ملف سياسي.. هل ستتغير خريطة التحالفات الحزبية قبل انتخابات 2021 ؟ - تيلي ماروك

ملف سياسي - التحالفات الحزبية - انتخابات 2021 ملف سياسي.. هل ستتغير خريطة التحالفات الحزبية قبل انتخابات 2021 ؟

ملف سياسي.. هل ستتغير خريطة التحالفات الحزبية قبل انتخابات 2021 ؟
  • 64x64
    تيلي ماروك
    نشرت في : 25/02/2020

رغم الهدوء الذي يطبع المشهد السياسي المغربي، إلا أن هناك تحركات خلف الكواليس لإعادة رسم الخريطة السياسية، مع اقتراب موعد الاستحقاقات الانتخابية، وفشل تجربة التحالفات التي طبعت الحياة السياسية منذ انتخابات 2011، والتي أفرزت فوز حزب العدالة والتنمية، فهل ستتحقق «معجزة» تحالف بين حزبي العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة، بعد تغيير قيادة هذا الأخير؟ وهل سيتم إحياء «حلم» الكتلة الديمقراطية، في ظل تحركات التنسيق بين أحزاب الاستقلال والتقدم والاشتراكية والاتحاد الاشتراكي؟

على بعد سنة ونصف من حلول التاريخ المحدد لإجراء الانتخابات الجماعية والتشريعية لسنة 2021، بدأت تتشكل معالم خريطة سياسية جديدة، بعد تجريب وصفة تحالف هجين، خلال مرحلة الحكومة السابقة والحالية. وبدأ حزب الأصالة والمعاصرة يرتب بيته الداخلي، والاستعداد لهذه المحطة التي ستكون حاسمة في رسم معالم المرحلة المقبلة، وبالمقابل برزت مؤشرات حول تقارب بين حزبي الاستقلال والاتحاد الاشتراكي، وقد ينضاف إليهما حزب التقدم والاشتراكية بعد خروجه من الحكومة، لإحياء تحالف الكتلة الديمقراطية. وشرعت بعض الأحزاب السياسية ترتب أوراقها الداخلية تمهيدا لبناء تحالفات حزبية، وإعادة ترتيب المشهد السياسي والحزبي الوطني، بعدما اختلط الحابل بالنابل، خلال تشكيل الحكومة الحالية، فيما بدأت أحزاب أخرى في حملة انتخابية مبكرة، بتنظيم لقاءات تواصلية بالعديد من المدن. فضلا عن بروز مؤشرات سياسية على إمكانية حدوث تحولات عميقة في خريطة التحالفات الحزبية، خاصة بعد تحالف حزب العدالة والتنمية مع حزب الأصالة والمعاصرة على مستوى جهة طنجة- تطوان- الحسيمة، وهو التحالف الذي أثار الكثير من الجدل داخل الحزبين وخارجهما.

تحالف «البام» و«البيجيدي»

بعد خلافات وصراعات داخلية دامت حوالي سنة، نجح حزب الأصالة والمعاصرة في تنظيم مؤتمره الوطني الرابع، الذي توج بانتخاب عبد اللطيف وهبي أمينا عاما للحزب، خلفا لحكيم بنشماش، ما يعزز فرضية التقارب بين «البام» وحزب العدالة والتنمية، خاصة أن الأمين العام الجديد أعلن، في خطاب انتخابه على رأس «الجرار»، قبل أسبوعين، انتقال حزبه إلى مرحلة جديدة أساسها الانفتاح على جميع القوى السياسية، مع الحديث عن إمكانية فتح صفحة جديدة في علاقته مع غريمه السياسي، حزب العدالة والتنمية، القائد الحالي للتحالف الحكومي. وحرص وهبي، حتى قبل انتخابه، على توجيه رسائل ود إلى حزب العدالة والتنمية، عندما شدد، في كلمة ألقاها في تجمع خطابي بمدينة طنجة، على أن حزب الأصالة والمعاصرة «أصبح حزبا عادياً مثله مثل جميع الأحزاب بعيداً عن الخطوط الحمراء والخضراء والزرقاء ولا البيضاء»، وقبلها قال وهبي إن «العدالة والتنمية ليسوا إسرائيليين ونحن لسنا يهوداً، كلنا مغاربة ونعتز بمغربيتنا، ونعتز بالأحزاب الوطنية باختلافي معها»، مشيرا إلى أنه «لم يكن لدي في أي وقت خط أحمر مع أي حزب، بدليل اتصالاتي منذ عام 2012 مع حزب العدالة والتنمية».

لكن يبدو أن فكرة التقارب مع حزب الأصالة والمعاصرة في عهد قيادته الجديدة تواجه معارضة قوية من طرف بعض قادة حزب العدالة والتنمية، حيث مازالت قيادة الحزب منقسمة بهذا الخصوص ولم تحسم الموضوع، ناهيك عن أن سعد الدين العثماني، الأمين العام للحزب، ربط التحالف مع الأصالة والمعاصرة بمعبرين أساسيين، أولهما ضرورة تقديم نقد ذاتي من قبل القيادة الجديدة للحزب، وثانيهما اعتذار القيادة السابقة عن كل ما بدر منها تجاه «المصباح».

وعلق عبد العزيز أفتاتي، القيادي بحزب العدالة والتنمية، على انتخاب عبد اللطيف وهبي أمينا عاما جديدا لحزب الأصالة والمعاصرة، وإمكانيات التقارب ما بين حزب العدالة والتنمية وحزب «الجرار»، قائلا: «بإلياس أو بدونه لا تحالف مع حزب البؤس». وأكد أفتاتي أن انتخاب وهبي أمينا عاما لن يغير شيئا في موقف حزب العدالة والتنمية مما أسماه «حزب البؤس»، معتبرا أن «موقف الحزب ثابت كما كان الأمر عليه منذ أمينه السابق إلياس العماري، وأن لا تغير في موقفه السياسي». واعتبر افتاتي أن منطق التقارب بين العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة منطق مرفوض، قائلا: «موقفي من البؤس لا يتزحزح ولن يتغير، فحيث ما كان البؤس يجب أن نواجهه ونأخذ مسافة كافية لمواجهته».

وبدوره، اعتبر البرلماني السابق، والقيادي بالحزب، عبد الصمد الإدريسي، في تدوينة له على «فيسبوك»، أن «مشكلة الأصالة والمعاصرة تكمن في نشأته وتأسيسه، ومؤسسيه، ومساره، وممارساته، ومصادر تمويله، وآليات دعمه، والتخويف الذي مارسه ضد جزء من الطبقة السياسية»، مشيرا إلى أن الموقف الذي اتخذه حزبه لم يتغير، وأنه ما زال يعتبر حزب الأصالة والمعاصرة، «ورماً أصاب الحياة السياسية والحزبية».

وصفة تجريبية للتحالف

أثار تحالف حزب العدالة والتنمية مع حزب الأصالة والمعاصرة على مستوى جهة طنجة – تطوان- الحسيمة الجدل في الأوساط الداخلية للحزبين، وذلك عندما قرر حزب العدالة والتنمية سحب مرشحه سعيد خيرون مقابل حصوله على منصبي النائب الأول والخامس في تشكيلة المكتب الجديد لمجلس جهة طنجة، ليجد نفسه أمام سيل من الانتقادات التي عبر عنها عدد من مناضليه وقياديين من شبيبته.

واستغربت تعليقات عدد من مناضلي «البيجيدي» تحول موقف حزب العدالة والتنمية بشأن حزب الأصالة والمعاصرة، وتساءل البعض عما إذا كان هذا التحالف الجهوي مقدمة لتحالف أكبر على المستوى الوطني في المستقبل القريب.

ولم تقتصر الانتقادات على قواعد حزب العدالة والتنمية، بل امتدت لبعض أعضاء الأمانة العامة للحزب، التي  اعتبرت أن منطق السياسة تغيير الموقف 180 درجة يقتضي نقاشا سياسيا يجيب عن سؤال: ما الذي تغير؟ وفي الوقت الذي كان التوجه السائد داخل مجلس جهة طنجة- تطوان هو الحفاظ على الأغلبية السابقة برئاسة فاطمة الحساني، الشيء الذي دفع حزب العدالة والتنمية بالجهة إلى إصدار بلاغ يوم 20 أكتوبر، جاء فيه أن «الاستمرار في منطق خلق أغلبيات هجينة هو تكرار لنفس سيناريو 2015، مع ما ترتب عنه من هدر للزمن التنموي، خاصة وأن هذا المسار يخالف مسار الديمقراطية الجهوية والمحلية ويضرب أسس بناء جهوية متقدمة حقيقية كما دعا إليها جلالة الملك  نصره الله في مختلف المناسبات»، ورشح الحزب سعيد خيرون لمنافسة «البامية» فاطمة الحساني على رئاسة الجهة.

وكشف سليمان العمراني، نائب الأمين العام لـ«البيجيدي» أن قرار تحالف الحزب مع الأصالة والمعاصرة كان تحت إشراف لجنة عينها الأمين العام، سعد الدين العثماني، معتبرا أن هذا القرار «أملاه تفاعل الحزب مع طلب وارد عليه من جهة الترشيح في هذه الجهة»، مضيفا أن التحاق «البيجيدي» بالأغلبية في الجهة «أمر مهم ونأمل منه فوائد عديدة». واعتبر العمراني أن قرار التحالف جاء تنزيلا للمقرر التنظيمي الذي ينص على أنه «تشرف على تدبير التحالفات وتعيين مرشحي الحزب للرئاسة أو لعضوية مكاتب مجالس الجهات أو المدن الكبرى، لجن يعينها الأمين العام وتعمل تحت إشرافه»، موضحا أن «ممثلي الكتابة الجهوية للحزب بجهة طنجة تطوان الحسيمة نقلوا للأمين العام مع اللجنة المعنية الحيثيات والخلاصات التي انتهى إليها اجتماع الكتابة الجهوية وفريق الحزب بالجهة، حيث كان التوجه العام يسير نحو المشاركة في التسيير».

وسادت موجة غضب واسعة في أوساط قيادات من «البيجيدي» وشبيبة الحزب منذ إعلان قرار  التحالف مع غريم الحزب. وعبر عبد العزيز أفتاتي، عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، عن رفضه لتحالف حزبه مع حزب الأصالة والمعاصرة، معتبرا أن «هذا التحالف مع «البام» تجب معرفة على ماذا تأسس وما هي تطوراته، وهذا يمكن الإجابة عنه من طرف الكتابة الجهوية للبيجيدي»، معتبرا أن  الحزب في «مرحلة سياسية تحضر فيها الأجندة المناهضة السلطوية والبام كائن فاسد سلطوي وليس لنا خيار إلا مواجهته وإحراق جميع السفن المؤدية إلى أي موقع فيه»، على حد تعبير أفتاتي، فيما نشر عدد من نشطاء شبيبة الحزب تدوينات بموقع التواصل الاجتماعي (فايسبوك)، اعتبروا فيها أن قرار العثماني التحالف مع الأصالة والمعاصرة «ضرب لتوجه ومبادئ العدالة والتنمية».

وتحركت موجة سخط عارمة في هياكل الحزب في جهة طنجة الحسيمة، التي اعتبرت أن قرار التحالف يضرب مصداقية مبادئ الحزب، مشيرة إلى أن الأمانة العام للحزب سبق وقررت حل فرع الحزب بوجدة بسبب تحالف أعضائه مع حزب الأصالة والمعاصرة، «فما العامل الذي تغير حتى يتم رفض التحالف مع الحزب في وجدة وقبوله في طنجة»، مؤكدة أن «الغاضبين من قرار التحالف بدؤوا التنسيق من أجل توجيه مراسلة إلى الأمين العام، سعد الدين العثماني، يعبرون فيها عن رفضهم لهذا القرار».

ومن شأن هذا التقارب بين حزبي العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة، وهما اللذان كانا يعتبران بعضهما البعض خطا أحمر، أن يعبد الطريق نحو تقارب في المستقبل على طاولة المصالح الانتخابية، خلال الانتخابات التشريعية القادمة في 2021 أو حتى الانتخابات المحلية، حيث بات الحزبان يبديان مرونة كبيرة في التلاقي بين تصوراتهما، وهي المرونة التي لم تجد لها مكانة إبان تزعم عبد الإله بنكيران لحزب العدالة والتنمية، وإلياس العماري لحزب الأصالة والمعاصرة.

تقارب لإحياء الكتلة

هناك ترتيبات في الكواليس لإعادة إحياء تحالف الكتلة الديمقراطية، بعد خروج حزب التقدم والاشتراكية من الحكومة، واصطفافه في المعارضة إلى جانب حزب الاستقلال. وقرر حزب التقدم والاشتراكية قطع علاقته المتميزة مع حزب العدالة والتنمية، ووضع نقطة لنهاية التحالف الذي جمعهما تحت سقف حكومة واحدة منذ سنة 2012. وفي هذا الصدد رفض المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية رفضا قاطعا مقترحا تقدم به الأمين العام للحزب، نبيل بنعبد الله، بعقد اللقاء السنوي المشترك بين المكتب السياسي للحزب والأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، وذلك بناء على طلب أمينه العام ورئيس الحكومة، سعد الدين العثماني. وأوضحت المصادر أن أغلبية أعضاء المكتب السياسي اعترضوا على المقترح بعد خروج الحزب من الحكومة.

هذا وبرزت مؤشرات حول عودة التقارب بين حزبي الاستقلال والاتحاد الاشتراكي، وهناك ترتيبات لعقد اجتماع مشترك لقيادتي الحزبين. ويرى العديد من المتتبعين للمشهد السياسي، أن هذا التقارب سيعيد النظر في رسم خريطة التحالفات الحزبية، خاصة أن قادة الحزبين يلحون على أهمية وضرورة إعادة بناء الكتلة الديمقراطية بصيغة جديدة قد تنفتح على أحزاب محسوبة على الصف اليساري، والتي تشكل إطارا للتحالفات والوحدة بين ما يعرف بالأحزاب الوطنية التقدمية مبنية على برامج واضحة وتصورات مشتركة. وحسب مراقبين، فإن التحولات النوعية التي شهدها المشهد السياسي المغربي بعد الدستور الجديد ونتائج الانتخابات التشريعية التي أفرزت فوز حزب العدالة والتنمية ذي التوجه الإسلامي ووصوله إلى قيادة الحكومة، تفرض إعادة هيكلة التقاطبات السياسية برمتها، وخاصة بالنسبة للأحزاب المنحدرة من العائلة اليسارية.

وتبقى المهمة المطروحة اليوم على الأحزاب اليسارية، هي بناء تحالفات قوية مؤسسة على أرضيات إيديولوجية وسياسية واضحة المعالم، وهو المدخل الأساسي للحفاظ على التوجه الديمقراطي في الساحة السياسية، كدليل على هذه الضرورة، خاصة بعد النتائج التي أفرزتها الانتخابات، لكن هناك مجموعة من العراقيل التي يمكن أن تشكل عائقا أمام هذه الوحدة، وعلى رأسها تباين بل أحيانا تناقض مرجعياتها الفكرية والمذهبية، كما أن هناك عائقا آخر يقف في وجه تحقيق هذا التحالف أو الاندماج يتجلى في طبيعة الأهداف المرجوة منه، فالمبادرات المقدمة في هذا الإطار لا تميز بين ما هو ظرفي وما هو استراتيجي، مثلما لا تضع ضوابط قانونية وسياسية لهذه التحالفات. ويكاد أغلب الباحثين والمحللين يجمعون على أن نتائج الانتخابات التشريعية في المغرب التي حملت حزب العدالة والتنمية الإسلامي إلى رئاسة الحكومة، ساهمت في خلخلة المشهد السياسي في المغرب وإعادة تشكيل خريطة التحالفات الحزبية، فضلا عن أنها وضعت حد النهاية لجميع التحالفات التي كانت قبل هذه الانتخابات.

وسبق لإدريس لشكر، الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي، أن فسر الوضع الذي خلقته نتائج الانتخابات، بالقول إن هذه النتائج كادت أن توصلنا إلى نوع من القطبية الحزبية الكبرى لولا بعض المواقف الحزبية المتسرعة والدخول في بعض التحالفات والتحالفات المضادة السابقة للانتخابات التي كرست الخلل، بينما كان يتعين انتظار النتائج لتشكيل تحالفات موضوعية قائمة على وضوح في الهوية وتمايز في البرامج، مؤكدا أن نتائج الانتخابات حققت مع ذلك بعض المكاسب على هذا الطريق، حيث توارت من المشهد جل الأحزاب الصغيرة، وبرزت على الساحة حوالي ثمانية أحزاب كبرى توزعت بين مواقع الأغلبية والمعارضة. وحسب قيادي بارز بالحزب، فإن دور الاتحاد الاشتراكي، حاليا، هو قيادة أحزاب المعارضة، والتعبئة من أجل بناء قطب يساري حداثي يتكون من القوى اليسارية الديمقراطية والاشتراكية، مشيرا إلى أن التحالفات الحزبية السابقة انتهت، «ونحن في بداية عهد جديد يمكن أن يفضي مستقبلا إلى فرز سياسي يتمثل في إنتاج أقطاب كبرى تتمحور حولها مشاريع مجتمعية شاملة على اعتبار أن التعددية الحزبية في المغرب لا تعكس فعلا تعددية سياسية في المشاريع والبرامج المقترحة التي تسهل التداول على السلطة»، مستبعدا إمكانية بناء تحالف مع حزبي التجمع الوطني للأحرار والأصالة والمعاصرة.

بداية تشكيل الخريطة السياسية بمراجعة القوانين الانتخابية

انطلقت التسخينات الأولية للانتخابات التشريعية والجماعية المقرر إجراؤها خلال سنة 2021، حيث سارع فريق حزب العدالة والتنمية إلى وضع مجموعة من مقترحات القوانين على مكتب مجلس النواب، تخص تعديل القوانين التنظيمية المتعلقة بالجهات والعمالات والأقاليم والجماعات، وتهدف هذه التعديلات الحد من صلاحيات وزارة الداخلية والولاة والعمال في ممارسة الوصاية على المجالس المنتخبة، ومنها صلاحيات عزل الرؤساء ونوابهم وكذلك توقيف المجالس في حالة رفضها القيام بالأعمال المنوطة بها.

إشكاليات الوصاية

أكد فريق الحزب الذي يقود الحكومة في مذكرة مرفقة لهذه المقترحات، أن القوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية عززت دور القضاء في مراقبة ممارسة رؤساء وأعضاء مجالس الجماعات الترابية لاختصاصاتهم، وذلك لتجاوز الإشكاليات المتعلقة بالوصاية التي كانت تمارس من طرف سلطات وزارة الداخلية أو الولاة أو العمال على هذه المجالس الترابية في ظل القوانين السابقة، وذلك بالتنصيص على اختصاص القضاء وحده في حل جميع المنازعات المتعلقة بتسيير المجالس (العزل، الحل، بطلان المداولات، إيقاف تنفيذ المقررات والقرارات...)، وتحديد دور الولاة والعمال في مساعدة رؤساء الجماعات الترابية خاصة رؤساء الجهات على تنفيذ المخططات والبرامج التنموية طبقا للفصل 145 من الدستور، في انسجام تام مع مبدأ التدبير الحر الذي أصبحت تتمتع به الجماعات الترابية في ممارسة اختصاصاتها.

وبدورها، تعكف وزارة الداخلية على مراجعة الترسانة القانونية المتعلقة بالانتخابات وكذلك بتنظيم مجالس الجماعات الترابية، قبل إعداد مشاريع قوانين تتعلق بتعديل القوانين التنظيمية للجهات والجماعات والأقاليم والعمالات، وذلك إثر الوقوف على عدة ثغرات ونقائص تشوب هذه القوانين منذ الشروع في تطبيقها عمليا قبل ثلاث سنوات. وأكدت المصادر، أنه من بين الأوراش التي تشتغل عليها وزارة الداخلية مراجعة القوانين الانتخابية، ومن المتوقع أن تشمل التعديلات نمط الاقتراع وكذلك التقطيع الانتخابي وتمويل الأحزاب السياسية، حيث توصلت الوزارة بعدة مذكرات وضعتها أحزاب سياسية، تتضمن مطالب بإدخال تعديلات جوهرية على مدونة الانتخابات وكذلك مراجعة التقطيع الانتخابي، قبل حلول موعد سنة 2021، تاريخ تنظيم الاستحقاقات الانتخابية الجماعية والتشريعية، وتطالب العديد من الأحزاب السياسية بمراجعة نمط الاقتراع المعمول به حاليا، من خلال تنظيم الانتخابات الجماعية والتشريعية المقبلة وفق نمط الاقتراع الفردي عوض الاقتراع باللائحة، وستنظم لجنة الداخلية بمجلس النواب، يوما دراسيا حول مراجعة هذه القوانين، سيتم من خلاله تجميع جل التعديلات الواردة في مقترحات القوانين التي وضعتها الفرق البرلمانية، لبلورتها في مشاريع قوانين ستقدمها وزارة الداخلية.

مطالب بتعديل مدونة الانتخابات

من جهتها، فتحت العديد من الأحزاب السياسية مشاورات من أجل تقديم مذكرة تتضمن إدخال تعديلات جوهرية على مدونة الانتخابات وكذلك مراجعة التقطيع الانتخابي، قبل حلول موعد سنة 2021، تاريخ تنظيم الاستحقاقات التشريعية التي ستفرز الحكومة المقبلة، ووجهت بعض الأحزاب مذكرات إلى رئاسة الحكومة ووزارة الداخلية، تطالب من خلالها بإصلاح النظام الانتخابي، من خلال إعادة النظر في نمط الاقتراع، والعودة إلى نمط الاقتراع الإسمي الأحادي، بما يحققه ذلك من توسيع حق التشريع ورفع نسبة المشاركة في الانتخابات، كما تطالب بعض الأحزاب بمراجعة نمط الاقتراع عبر اللائحة بدعوى أنه أصبح مشبوبا بعيوب كثيرة، ومن بين الأحزاب التي تطالب بإدخال تعديلات على مدونة الانتخابات والتقطيع الانتخابي، هناك حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية المشارك في الأغلبية الحكومية، حيث عقدت لجنة الشؤون السياسية والمؤسساتية والحقوقية التابعة للحزب، اجتماعا خصص لمناقشة تعديل القوانين الانتخابية.

ويقترح الاتحاد الاشتراكي فتح مشاورات بين مكونات الأغلبية الحكومية حول مراجعة نمط الاقتراع المعمول به حاليا، من خلال تنظيم الانتخابات الجماعية والتشريعية المقبلة وفق نمط الاقتراع الفردي، وكان هذا الموضوع، تداوله المجلس الوطني لحزب الاتحاد الاشتراكي، الذي أكد في بيانه الختامي على ضرورة المراجعة الجذرية للمنظومة الانتخابية، ونهج إصلاحات سياسية عميقة من أجل ضمان تمثيلية حقيقية في كل الهيآت المنتخبة، وذلك «للقطع مع الأنظمة الزبونية والريعية، التي شوهت العملية الديمقراطية، تارة بطرق الرشوة المباشرة وتارة بالرشوة المغلفة بالإحسان، وهي نماذج لم تنتج سوى ضعف أو غياب الكفاءة والتسيب واللامسؤولية، مما انعكس سلبا على أداء العديد من الهيآت المنتخبة».

صراعات وحروب تؤكد فشل تجربة التحالف بين أحزاب الأغلبية

هناك شبه إجماع على أن الأغلبية الحكومية الحالية تتخبط في الصراعات والخلافات، التي تبرز من حين لآخر، وذلك بسبب التحالف الهجين بين مكوناتها المتباعدة سياسيا وإيديولوجيا. ومنذ أزيد من سنة، لم تعقد هيئة التحالف أي اجتماع، رغم توقيع الأمناء العامين لأحزاب التحالف على ميثاق الأغلبية، الذي يقوم على خمسة مرتكزات أساسية، تتعهد الأحزاب المشكلة للأغلبية بالعمل على تحقيقها، والمتمثلة في التشاركية في العمل، والنجاعة في الإنجاز، والشفافية في التدبير والتضامن في المسؤولية.

تعهدات ميثاق الأغلبية

تتعهد الأحزاب الموقعة على الالتزام بمستوى عال من التنسيق والانسجام والدفاع المشترك والتضامن في تحمل الأغلبية لكامل مسؤولياتها الدستورية والسياسية لتدبير الشأن العام وتحقيق ما التزمت به أمام المواطنات والمواطنين عند التنصيب النيابي، والمساهمة في الرفع من نجاعة وإنتاجية المؤسستين التشريعية والتنفيذية، بما يعزز مكانتهما الدستورية ومصداقيتهما، علاوة على المواظبة الفعالة والمنتجة في عمل البرلمان بغرفتيه بما يرسخ حضورها الوازن كأغلبية سياسية، والالتزام بالعمل على الاتفاق على مقترحات القوانين وعلى التعديلات على مقترحات ومشاريع القوانين، وعلى المطالبة بتشكيل لجان تقصي الحقائق، وكذا المساهمة في بلورة وإقرار السياسات العمومية والدفاع المشترك عنها بالجدية والمصداقية المطلوبتين، والرفع من مستوى العمل المؤسساتي والسياسي بما يخدم تقدم الممارسة الديمقراطية والحكامة الجيدة ويكرس ربط المسؤولية بالمحاسبة، والتواصل والتشاور مع المعارضة والحوار والإنصات إلى كل القوى الحية بما يكرس الاستثمار الإيجابي للتعددية والاختلاف ويضمن التعاون والتضامن حول القضايا الوطنية والمصالح العليا للبلاد.

ولتفعيل مضمون الميثاق وتحقيق أهدافه، تنظم وتدبر وتقيم الأغلبية عملها وفق عدة آليات، من بينها هيئة رئاسة الأغلبية، التي تتكون من رئيس الحكومة رئيسا، وعضوية الأمناء العامين للأحزاب السياسية المشكلة للأغلبية الحكومية أو من ينوبون عنهم، إضافة إلى قيادي ثان من كل حزب.

وتنعقد اجتماعات هيئة رئاسة الأغلبية بدعوة من رئيس الحكومة لتتبع وتقييم تنفيذ البرنامج الحكومي ودراسة كل القضايا المرتبطة بتدبير شؤون الأغلبية، والسهر على روح التعاون والانسجام والاندماج في العمل الحكومي والبرلماني والسياسات العمومية.

هيئة الأغلبية بمجلس النواب

تشكل الآليات المذكورة هيئة الأغلبية بمجلس النواب، التي تتكون من رؤساء فرق ومجموعات أحزاب الأغلبية، أو من ينوبون عنهم، وتكون رئاستها بشكل دوري كل سنة تبدأ حسب ترتيب عدد المقاعد بمجلس النواب. وتنعقد اجتماعاتها العادية مرة كل شهرين، ويمكنها عقد اجتماع أسبوعي للتتبع والتنسيق أثناء الدورات، أو بصفة استثنائية بطلب من أحد الرؤساء. ويعمل أعضاء الأغلبية على التنسيق في ما بينهم في اجتماعات أجهزة مجلس النواب، وخاصة مكتب المجلس، ويعينون منسقا للأغلبية في كل اللجان النيابية الدائمة، وذلك بالتناوب بينهم بشكل دوري كل دورة تشريعية.

أما آلية هيئة الأغلبية بمجلس المستشارين، فتتكون من رؤساء فرق أحزاب الأغلبية، أو من ينوبون عنهم، وتكون رئاستها بشكل دوري كل سنة تبدأ حسب ترتيب عدد المقاعد بمجلس المستشارين. وتنعقد اجتماعاتها العادية مرة كل شهرين، ويمكنها عقد اجتماع أسبوعي للتتبع والتنسيق أثناء الدورات، أو بصفة استثنائية بطلب من أحد الرؤساء، فضلا عن اجتماعات هيئة رئاسة الأغلبية مع هيئتي الأغلبية بمجلسي البرلمان، والتنسيق بين هيئتي الأغلبية بمجلسي البرلمان، التي تعمل على التنسيق بخصوص مقترحات ومشاريع القوانين وتقديم التعديلات والتصويت، وكذا بخصوص المواضيع الأخرى التي تهم العمل البرلماني.

الأحزاب السياسية تبرم «تفاهمات» وليس تحالفات

منذ انتخاب رئيس مجلس المستشارين ظهر تصدع كبير على مستوى التحالفات التي يفضل كثيرون وصفها ب «تفاهمات»، لأن التحالفات في نظرهم مبنية أساساً على التقارب الإيديولوجي، الذي يعد معياراً أولياً، قبل إعلان أي تكتل. فقد يبدو «انحلال» التحالفات سواء تلك المتعلقة بالأغلبية الحكومية وتفككها، أو المرتبطة بأحزاب المعارضة الحكومية، كان معلناً سابقاً، حتى قبل أن يبدأ المسلسل الانتخابي، الذي كشف «عورات» تحالفات عدة، بدت المصلحة هي المعيار الأساسي الذي ساهم في بنائها وتشكيلها أول مرة.

شدد الباحث والمحلل السياسي، إدريس بنيعقوب، على ضرورة التذكير بأهم المفاهيم التي أنتجها العقل السياسي في تدبير أجهزة الدولة السياسية، موضحا أنه كثيرا ما يختلط الأمر ما بين مفهومي التحالف السياسي والائتلاف الحكومي، وأشار إلى أن هذين المفهومين مختلفان من حيث الأساس النظري وتترتب عنهما نتائج مختلفة، فالتحالف السياسي يعرفه المختصون بكونه خلق ارتباطا بين فاعلين سياسيين غالبا ما تكون أحزاب سياسية لها تقارب إيديولوجي وفكري كبير جدا على أساسه تبنى الأغلبيات البرلمانية والحكومية، وهو لا يهتم كثيرا بالاختلافات في التصورات الإجرائية للسياسات العمومية بقدر ما يعطي قيمة كبيرة للبعد الفكري، وينتج عنه برنامج سياسي وتدبيري واضح ومنسجم مع مرجعياتها و يشكل العلاقة الطبيعية والإطار العادي لممارسة تدبير الدولة بين أحزاب متقاربة سياسيا، غالبا ما ينشأ التحالف أثناء الانتخابات ويكون بشكل دائم ولا يحتاج إلى وضع ميثاق أو اتفاق مكتوب محدد الالتزامات بقدر ما يؤسس على البعد الأيديولوجي والفكري المتقارب.

أما الائتلاف، فيمليه السياق المأزوم غالبا، حسب بنيعقوب، فتضطر الأحزاب المختلفة سياسيا ونظريا ومرجعيا إلى التوافق على حد أدنى من الموافقات بغية صياغة برنامج حكومي قطاعي، وغالبا ما يكون ظرفيا ومؤقتا وهشا غير مستقر وقابل للتحلل حسب الأهواء السياسية للمتآلفين، وحسب تغير مراكز القوى والنفوذ السياسي. هذا الائتلاف يحتاج إلى وضع ميثاق سياسي أخلاقي مكتوب في شكل تعاقد يحدد الالتزامات المرتبطة بالتنسيق والتنفيذ في ما يتعلق بالبرنامج الحكومي والتشريعي، ويوضع قبل أي ترتيب حكومي كضمانة للثقة وإزالة عناصر الشك في الاستمرار في التدبير المشترك وفي نفس الوقت مصدر طمأنة للمحيط العام يفيد بإعطاء صورة عن وجود استقرار سياسي وحكومي، يتم التوصل إليه بعد مفاوضات بين مختلف الأطراف الراغبة في الدخول في ائتلاف.

تقاربات الأحزاب تبعث الروح في الكتلة الديمقراطية

منذ خروج حزب التقدم والاشتراكية قبيل التعديل الحكومي الذي تم في صيف 2019، بادر الحزب إلى محاولة التقارب مع مكون آخر في المعارضة حزب الاستقلال، وقد بدأت تظهر بوادر التقارب بين التقدم والاشتراكية وحزب الاستقلال، وهو التقارب الذي تجسد في لقاءات جمعت شبيبة الحزبين في مناسبات متفرقة كانت بعد انتخاب قيادة جديدة لشبيبة حزب الاستقلال، وقد اتفق شباب الحزبين على التنسيق في القضايا التي يناضل من أجلها الحزبان، وفي عدد من القضايا الأخرى.

بيان مشترك

حملت لقاءات الشبيبة هذه الرسالة لما سيأتي بعد ذلك من لقاءات بين قيادة الحزبين، توجت ببيان مشترك للأمانتين العامتين جدد حزبا الاستقلال والتقدم والاشتراكية دعوتهما لرئيس الحكومة إلى التعجيل بفتح ورش الإصلاحات السياسية والانتخابية، «في إطار الحوار والتشاور مع مختلف الفرقاء السياسيين»، لا سيما الإصلاحات المتعلقة بمراجعة المنظومة الانتخابية.

وذكر بلاغ مشترك للحزبين صدر عقب اجتماع مشترك عقد برئاسة الأمينين العامين، نزار بركة ومحمد نبيل بنعبد الله، أن قيادتي الحزبين دعتا مجددا، أيضا، إلى بلورة التدابير التي من شأنها إحداث انفراج سياسي والمساهمة في تدعيم وتقوية المشاركة السياسية، وكذا مراجعة القانون التنظيمي للأحزاب السياسية، إلى غير ذلك من الإصلاحات «التي من شأنها تثبيت الديمقراطية ببلادنا والقطع مع حالة التردد وانسداد الآفاق. وأكدت القيادتان، في الاجتماع الذي تم خلاله استعراض راهنية الوضع السياسي والتحديات المستقبلية المرتبطة بالمسار الديمقراطي بالمملكة، أنهما سيواصلان مساعيهما قصد إنضاج الشروط الكفيلة بإطلاق النقاش العمومي حول ورش الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، «بهدف تقوية وتوطيد الاختيار الديمقراطي ببلادنا، وفتح الآفاق التي تمكن من بلورة تعاقد سياسي واجتماعي جديد يكون بمثابة المدخل المفصلي لإرساء النموذج التنموي الجديد».

الشبيبة والقطاع النسائي

من جانب آخر وأمام دنو آجال الاستحقاقات الانتخابية لسنة 2021، باشر حزبا الاتحاد الاشتراكي والاستقلال تنسيقهما على مستويي الشبيبة والقطاع النسائي. كما رجحت مصادر اشتراكية إمكانية لقاء القيادات كما كان الشأن بالنسبة للقاء بركو وبنعبد الله، حيث يرتبط الأمر، حسب ما كشفته مصادر، بـ«التحضير للاستحقاقات المقبلة، والضغط من أجل إقرار قوانين انتخابية جديدة، يراهن فيها الحزبان على استعادة الأدوار الريادية؛ فيما يظل نقاش إحياء «الكتلة التاريخية» مطروحا، خصوصا أن الاستقلال بادر إلى الجلوس مع حزب التقدم والاشتراكية بدوره».

وسجلت مصادر اتحادية أن «اللقاءات بين الحزبين لم تكتس بعد طابعا رسميا، لكنها تتم بمباركة القيادات»، مسجلة أن القرار النهائي بخصوص الموضوع سيحسمه اجتماع المكتب السياسي لـ«حزب الوردة»، لكن المرجح توسيع دائرة اللقاءات بحكم التلاقي في مطلب «الإصلاحات السياسية». واعتبر إدريس لشكر، الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، أن «التنظيمين لا يخفيان التنسيق البيني، إذ تم الأمر فعلا بين الشبيبتين بمناسبة ذكرى تقديم وثيقة الاستقلال بمدينة تطوان»، مشيرا إلى أن «القطاعين النسائيين للحزبين التقيا بدورهما، وقد طرحا برنامجا سياسيا مشتركا»، مبينا أن «الاتحاد وجه نداء واضحا بشأن ضرورة القيام بإصلاحات سياسية على رأسها مدونة الانتخابات»، مشددا على أن «التحضير للاستحقاقات المقبلة يقتضي إجراءات عملية لمواجهة العزوف، وضمان النزاهة، وإيقاف مستغلي الدين والمال».

وأشار الكاتب الأول للاتحاديين إلى أن «الحوار مطلوب بين جميع السياسيين»، مؤكدا أن «حزب الاستقلال كان هو المبادر الأول الذي وجه رسالة إلى سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة»، ومثمنا اللقاء الذي جرى بين الاستقلاليين وحزب التقدم والاشتراكية، وزاد: «نحن بصدد حوار جدي بشأن الانتخابات المقبلة»، مشيرا إلى أن «ذلك سابق لأوانه، ولم يتحدث بشأنه الحزبان»، مؤكدا أن «المطلب الرئيسي في السياق الحالي هو القيام بإصلاحات سياسية».


إقرأ أيضا