسالة السامية التي وجهها الملك محمد السادس إلى المشاركين في هذه المناظرة خارطة طريق لتقييم تجربة أربع سنوات، بعد اعتماد ورش الجهوية المتقدمة، والخروج بخلاصات ملموسة للتسريع بتنزيل هذا الورش على أرض الواقع، وقد دعا خلالها الملك الجهات إلى العمل على إجراء تقييم مرحلي لبرامجها التنموية من أجل تقويم أفضل، سواء في إطار تحديد أولوية المشاريع المدرجة، أو في إطار تقوية هندسة تمويل المشاريع المبرمجة، بهدف ضمان فعاليتها والتقائية مختلف السياسات والبرامج العمومية على المستوى الجهوي، كما شدد على أهمية استثمار آليات التعاقد بين الجهات والدولة، ومختلف المتدخلين الآخرين، وتفعيلها من أجل وضع وتنفيذ المشاريع التنموية ذات الأولوية.
وأكد الملك محمد السادس أن التطبيق الفعلي لمختلف مضامين الجهوية المتقدمة، يظل رهينا بوجود سياسة جهوية واضحة وقابلة للتنفيذ، في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، موضحا أن ذلك يجب أن يتم وفقا لسياسة عمومية مبنية على البعد الجهوي وعلى اقتصاد ناجع وقوي، يهدف إلى خلق النمو، وتوفير فرص الشغل، وتحقيق العدالة الاجتماعية. وكذا الرفع من نجاعة السياسات والبرامج والمشاريع على المستوى الجهوي، لضمان استفادة المستهدفين الفعليين منها.
الحكومة تشرع في تفعيل اللاتمركز الإداري
شرعت الحكومة في تفعيل المرسوم بمثابة الميثاق الوطني للاتمركز الإداري، والمرسوم المتعلق بتحديد نموذج التصميم المديري المرجعي للاتمركز الإداري، حيث سيتم بموجبه تنقيل آلاف من الموظفين من الإدارات المركزية إلى مختلف الجهات والأقاليم، وكذلك بين الجهات والأقاليم.
وعقدت اللجنة الوزارية للاتمركز الإداري اجتماعا تحت رئاسة سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة، بهدف عرض مضامين ومرتكزات الميثاق والوقوف على تجربة مختلف الوزارات وحصيلتها وتصورها في مجال اللاتمركز الإداري والتداول في الجوانب التقنية المتعلقة بإعداد التصاميم المديرية للاتمركز، وسبل إحداث التمثيليات الإدارية المشتركة ومعايير تجميعها. وسطرت اللجنة برنامج عمل مكثف لمواكبة القطاعات الوزارية، وتوضيح منهجية إعداد هذه القطاعات لتصاميمها المديرية.
وكشف سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة، في افتتاح مجلس حكومي سابق، أن تطبيق الميثاق الوطني للاتمركز الإداري سيتم بتدرج وبجرأة، وأنه ستوضع خارطة طريق لذلك لأن هدفه الاستجابة لحاجيات المواطنين، وذكر بأن فلسفة اللاتمركز الإداري التي تروم تفويض جزء من السلطات المركزية للمديريات الجهوية أو الإقليمية، لتصبح لها حرية وضع البرامج وتنفيذها واتخاذ القرارات الضرورية، حسب ما يخوله لها القانون، دون الرجوع إلى الإدارات المركزية، مما سيسهل إشراك الجهات والتعامل معها وضمان الالتقائية جهويا، وأشار إلى أن ميثاق اللاتمركز الإداري سيساعد على توسيع مجال الحرية والسرعة في اتخاذ القرارات وتنفيذ البرامج ومواجهة التحديات والاستجابة لحاجيات المواطنين على الصعيدين الجهوي والإقليمي، لأنهم سيصبحون مخاطبين على مستوى الجهة، «وهذا أمر مفيد في وضع البرامج وتوقيع الاتفاقيات وتطويرها وتنفيذها». وأضاف رئيس الحكومة أن الميثاق يعد «تطورا كبيرا سيمكن من دعم الجهوية المتقدمة، من خلال تمكين الإدارات الجهوية من أن تصبح قادرة على أن تكون مخاطبا لمجالس ومكاتب الجهات».
وقدم العثماني أمام البرلمان الخطوط العريضة للتصور الجديد للإدارة اللاممركزة، في المحاور المتمثلة بالخصوص في توضيح دور الإدارات المركزية وحصرها في مهام التأطير والتصور والتوجيه وتقييم ومراقبة أداء الإدارات اللاممركزة، ومواكبة الإصلاح الجهوي الأخير، باعتباره الإطار الملائم لانسجام السياسات العمومية، ولبرمجة مشاريع مختلف القطاعات الحكومية، وكذا تمكين الجماعات الترابية من الكفاءات البشرية المؤهلة والموارد المالية الكافية لتنفيذ المخططات الجهوية للتنمية. وأكد رئيس الحكومة على أن تنزيل ورش الجهوية المتقدمة يمر أساسا عبر مواكبة الجماعات الترابية لبلوغ حكامة جيدة في تدبير شؤونها وممارسة اختصاصاتها، في أفق تحويل هذه الاختصاصات والموارد البشرية والمالية المرتبطة بها، وكذا تمكينها من الموارد المالية اللازمة لتنفيذ مخططاتها التنموية، مبرزا عزم الحكومة على تفعيل آليات الحركية المنصوص عليها في النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية، سيما آليتي النقل والإلحاق.
هذه أهم توصيات المناظرة الوطنية الأولى للجهوية المتقدمة
أجمع المشاركون في الورشات التي جمعت بين المنتخبين وممثلي قطاعات وزارية وممثلي مؤسسات دستورية ومؤسسات عمومية وجامعيين وخبراء وطنيين ودوليين وفعاليات المجتمع المدني، خلال المناظرة الأولى حول الجهوية المتقدمة التي احتضنتها مدينة أكادير في دجنبر الماضي على أن الجهوية المتقدمة ليست فقط نمطا جديدا للحكامة الترابية، وإنما هي في العمق، إصلاح وتحديث لهياكل الدولة.
ودعت المناظرة في توصياتها الختامية إلى تعزيز آليات التخطيط الترابي في تناسق مع السياسات العامة للدولة في مجال إعداد التراب، والعمل على التقائية وتناسق برامج التنمية الجهوية فيما بينها ومع المخططات القطاعية، وتبني العدالة المجالية كأولوية في السياسات العمومية والترابية من أجل تقليص الفوارق المجالية والاجتماعية، والتأكيد على دعوة الجهات إلى الانخراط في التنزيل الفعلي للمبادئ والأهداف التي حملتها المنظومة الجديدة للتدبير الميزانياتي والمالي باعتماد البرمجة متعددة السنوات التي تستحضر شروط الفعالية والنجاعة والجودة.
كما دعا المشاركون في المناظرة إلى حث الدولة على مواصلة مبادراتها لدعم قدرات الجهات في مجال الحكامة والتدبير المالي، والعمل على تنويع مصادر تمويل الجهات عبر حلول مبتكرة من أجل تمويل برامجها الاستثمارية، وإبرام عقود برامج بين الدولة والجماعات الترابية حول الاختصاصات المنقولة لضمان مشاركة الجميع في برامج التنمية الجهوية وتعبئة الموارد الكافية لتنفيذها، وضمان انخراط المصالح المركزية للقطاعات الوزارية والمؤسسات العمومية في تنزيل ميثاق عدم التركيز من خلال إعطاء المزيد من الصلاحيات وتحويل الموارد الكافية للمصالح الخارجية قصد تمكينها من القيام بالمهام الموكولة إليها بشكل فعال وناجع.
وشدد المشاركون على ضرورة فتح الورش المتعلق بالملاءمة التشريعية والتنظيمية للاختصاصات المخولة لمختلف القطاعات الوزارية ذات الصلة باختصاصات الجهة المتعلقة بنفس الميادين، وتحديد حد أدنى مشترك من الاختصاصات التي يتعين البدء بنقلها إلى الجهات، مع إعطاء الأولوية للصلاحيات المرتبطة بمجالات وخدمات تهم مباشرة المواطنين وتؤدي إلى تحسين مستوى عيشهم، ودعم قدرات الجماعات الترابية حول آليات الديموقراطية التشاركية والإعلام والتواصل مع المواطنات والمواطنين والمجتمع المدني، بالإضافة إلى تعزيز انفتاح الجهة على المواطن والمجتمع المدني لتمكينه من المساهمة بصفة عامة في التنمية الجهوية الدامجة، وأيضا الرفع من القدرات التدبيرية لإدارة الجهة عبر تمكينها من استقطاب كفاءات عالية تهم اختصاصات الجهة، وتعزيز جاذبية إدارة الجهة عبر اعتماد نظام أساسي خاص بموظفي الجماعات الترابية يأخذ بعين الاعتبار خصوصيتها وطبيعة المهام الموكولة إليها، وإرساء آليات الحكامة وتفعيل آليات التنسيق والتواصل بين إدارة الجهة وكافة المتدخلين.
وتعكس المخرجات والتوصيات المنبثقة عن الورشات الست ضمن المناظرة الوطنية للجهوية المتقدمة التي اختتمت أشغالها السبت الماضي بمدينة أكادير، درجة النضج لدى مختلف الفاعلين المعنيين بتنزيل مضامين هذا المشروع الطموح، حيث أكدت، على الخصوص، على ضرورة تعزيز آليات التخطيط الترابي في تناسق مع السياسات العامة للدولة في مجال إعداد التراب، والعمل على التقائية وتناسق برامج التنمية الجهوية فيما بينها ومع المخططات القطاعية، ففي مجال اللاتمركز الإداري حثت المناظرة على ضرورة إبرام عقود برامج بين الدولة والجماعات الترابية حول الاختصاصات المنقولة لضمان مشاركة الجميع في برامج التنمية الجهوية وتعبئة الموارد الكافية لتنفيذها، ولتعزيز المشاركة المواطنة شددت التوصيات على ضرورة دعم قدرات الجماعات الترابية حول آليات الديمقراطية التشاركية والإعلام والتواصل مع المواطنات والمواطنين والمجتمع المدني، وتعزيز انفتاح الجهة على المواطن والمجتمع المدني لتمكينه من المساهمة بصفة عامة في التنمية الجهوية الدامجة.