بعد مرور ثماني سنوات قضاها حزب العدالة والتنمية في قيادة الحكومتين السابقة والحالية، رافعا شعار «محاربة الفساد والريع»، صدر تقرير صادم عن منظمة الشفافية الدولية «ترانسبارنسي»، أكد تراجع المغرب في سلم مؤشرات إدراك الرشوة خلال السنة الماضية، وبذلك يكون قد فضح الشعار الانتخابي الذي رفعه الحزب الحاكم قبل أن يتحول إلى شعار «عفا الله عما سلف»، وبذلك يكون الفساد قد هزم الحكومة وليس العكس، ما ستكون له انعكاسات خطيرة، من خلال كلفته الاقتصادية والاجتماعية.
لم تدم نشوة رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، طويلا وهو يقدم حصيلة حكومته في محاربة الرشوة والفساد، حتى جاء التقرير الصادم لمنظمة الشفافية العالمية (ترانسبارنسي)، الذي سجل تراجع المغرب في مؤشر إدراك الفساد الذي يصدر عالمياً من طرف الشبكة الدولية، حيث انتقل من المرتبة 73 من أصل 180 دولة سنة 2018، إلى الرتبة 80 عالمياً في سنة 2019. وكشفت المنظمة «غياب أي تغيير نحو محاربة الفساد، والاستمرار والركود في منطقة الفساد النسقي»، مشيرة إلى أن «الاستراتيجية الوطنية لمحاربة الفساد التي صُودق عليها سنة 2015 لم تُفعل بالشكل المطلوب». ورغم كل التدابير المتخذة لمحاربة الفساد والرشوة، مازال المغرب يحتل مراتب أخيرة في التصنيف العالمي، وهو ما أكدته تقارير البنك الدولي لسنة 2019، حيث نبهت إلى أن الفساد يكلف المغرب أكثر من 50 مليار درهم سنويا، وهذا ما يساوي 2 في المائة من النمو الاقتصادي، وهذا المبلغ يمكن توظيفه للرفع من ميزانية القطاعات الاجتماعية، مثل التعليم والصحة.
العثماني متفائل
في معرض جوابه عن سؤال محوري بمجلس المستشارين حول «الاستراتيجية الوطنية لمحاربة الفساد»، خلال الجلسة الشهرية المتعلقة بالسياسة العامة، أكد العثماني أن «تحقيق النجاح في مكافحة الفساد ومحاصرته من شأنه الإسهام في تحقيق التنمية المنشودة وتحسين مناخ الاستثمار والأعمال، والرفع من مستوى عيش المواطنين، الأمر الذي يستدعي مكافحة الآفة في إطار رؤية موحدة ينخرط فيها الجميع». وأبرز رئيس الحكومة أن المملكة «منخرطة إراديا في محاربة ومكافحة الفساد، لما له من انعكاسات سلبية على المجتمع، ولكونه يشكل إحدى العقبات الرئيسية التي تعيق التنمية والاستقرار في أي بلد». وأعرب العثماني، في هذا الصدد، عن استعداد الحكومة للعمل على تضييق الخناق على الفساد بشتى أنواعه، مشددا على أنه «ليس بالتهويل يمكن كسب المعركة، وليس بالتعميم سنضع الأصبع على مكامن الضعف..»، ومبرزا أن المملكة وعت، بشكل مبكر، بالأخطار الحالية والمستقبلية لظاهرة الفساد وبنتائجها الوخيمة على كافة الأصعدة، «ما جعلها تنخرط طواعية في محاربته ومحاصرته، جاعلة هذا الأمر في صلب انشغالات الدولة».
وذكر العثماني بمصادقة المغرب على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد سنة 2007، وعلى الاتفاقية العربية لمكافحة الفساد، إضافة إلى إفراد دستور 2011 بابا كاملا لموضوع الحكامة الجيدة، كما تم إحداث مؤسسات دستورية لهذا الغرض.
وتوقف رئيس الحكومة عند الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد التي اعتمدها المغرب للفترة ما بين 2016 و2025، والتي صيغت بطريقة تشاركية دامجة، أحدثت في إطارها لجنة وطنية بتمثيلية واسعة، للسهر على تنزيل هاته الاستراتيجية التي اعتبرها أساسية، لأنها «تهدف لتعزيز ثقة المواطنين في المؤسسات بجعل الفساد في منحى تنازلي بشكل ملموس ومستمر». وفي هذا السياق، أشار رئيس الحكومة إلى التزام الحكومة في برنامجها بتعزيز منظومة النزاهة ومواصلة محاربة الفساد، والعمل على تحسين تصنيف المغرب في المؤشر الدولي لإدراك الفساد، وضمان التنزيل الأمثل للاستراتيجية الوطنية لمحاربة الفساد، إلى جانب ترسيخ منظومة القيم لدى المغاربة انطلاقا من المرجعية الدينية والوطنية، لا سيما الحرية والمسؤولية والنزاهة والمواطنة وحسن تدبير المال العام والمحافظة عليه، وكذا إرساء آلية لضمان سرعة التفاعل مع شكايات المواطنين المتعلقة بالرشوة وخرق مقتضيات النزاهة.
وفي ما يتعلق بحصيلة تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، تطرق رئيس الحكومة لما تحقق في مجال تحسين خدمة المواطن من خلال تحسين بنيات الاستقبال داخل الإدارات العمومية وتبسيط الخدمات وإطلاق بوابة الشكايات، إلى جانب التقدم في رقمنة الخدمات الإدارية والرفع من عدد الخدمات الإدارية الموضوعة على الخط والموجهة للمرتفقين، وتوقف عند جملة من البرامج المساهمة في مكافحة الفساد، ويتعلق الأمر أساسا بالبرامج الرامية إلى إرساء الشفافية والوصول إلى المعلومات، وتعزيز الأخلاقيات وضمان الرقابة والمساءلة، إلى جانب تقوية المتابعة والزجر. ولم يفوت رئيس الحكومة الفرصة للإشادة بما راكمته البلاد في مجال مكافحة الفساد وبداية بروز مؤشرات إيجابية تدل على ذلك، لافتا إلى ضرورة إتمام مسيرة محاربة الفساد رغم أنها «طويلة ومضنية، وهي بمثابة ورش وطني جماعي ومفتوح، نجاحه رهين بتظافر جميع الجهود وبانخراط الجميع بشكل واع وفعال».
ما مصير تقارير جطو؟
كشفت التقارير التي أصدرها المجلس الأعلى للحسابات، خلال السنوات الأخيرة، عن وجود اختلالات خطيرة في تدبير المال العام. فرغم الأهمية التي تكتسيها هذه التقارير، فإن هناك قصورا في النصوص القانونية المتعلقة بإحالة هذه الملفات على القضاء، وتحريك المتابعة القضائية في حق المتورطين، وكذا، محدودية الرقابة التي يمارسها قضاة هاته المحاكم، لعدم توفرها على قوة الردع، مما تكرس معه نهب المال العام وسوء التدبير وتبذير الأموال العمومية. ولهذا يبقى من الضروري تشريع قوانين رادعة لتمكين المحاكم المالية من سلطات تمكنها من الوسائل البشرية والمادية لبسط رقابتها على مختلف الأجهزة المكلفة بإدارة المال العام، وربط جسر من التواصل بينها وباقي الأجهزة المعنية بحماية المال العام بمختلف القطاعات.
وحسب مدونة المحاكم المالية، فإن تحريك المتابعة القضائية يكون مشروطا بمجموعة من الشروط والمساطر. وتنص المدونة على أنه إذا اكتشف المجلس أفعالا من شأنھا أن تستوجب عقوبة تأديبية، أخبر الوكيل العام للملك بھذه الأفعال، السلطة التي لھا ﺣق التأديب بالنسبة للمعني بالأمر، والتي تخبر المجلس خلال أجل ستة أشهر في بيان معلل بالتدابير التي اتخذتھا، أو إذا كان الأمر يتعلق بأفعال يظھر أنھا قد تستوجب عقوبة جنائية، رفع الوكيل العام للملك الأمر من تلقاء نفسه أو بإيعاز من الرئيس الأول إلى وزير العدل قصد اتخاذ ما يراه ملائما، وأخبر بذلك السلطة التي ينتمي إليھا المعني بالأمر، ويخبر وزير العدل المجلس الأعلى للحسابات بالتدابير التي اتخذها.
وحددت المدونة الأشخاص المعنيين بالمسطرة المتعلقة بالميزانية والشؤون المالية، وتشمل حسابات المحاسبين العموميين والموظفين والأعوان الذين يعملون تحت سلطتهم أو لحسابهم، وعلى كل مراقب الالتزام بالنفقات والمراقبين الماليين والموظفين والأعوان العاملين تحت إمرتهم أو لحسابهم. كما أنها رقابة تمارس في حق الآمر بالصرف والآمر بالصرف المساعدين، وكذا الأعوان الذين يشتغلون تحت سلطتهم أو لحسابهم في نطاق اختصاصاتهم المالية. وتختص المحاكم المالية بالبت والتدقيق والتحقيق في طرق تدبير العمليات المالية العمومية من مداخيل ونفقات الميزانية العامة لتحديد المسؤولية عن أي اختلالات تشوبها ومعاقبة التجاوزات والخروقات الثابتة في حق المعنيين بالأمر. وتسري العقوبات المنصوص عليها في مدونة المحاكم على كل آمر بالصرف أو آمر مساعد بالصرف أو مسؤول وكذا كل موظف أو عون يعمل تحت إمرتهم أو لحسابهم، إذا ما اقترفوا أثناء ممارسة مهامهم إحدى المخالفات المالية المنصوص عليها في الفصل المذكور.
ويرى خبراء القانون أن مسطرة المتابعة تبقى منقوصة، لكونها تستثني من الرقابة والمتابعة أهم فئة من الآمرين بالصرف، وهم الوزراء الذين يديرون المالية العامة في منبعها، وهو ما يؤثر على نجاعة المحاكم المالية في الرقابة، ويجعل مراقبة المال العام محدودة، أمام صعوبة إثارة المسؤولية الجنائية للوزراء أمام المحاكم. وتنص المادة 52 من مدونة المحاكم المالية، على أنه لا يخضع للاختصاص القضائي للمجلس الأعلى للحسابات في ميدان التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية أعضاء الحكومة وأعضاء مجلس النواب ومجلس المستشارين عندما يمارسون مهامهم بهذه الصفة.
وبخصوص الإجراءات المسطرية للتأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية، فإنه بخلاف مسطرة البت في الحسابات، فان مسطرة التأديب المتعلق بالميزانية تتميز بمسطرة خاصة في طريقة تحريك المتابعة وفي سير المسطرة. وطبقا للفصل 57 من قانون المحاكم المالية، فإن اختصاص تحريك المتابعة مسنود للوكيل العام أو وكيل الملك بالمجلس الأعلى للحسابات تلقائيا أو بطلب من الرئيس الأول أو إحدى هيئات المجلس. كما يمكن أن يتوصل الوكيل العام بتقارير الرقابة أو التفتيش مشفوعة بالوثائق المثبتة تستوجب المتابعة من رئيس الحكومة، أو رئيس مجلس النواب، أو رئيس مجلس المستشارين، أو الوزير المكلف بالمالية، أو الوزراء في ما يخص الأفعال المنسوبة إلى الموظفين والأعوان العاملين تحت سلطتهم، أو العاملين في المؤسسات الخاضعة لوصايتهم. وبالنسبة للمجالس الجهوية للحسابات، فإن القضية ترفع بواسطة وكيل الملك إلى المجلس من طرف وزير الداخلية والوزير المكلف بالمالية، بعد الإدلاء بتقارير الرقابة أو التفتيش مشفوعة بالوثائق المثبتة، طبقا للفصل 138 من قانون المحاكم المالية.
وإذا اقتنع الوكيل العام أو وكيل الملك حسب الحالة، بثبوت الأفعال في حق المعنيين بالأمر، فإنه يقوم بالمتابعة ويتقدم إلى رئيس المجلس بملتمس تعيين مستشار مقرر مكلف بالتحقيق، ويبلغ المعنيين بالأمر بالمتابعة وفقا لقواعد المسطرة المدنية في التبليغ، كما يخبر الوزير المعني ووزير المالية والوزير الوصي على الإدارة التي يعمل بها المتابع، لكن إذا لم يقتنع بثبوت الأفعال المنسوبة للمعني بالأمر، فإنه يحفظ القضية بقرار معلل ويبلغ ذلك للجهة التي عرضت عليه القضية. إن قرار الحفظ هذا ليس قرارا نهائيا وإن كان لا يقبل الطعن وإنما يمكن التراجع عنه كلما ظهرت وسائل جديدة لإثبات المخالفات المنصوص عليه بالفصول من 54 إلى 56 من قانون المحاكم المالية .
الحكومة عاجزة
سجلت دراسة أنجزتها جمعية «ترانسبرانسي المغرب»، حول تقييم النظام الوطني للنزاهة، انعدام الإرادة السياسية للتصدي بقوة للفساد. وأكدت الدراسة أن قياس حجم الفساد الذي تم في المغرب لأكثر من عقد من الزمان، يثبت أن البلاد مستوية جيدا في الفساد، وهذه المعاينة تؤكدها القياسات والمؤشرات المختلفة المتعلقة بالحكامة وسيادة القانون والوصول إلى المعلومات، أو ممارسة الحريات السياسية والمدنية. وبخصوص مؤشر إدراك الفساد الذي تصدره منظمة الشفافية الدولية، حصل المغرب على مراتب متأخرة خلال السنوات الأخيرة.
وفي ما يتعلق بدفع الرشاوى أو تحصيلها، حسب المؤسسة، كانت النتائج أيضا مخيبة للآمال، ما دفع «ترانسبرانسي» المغرب للتسطير على ذلك بقوة في البيان الذي أصدرته بالمناسبة، وذلك بعدما تم تسجيل تفشي الفساد بقوة في العديد من القطاعات ومنها حتى الأحزاب السياسية. وبالنظر إلى هذه النتائج وإلى الحالات التي تمت الإشارة إليها من قبل وسائل الإعلام والمجلس الأعلى للحسابات، خلصت الدراسة إلى أن الرشوة لا تستثني أي قطاع في المغرب، مؤكدة أن هذه الأرقام تجد تأكيدها في التحقيقات التي أجرتها وكالات وهيئات دولية أخرى.
وأشارت الدراسة إلى أن الملاحظة اليومية للظاهرة، تبين أن حالات الفساد كثيرة ومتنوعة من حيث القطاعات المعنية، وهي تتجاوز التراب الوطني للوصول إلى تمثيليات إدارية ومقاولات خاصة وطنية خارج المغرب. أما في ما يتعلق بالحكومة، فتحدثت الدراسة عن نوعين من المواقف المتناقضة مما يعكس غياب الإرادة السياسية وعدم وجود استراتيجية وطنية واضحة وذكية لمعالجة مشكلة الفساد من جهة، يتبنى خطاب معظم المسؤولين كل المفاهيم والمقولات حول الحكامة والشفافية ومكافحة الفساد، لكن، من حيث الممارسة والإجراءات، فمن جهة هناك الانتقائية في المتابعات القضائية والإفلات من العقاب لصالح الكثير من الحالات، ومن جهة ثانية القيام بأعمال شكلية دون تأثير أو إثارة الكثير من الارتباك. وهكذا، تم إطلاق محاكمات للمديرين العامين للقرض العقاري والسياحي والمكتب الوطني للمطارات، ولم تفتح التحقيقات القضائية في ملف مزاعم الاختلاس أو سوء التدبير في صفقة اللقاحات، وكذلك ينظم رئيس الحكومة والوزراء وبعض الوزارات ندوات حول التطهير ومكافحة اقتصاد الريع، ولكن لم يتم نشر إلا قوائم المستفيدين من الامتيازات فقط، ويعلن مرارا عن الإرادة في مواجهة جماعات الضغط واقتصاد الريع ولا يتم إلا إطلاق حملة للتواصل والتوعية معزولة، ومدعومة عن طريق وسائل إعلام رسمية ونشر ملصقات في المكاتب الإدارية. وفي ما يتعلق بالتشريع، تقول الدراسة إنه، باستثناء القانون المتعلق بالمسطرة الجنائية في موضوع حماية الضحايا والشهود والخبراء والمبلغين عن المخالفات بخصوص جرائم الرشوة والاختلاس واستغلال النفوذ، ظلت مشاريع قوانين مهمة، قديمة، تمت مناقشتها وتعديلها عدة مرات، مجمدة على مستوى الأمانة العامة للحكومة.
وتؤكد التقارير الدولة المنجزة، أن الحكومة لم تبارح مكانها في محاربة الفساد ونهب المال العام، ولم تلتزم الحكومة بما ورد في البرنامج الحكومي بمكافحة الفساد في تدبير الشأن العام. وسبق لرئيس الحكومة الإعلان عن اتخاذ مجموعة من الإجراءات تتمثل في العمل على تقوية مؤسسات الرقابة والمحاسبة وتكريس استقلالها وتفعيل توصيات تقاريرها عبر توطيد دور المفتشية العامة للمالية من خلال تحديث المنظومة القانونية المؤطرة لتدخلاتها، ناهيك عن أن حزب العدالة والتنمية جعل من شعار «محاربة الفساد» قضيته المركزية خلال حملته الانتخابية، والتي بوأته نتائجها المرتبة الأولى التي أوصلته إلى رئاسة الحكومة.
وتوصلت الحكومة بالعديد من الشكايات حول الفساد والرشوة، وذلك عن طريق الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة. وبخصوص مآل الشكايات التي تمت إحالتها سواء على السلطات القضائية أو الإدارية، فقد سجلت الهيئة المركزية أن أغلب الإجابات التي تم التوصل بها تفيد بالإحالة على مصالح البحث أو أجهزة المراقبة والتفتيش التابعة للإدارات المعنية، كما سجلت بعض التأخير في الإفادة بالتدابير والإجراءات المتخذة بشأنها. وتقترح الهيئة منحها صلاحيات واسعة من خلال توسيع مفهوم الفساد والتجاوب مع السقف الذي منحه الدستور لهذه الأخيرة في «المبادرة والتنسيق والإشراف وضمان تتبع تنفيذ سياسات محاربة الفساد»، من خلال تمكينها بشكل خاص من حق المبادرة، تلقائيا أو بطلب، بإبداء الرأي، وموافاتها بمآل توصياتها وآرائها وتبليغاتها، مع تعليل قرارات الحفظ التي قد تُتخذ من طرف النيابات العامة بشأن محاضر تحرياتها، وأيضا تمكين الهيئة بشكل واضح من حق الحصول على الوثائق والمعلومات داخل الآجال التي تحددها، وعدم الاعتراض على عمليات التحري التي تقوم بها أو الاحتجاج بالسر المهني في مواجهتها، وتخويلها الضمانات القانونية لمواجهة الحالات المحتملة لعدم التجاوب مع صلاحياتها، إضافة إلى تخويل محاضر مقرري الهيئة الحجية القانونية المطلوبة.
"ترانسبرانسي": الفساد يعيق التنمية والحكومة فشلت في محاربته
اعتبرت منظمة (ترانسبرانسي- المغرب) أن النقاش الحالي حول النموذج التنموي الجديد يستوجب الأخذ في الاعتبار جدية مكافحة الفساد والقطع تماما مع اقتصاد الريع. وأكدت المنظمة غير الحكومية، في ندوة صحفية خصصت لتقديم تقرير حول مؤشر مدركات الفساد لعام 2019 ومقياسه العالمي في منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط و(مينا)، على «ضرورة تعزيز دور المؤسسات المسؤولة عن الحفاظ على التوازن وفصل السلطات وسد الثغرات في تطبيق التشريعات».
وشددت المنظمة، في تقريرها، أيضا، على تعزيز استقلالية القضاء ودعم منظمات المجتمع المدني التي تساهم في تتبع النفقات والصفقات العمومية، فضلا عن دعم وسائل الإعلام الحرة والمستقلة. ويدعو التقرير، الذي قدمه عز الدين أقصبي، وهو خبير اقتصادي وعضو (ترانسبرانسي- المغرب)، إلى تفعيل الاستراتيجية الوطنية لمكافحة هذه الظاهرة، والنهوض بالشفافية والمساءلة من خلال الإصلاح واعتماد قانون حول تضارب المصالح، وإلى ضرورة مراجعة القوانين بغية ضمان حماية الشهود والإصلاح الفعلي للنصوص القانونية المتعلقة بالتصريح بالممتلكات.
وحسب التقرير، فإن المغرب، الذي حصل على معدل متوسط بـ 38.75 خلال السنوات الثماني الماضية، خسر نقطتين وسجل تراجعا بـ 7 درجات في التصنيف المتعلق بهذا المؤشر، ليحتل المرتبة 80 بينما كان السنة الماضية في المرتبة الـ73. كما يرتكز مؤشر مدركات الفساد لعام 2019 على دراسات استقصائية مختلفة لتحديد درجة وتصنيف الدول على سلم الرشوة والعجز على مستوى الشفافية، يتراوح من 1 (جد فاسد) إلى 100 (قليل الفساد)، حيث يعتمد مؤشر 2019 على 13 تحقيقا وتقييما من إنجاز وكالات وخبراء لقياس فساد القطاع العام في 180 بلدا.
وكشف الاستطلاع الذي أجرته المنظمة أن 74 في المائة من المغاربة يعتبرون أن الحكومة تقوم بعمل سيئ في مكافحة الفساد، حيث أظهرت أرقام الاستطلاع أن عدم ثقة المواطنين في عمل الحكومة الخاص بمحاربة الفساد ارتفع بمعدل 10 نقاط، من 64 في المائة سنة 2015 إلى 74 بالمائة في 2019، فيما يعتقد 41 في المائة من المغاربة الذين شاركوا في الاستطلاع أن أعضاء البرلمان مرتشون، وتصل النسبة إلى 37 في المائة بالنسبة للمسؤولين الحكوميين و38 في المائة بالنسبة للمسؤولين الترابيين، و 28 في المائة بالنسبة لرجال الأعمال. فيما طالب المستجوبون في الاستطلاع بسد الثغرات في مجال إنفاذ القوانين وتطبيق التشريعات، وتعزيز المؤسسات المسؤولة عن الحفاظ على التوزان بين السلط، ودعم منظمات المجتمع المدني التي تساهم في تتبع النفقات والصفقات العمومية، خاصة في الجوانب المتعلقة بالحصول على المعلومة.
وسجلت المنظمة تراجع المغرب في مؤشر إدراك الفساد الذي يصدر عالمياً من طرف الشبكة الدولية، موضحة، في تقريرها، أن المغرب انتقل من المرتبة 73 من أصل 180 دولة سنة 2018، إلى الرتبة 80 عالمياً في سنة 2019، فيما حصل سنة 2018 على 43 من أصل 100، وفي سنة 2019 حصل على 41، حسب أرقام الجمعية التي كشفت «غياب أي تغيير نحو محاربة الفساد، والاستمرار والركود في منطقة الفساد النسقي»، حسب المنظمة التي أشارت إلى أن «الاستراتيجية الوطنية لمحاربة الفساد التي صُودق عليها سنة 2015 لم تُفعل بالشكل المطلوب».
وحسب التقرير ذاته، فإنه يحق لجميع المغاربة قانونًا طلب المساعدة من الشرطة عندما يطالبون بدفع رشاو، لكن معظم الناس لا يعرفون هذا الحق أو يحجمون عنه، إما لأنهم يعتقدون أن القضاء سوف يطلب مزيداً من الدفوعات غير القانونية، أو لأنهم يخشون انتقام السلطات التي يرفعون شكاوى ضدها. وسجل الاستطلاع أن عدد المغاربة الذين يرون أن العاملين بمؤسسات الدولة متورطون في الفساد 40 في المائة يعتقدون أن معظم العاملين بالبرلمان أو جميعهم متورطون في الفساد، أما الموظفون الحكوميون على المستوى الوطني والمحلي، فيعتقد 38 في المائة و37 في المائة من المغاربة على التوالي أنهم متورطون في الفساد.
وقالت المنظمة إن «غياب الإرادة السياسية وضعف المساءلة وتدني مستوى الحوكمة في المغرب يتسبب في تفشي الفساد الممنهج. وفي مطلع هذه السنة، رد المواطنون على ذلك باحتجاجات امتدت على نطاق واسع». وأضاف التقرير أن «التعامل مع قضايا الفساد كشف فجوة بين الوعود التي يقطعها القادة وبين عملهم على أرض الواقع»، فالسلطات تجاهلت العديد من القضايا والإجراءات القضائية، وهذا هو ما دفع - وفق نتائج مقياس الفساد العالمي- إلى أن «يرى مواطن مغربي من بين أربعة مواطنين أن معظم القضاة وموظفي القضاء والشرطة أو كلهم متورطون في الفساد»، وأعرب 47 في المائة من المغاربة عن عدم رضاهم عن مستوى الديمقراطية في البلد.