عرقلة المصادقة على مشروع القانون الجنائي المعروض على لجنة العدل والتشريع بمجلس النواب منذ سنة 2016، بسبب الاعتراض على تجريم الإثراء غير المشروع لكبار الموظفين والمنتخبين، تؤكد أن أغلب السياسيين والبرلمانيين «فكرشهم العجينة»، وإلا لكانوا من السباقين لإخراج هذا القانون في أقرب الآجال، لأهميته في محاربة الرشوة والفساد والاغتناء من المناصب الإدارية والانتخابية. وهناك العديد من أمثال هؤلاء فضحتهم تقارير المجلس الأعلى للحسابات والمفتشية العامة للإدارة الترابية التابعة لوزارة الداخلية، لكن هذا القانون، وحتى لو خرج، سيخرج مشوها بعد إفراغه من مضمونه.
من مظاهر العبث السياسي وهدر المال العام في «الكلام الخاوي»، ما يعرفه البرلمان من نقاشات «بيزنطية» حول بعض المواضيع والقضايا، وفي الأخير ينتهي الأمر بالموافقة عليها كما وردت من الحكومة بدون تغيير أو تعديل يمس جوهرها. وسنكتفي بسرد بعض الحالات، حيث ظلت القوانين محتجزة داخل اللجان الدائمة المكلفة بالتشريع لما يزيد عن أربع سنوات، بعد افتعال «بلوكاج» لعرقلة تمريرها، بدعوى وجود خلافات حولها، كما وقع بخصوص القانون الجنائي، الذي استغرق أربع سنوات داخل لجنة العدل والتشريع، بسبب خلافات بين مكونات الأغلبية حول نقطتين بالأساس، وهما تقنين الإجهاض وتجريم الإثراء غير المشروع، وانتهى الأمر في الأخير بقبول الصيغة الأصلية للقانون كما وردت على البرلمان، قبل أن ينقلب حزب العدالة والتنمية على حلفائه، بسحب التعديل المقترح من طرف الأغلبية على المادة المتعلقة بتجريم الإثراء غير المشروع، ما أعاد القانون إلى نقطة الصفر، وبالتالي تكون أربع سنوات قد ضاعت من الزمن التشريعي بدون فائدة تذكر، ما عدا محاولة بعض الأطراف السياسية الركوب على قضايا حساسة لإثارة «البوز» الإعلامي، وخلق انقسام داخل المجتمع المغربي بين مؤيدين ومعارضين للقانون.
انقلاب «البيجيدي» على الأغلبية
بعد أربع سنوات من النقاش داخل لجنة العدل والتشريع، وبعد تأجيل وضع التعديلات عليه عدة مرات، توصلت فرق الأغلبية البرلمانية المساندة للحكومة إلى توافق حول التعديلات المقترحة على مشروع القانون الجنائي المعروض على لجنة العدل والتشريع بمجلس النواب، وذلك بعد «بلوكاج» شهدته اللجنة البرلمانية المختصة، بسبب بروز خلافات قوية حول بعض المواد، وخاصة تقنين الإجهاض وتجريم الإثراء غير المشروع، واكتفت فرق الأغلبية بتعديلات شكلية لم تمس جوهر المشروع المعروض على البرلمان.
لكن، خلال الأسابيع الأخيرة، وقعت تطورات قد تعصف بكل التوافقات التي حصلت بين فرق الأغلبية بالخصوص، عندما لوح وزير العدل الاتحادي، محمد بنعبد القادر، بسحب مشروع القانون من البرلمان، وإعادته إلى المجلس الحكومي، لإعادة دراسته من جديد، وبرر ذلك بكون القانون وضعته الحكومة السابقة، وأن الحكومة الحالية لم تطلع عليه. هذا التلويح رد عليه حزب العدالة والتنمية بالانقلاب على الأغلبية، وسحب التعديل 31 الذي تقدم به بمعية فرق الأغلبية بشأن مشروع قانون رقم 10.16 القاضي بتغيير وتتميم مجموعة القانون الجنائي، والإبقاء على الفرع 4 مكرر المتعلق بـ«الإثراء غير المشروع» كما جاءت به الحكومة في المشروع المذكور، مع تمسك الفريق ببقية التعديلات المقدمة آنفا بمعية فرق الأغلبية، ويتعلق الأمر بالتعديل الذي تقدمت به فرق الأغلبية، حول مواد الإثراء غير المشروع، حيث اقترحت ألا يخضع المعنيون للمحاسبة إلا بعد انتهاء مهامهم سواء الإدارية أو الانتدابية، وحصر مهمة المحاسبة في المجلس الأعلى للحسابات، والاقتصار في التصريح بالممتلكات بالنسبة للمعني وأبنائه فقط، دون الأخذ بعين الاعتبار الممتلكات المصرح بها قبل تولي المهمة الإدارية أو الانتدابية.
ومن بين الوسائل التي يمكن عن طريقها الكشف عن الإثراء غير المشروع، مراقبة ممتلكات الموظف العمومي ومراقبة ذمته المالية، عن طريق نظام التصريح بالممتلكات الذي يخضع له بعض الموظفين العموميين سواء كانوا معينين أو منتخبين، والذي يراقبه المجلس الأعلى للحسابات، وهو نظام أبان من الناحية العملية على أنه نظام غير فعال، كما جاء على لسان إدريس جطو، رئيس المجلس، نفسه، أمام البرلمان، عندما أكد أن تفعيل مقتضيات المنظومة القانونية المنظمة للتصريح بالممتلكات على أرض الواقع أبان عن بعض النقائص والعوائق القانونية والمادية التي تحد من فعاليتها، ومنها تشتت النصوص القانونية وعدم وضوحها، وتعدد المساطر والإجراءات لكل فئة من الفئات الملزمة بالتصريح، وتقاطع الهيئات المكلفة بالمراقبة والتتبع، إضافة إلى العدد الكبير للتصريحات المودعة، والتي تقدر بحوالي 100 ألف تصريح، الأمر الذي يجعل مراقبتها جميعها، شكلا ومضمونا، في ظل الوسائل المتاحة هدفا صعب المنال.
وأثار قرار سحب التعديل المقترح على القانون الجنائي، والمتعلق بتجريم الإثراء غير المشروع، بمبرر عدم التوافق حول التعديل، أزمة داخل الأغلبية، وحصلت «الأخبار» على وثيقة التعديلات تؤكد توقيع رئيس فريق حزب العدالة والتنمية، مصطفى الإبراهيمي، على التعديلات المقدمة لرئيس لجنة العدل والتشريع، وضمنها التعديل رقم 31 على المادة المتعلقة بتجريم الإثراء غير المشروع. وفي هذا الصدد، طالب أمام شقران، رئيس الفريق الاشتراكي بمجلس النواب، بعقد اجتماع طارئ للأغلبية، من أجل تدارس الموضوع، واتخاذ الموقف اللازم. وأكد شقران أن فرق الأغلبية توصلت إلى توافق حول التعديلات المقترحة، لكن «فوجئنا بقرار فريق العدالة والتنمية سحب تعديل من بين عشرات التعديلات المقترحة على القانون الجنائي»، وأضاف «كان يجب أن تجتمع الأغلبية قبل اتخاذ قرار السحب»، مشيرا إلى وجود «مزايدات وشعبوية في موضوع الإثراء غير المشروع». ويقترح الفريق الاشتراكي تعديلا شاملا للقانون الجنائي، ولذلك يطالب بعقد اجتماع للأغلبية لمناقشة الموضوع، وعدم التعامل بالانتقائية بما يخدم رهانات مرتبطة بالمحطة الانتخابية.
الرميد سحب العقوبات الحبسية
موضوع تجريم الإثراء غير المشروع أثار ضجة خلال الولاية الحكومية السابقة، أثناء عرض مشروع القانون الجنائي في اجتماع المجلس الحكومي من طرف وزير العدل والحريات السابق، مصطفى الرميد، حيث تراجع عما تضمنه القانون من عقوبات حول محاربة الفساد الإداري والمالي، ومنها تجريم الإثراء غير المشروع بالنسبة للموظفين والمنتخبين. وتم تعديل مادة مهمة في النسخة الأولى للمشروع، كانت تنص على أنه يعد مرتكبا لجريمة الإثراء غير المشروع، ويعاقب بالسجن من شهرين إلى سنتين وغرامة مالية من 5 آلاف إلى 50 ألف درهم، كل موظف عمومي، ثبت بعد توليه للوظيفة، أن ذمته المالية عرفت زيادة ملحوظة، وغير مبررة، مقارنة مع مصادر دخله المشروع، ولم يدل بما يثبت المصدر المشروع لتلك الزيادة، ويمكن في حالة الحكم بالإدانة، الحكم بمصادرة الممتلكات طبقا لمقتضيات الفصل 42 من القانون الجنائي، لكن الرميد استسلم للضغوطات وحذف العقوبات الحبسية من هذه المادة واكتفى بالغرامة، بالإضافة إلى تقليص فئة المعنيين بهذا القانون في فئة الموظفين الخاضعين للتصريح الإجباري بالممتلكات.
وتنص الصيغة الحالية المعروضة على البرلمان على أنه «يعد مرتكبا لجريمة الإثراء غير المشروع، ويعاقب بغرامة من 100 ألف إلى مليون درهم كل شخص ملزم بالتصريح الإجباري بالممتلكات طبقا للتشريع الجاري به العمل، ثبت بعد توليه للوظيفة أو المهمة أن ذمته المالية، أو ذمة أولاده القاصرين الخاضعين للتصريح عرفت زيادة كبيرة وغير مبررة انطلاقا من التصريح الذي أودعه المعني بالأمر بعد صدور هذا القانون، مقارنة مع مصادر دخله المشروعة، ولم يدل بما يثبت المصدر المشروع لتلك الزيادة، ويجب في حالة الحكم بالإدانة مصادرة الأموال غير المبررة طبقا للفصل 42 من نفس القانون، والتصريح بعدم الأهلية لمزاولة جميع الوظائف أو المهام العمومية».
وتقترح مكونات الأغلبية، من خلال التعديلات المقترحة، منح الصلاحيات للمجلس الأعلى للحسابات لكي يثبت تجاوز ما تم التصريح به بعد نهاية المهمة وليس أثناءها، ويجب أن تكون المقارنة مع ما صرح به من دخل انطلاقا من التصريح بالممتلكات الذي أودع المعني بالأمر، وليس مصادر دخله، رغم أن التصريح بالممتلكات بدوره تشوبه ثغرات ونقائص، ومنذ الشروع بالعمل به لم نسمع بأي وزير أو برلماني أو رئيس جماعة تمت محاسبته على تضخم ثروته. وعلى نفس النهج، يقترح فريق الأصالة والمعاصرة ومعه مجموعة حزب التقدم والاشتراكية، أن لا تتم المتابعة إلا بناء على تقرير معد من قبل المجلس الأعلى للحسابات في حق الشخص المعني بالأمر.
وتثير هذه التعديلات الكثير من الغموض، لأن المغرب اعتمد قانون التصريح الإجباري بالممتلكات منذ سنة 2010، لكن هذا القانون تشوبه العديد من النقائص والثغرات التي تجعل مهمة تتبع ثروات الملزمين بالتصاريح غير ذات جدوى، أمام استغلال المعنيين لهذه النقائص في التحايل على القانون، بتسجيل ممتلكاتهم في أسماء زوجاتهم وأبنائهم، في حين يتملص البعض الآخر من التصريح بالممتلكات، أمام الصعوبات التي تواجه المجلس الأعلى للحسابات في دراسة كل الملفات المعروضة عليه.
أما الفريق الاستقلالي، فقد طالب بالتنصيص على عقوبات حبسية في القانون، واقترح الفريق معاقبة مرتكبي جريمة الإثراء غير المشروع، بالسجن من خمس إلى عشر سنوات وبغرامة من 100.000 درهم إلى 1.000.000 درهم، كل شخص كيفما كانت صفته، يعهد إليه في حدود معينة بمباشرة وظيفة أو مهمة ولو مؤقتة بأجر أو بدون أجر ويساهم بذلك في خدمة الدولة أو المصالح العمومية أو الهيئات البلدية أو المؤسسات العمومية أو مصلحة ذات نفع، ثبت بعد توليه للوظيفة أو المهمة أن ذمته المالية أو ذمة أولاده القاصرين الخاضعين للتصريح عرفت زيادة ملحوظة، وغير مبررة، مقارنة مع مصادر دخله المشروع، ولم يدل بما يثبت المصدر المشروع لتلك الزيادة، يقترح الفريق توسيع نطاق الموظفين العموميين المعنيين بهذا الفصل من الملزمين بالتصريح إلى الموظف العمومي وفق تعريف الفصل 224 من مجموعة القانون الجنائي، والحكم بالعقوبة السالبة للحرية إسوة بجرائم الرشوة والحصول على منفعة غير مستحقة من استغلال الوظيفة المنصوص عليها في الفصل 245-1، وكذلك تماشيا مع توصيات الاتفاقية الأممية لمكافحة الفساد والقانون المقارن، خاصة الفرنسي.
مطالب بالعقوبات الحبسية
تطالب منظمات مدنية تهتم بمحاربة الرشوة وحماية المال العام، بتضمين القانون لعقوبات حبسية لمواجهة جرائم الرشوة الإثراء غير المشروع، حيث وجهت الجمعية المغربية لمحاربة الرشوة «ترانسبرانسي المغرب» رسالة إلى أعضاء مجلس النواب، قدمت من خلالها موقفها بشأن مقتضيات المشروع المتعلقة بالإثراء غير المشروع. واعتبرت الجمعية أن «تجريم الإثراء غير المشروع أضحى ضرورة ملحّة»، مشيرة إلى أنه «لم يعد من المقبول في بلد تفشت فيه الرشوة وتبذير المال العام بشكل مزمن ونسقي، أن يظل الاغتناء غير المشروع للموظفين وباقي المؤتمنين على تدبير الشأن العام، بدون ردع جنائي». وأوضحت الجمعية أنه لا يمكن تجريم الإثراء غير المشروع إلا في إطار المبادئ الأساسية التي ينص عليها القانون، من خلالها يتم تحديد الأركان المكونة لجريمة الإثراء غير المشروع، وعبء الإثبات، معتبرة أن الاعتماد على تتبع ومراقبة الذمة المالية الوسيلة الأكثر ملاءمة وتوازنا لضمان قرينة البراءة والتحلي بالموضوعية من أجل تحريك الدعوى العمومية وإنفاذ القانون.
وأكدت الجمعية على ضرورة التمسك بالعقوبة السالبة للحرية، اعتبارا لطابعها الردعي في مواجهة ظاهرة الرشوة والإثراء غير المشروع، على أن تقترن جميع العقوبات الجنائية بمصادرة الممتلكات المكتسبة بصفة غير شرعية، واعتبرت أن الترابط القوي بين مراقبة الذمة المالية والوقاية من الإثراء غير المشروع، يستلزم إصلاح النظام الحالي للتصريح بالممتلكات ومراقبة تطبيقه والمعاقبة على عدم احترامه الفصل 262 مكرر. وطالبت الجمعية النواب بالعمل على تعديل الفصل 256.8 من مشروع القانون الجنائي، وذلك بإعادة التنصيص على العقوبة السجنية، وربطها بمصادرة الممتلكات الناتجة عن اختلاس المال العام، في اتجاه ضمان فعالية أكبر، ومراجعة عقوبة عدم التصريح بالممتلكات، موضوع الفصل 262 مكرر وتشديدها.
وبدورها، وجهت الشبكة المغربية لحماية المال العام، مذكرة إلى مجلس النواب، بخصوص تجريم الإثراء غير المشروع، واعتبرت رفض بعض الفرق النيابية مبدأ العقوبات الحبسية والاكتفاء بالغرامات المالية في الشق المتعلق بالإثراء غير المشروع، كما جاءت في المشروع باستثناء أحد فرق المعارضة، في إشارة إلى حزب الاستقلال، (اعتبرته) مؤشرا مقلقا وخطيرا من ممثلي الأمة وتكريسا لاستمرار غياب الإرادة السياسية الحقيقية لمكافحة الفساد والإفلات من العقاب أمام استفحال هذه الظاهرة، ومخالفة للبرنامج الحكومي في محوره الثاني المتعلق بتعزيز قيم النزاهة والعمل على إصلاح الإدارة وترسيخ الحكامة الجيدة، وكذا مع المبدأ الدستوري القاضي بربط المسؤولية بالمحاسبة.
وطالبت الشبكة بـ"تضمين العقوبات الحبسية في تعديلاتكم المقدمة حول المشروع، معتبرين ذلك آلية أساسية للزجر والردع ضد كل ناهبي المال العام ممن يتحملون أمانة تسييره وغيرهم من الموظفين أو المسؤولين العموميين الذين يستغلون وظائفهم أو مراكزهم للعمل على ضرب مبادئ النزاهة وتكافؤ الفرص أو المساهمة في تسريب المعلومات في إطار «جريمة العارف». كما طالبت بالتشديد على حرمان المدانين بأحكام قضائية من ممارسة جميع الوظائف أو المهام بصفة نهائية، عكس منطوق المادة 86 من القانون الجنائي التي حددت الحرمان في أقل من 10 سنوات، حيث "إننا نعتبر جرائم النهب الكبرى ترقى إلى جرائم دولة لا تسقط بالتقادم، لما لها من انعكاسات خطيرة في رهن مصير ومستقبل أجيال بكاملها وضرب لأسس التنمية الاقتصادية والاجتماعية"، ودعت المؤسسة التشريعية إلى العمل مستقبلا على إعداد مدونة جامعة وشاملة لمكافحة الفساد تستمد توجهاتها من الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد وكل القوانين الدولية والوطنية ذات الصلة.
تبادل الاتهامات بين مكونات الأغلبية حول عرقلة القانون الجنائي
بعد قرار فريق حزب العدالة والتنمية الانقلاب على الأغلبية الحكومية، وسحب تعديلاته على القانون الجنائي، بدأت توجه إليه أصابع الاتهام بخصوص عرقلة مسطرة المصادقة على القانون الجنائي، على غرار «سيناريو» قانون التعليم، بعد رفضه تدريس المواد العلمية باللغة الفرنسية، وفي الأخير وافق على القانون.
نقاشات هامشية
قال فتح الله الرمضاني، عضو شبيبة الاتحاد الاشتراكي ومستشار وزير العدل، إن الحزب القائد للائتلاف الحكومي دائما ما ينقلب على توافقاته واتفاقاته مع باقي مكونات هذا الائتلاف، حيث انقلب على توافقه معها بخصوص القانون الإطار المتعلق بالتربية والتكوين، وانخرط في حملة لحشد الدعم ضده، من خلال إثارة نقاشات هامشية حوله، كما انقلب اليوم من خلال فريقه بمجلس النواب، على توافقه مع الفرق النيابية لباقي مكونات الأغلبية الحكومية، في ما يتعلق بإدراج تعديلات على مشروع القانون الجنائي، وهو ما تثبته رسالة موقعة من طرف رؤساء فرق الأحزاب المشكلة للأغلبية الحكومية، بما فيها رئيس فريق العدالة والتنمية، سبق أن نشرت على صفحات إحدى الجرائد اليومية، وهو ما يعني أن مساعي فرق الأغلبية الرامية إلى الوصول إلى توافق بخصوص تعديلات مشتركة على مشروع القانون الجنائي قد كللت بالنجاح فعلا، على عكس تصريحات رئيس وبعض أعضاء فريق العدالة والتنمية، التي أعلنوا فيها عن عجز فرق الأغلبية عن الوصول إلى توافق بخصوص الموضوع المعني، وعن تقدمهم بشكل منفرد بتعديل استدراكي خارج الآجال المنصوص عليها قانونيا.
واعتبر الرمضاني أن «التوقيع الجماعي لا يعني غير حصول توافق بين الفرق النيابية للأحزاب المشكلة للأغلبية الحكومية، لنكون للأسف أمام عملية انقلابية طافحة بالخشونة من طرف فريق الحزب القائد للأغلبية، وأمام حملة غير سليمة، عنوانها الاستعمال الفج للخشونة في اللعبة السياسية، المحكومة في الأصل بقواعد وأخلاقيات، ما يعكس الخصاص المهول في التوافق عند الحزب الذي يقود الحكومة اليوم»، وأضاف «فالمعلوم أن الحزب الذي يقود ائتلافا حكوميا، يجب أن يكون قدوة في التجميع وفي البحث عن التسويات والتوافقات، وينبغي أن يكون حريصا في بحثه عن القواسم المشتركة الدنيا بين مكونات الائتلاف الذي يقوده»
تأخر غير طبيعي
خلافا لذلك، أكدت آمنة ماء العينين، عضو فريق العدالة والتنمية بمجلس النواب، أن مشروع القانون الجنائي تأخر بطريقة غير طبيعية، مضيفة أن «من يوقف مشروع القانون الجنائي اليوم هم الأشخاص الذين لديهم تخوفات منه»، وشددت ماء العينين، في مداخلة لها على هامش مشاركتها في حلقة «كافي بوليتيكو» التي تنظمها جمعية سمسم بشراكة مع المعهد المغربي لتحليل السياسات، على أن فريق العدالة والتنمية بمجلس النواب من الذين يدفعون منذ البداية بالإفراج عن هذا القانون، وليس لديه أي تخوف من إخراجه
إلى حيز الوجود، وأردفت أن العدالة والتنمية ليس عنده علاقة بعرقلة مشروع القانون الجنائي.
وأضافت أن فريق العدالة والتنمية يقول إما أن نصادق عليه كما جاءت به الحكومة أو نتجه إلى تعديله، إذن الفريق غير متخوف ويطالب اليوم بالإفراج عنه، ولكن هناك أطراف تعرقل الأمر، ويجب على الكل أن يتحمل مسؤوليته السياسية من أجل إخراج القانون». وتابعت ماء العينين أن «الأمر لا يتعلق بالنقاش حول الحريات الفردية، سواء في الولاية السابقة أو هذه الولاية، وإنما يتعلق الأمر بمقتضيات حول الإثراء غير المشروع»، مردفة: «عمليا الذي أوقف عملية التعديلات هو مقتضيات الإثراء غير المشروع». وأبرزت ماء العينين أن مشروع القانون الجنائي يتضمن أشياء إيجابية تتعلق بالعقوبات البديلة، والملاءمة مع الاتفاقيات الدولية في ما يتعلق بالاختفاء القسري، والإجهاض، وما يتعلق بالاعتداءات الجنسية على الأطفال، سواء على مستوى العقوبات أو الضمانات.
الرميد تخلى عن التعديل الشامل للقانون الجنائي واكتفى بتعديلات جزئية
تخلى مصطفى الرميد، عندما كان وزيرا للعدل والحريات في الحكومة السابقة، عن أهم ورش في الإصلاح العميق لمنظومة العدالة، ويتعلق الأمر بإصلاح القانون الجنائي والمسطرة الجنائية، واكتفى بوضع مشروع قانون يهدف إلى إدخال بعض التعديلات على القانون الجنائي الحالي، عوض المسودة الشاملة التي وضعها قبل أزيد من سنة، وأثارت الكثير من النقاشات ونظمت حولها العديد من الندوات.
وبرر الرميد آنذاك، تخليه عن مسودة التعديل الشامل للقانون الجنائي والمسطرة الجنائية، بضيق الوقت التشريعي، خاصة أن الدورة التشريعية لمجلس النواب كانت تقترب من نهايتها، لكنه بالمقابل قدم تعديلات قبل انطلاق الحملة الانتخابية الخاصة بالاستحقاقات التشريعية التي جرت خلال سنة 2016، حول تجريم الإثراء غير المشروع، ومصادرة أموال الموظفين المتورطين في ملفات الفساد المالي، وذلك بعد الانتقادات الموجهة لحزب العدالة والتنمية، واتهامه بتخليه عن شعار «محاربة الفساد» الذي استعمله في حملة الانتخابات التشريعية السابقة ووصل على ظهره إلى قيادة الحكومة الحالية.
وقبل عرض التعديلات المقترحة على القانون الجنائي، دشن رئيس الحكومة السابق، عبد الإله بنكيران، حملة انتخابية سابقة لأوانها رفقة الرميد، عندما استعرض حصيلته على رأس وزارة العدل والحريات، وحديثه عن شعار «محاربة الفساد» من خلال التنصيص على تجريم الإثراء غير المشروع ضمن تعديلات القانون الجنائي، باعتبار أنه يعد مرتكبا لجريمة الإثراء غير المشروع، ويعاقب بالسجن من شهرين إلى سنتين وغرامة مالية من 5 آلاف إلى 50 ألف درهم، كل موظف عمومي، ثبت بعد توليه للوظيفة، أن ذمته المالية عرفت زيادة ملحوظة، وغير مبررة، مقارنة مع مصادر دخله المشروع، ولم يدل بما يثبت المصدر المشروع لتلك الزيادة.
وخلال مناقشة مسودة تعديل القانون الجنائي بالمجلس الحكومي، أثارت مادة تجريم الإثراء غير المشروع في مسودة القانون الجنائي، الكثير من التخوفات في أوساط مؤسسات دستورية، ومنها الهيئة المركزية لمحاربة الرشوة، التي اقترحت إحداث هيئة قضائية مستقلة تتصف بالحياد توكل لها مهمة التحقيق في جرائم الإثراء غير المشروع، وسط تخوفات مما قد يشكله هذا التنصيص من مس بالمبادئ الأساسية التي يتضمنها القانون الجنائي والدستور المغربي خاصة فيما يتعلق باحترام قرينة البراءة وشرعية التجريم والعقاب، بالإضافة إلى تخوفات من توظيفها سياسيا للإيقاع بالخصوم، ويتحول تجريم الإثراء غير المشروع إلى محاربة الخصوم السياسيين، خاصة أن نظام مراقبة ممتلكات الموظف العمومي ومراقبة ذمته المالية، عن طريق نظام التصريح بالممتلكات الذي يخضع له بعض الموظفين العموميين سواء كانوا معينين أو منتخبين، تشوبه بعض النقائص والعوائق القانونية والمادية التي تحد من فعاليتها، كما أكد ذلك إدريس جطو الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات، ومنها تشتت النصوص القانونية وعدم وضوحها، وتعدد المساطر والإجراءات لكل فئة من الفئات الملزمة بالتصريح، وتقاطع الهيئات المكلفة بالمراقبة والتتبع.
وزير العدل يتهم «البيجيدي» بممارسة الشعبوية والتضليل
بعدما اتهم حزب العدالة والتنمية بممارسة التضليل، بعد سحبه لتعديل مقترح على القانون الجنائي يتعلق بتجريم الإثراء غير المشروع، اعتبر محمد بنعبد القادر، وزير العدل، أن اختزال النقاش حول القانون الجنائي في 83 مادة، والتركيز على «الإثراء غير المشروع»، يدخل في الشعبوية الجنائية.
منظومة عدالة ببصمات حداثية
خلال ندوة نظمها حزب الاتحاد الاشتراكي حول «إصلاح منظومة العدالة»، أوضح بنعبد القادر أن ورش إصلاح منظومة العدالة مقبل على نفس جديد ببصمات حداثية، مؤكدا على مراجعة النصوص القانونية بنفس حداثي، ومعتبرا أن العدل شأن محض للدولة لا يمكن أن يندرج فيه الارتجال والسياسوية الضيقة والحسابات الانتخابوية. وأشار الوزير إلى أن انتقاء هذه المواد دون غيرها سنة 2016 جاء في سياق انتخابي، مؤكدا أنه لا يمكنه أن يذهب إلى لجنة العدل والتشريع ويبدأ بقبول ورفض بعض التعديلات الجزئية التي لم يضعها ولم يفكر فيها، بل جاءت بها الحكومة السابقة. وأكد بنعبد القادر أن سبب الاستعجال في إصدار مشروع القانون الجنائي هو أننا على مشارف الانتخابات، لافتا إلى أن الشعبويين، في ظروف الأزمات والعنف، لا يهتمون بفعالية السياسة الجنائية، بل بفعالية صناديق الاقتراع، ويستثمرون في خوف الناس، كما وقع مع ساركوزي، لكن تبين أن هذه السياسة الشعبوية الجنائية لا تحقق أي نجاعة، بل فقط تجلب الأصوات.
وقال بنعبد القادر، في وقت سابق، إن ربط تعثر مشروع القانون الجنائي بالخلاف حول مادة من مواده، ليس فقط اختزالا للموضوع، بل هو «تضليل للرأي العام وافتعال حالة سياسية مصطنعة لرهانات غير معلنة»، مبرزا أن القول بأن تأخر أو تعثر مشروع قانون تعديلي يهم حوالي 80 مادة راجع إلى (مادة) الإثراء غير المشروع، يعد ضغطا وتشويشا على النقاش وتنميطا للتعبير عن وجهة النظر، إذ إن ما أثير حول المشروع يفتقد إلى الدقة وأحيانا كان فيه الكثير من الإثارة والاختزالية، معتبرا أن هذا الاختزال في التعاطي مع المشروع لن يسهم في إخراج هذا القانون إلى حيز الوجود.
وأشار وزير العدل إلى أن الحكومة الحالية التي عرفت عدة تعديلات، في كثير من المحطات، وأصبحت حكومة متجددة بعدما تم تعيينها من طرف الملك محمد السادس في 5 أبريل 2017، لم تطلع لحد الآن على هذا المشروع ولم تحط به علما، ولم يسبق لها أن ناقشت هذا القانون نهائيا منذ تعيينها، وسيكون من باب العبث وعدم احترام المؤسسات، يقول بنعبد القادر، أن يذهب وزير العدل إلى لجنة العدل والتشريع وينخرط في التفاعل بالرفض أو القبول مع التعديلات، دون أن يعود إلى الحكومة، مؤكدا أن الوزير القطاعي عندما يصل إلى مرحلة إدراج التعديلات والمصادقة عليها، فهو يقوم بذلك باسم الحكومة وما يقرره في الجلسة ملزم للحكومة.
واعتبر الوزير أن انتقاء 80 مادة من أصل 600 يتضمنها القانون الجنائي، «يستند على معايير وأولويات، وهذه الحكومة من حقها الاطلاع على هذه المعايير وإبداء الرأي بشأن المواد التي شملها التعديل في الحكومة السابقة، إما بالقول براهنيتها أو العكس، بالمطالبة بإدراج تعديلات على مواد أخرى، وبالتالي تقديم مشروع قانون جنائي متكامل في كل مواده»، مذكرا بأن الأمر يتطلب وقتا لأن الغاية ليست التشريع بل إخراج قانون يجمع بين الجودة والجدوى.
وأضاف بنعبد القادر أنه، بالنظر إلى خطورة هذا القانون المجتمعي الشامل، يتعين أن تأخذ الحكومة الوقت الكافي لمناقشته من أجل تقديم مشروع متكامل وفق مقاربة شمولية ودستورية ومجتمعية تشاركية، تراعي التطور الذي شهده المجتمع المغربي ومطالب الحركة الحقوقية.
التزامات دولية حول السياسة الجنائية
يرى بنعبد القادر أن المجتمع المغربي والمؤسسات عرفا تطورا، وأن الدولة المغربية انخرطت في التزامات دولية كثيرة تخص السياسة الجنائية، على غرار محاربة الإرهاب والجريمة المنظمة، والاتجار في البشر وتبييض الأموال، والهجرة غير الشرعية وحقوق الإنسان، ما يفرض على السلطة التنفيذية التساؤل عن مدى توفر المغرب على سياسة جنائية وعن خياراتها وأولوياتها وخلفياتها المرجعية، من أجل القطع مع المقاربة التجزيئية التي تقوم على إدخال بعض التعديلات، حسب الظرفية، على قانون جنائي يعود إلى بداية الستينيات وتجاوزته ستة دساتير.
وشدد بنعبد القادر، في هذا السياق، على ضرورة أن يتوفر المغرب على سياسة جنائية واضحة، إذ لا يمكن الحديث عن جانب الحريات ومحاربة الفساد والإجهاض، وتعزيز النزاهة في المرفق العام ومحاربة الجريمة، في غياب رؤية متكاملة ومنسجمة، معتبرا أن النظام العام في المجتمعات المعاصرة والفكر الجنائي العصري يكون مكتوبا وليس مجرد «استيهامات عقائدية» لهذا الطرف أو ذاك، أو إسقاطات على نسق قيمي معين.
وسجل الوزير أن القانون الجنائي، الذي يأتي في المرتبة الثانية بعد الدستور من حيث الأهمية، يخضع لتعديل جزئي ويستمر بذلك في المنظور التجزيئي، علما أنه قانون يهم القاعدة المعيارية لحفظ النظام العام والوظائف السيادية للدولة في حماية الأمن وترتيب العقوبات ومحاربة الجريمة، ويمس المجتمع والأفراد والحريات والحقوق والأمن العام، مؤكدا أنه «لا يمكن أن نفرض فيه وجهة نظر معينة إلا بعد نقاش وتوافق من أجل تحديد المنطلقات والمرجعيات».
الاستقلال يتهم الأغلبية بعرقلة تجريم الإثراء غير المشروع
حمل حزب الاستقلال الأغلبية الحكومية مسؤولية «بلوكاج» تعديلات القانون الجنائي، وقال نزار بركة، الأمين العام لحزب الاستقلال، إن عدم مصادقة الحكومة على مشروع القانون الجنائي، بالرغم من إيداع التعديلات من طرف الأغلبية والمعارضة، «يبرهن على وجود تعطيل ممنهج لهذا القانون من طرف الأغلبية الحكومية»، مضيفا أنه «بعد فتح الباب أمام الفرق البرلمانية لتقديم التعديلات حول مشروع القانون الجنائي شهر يناير الفائت، بعدما بقي على رفوف مجلس النواب لأكثر من أربع سنوات، استبشرنا خيرا به»، قبل أن يضيف «لكن عدم المصادقة على هذا القانون يبرهن أن هناك تعطيلا ممنهجا له من طرف الأغلبية الحكومية، التي ما زالت تعاني من الصراعات الداخلية»، حسب بركة الذي أشار إلى أن «البلوكاج» الذي يتعرض له مشروع القانون الجنائي «يبرهن على عدم وجود نية لتخليق الحياة العامة في البلاد»، بالإضافة إلى أن هناك «إشكالية كبرى متعلقة بالانسجام داخل الحكومة».
في السياق ذاته، قال بركة خلال استضافته في أحد البرامج التلفزية إن حزبه قدم تعديلا في مشروع تعديل القانون الجنائي، لتجريم الإثراء غير المشروع، وإدراج العقوبات الحبسية، منتقدا الصيغة الحكومية لتجريم الإثراء غير المشروع، التي قال إنها «اكتفت بالتنصيص على الغرامات، دون إدراج عقوبة سالبة للحرية في حق المدانين بالإثراء غير المشروع»، وقال إن «الحكومة اعتبرت أن من يختلس الملايير يمكن أن يؤدي مائة ألف درهم، قلنا لا يعقل أن من يأخذ رشوة بمائة درهم يدخل السجن لستة أشهر، ومن يختلس الملايير لا يدخل السجن»، مشيرا إلى وصفه بالإشكالات الحقيقية داخل الحكومة، ومكونات الأغلبية، التي برزت من خلال ما يعرفه مشروع تعديل القانون الجنائي داخل البرلمان، حيث «أتت الحكومة بنص ثم تعديل أتت به كل المكونات، ثم سحب العدالة والتنمية توقيعه».
من جانبه، قال نور الدين مضيان، رئيس الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية بمجلس النواب، إن الأمل الذي كان معقودا منذ مدة هو العمل على إخراج واعتماد مدونة جديدة خاصة بالمنظومة الجنائية، لكن الحكومة تسعى دائما إلى اعتماد سياسة الترقيع والتعديل، الشيء الذي جعلها تقتصر على إدخال تعديلات على القانون الجنائي الحالي عوض تغيير جذري لهذا القانون.
وأضاف مضيان أن الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية كان السباق إلى اقتراح تعديلات جوهرية، خاصة في ما يتعلق بالإثراء غير المشروع، وفي مسألة ربط المسؤولية بالمحاسبة والقضاء على الفساد. وأكد رئيس الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية، أنه من المفروض على الحكومة الخروج من عادتها القديمة المتمثلة في اعتمادها سياسة الترميم والترقيع، والتفكير في قانون جديد يراعي السياق الوطني والجهوي والدولي، وذلك بالنظر إلى المقتضيات الدستورية المتطورة التي جاء بها دستور 2011 والعهود والمواثيق الدولية المتعلقة بالقضايا الجنائية على المستوى العالمي، وقال مضيان إن القانون الجنائي المغربي الحالي أصبح متجاوزا، وعلى الحكومة التحرر من سياسة «الروتوشات»، موضحا أنها بهذا الأسلوب تجعل من كل القوانين لا قيمة لها. وأن «البلوكاج» الذي يعرفه مشروع القانون الجنائي، الحكومة هي التي تكرسه بسبب الخلاف بين مكوناتها، ذلك الاختلاف ينتقل عادة إلى الأغلبية البرلمانية.